لا حاجـة لـها بـه

لا حاجـة لـها بـه


07-26-2005, 03:36 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=80&msg=1122345365&rn=0


Post: #1
Title: لا حاجـة لـها بـه
Author: ودقاسم
Date: 07-26-2005, 03:36 AM

هذه المعدية تتردد بين ضفتي النهر طيلة النهار وجزءا من الليل . كلما انحشرت داخلها خُيّل إلي أنها تنحدر من صلب تلك السفينة التي حافظت على نسلنا من الانقراض ، فهي تحمل من كل نوع أزواجا وفرادى . وكلما ازدادت حمولتها وجدتها تتسع للمزيد . والناس هنا لا يفترون من عبور النهر ، جيئة وذهابا ، وأنت في منتصف النهر تلاحظ باستمرار أن هناك من ينتظر على الضفتين ، وكأن القوم يخرجون من باطن الأرض ، أو كأنهم يتواصون ، ويتناوبون ، فلا ينقطع سيلهم حتى ينتصف الليل وتهجد المعدية فوق سطح الماء وتظل مربوطة إلى شجرة الحراز الضخمة على الشاطئ المقابل للمدينة حتى فجر اليوم التالي ..
هيكلية الإركاب في المعدية لا تتبدل ، فالقائد ( الريّس ) يجلس أعلاها في مقصورة القيادة ، وأمام السقالة مباشرة يرص الفلاحون سلال الخضار ، وجوالات الغلال ، وإلى الجانبين يربط البعض دراجاتهم ويجلس الشباب مستمتعين برذاذ النهر ، والمواشي والدواب تقف خافضة رؤوسها إلى أرضية المعدية .. والنساء ، والأطفال ، وكبار الشخصيات يجلسون فوق الكنبات التي تظلها مقصورة ( الريس ).
الطريق ينحدر بك إلى داخل المدينة ، فتنزل وخطاك مسرعة دون ما اختيار منك ، ويصادفك القادمون تعلو أنفاسهم وتهبط وكأنهم يصعدون تلا ، فترى الرجال يستعينون على الصعود بإحناء ظهورهم ، والنساء يستعن عليه بإبراز صدورهن ، ثم يسألك بعضهم إن كان سيلحق بالمعدية أم لا ، وهم عجلون لا ينتظرون ردا منك .
( الريس ) يعرف تماما موعد عبور الفئات المختلفة من مستخدمي المعدية ، فبائعو اللبن أولا ، يليهم بائعو الخضار ، ثم الطلاب والموظفون . وعند الضحى تكون المعدية وكأنها مخصصة لربات البيوت اللاتي يتوجهن إلى السوق لشراء احتياجات البيت والطبخ ، وبعض هؤلاء النسوة يخرجن إلى المعدية لمجرد النزهة والأنس . وإن تجلس إلى ( الريّس ) فإنك ستستمع دون ملل إلى حكاياته عن رحلات الضحى التي تفوح بعبق بخور الطلح والصندل ، وتفيض بلوحات الحناء ، وألوان الثياب الزاهية . كل يوم حكاية جديدة إضافة للحكاية القديمة أصلا . الريس ينتظر هذه الفترة كل يوم منذ شهرين ، ينزل ويجلس في الركن الأيمن من المعدية ، على الكنبة تحت ظل المقصورة ، فتأتيه امرأة بدت لي كالفراشة ، رشيقة ، ملونة ، وخفيفة الحركة ، فتجلس إلى جانبه . يتجاذبان أطراف الحديث همسا ، ويظلان على هذا الحال فترة حتى تمتلئ المعدية بركابها ، وفي هذا الوقت يبطئ الركاب قليلا فتنتظر المعدية على الشاطئ وقتا أطول . ثم لا يصعد الريس إلى مقصورة القيادة ، بل يتركها لمساعده . ويواصل الريس أنسه مع المرأة الفراشة ، والمعدية تشق طريقها بعرض النهر . ثم يتكرر المنظر لرحلتين أو ثلاث ، فلا الريس يصعد إلى مقصورة القيادة ، ولا المرأة الفراشة تترك المعدية إلى السوق أو المدينة ... وتبدأ فئات الرائحين في العودة ، وأواني اللبن تعود فارغة ، وكذا سلال الخضار ، والطلاب أنهكهم الدرس ، والموظفون يفكرون بوجبة الغداء .
النساء من فئة ربات البيوت لا يتركن الكنبة للريس والمرأة الفراشة لينفردا بها ، بل يشاركنهم الجلسة ، وأحيانا يجلس الجميع وكأنهم في حلقة أنس واحدة ، يتجاذبون أطراف الحديث ويتبادلون الضحكات . والريس أعلاهم صوتا ، وأكثرهم حديثا . وعندما تبدأ فئات الرائحين في العودة يصعد الريس إلى مقصورة القيادة ، ويتناول المقود من مساعده ، وتعود المرأة الفراشة من حيث أتت . أمشي خلفها ، أسرح ، وأذهب بعيدا ، لكنها لا تهتم . لا شئ يمكن أن ألاحظه في مشيتها ، أو تلفتها ، أو انتباهتها من الطريق ، واليوم فقط سقطت من يدها أو من حقيبتها – لا أدري - تلك الورقة التي منحتني الفرصة لأحادثها . الورقة كانت قديمة بعض الشئ لكن ما كتب فيها واضح ومقروء ، ويبدو أنه كتب بعناية خاصة ، وقرأت فيها :
منذ الغياب وأنا أحمل أنيني في داخلي ، ألتحف حزني ، انتعل حَفاي ، وأتوسد هواجسي ، أقول لنفسي أنني سأموت غدا ... لا يعيش من انقطع عنه الحبل السري ، ولا يستوي الذين يلتقون والذين لا يلتقون . أنادي زمان الوصل ، فلا يستجيب ،،، تماما كما كنت أنادي الرعشة حين كان الزمان وصلا فيمتنع شبقك وهو عارم ... ما الذي يجعلك تكبتين الأشواق ، وتحبسين العشق ، وتلوذين بالصبر ؟ ما فائدة الصبر حين يصبح حالة دائمة ؟ الصبر رد فعل سلبي ، لا يسوقنا إلا إلى موت أجنة العشق في تمام العلقة ...
منذ الغياب وأنا أتدثر بخرق الخوف البالية ، خوفي من تمدد العشق ، وخوفي من تمدد الصبر ، وخوفي من وحدتي .. أنادي طيفك ، فيقبل عليّ متلفعا بثوب العزوف . أتوق إلى زمان الوصل ، فيبدو لي بعيد المنال .
أعرف اني كنت خائبا بما يكفي ، وأنك كنتِ قاسية بما يكفي . وهذا المسمى زورا بالقانون يكبلني ويكبلك ، ويكبل أشواقنا .. وأعرف أن استجابتك لهذا المدعو قانونا لم تكن تنطلق من داخلك ، هم أرادوا لك ذلك ، فاستجبتِ لهم ، هكذا دون حوار ، دون تمرد ، دون أن تحاربيهم حتى بأضعف الإيمان ..
أنا لست أتسولك ، أو أسعى لإغرائك ، أو أمارس ضغطا عليك ، أو أدفعك إلى حرب تحرير ، لكني أقاتل الذين سعوا في تغييبك ، وحبسوك بين جدران الوهم المسمى قانونا ... أعرف أنك تودين الخروج من هذا الحبس ، لكنهم جعلوه حبسا أبديا ، وجعلوا أنفسهم حرّاسا له ... هم الآن يراقبونك ، بمسميات كثيرة ، وبمبررات عديدة ، فهم يدّعون معرفة مصالحك ، ومعرفة احتياجاتك ، ويقدرون لك شأنك ...
هؤلاء الذين دفعوك إلى الغياب سينهزمون لا محالة ، وسنبلغ قطافنا ، وستكونين لي .
التوقيع : الريس .
وعندما لحقت بها ، جمّعت كل ما يعينني على ادّعاء البراءة ، فطمأنتني :
الآن لا حاجة لي بهذا الكتاب ، فقد قرأته ، حفظته ، وتجاوزناه ..

Post: #2
Title: Re: لا حاجـة لـها بـه
Author: ودقاسم
Date: 07-26-2005, 07:27 AM
Parent: #1

****

Post: #3
Title: Re: لا حاجـة لـها بـه
Author: ALGARADABI
Date: 07-26-2005, 08:28 AM
Parent: #1


و هذه رائعة أخرى من روائع العزوبية....
انشاالله الجماعة يكونو قربو يجو

Post: #5
Title: Re: لا حاجـة لـها بـه
Author: ودقاسم
Date: 07-26-2005, 03:29 PM
Parent: #3

القرضابي
سلام واحترام
عزوبية ليها ضل ،،، والتلفونات شغالة ، شي ألوّات ، وشي ماسينجات ،،، والجماعة متابعين ، ما نقدر نطلع عن الخط ولا حتة ،،،

Post: #4
Title: Re: لا حاجـة لـها بـه
Author: Hani Abuelgasim
Date: 07-26-2005, 02:23 PM
Parent: #1

الخال ود قاسم ...

رائع كعادتك ...

أتمنى أن أرى أعمالك مجموعة في كتاب ...

Post: #6
Title: Re: لا حاجـة لـها بـه
Author: ودقاسم
Date: 07-27-2005, 00:49 AM
Parent: #4

هاني
والله مشتاق ليك كتير ،،، بعدين في مواضيع مهمة لم يكتب الأشقاء حولها بما فيه الكفاية ،،، أين الكتابة عن مشاريع الوحدة ، وإلى أين وصلنا ، وكيف يمكننا تحقيق الحدود القصوى لوحدتنا ،،،
آمل أن أرى متابعة لهذا الموضوع ، وشكرا للإطراء ، وطبعا شهادتك في خالك مجروحة ...

Post: #7
Title: Re: لا حاجـة لـها بـه
Author: المعتمد
Date: 07-27-2005, 03:49 AM
Parent: #1

الاخ ود قاسم.
سلام.
كيف اخبارك واحوالك.
حقيقة الايام دى متجلى وطالع من علبك زى ما بقولوا الشماشة.
متعنا يا ريس وليك امان الله الورقة حقتك ما نوريها لى الناس يقروها زى ما وريت ورقة الريس دا لينا نحن.
لك الود
والف مليون باقة ورد.

Post: #8
Title: Re: لا حاجـة لـها بـه
Author: ودقاسم
Date: 07-27-2005, 01:51 PM
Parent: #7

المعتمد
قالوا كل المستور ممكن ينكشف بعد مرور 30 سنة ،،، وحلّك لما تمر ال30 دي ،،، ودقاسم يكون في حيص بيص ،،،
ما دام أديتني الأمان أبقى قاعد قدام المنبر ، كل يوم حكاية ...

Post: #9
Title: Re: لا حاجـة لـها بـه
Author: ودقاسم
Date: 07-30-2005, 11:42 PM
Parent: #1

لمزيد من القراءة