السيرة مرقت عصر ..ياعديلة

بعنوان هكذا طرد الفرح السوداني طالعت مقال لكاتبة سودانية بإحدى الصحف المحلية لفت نظري الطرح الذي تناول جوانب عديدة في شكل الاحتفال بالعرس في السودان وتحوله عبر الأزمنة رأيت ان انقله لكم للإطلاع والتعليق..
ما من مشاعر للفرح أكثر التصاقاً بنسيج وجدان المجتمع كله مثل أفراح الزواج. ولأنها بهذا التداخل والاتصال فقد ارتبطت طقوسها ومراسيمها بمعاني التشارك في الأداء ..ومعاني الارتباط العميق بقيم اجتماعية حافظة ..بل حتى أهازيج الزفاف نفسها كانت مشبعة بمضامين الاستقامة والمقاصد النبيلة من " العديل والزين" " وياعديلة يا بيضاء " إلي " بيت الحلال " .." وبيت مال وعيال " ..وكان رجع صدي هذه الأهازيج يعانق اصل الصوت المغني مشفوعاً بالدعاء للأقارب والأصحاب باللحوق بحال العريس ..ولأن الإيثار وتداول الحب بالعطاء كانا من مواثق الوجدان الاجتماعي فقد كانوا يرددون مع تلك " الغناوي" عهد الإمتداد بدائرة للفرح بتعديد مآثر البطولة الاجتماعية وإعلاء قيمها الوجودية ..وتأكيد ذلك انهم - أي افراد المجتمع - كانوا يتكافلون جميعا في إتمام مراسم الزواج ..حيث نجد للعم والخال والجد سهاماهتم الملتزمة في تأثيث بيت الزوجية الجديد وللشباب من الأقارب وجيرة الحي حضور صادق..
لهذا كان للمراسم أثر من الدفء والحميمية والتواصل ، فيوم "الحنة" " شايل اسمه " يشيع حنان الوصال الأسري .. من بعد نوى ومسافات . والتواصل الإجتماعي من بعد تباعد وانشغالات ..أما " السيرة" فقد كانت مشهداً من عروض الفروسية والفرح النبيل ..والآن بعد ان تبدلت كثيراً من قواعد القيم والمقاصد وترحلت عن معانيها دون استبصار فقد تغيرت تبعا لذلك كل متعلقات العرس بدءا من أسس اختياره والتزامه بمسؤولياته الإجتماعية نهاية بصور مراسمه التي تعبر عن " الإحلال الجديد" لثقافة السوق والمظهريات الإكسسوارية الملفقة من مشاهد الدراما " الأجنبية" بكل ما تحمله من غريب المحتوى والمظهر .
فأغلب الزيجات أصبحت تؤسس وفقاً لثقافة وغايات السوق والمصلحة والنتيجة ارتفاع مناسيب الطلاق وانطماس ملامح المجتمع.
فالشيلة التي كانت تعبر عن معاونة اهل العروس في إعداد " وليمة العرس" يعاد طبخها وارجاعها فيما يسمى " فطور العريس" الذي اختلف الآن عن رمزيته التبادلية في في الرضا. ان كان هذا مقصود الزمن الماضي أصلاً . ولأن الزواج نفسه تحول لمعرض تجاري ، فالشيلة لم تعد إسهاما في مأكولات " المأدبة السنة" ولكن دخلت فيها " العربة" والموبايل والتلفاز ..مثلما دخلت الثلاجة فطور العريس ..ليفرض بذلك نمط ظاهر لبقية الشباب يصادر حقه المشروع في إكمال نصف دينه ونصف دين المجتمع .
الحنة: لم تعد ذلك المظهر الاجتماعي المتآلف وانما لم يعد هناك حنة " من أساسه" فآخر تقليعات يوم " الحنة السوداني" عند العروس هو إرتداء أحدث " صرعات" المشهد الغربي - وحتى لو حزفت نقطة الغين فلن يكون الفرق كبيراً – فقد أختفى صحن الحنة واختفت إيقاعات " الدلوكة" وأهازيج العديل والزين ..وأغاني البنات " نقصد الطبعة الأصلية" التي كانت مفعمة بالرجاءات الدفيئة ..لتحل محلها " مغنيات الفرح اللقيط" والأدهى أن جلسة العروس لم تعد تلك الجلسة الحميمية المخصوصة لها ولصويحباتها بل مفتوحة لكل مار ..انه يوم " حنة" ولا حناء..
أما تقاليع الزفاف فهي خلاصة الاغتراب الذاهل ..فلا جريد النخل المبارك ولا عرضة الفروسية والرجولة ولا زفة العديل والزين المشبعة بدعاء البركة ، بل حل محلها المشهد " المسلسلاتي " مضافا اليه شوارد المشهد " الفلمي" حيث فستان الزفاف العاري الذي يمتهن نخوة العريس وكرامة العروس وكبرياء الآباء والمجتمع كله .. وحيث الزفة و" حنطور الباشا" – رمز الاستعباد الاجتماعي والإقتصادي – والألعاب النارية- رغم ان الفرح نور – حتى منتصف المسرح ثم مقطوعات " تيتانك" وتصويرات العروس - لا بطريقة للذكري والتأريخ - لكن بطريقة العرض السينمائي .
أما مراسم " الجرتق " التي يقصد بها – علي أي حال - تبريكات النساء " الكبار من الحبوبات" والعمات والخالات ..الخ وهي كلها لتأكيد إجتماعية الحدث وتعزيز إنتمائه ، استعيض عن ذلك بامرأة " مؤجرة" لتصبح المراسم جوفاء خالية من طقس الحنان ومشاعر الأمان التي تبعثها دعوات الأمهات والخالات ..وفقدت حليتها الملهمة لمشاعر الرجاء وعند صديقات العروس واخواتها ..وهكذا يتم طرد الفرح بكل ما انتج من قيم ومعان وقاصد وأحلام ..هكذا يتم ترحيله رويداً رويداً حتى يترحل المجتمع السوداني عن سياقه الثقافي كله دون ان يدري! (

شكراً .أنا بنت النيل على نقل الموضوع هنا من تلك الكاتبة.. ياريت المجتمع السوداني يسيب التكاليف الباهظة كلها.. ويرجع ويكتفي بصورة تكون فيها كرامة للعريس والعروس ويترك التباهي.. عشان البنات يتزوجو والولاد يعرسو ويدخلو بيت الحلال..مناسبة دينية الزواج يجب الناس يقدرونه التقدير الكافي..

التحية ليك يا بنت النيل علي هذا الموضوع.
واتمنى ان تتم مناقشته بصورة موسعة وعلمية.
ولنا عودة باذن الله.
ودمتى...

الأعزاء ..
منصوري ..
ايهاب ..

لكم كل الورود المتفتحة صباحا ..
مناسبة الزواج في السودان الآن اخذت شكل آخر أكثر تعقيدا ..بإستحداث عادات تثقل كاهل العريس والعروس علي حد سواء وإلا فما معني " فطور العريس" الذي اصبحت مراسيمه اسطورية بمنطق السودان
شكرا لمقدمكم الجميل

*

الاخت انا بنت النيل
الف تحية لك
شكرآ لك و لكاتبة الموضوع
فعلا إختفت الحميمية و حل الزيف ومظاهر الفشخرة في أفراحنا
فهل تعود طقوسنا بحميميتها ثانية؟؟

أتمني ذلك.. ولكن الشك يملؤني

لك كل الود