دنيا عدي والأنهار العكرة.. سيرة أم رواية؟ ياعماد البليك

دنيا عدي والأنهار العكرة.. سيرة أم رواية؟ ياعماد البليك


04-20-2004, 05:50 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=8&msg=1082479808&rn=0


Post: #1
Title: دنيا عدي والأنهار العكرة.. سيرة أم رواية؟ ياعماد البليك
Author: ebrahim_ali
Date: 04-20-2004, 05:50 PM

نقلاً عن جريدة الوطن القطرية الصادرة صباح اليوم 20/4/2004م .‏
أصدر الزميل عماد البليك روايتين دفعة واحدة، الأولى عنوانها: «دنيا عدي»، والثانية ‏عنوانها: «الأنهار العكرة»، وقد صدرت دنيا عدي على نفقته الخاصة، بينما الثانية صدرت ‏عن الشركة العالمية للطباعة والنشر في الخرطوم. وبرويته وهدوئه، يكتب البليك أعماله ‏الروائية تحت رغبة في اعادة وانتاج كتابة جديدة، متفارقة مع سائد الكتابة الروائية، يمتح ‏فيها من بئر المعرفة الشفاهية في الموروث الشعبي السوداني والحكاية اليومية والواقع العربي.‏
والبليك الذي يعمل محررا في صحيفة الوطن من مواليد عام 1972، كما يذكر الناشر ‏على غلاف روايته «الانهار العكرة» تخرج في كلية الهندسة/جامعة الخرطوم، ينشر مقالا ‏اسبوعيا في صفحة اتجاهات ثقافية تحت عنوان عكازة الريح، وله موقع اليكتروني يديره ‏هو بعنوان «زراف» ينشر فيه للكتاب العرب كافة، كما ان نصوصه تستقبل في كثير من ‏الصحف العربية والمواقع الاليكترونية، خاصة موقعي: ايلاف وليكا.‏
تمتاز لغة البليك بانثيالها وقبضها على التفاصيل، وطاقتها على الثورية، انه باحث مجد في ‏عروق المعنى، يصوغ شخوصه كما لو انه يعمل على حياكة سجادة فارهة، وينهض في ‏نصه الروائي، داخل عوالم مسكونة بلحظات انسانية لا تتكرر إلا في الاحلام والوقائع ‏الضالة. في رواية دنيا عدي التي، تسرد عالما متخيلا.. مستوحى من حكاية ابن الرئيس ‏العراقي صدام حسين، يجرنا البليك بغلظة متناهية، نحو طقوس الموت والخراب التي تعتمل ‏في الذات المتعالية، المشدودة إلى سوبر ما نيتها الكاذبة. وفي قصة عدي، مادة درامية ‏ووثائقية عالية التشويق، لكن الروائي هنا، ينحاز إلى ما تبتكره المخيلة من احداثيات تزيح ‏النص عن الواقع وتجعله يتمكن من مغالبة الواقع، بقراءة موازية له، قراءة تستنهض كل ما ‏يمكن للمخيلة ان تعمل عليه في هذا المنحى، مسببا لقارئه صدمة مهولة حين يكتشف من ‏خلال بطل الرواية المصاب بمرض السلطة، قوة الجفاء الانساني والقسوة التي يمكن للبشر ‏ان يحملوها بين اضلاعهم، متورطين في صوغها كنصل، كل من يقترب منه يجب ان يسيل ‏منه الدم. تتقاطع الشخوص والمصائر في «دنيا عدي» بين الراوي والشخصية الرئيسية ‏بمتوازية تنهل من السيرة الذاتية للروائي ومن سيرة عدي ذاته، وكأنه يحيلنا هنا إلى مساحة ‏من القراءة التجريبية التي تبحث وتكتشف ذوات بشر منهكين.. ممزقين يبحثون عن ‏مصائرهم دون جدوى في دنيا عدي.‏
يكتب في فصل «شبح عالم قديم»‏
أمر غريب ان تقودني الاشياء لغير ما تخيلت في بداياتها، كان عدي صدام حسين ينظر لي ‏شزرا من نافذة مربعة بإطار أزرق في القصر، يقول لي:‏
ـ ما الذي جاء بك إلى هنا أيها المجنون؟
ـ عائد لبلدي، ما شأنك، هل نسيت أصدقاء الطفولة؟
كان عليّ ان احتمل قدري فانا كباحث عن المعنى، يجب ان أكون مشحونا بروح ‏المغامرة، انه سهم يخترقك لن تستطيع ان تعانده
ارتشفت القهوة أراقب الوجع في داخلي، كانت بطارية الكمبيوتر المحمول قد استغرقت ‏في النوم، ايقظتها ببطارية سيارتي الجيب، نظرت ورائي فرأيت أمي، ليلى البكري، سلمت ‏عليّ، ضحكت وهي تراقب الرهق في عيني الموثقتين بزمان الجرح، رأتني أصلي وسط ‏العواصف، أتراجع للوراء، ابدأ في مراجعة الخرائط المتناثرة على الأرض أمامي، استعدادا ‏لمعركة حامية في الليل. أدرت مذياع الراديو، كانت اذاعة الـ «بي.بي.سي» تقول ‏‏«معارك ضارية تدور الآن في بغداد»، وأذاعت خبرا آخر يقول بان فرنسا سترسل مبعوثا ‏اليوم للقاء مع كولن باول في واشنطن حول احتمالات دخولها في الحرب. حتى تلك ‏اللحظة لم يكن الدمار قد جاء، لم يكن احد ما يتوقع ان بلدي سيتحول مع مولد الصبح ‏الجديد لمدينة تحت النار، وان نهاية التاريخ على طريقة مغايرة لفرانسيس فوكوياما تولد ‏الآن، إنها تولد بعجلة وببطء، احيانا يتراجع الزمن وفي أحيان أخرى يتقدم للوراء.‏
كان معي في المكتب إلى جواري، زميلي في العمل، البريطاني ستيفن هكر المولود سنة ‏‏1964 في مقاطعة صغيرة في اركنساس بالولايات المتحدة الأميركية. بريطاني قح بعقل ‏أميركي استهلاكي، كبير الحجم كساندويتشات البرغر، يفكر بطريقة واحدة رأسه يشبه ‏البوصلة التي دائما ما تشير لاتجاه واحد، لا تخطئ، لكن بوصلة ستيفن ستخطئ عندما ‏احلم في الليل، عندما اخرج من زمن التاريخ، عندما ينتهي التاريخ يغلق في خزانة الله.‏
قلت له: «من أين يأتون بالأخبار؟
ضحك وقال لي: «ربما ينسجونها من خيالهم وهم جالسون في مكاتبهم يحتسون القهوة ‏مثلنا».‏
حدثته عن تقرير خرج في الصفحة الأولى اليوم، في صحيفة صباحية:‏
‏«جنين مستنسخ، مشوه، ملوث بحمى الخوف»‏
سألني: «لماذا يخافون؟»‏
لم استطع ان اجيب عليه لان النار كانت قد حاصرت كل شيء، كانت النهاية تتسارع ‏بأنباء متضاربة في كل مكان، كان بوش يحذر في إحدى الاذاعات الأميركة من غضب ‏جم قادم.‏
نواصل بعد فاصل

Post: #2
Title: Re: دنيا عدي والأنهار العكرة.. سيرة أم رواية؟ ياعماد البليك
Author: ali othman
Date: 04-20-2004, 05:54 PM
Parent: #1

كان من المفروض اني اقعد ساكت وانتظر زي الباقيين قي هدؤ
لكن عليك الله الزول ده مختفي وين ؟

Post: #3
Title: Re: دنيا عدي والأنهار العكرة.. سيرة أم رواية؟ ياعماد البليك
Author: ebrahim_ali
Date: 04-21-2004, 08:30 AM
Parent: #2

الأحباب الأعزاء سلام واحترام شنو ياجماعة الواحد ما ياخذ ليهو فرة كده ويجي يلقى ‏البورد مقلوب راس على عقب يعني البوست دا أنا بفتش ليهو فتيش حتين لقيتو الحاصل ‏شنو ياجماعة الخير الواحد إلا يصاقر البورد دا ولا شنو ‏
علي عثمان تحياتي وشكراً للمرور والعبور عبر بوابة البليك دا انت لو قعدت ساكت ‏ياملك الناس التناين يعملو شنو يكبوا الزوغة انت كل الخير ياسيدي
‏ عماد موجود بس يظهر عليهو مشغول بكثرة ‏
هاكم من انقطع من حديث بعد ذلك الفاصل الطوييييييييييل

الرواية الثانية عنوانها «الانهار العكرة».. وهي بالفعل رواية، تبحث في منحى، لا يتجاور ‏مع «دنيا عدي» ولكنها تتقاطع معها، في التقنية والاسلوب وتراكيب الجمل، تذهب ‏‏«الانهار العكرة» إلى مجاز السيرة، فكل روائي أو كاتب، يمكننا ان نشتم رائحته داخل ما ‏يكتب، وعماد البليك هنا لا يفصح عن هذا المعنى بقدر ما يباشر في اطلاقه، انه يقدم ‏سيرة موازية لسيرته الذاتية.. بمعنى ما، انه يقدم سيرة روائية، بطلها هو ومن يحكمون ‏مصائرهم به، ومن يترددون على هامشه في هذه الدنيا.‏
هنا.. العالم يتغير، يسكن في برتقالة الوقت الفاسدة التي تعصرها «مكة» الاخت التي ‏تنتظر منذ زمن وظيفة موعودة دون ان يتحقق شيء لانتظارها. لا يريد البليك الذي ‏يفاجئنا دائما بمشروعاته المغامرة، ان يبدو مغامرا في اصداره لروايتين، تتفارقان في المنحى، ‏بقدر تقاربهما من روحه، لا يريد ان يصيبنا بخيبة الأمل التي تلاحق شخوصه اينما حطه في ‏هاتين الرواتين، ويريد في الوقت ذاته ان يكشف عن براعته في ارتكاب المغامرة.‏
هذه الروح المتوثبة لديه، تتجلى بصفاء في «الانهار العكرة» الرواية التي تسدد ضربة قوية ‏في مرمى الكتابة الروائية العربية، للاساليب الروائية السائدة. يستخدم فيها طاقته الكاملة ‏على الجنوح والسرد والحكي ببطولة جديدة، يستحق عليها ان يدخل عالم كتابة الرواية ‏الجديدة بقوة دون الالتفات للوراء، يكتب:‏
في البيت يلجأ بشير لمفكرته يقلبها من جديد، يشعر بان ثمة نقاطا مهمة فيها، سوف ‏تساعده في تعديل مسارات حياته المتشابكة، لاسيما بعد الزواج، احيانا يتصفح الانترنت ‏يبحث عن مواقع قديمة، اصدقاء وصديقات عبروا بحياته ذات يوم يسجل نقاطا من خلال ‏مطالعاته، يعرف انها ستفيده بشكل ما، قد تكون رؤوس أفكار لتجارة رابحة، يشعر ‏بالخجل أن يواجه سيف الدين بالأمر، كان زواجه اشبه بورطة، ظل ينتظر اياما، مضى ‏شهر ونصف الشهر على الزواج، دون ان يكون هناك جديد، وكانت ارباح المقهى ‏تتضاءل يوما بعد يوم، فالناس لم يعودوا يحفلون بمقاهي الانترنت، بعد ان اصبح في كل ‏بيت جهاز كمبيوتر.‏
الوقت ما بعد الظهيرة، والساعة تقترب من موعد المغرب، ستغيب الشمس بعد دقائق، ‏حاصره خدر في يده اليسري في جسد هزيل لا يقاوم الامراض، كان يدخن بشراهة ما ‏بعد الزواج، اغلق المفكرة، اغلق نوافذ الشقة، دائما ما يرغب في تجديد الهواء، علوية ‏ومريم انشغلتا بمنير، بعد ان اشتريتا له قمصانا جديدة، حاصره دخان السجائر بعد ان ‏اغلق النوافذ، شعر بالرغبة في التدخين مرة أخرى، رأى أمه نائمة، شعرها سارح في ‏الهواء، تنام بنفس طريقة نومها في الغرفة الوحيدة في المنزل القديم، كان يجلس إلى جوار ‏الكمبيوتر وكانت تبتسم له بين النوم واليقظة.‏
ابتسمت له، حاول ان يغلق النافذة التي تحولت إلى نافذة حديدية منذ سنوات، وجدها ‏تلك النافذة المتهالكة التي ترعرع معها، والمصنوعة من الخشب والتي تنهار كلما دفعها ‏لاعلى، هل كان يحلم؟.. أم ان الحمى حاصرته؟!.. لا يدري، ودائما ما يرغب في تغيير ‏الماضي، لكن ذلك مستحيل، وقد كانت بعض المشاهد التي راها حقيقة، تلك النافذة ‏ومعاناته معها، عندما يحاول اغلاقها، كانت ذكريات لا تنسى. بعد سنوات بدل أبوه ‏النوافذ في البيت بأخرى من الحديد بدلا من الخشب، طليت بالبوهية، قام بشير بعملية ‏الطلاء، كان تمرينا ساخنا استغرق منه نصف يوم، تعلم فيه استخدام الفرشاة وبعد ايام ‏استعان به الجيران في طلاء منازلهم.‏
فتح مفكرته، لم يكن ثمة موعد جديد هذا الأسبوع، الحياة أحيانا تسيطر ببطء وتثاقل، ‏واحيانا تجري بلا هوادة، وكنوع من عدم الرضى عن الواقع نام حتى قيلولة اليوم التالي، ‏رأى نفسه في مكان واسع اشبه بساحة السجن، كان مكلفا باخراج احد الناس من ‏السجن، لا يتذكر اسمه الآن، هناك غرفتان صغيرتان في حجم الحمام، لهما أبواب من ‏الحديد مطلية باللون البيج، هل نظر داخلهما؟.. ربما.‏
تبدوان خاليتين وليس ثمة احد بالدخل، ويمكن فتحهما بسهولة، لكن من قال له انهما ‏زنزانتان؟!.. قابل ود العوض الذي كان مرتادا لسجون مدن العتامير، هو مكار وكانت ‏تربطه معه علاقة خاصة، كان يعمل مروجا للقوافل التجارية في السوق، سأله من المسؤول
عن السجن.صحبه ود العوض إلى رجل عرفه عليه، تخيل أنه يعرفه من قبل، وعده بان ‏يأخذه إلى الزنزانتين، لكي يرى من يبحث عنه، فجأة انطمست المعالم، فالزنزانتان كانتا ‏خاليتين، لا أحد بهما.فتح عينيه بصعوبة، كانت علوية نائمة، تحتضن منير، ومريم جالسة ‏تطرز شالا من الصوف، جزء من عادتها القديمة، لا تريد ان تتركها، في وقت مضى كان ‏هذا نوع من الرزق وكسب المال، قالت له:«سأل عنك رجل وأنت نائم، طرق الباب ‏وذهب».سأعود قريبا لقراءة روايتي عماد البليك نقديا، ذلك ان روايتيه تستحقان.. ‏الانتباه، لما حملتاه من اكتناه لفضاءات الذات واقتراب من شجن الواقع وغرابته.‏