ماذا بعد أبوجــــا ؟؟؟ بقلم د ابراهيم مخير

ماذا بعد أبوجــــا ؟؟؟ بقلم د ابراهيم مخير


05-23-2005, 11:04 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=80&msg=1116842648&rn=0


Post: #1
Title: ماذا بعد أبوجــــا ؟؟؟ بقلم د ابراهيم مخير
Author: محمد الامين محمد
Date: 05-23-2005, 11:04 AM

بسم الله الرحمن الرحيم


ماذا بعد أبوجــــا ؟؟؟



لم تكن لتختلف نتائج مفاوضات أبوجا عن المناوشات على أرض دارفور بين المعارضة المسلحة والحكومة المركزية من حيث عدم مقدرتها على حسم المشكل الدارفوري وذلك لأنه لم يتم حتى الآن تحديد ماهية ذلك المشكل من جانبي الأطراف التي تحتكر المفاوضات والقتال بأسم دارفور ، فمازالت المفاوضات كما في أديس أبابا لا تعبر عن رؤيا متكاملة ولا تحاول أن تضع أساساَ عملياَ وشاملاَ يضمن الخروج بلا عودة من المأساة الدارفورية . إن مشكلة دارفور المتراكمة تاريخياَ واقتصادياَ وسياسياَ وإجتماعياَ والمتشابكة على مختلف المستويات دولياَ وقومياَ وإقليمياَ لا يمكن حلها إلا بشفافية ومشاركة صادقة ومرحلياَ وعلى مستويات متعددة بناءاَ على إيجاد قاسم مشترك يحفظ للجميع حق المشاركة من أجل هدف عاجل اليوم آلا وهو ضمان إغاثة وعودة المهجرين في آمان وهدف آجل : التأكد من عدم تكرار المأساة بتأمين التنمية والنهضة . لقد قال المهاتما غاندي يوماَ أن روح الهند تكمن في القرية ونحن نقول أن روح السودان تكمن في القبيلة : إذ إن القبلية هي القاسم المشترك الذي نبحث عنه في معادلة الحل التائهة منا منذ إنهيار الدولة المهدية ، وإذا ما إنتبهنا الى إن القبيلة وحدة اجتماعية متعددة الرؤى السياسية والانتماءات الطائفية وتشكل خلفية ثقافية وواقع وجداني بدرجات متفاوتة لكل السودانيين وأن وزعمائها ليسوا قيادات سياسية ولا نقابية تديرها الدولة أو الاحزاب أياَ كانت إستطعنا أن نفتح باب للتوافق المجتمعي وحوار متناسق نخلص منه الى سلام دائم مع أنفسنا .
إن مشكلة دارفور تحتاج بالضرورة العودة للجذور ولكن هل جذورنا تبدأ من الاستقلال أم هي تمتد مع القبيلة منذ نشأت السودان ؟؟ إن المدخل القبلي لحل مشكلة دارفور أو أي مشاكل مشابهة في الوطن السوداني هو بلاشك ذلك المدخل القديم الجديد والذي يفترض إعادة البناء على ألقبائل السودانية المتضمنة في فطرتها المبادئ الأساسية التي ينادى بها المجتمع الدولي اليوم وهي الحرية في إتخاذ القرار المبني على الشوري ـ الديمقراطية ـ والموجه للحفاظ على كرامة الإنسان وحقوقه في الاستفادة من ثرواته الطبيعية وكفاءاته البشرية في أمن وأمان وإن أي حل سياسي أو إقتصادي في السودان ـ من واقع التجربة ـ لا يستلهم المصالح المتشابكة بين القبائل ،الموجودة من قبل إنشاء الدولة الحديثة ، تظل روحه عاجزة وكسيحةَ بدون إرادة وتفاعل القاعدة ينتظر أي حمى خفيفة لينتحر غير مأسوف عليه .

إن الإدارات الأهلية في الواقع كانت دوماَ ـ بما تملكه من حكمة متوارثة ـ تمثل مرجعية وحكماَ معترفاَ به في حل أعقد القضايا وهي اليوم حقيقةَ لا تشكل طرفاَ أصيلاَ في النزاع بل أجبرت على ذلك ودفعت إليه دفعاَ وهي على ذلك تدرك إن طبيعة الإقليم وخصوصيته وتداخل مصالحه الاقتصادية وتشابك علاقاته الاجتماعية وتمازج خلفياته الثقافية يفرض على القبائل حقيقة مصيرية وهي : ضرورة التعايش الآمن لضمان مستقبل زاهر وهي ولا شك اليوم مرهقة ومستعدة للوصول إلى سلام حقيقي متى ما توفر المخرج الذي يحفظ كرامتها وكبريائها إذ إن خسائر الحرب الأهلية اليوم في دارفور بشرية كانت أم إقتصادية أعمق ما تكون على مستوى القبيلة .
أن الحماس القبلي الذي نشهده اليوم كطاقة جبارة مهدرة في صراع عنيف يمكن توجيهه بالفعل نحو بناء مجتمع السلمّ والنهضة حيث تمتلك القبائل في الحقيقة مقدرة لا يستهان بها للضغط المتوازي لتحويل الواقع والتأثير على مجريات الامور إذ تشكل اليوم ركيزة حقيقية للحكومة وللمعارضة على ساحات القتال وغداَ في السّلم سوف تشكل قاعدة إنتخابية لا يمكن تجاهلها ومن ثم إن فكرة سلام ووحدة قبائل دارفور المتمثلة في تسخير العلاقات التاريخية بين إداراتها الاهلية ـ والتي تبلورت على أيد مثقفين من قبائل زنجية وعربية في دارفور وظللوا يحشرونها حشراّ في فم المجتمع الدولي عبر اللقاءات غير الحكومية وهم بين مصدق لما يسمع منا ومكذب لما يراه على أرض الواقع ـ تراهن على الدعوة للمؤتمر الاهلي لكافة قبائل دارفور لنضع حداَ للمشاكل التي يشهدها الاقليم اليوم ونكتسب عملياَ احترام وتعاون دول المجتمع الدولي بعد إقناعهم بمقدرتنا كسودانيين على تبني حلول منطقية وأفكار عملية تعكس الوجه الحضاري والسمح للدارفوريين وإيمانهم الاصيل بالتعايش في أمن وآمان .
إلا أن المؤتمرات الاهلية تظل عاجزة عن أداء مهمها المرتبطة أساساَ بتحقيق ومتابعة بناء السلام إذا لم يمهد لها بالمناطق الجغرافية المشتركة بين قبائل بعينها عبر مفاوضات تصالحية متراكمة معتمدة على الارث القبائلي بمشاركة حركة إجتماعية مستنيرة يدور فيها الحوار بشفافية مرتكزاَ على دعم حكومي ومشاركة دولية لكسر تصورات لا مصداقية الدولة وحول المبادىء المتوازية الاربع الاتية :
1. محور الأمن : الاشراك الفعلى للقبائل في حماية أنفسهم وثرواتهم .
2. محور القانون : لإزالة الأحقاد والضغائن ووقف عمليات الثأر .
3. المحور الاقتصادي : تمكين القبائل مشتركة من ثرواتها الطبيعية وكفاءاتها البشرية .
4. المحور السياسي : التمهيد للممارسة السياسية الحرة .
ولو إستطعنا اليوم أن نلفت نظر القبائل الأفريقية والعربية إلى حقيقة دورها الركائزي والمحوري والوسيط في دارفور وإذا إستطعنا أن ننبه السودانيين جميعاَ إلى أن حقيقة الصراع تكمن حول مضمون فكرة الدولة التي يجب علينا أن نتشارك جميعاَ في بنائها بحيث تكفل الحقوق الاساسية للعيش بكرامة وتضمن لنا جميعاَ حرية الاختيار في إطار إحترام الهوية ووحدة المصير المشترك نكون قد وحدنا لأنفسنا الهدف ومن ثمّ يصبح السير في طريق النهضة والسلام ممهداَ .



لا يحتاج زعماء القبائل وشيوخها ونظارتها وسلاطينها وملوكها ودمالجها ـ على إختلاف أعراقهم ـ أن يبرروا لنا مواقفهم إذ تصب جميعها في حماية قبائلهم أو مصالحها لكننا نحن المثقفين وخاصة السياسيين منا نحتاج إلى وقفة مع أنفسنا نخرج من بعدها من الشخصية الدون كيشوتية التي تقمصتنا عشرات السنين وأصّمت أذنينا عن حقيقة ما يحدث اليوم في غرب السودان وماسوف يحدث غدا في شرقه أو جنوبه .... لنصمت قليلاَ ولنغلق عيوننا عن سيرة الحروب الوسطى والامجاد الغابرة والصورة دون المضمون ولنفتحها من جديد وللنظر الى المستقبل وعندها سنري ببصيرتنا ما علينا أن نقوم به لصالح هذا الوطن العزيز والمرهق .

"من يهدّ الله فهو المهتدي ومن يضللّ فلن تجدّ له ولياَ مرشدا " 
صدق الله العظيم