جون الكبير .. لن يرحل ..!!

..!!

قبل الأوان رحل .. لكن احلامه لن ترحل ..الدكتور جون قرنق الذي قبل أن يستريح من وجع الحرب، عاجله القدر وأراحه من كدر السلام.. و بقدر ما كان بطلاً في نظر الجنوبيين وهو يخوض حربه الطويلة .. صار بطلاً في نظر الشماليين وهو يعدو في ماراثون السلام الطويل ليبلغه أخيرا ..

وتطاول أمل السودانيين فيه .. الشماليون قبل الجنوبيون وماعاد الدكتور جون قرنق قائدا للحركة الشعبية وحدها، بل كل السودان الذي بات يتطلع للاستقرار السياسي والتنمية وحلم اللحاق بما مضى من عمر السودان المهدر في الصراع والخراب ..

ولئن مضى جون قرنق قبل أن يرى السودان المجيد الذي كان يحلم به، فالعزاء في أنه خلف وراءه رؤية وفكرة ومجموعات من زملائه القادة القادرين على المضى قدما بالسفينة الى غاياتها .. فالحركة الشعبية مزدحمة بالقياديين المستنيرين الذين تربوا على نهج الدكتور جون قرنق وهم في كامل لياقتهم السياسية التي تمكنهم من الاندفاع الي سدة القيادة والإمساك بالمقود بكل قوة ورشد ..

ولا أدل على ذلك من القوة التي ظهرت بها السيدة ربيكا قرنق . المرأة الحديدية التي في أشق ساعات الفراق، ما نطقت الا بحصافة العقل السياسي الذي ينظر أبعد من الدائرة الضيقة .. كانت ربيكا تتحدث لتلفزيون السودان بكل رجاحة عقل و تراهن على أهداف جون قرنق وأحلامه .. وتقول أن المكافأة الوحيدة التي يمكن أن يقدمها شعب السودان للفقيد الكبير جون قرنق أن يعض بالنواجز على الآمال العريضة التي عاش ومات لأجلها ..

وفي مثل هذه اللحظات القاتمة لا يجب ان يهرب العقل .. الذين اندفعوا الى الشوراع أمس، يحرقون ويقتلون ويخربون، ليسوا جنوبيين .. بل هم من الفوضويين الذين يبحثون عن غفلة القانون والرقيب ليعثوا في الأرض فسادا .. هم فوضويون بلا بطاقة هوية، الا النفس الأمارة بالسوء . فهم من كل جهات السودان .. ومن الحكمة أن لا نرمى بها الجنوبيين وحدهم ..فالغالبية الكاسحة من أبناء الجنوب صبروا على الألم وكانوا يدركون أن الموت لا راد له بالسخط أو الرضاء ..

يجب أن نحاصر نار الفتنة في أضيق ركن .. النار عندما تندلع لا تفرق بين صالح وطالح .. بين فاعل أو مفعول به .. بين مذنب او بريء .. ولن تنطفيء نار الفتنة الا اذا صرنا كلنا رجال مطافيء .. بالفعل الراشد والكلمة الطيبة ..

الفتنة نائمة لعن الله من يوقظها .. وألعن منه، من يركض بها بين الناس ..

سيظل جون قرنق في تاريخ السودان بطلا قوميا أحبه الشعب كله في الشمال والجنوب معا .. وهو لا يستحق أقل من أن نتعاهد على مواصلة طريقه بكل صبر .. مهما كانت المحن والفتن ..

تعازينا الكبيرة لنا ولشعبنا ولأسرة الفقيد الكبير، زوجه وأولاده ورفاق دربه في الحركة الشعبية والحكومة السودانية

عثمان ميرغني
الراي العام )