التعبيــر وحريـة التعبيــر

هناك نقاش دائـر الأن، فى صحـة موقف بعض الموظفين الحكوميين من حجب موقع أو مقال منشــور على الإنتـرنت.
وبصـرف النظـر عن التفاصيل، فإن هناك ضـوابط للنشـر لا ينكرهـا إلا مكابـر. وإن الصـراخ الحاصل الأن فى تمثل
الدفاع عن الفن وحريـة التعبيـر، هـو ذر رمـاد حول حقيقـة بسيطـة للغـايـة.. وهى أن حجب أى مقال أو كتاب، فيـه
لغـة مكشـوفـة obsene language من أن ينشــر للعامـة هـو قانون فى جميـع الدول المتحضــرة.. وهـذا لا يتعارض مع حريـة النشـر،
ولكنـه ينظمهـا، فيعترف القانون للكاتب بحقـه فى مخاطبـة جمهـوره -ولكن جمهـوره فقـط إذا أراد أن ينشـر أى مواد فيهـا تعبيـر
جنسى صريح ومباشـر.. يستوى فى ذلك مجلات العرى التى توضـع فى أماكن مقفولـة فى المكتبـات العامـة ولا يطلع عليهـا إلا من تجاوزوا
سن الثامنة عشـر سنـة مثلا.. وهناك أماكن لإستحمام العـراة فى البلاجـات.. يمكن أن يأتى إليهـا اللابسـون ولكنهـم ممنوعـون من الدخول
فى أماكن اللابسين.. ولا يحتجون بالتمييـز.. وفى التلفزيون إذا كانت هناك مقابلـة مع شخص عادى وإستعمل كلمـات معينـة، فإنهـم يستبدلونهـا بصفـارة
حسب طول الكلمـة فلا يسمعهـا أحـد.. أفلام معينـة لا يمكن أن تذاع إلا بعـد الثانيـة عشــر، عندما ينام الأطفال، وبعد هـذا تسبقهـا إعلانـات (بالقانون) تحذر من مشـاهدتهـا لمن لا يحتمل مثلهـا، ومن أنهـا تحتوى على عبارات جنسيـة مباشـرة.
ومعروف أن الفن فى هـذه الأيـام صـار بضـاعـة، وسـاعدت هوليوود فى تأسيس مفهـوم جديد للفن، يعتمـد على الجنس والعنف.. فترى أدباؤنـا يتبارون فى إخراج سخائمهـم من كل ما عرفوه من تعابيـر جنسيـة (التى لا تحتاج إلى أديب ليقولهـا، وإنما إلى قليل أدب). فإذا تحدث أحـد عن ضـرورة حمايـة شـريحـة من المجتمـع لا تستطيـع التمييـز مثل الكبار، وإنما هى فى طـور التلقى، إنبرى لهـم الأدبـاء فى حـرب عشـواء عنيفـة ( وهى الجانب الأخـر من مبادئ هوليوود)!! فهـم لا يعرفون غيـر الجنس والعنف.
إن أدباء كبار مثل الطيب صـالح، تحدث عن الجنس فى بعض صفحـات كتابه موسـم الهجـرة.. ولكن بالرغـم من ذلك فهـو لم يذكـر الأعضاء التانسليـة بصـورة مباشـرة كما يحدث من البعض.. حتى فى "لقـد جئتكـم غازيـا"
أنا لا أدعـو إلى مصـادرة رأى أحـد، أو فرض أسلوب يكتب به.. ولكن يجب أن تكون هناك أماكن معروفـة لنشـر مثل هـذه الأعمـال، لا يذهب إليهـا إلا من يطلبهـا.