بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989

بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989


09-29-2005, 01:41 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=72&msg=1147365778&rn=83


Post: #1
Title: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 09-29-2005, 01:41 AM
Parent: #0

كانت السماء صافية تخلو من السحب على غير العادة في تلك الليلة الصيفوخريفية من أواخر سبتمبر من العام 1989م ، السنة التي يتم فيها السودان.

كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بساعتين و كنت وقتها غارقا في النوم في غرفتي الصغيرة وقد تركت أختي الهام و هي تذاكر دروسها في الفضاء الصغير أمام الغرفة.

صحوت من النوم مذعورا على صوت صراخ أختي إلهام وصوت دق على الباب يبدو و كأنه وقع مطرقة كبيرة على صاج من حديد.

هرعت إلى الباب ووجدت أخي الأصغر الطبيب بالمستشفى العسكري في ذلك الوقت يتبادل الحديث مع أشخاص مدججين بالسلاح ويلبسون الزى العسكري. وعندما اقتربت من الباب سمعت احد الأشخاص يلبس زيا مدنيا ( جلابية وعمة) يقول للضابط هذا هو هشام وهو يشير لأخي حسام أسرعت نحو الباب وقلت للضابط أنا هشام ماذا تريدون. في هذه اللحظة كان والدي المريض ووالدتي قد وصلا للباب وعرف والدي الضابط بنفسه طالبا تفسيرا للذي يحدث.

قال الضابط بكلمات تمتلئ سخرية ووجه يكتسي ببسمة أنثوية الطابع: دايرين الباشمهندس في مشوار يصلح لينا فيهو مواسير موية أتكسرت في المعسكر. كنت فى ذلك الوقت أعمل مهندسا بإدارة المشاريع بالهيئة القومية لمياه المدن.

أدركت فورا مقصده و اعتراني الغضب وطلبت من والدي الدخول. كنت وقتها ارتدى سروالا و قميصا خفيفا وحافي القدمين.

أخذني الضابط من ذراعي فطلبت منه أن يدع يدي و سوف أذهب معهم بمحض إرادتي. رجا والدي الضابط أن يمهلهم حتى يأتوا بشيء ألبسه في قدمي ولكنه رفض وهكذا ذهبت حافيا للعربة اللاندكروزر بك أب و التي يرابط فيها 4 جنود مدججين بالأسلحة الرشاشة و شخص يبدو من هيئته أنه أخذ من سرير النوم مثلي ولكنه كان على الأقل ينتعل شبشبا و ليس حافي القدمين مثلي.

يتبع

Post: #2
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-29-2005, 02:04 AM
Parent: #1

هشام المجمر،

سلامات

شكرا للكتابة.. والتوثيق لتلك الأيام..

وسيجيء يوم الحساب لهؤلاء الظلمة الذين انتهكوا حرية وحياة الناس في السودان..

"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"

متابعين..

ياسر

Post: #3
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: wadalzain
Date: 09-29-2005, 02:04 AM
Parent: #1

واصل يا هشام من المهم جدا ان نذكر الناس بتلك الايام السوداء وبماذا فعل تتار السودان فى السودان والسودانيين ومن المهم جدا ان يعرف الذين يؤيدون الانقاذ بالباطل كيف فعلت الانقاذ الاسلاميه التى تدعى الطهر ومكارم الاخلاق فى الناس الابرياء .

ومن المهم جدا ان نقض مضاجعهم ونقلق نومهم

ومن المهم جدا ان نكتب لكى لا ننسى

ومن المهم ان نوثق ونملك الاجيال القادمه حقائق الاسلاميين لانهم يرانون على اننا فاقدى الذاكره وان الشعب كله بلا ذاكره .

Post: #4
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: talha alsayed
Date: 09-29-2005, 02:12 AM
Parent: #1


واصل هشام

التوثيق مهم جدآ فى هذه المرحله

نتمنى ان يحذو الجميع حذو هذا البوست

تخريمه
تحياتى للباشمهندس اسامه ليه ما جبتوه معاكم للمنبر

Post: #5
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Adil Osman
Date: 09-29-2005, 02:28 AM
Parent: #1

الاستاذ هشام المجمر.. واصل هذه الكتابة المهمة. العالم كله يقرأ لك
http://www.google.co.uk/search?hl=en&q=%22%D9%87%D8%B4%...D9%85%D8%B1%22&meta=

Post: #6
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: نصار
Date: 09-29-2005, 02:31 AM
Parent: #1

العزيز هشام المجمر


نعم قد حان وقت الكلام و سوف تكون مبادرتك هذه دافعاً للاخرين
لكي يفصحوا عن تجاربهم مع عسس السلطة الغاشمة

لك التحيات الزاكيات و المحبة و التقدير

Post: #7
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Murtada Gafar
Date: 09-29-2005, 02:36 AM
Parent: #6

الأعزاء المشاركين

ايضا لي تجربة إعتقال في شتاء 1993 في أحد بيوت الأشباح المعروفة بالواحة، سأكون سعيد بتوثيقها هنا حال فراغ الأخ هشام من كتابة تجربته


لكم المودة


مرتضى جعفر

Post: #8
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: مبيوع
Date: 09-29-2005, 02:58 AM
Parent: #1

السهره صباحى ****

دا هديه منى ياباشمهندس

Post: #9
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: حسام يوسف
Date: 09-29-2005, 03:12 AM
Parent: #8

العزيز هشام المجمر
لك تحية وود وسرد جميل كالعادة ونحن في الانتظار

Post: #10
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 09-29-2005, 04:06 AM
Parent: #1

الاخوان
د.ياسر الشريف
ود الزين
طلحة السيد
عادل عثمان
نصار
مرتضى جعفر
مبيوع
حسن يوسف

لكم الشكر على المؤازرة ويا علدل عثمان دهشت جدا عند فتح الرابط الذى اورتده شكرا مرة أخرى.

مرتضى جعفر
سعيد جدا ان كتابة تجربتى استدعت تجربتك و سوف اكون سعيداكثر لو استدعت كتابة آخرين من لهم تجارب مماثلة.

بالتاكيد سوف اواصل الكتابة. إنتظرونى

Post: #11
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 09-29-2005, 04:44 AM
Parent: #1

تحركت السيارتان سيارة اللاندكروزر العسكرية و التي كان يقودها الضابط وكان برتبة رائد في الخلف وسيارة مدنية من نوع تويوتا كرولا بيضاء اللون والتي كان يقودها الشخص الذي كان يلبس ثيابا مدنية ويبدو انه من جهاز الأمن وهو الذي يرشد للذين يتم اعتقالهم و تقوم الفرقة العسكرية المكونة من الضابط ورجاله الأربعة بالتنفيذ.

وكان هذا الشخص الذي سأعرف أن اسمه عيسى فيما بعد أو هكذا ينادونه كان يقف على بعد خطوات قليلة من باب المنزل عند الاعتقال بحيث يتعرف على الشخص الذي يتم اعتقاله ويؤكد ذلك للضابط بدون إن يكشف عن وجهه للمعتقل.

تحركت السيارتان من أمام منزلنا الكائن بحي المزاد جنوب ببحري وتركتا الحي ليس كما هو حينما دخلتاه.
حينما دخلتاه كان حيا هادئا اغلب سكانه نياما لتأخر الوقت أو بسبب حظر التجول المفروض على العاصمة الخرطوم و الذي كان يبدأ في الحادية عشرة في تلك الأيام. و أظن الصاحي الوحيد في الحي في ذلك اليوم الذي كان يوم جمعة هي أختي إلهام التي مزقت صرخاتها الهستيرية بعد رحيلي سكون ليل الحي الهادئ و اقتلعت الجيران من أسرتهم وعرف الجميع بخبر اعتقالي في نفس الليلة. هكذا قيل لي يوم طلاق سراحي عشرون شهرا بعد هذا التاريخ.

شقت السيارتان سكون ليل مدينة بحري الهادئ مبتعدة رويدا رويدا عن البيت الذي قضت منام ساكنيه و خلفت الحزن والقلق الشديد بين أفراده. اتجهت السيارة البيضاء نحو أم درمان و كنت شديد القلق على أسرتي وخاصة على أبى المريض بالقلب وعلى أختي إلهام وأنا اسمع صرخاتها الحادة واعرف إلى أي مدة هي رهيفة الحس وأنها لن تتعافى من هذا الحدث بسهولة.

لم أكن أدرى إلى أي مكان يقودوننا ولكن السيارتان كانتا تواصلان السير في طريق أم درمان. مرننا في الطريق بعدد ليس بقليل من نقاط التفتيش فقد كانت الخرطوم في تلك الأيام عبارة عن ثكنة عسكرية. في أم درمان وفى حي العرب توقفت السيارة أمام أحد المنازل و كانت المرة الأولى التي أرى فيها إجراءات عملية الاعتقال من الخارج. غير أن الاعتقال هذه المرة كان هادئا بعض الشئ لأن المعتقل كان فقط هو وعروسه بالمنزل وسأعرف حينما تزاملنا أنا و السر باشاب في سجن بور سودان انه أعد زوجته أحسن إعداد لهذه اللحظة.

يتبع

Post: #12
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: يوسف إدريس
Date: 09-29-2005, 04:58 AM
Parent: #1

الأخ هشام

مصادفة غريبة ... و هذه المصادفة إستفزتني هذه المرة..
تخيل يا أخ/هشام كنت في إجازتي الصيفية قبل هذا التاريخ الذي ذكرته بحوالي شهر و صادفتك في منطقة مجاورة لتقاطع شارع عثمان دقنة مع شارع الجامعة.. ولم يطل اللقاء..
وتخيل صادفت منو بعد داك؟؟؟؟
الشهيد/د.علي فضل ، و كان ذاهبا لوزارة الصحة لإقناع وكيلها أو مساعده : لا أذكر بالضبط؟؟ المهم ذكر لي إسم د.خيري و كان المرحوم في حالة زهج شديد لأنه سوف يقابل هذا الرجل لإقناعه بمد فترة الإجازة الدراسية له، حيث كان يحضر للماجستير في طب المجتمع
، وكانت تلك الإجازة الوحيدة التي لم نلتق بها،و أوصلوا لي رسالة بأنه مشغول ولا يمكن أن تقابله.
حكيت هذه الحكاية قبل عام في مناسبة إجتماعية بالإمارات، و عندما ورد إسم الدكتور/خيري ضمن حديثي ، كان له قريب في الجلسة ، ولم أشعر بالحرج؟ و واصلت حديثي وأبديت حنقي على ذللك الجيل من رجال الخدمة المدنية ، و خاصية الذين يمارسون نفس مهنتك، ولكنهم بيروقراطيون ، ومضرون؟
ولا يقدرون ، ولا يعلمون بالحاصل خارج دائرتهم....
كنت أتمنى أن تطول مشاركتي ولكن..!!!

يوسف إدريس

Post: #13
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Muna Khugali
Date: 09-29-2005, 05:06 AM
Parent: #12

واصـل هشام فضـحهم وفضـح جرائمهم ..اتمني ان يتبع كـل من مـر بتجـارب مثل هـذه خطـاك..

مـني عـوض خـوجلي

Post: #14
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: فيصل عثمان الحسن
Date: 09-29-2005, 06:39 AM
Parent: #13

الاخ هشام المجمر تحياتى.
ادرى تماما حجم الاذى والجذع الذى تعرضت له اسرتكم الكريمة,حيث انى
صاحب تجربة مماثلة, التحايا لكل الاسر التى عانت فى ظل هذا
النظام القبيح , واخص اسر الشهداء. معا للتوثيق لجرائم نظام
الجبهة الفاشى .

Post: #15
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Khaalaleyaal
Date: 09-29-2005, 06:59 AM
Parent: #1

العزيز هشام المجمر تذكر انو هو وحده يمهل ولا يهمل

الاخ فيصل كيف الاحوال ومشتاقين وربنا يفك اسركم من البلد دييك

Post: #16
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: يحيي مصطفي
Date: 09-29-2005, 07:05 AM
Parent: #1

الاخ هشام
تحية طيبة
اود ان عبر لك عن اعجابي بكل ما تكتب ومتابعتي له بتقدير كبير وانا سعيد بزيارة داركم اليوم في اول مداخلة لي معكم واشكرك علي هذا التوثيق وامل ان يحذو بقية الشرفاء حذوك بتوثيق تجاربهم حتي تعلم الاجيال القادمة والحاضرة كل تفاصيل ما جري في تلك الليلة وما تلاها لان في ذلك دروسا وعبرا ولدينا الان جيل كامل تربي في ظل وطن كل مافيه مزيف واصل هذا السرد التاريخي لانني حريص علي ان يعلم اطفالي حقيقة الاحداث يرويها ابطالها.
ولك محبتي
يحيي

Post: #17
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 09-30-2005, 03:24 AM
Parent: #1

الاخ يوسف ادريس

حمد الله على السلامة يا رجل واتمنى ان اراك قريبا
نعم اذكر ذلك اليوم فقد كان من اواخر ايامى فى الحرية ولكننا نحس بانفسنا اقزاما امام شخصيات كعلى فضل الذى قدم روحه فداء لوطنه. التحية له مع الخالدين.

منى خوجلى

شكرا على المؤازرة واتمنى ان يقوم كل صاحب تجربة مماثلة بالكتابة حتى نوثق ما حدث لفائدة الجميع.

فيصل محمد عثمان

شكرا على روح التضامن العالية هذه.ارجو منك توثيق تجربتك فى هذا البوست

Post: #18
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام هباني
Date: 09-30-2005, 07:50 AM
Parent: #1

الجسور/ هشام المجمر

القومة ليك وعشت ابدا ذخرا لهذا الوطن بهذا السجل المشرف من المواقف المنحازة للغبش البسطاء ولنستمر معا يدا واحدة لفضح القتلة والسراق والمأجورين والقوادين والزبانية الاوغاد ولا نامت اعين الجبناء.

هباني

Post: #19
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: فيصل عثمان الحسن
Date: 09-30-2005, 08:09 AM
Parent: #18

الاخ هشام المجمر تحياتى .
قطعا ساقوم بكتابة تجربتى مع الاعتقال , واعتقد ترتيبى سيكون
الثالث بعدالاخ مرتضى جعفر , وارجو ان يلحق بنا بقية الاخوان.
الصديق خال العيال, نحن حتى الان بنفتش فى سائق التاكسى الذى
تركت معه (البتاع), المرة الجاية ما تخمنا زى المرة الفاتت
فى انتظارك,لك احترامى وتقديرى.

























ز

Post: #20
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: خضر حسين خليل
Date: 09-30-2005, 08:14 AM
Parent: #1

الباشمهندس هشام
تحياتي الحارة
لك التحية وأنت تقوم بتوثيق تجربة اعتقالك جميل هذا السلوك . تستحضرني مقولة للأديب منيف في روايته الخالدة (الان هنا او شرق المتوسط مرة اخري) حوار بين طالع العريفي وعادل الخالدي بطلي الرواية . يقول طالع أن المهم أن تكتب . فبالكتابة وحدها يمكننا هذيمة السجن والسجان والبهلوان والصنم . اكتب لان تجربة لان التجربة تستحق وجناتها ماذالوا يقدلون في شوارع البلاد اكتب لنطوق جيدهم بجهنم الذاكرة .

شكراً هشام وعلي الاصدقاء /ت الذين انضجت الجبهة الاسلامية ظهورهم واجسادهم بالتعذيب أن يشرعوا في الكتابة الان الان وليس غداً .

خضر

Post: #21
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 09-30-2005, 08:14 AM
Parent: #1

خال العيال

شكرا على المرور و المؤازرة

يحيى مصطفى

شكرا على تتبعك ما اكتب و اعاهدك على الاستمرار فى نفس النهج ليعرف اطفالك و اطفال السودان جميعا ما فعل هؤلاء فالتاريخ لا ولن يرحم.

هشام هبانى

صديقى ذو الروح الثائرة

شكرا لك على التضامن و معا لنهاية الطريق

Post: #22
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Salwa Seyam
Date: 09-30-2005, 08:58 AM
Parent: #1

الاخ هشام المجمر
التحية لك ولكل المناضلين الشرفاء
ومعا للتوثيق لجرائم نظام الجبهة الفاشى .

Post: #23
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: مهيرة
Date: 09-30-2005, 11:31 AM
Parent: #22

الاخ الكريم هشام المجمر

اولا: الحمد لله على سلامتك من جلادى حكومة الانقاذ، ربنا كتب ليك عمر جديد

ثانيا: كما ذكر الاخوة لا بد من محاصرة عصابة الانقاذ الحاكمة منذ 1989 يونيو ومن خرج

منهم للمعارضة بقيادة كبيرهم الذى علمهم السحر الشيخ الترابى،و يجب الا تنطلى حيلة

المعارضة التى يتمنون ان تنجيهم من حساب الدنيا.

ثالثا: علي كل من عذب- وما زال حيا- البدء فى التحضير لرفع دعاوى قانونية ضد من قام

بتعذيبه وضد المسئولين الذين سمحوا بتلك التجاوزات لحقق الانسان،وكذلك على اولياء من

قتلوا جراء التعذيب فى بيوت الاشباح.

يمهل ولا يهمل!

تحياتى

Post: #24
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Abdelfatah Saeed Arman
Date: 09-30-2005, 11:39 AM
Parent: #1

بعد التحيه

بلا و انجلا و حمد لله الف على السلامة.


و فى انتظار تجربة الاخ مرتضى جعفر


مع مودتى للجميع

فتاح عرمان

Post: #25
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: sari_alail
Date: 09-30-2005, 11:54 AM
Parent: #1

عمنا هشام المجمر
واصل في الحديث

لك التحية من بلاد الملايو

Post: #26
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 09-30-2005, 11:36 PM
Parent: #1

سلوى صيام
مهيرة
فتاح عرمان
إبن الاخ العزيز سارى الليل


شكرا لكم على المرور و إبداء روح التضامن و سوف اواصل قريبا

Post: #27
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هميمة
Date: 10-01-2005, 00:34 AM
Parent: #1


المجمر .............

ان الاشياء بضدها تنجلى ...!!!!!


كم قضيت فى سجون الزبانية ؟؟؟؟؟؟؟؟ عام ؟ اثنان ؟ ثلاث ؟؟


تاكد انها سنوات شرف والق ستزين جبينك ما دمت حيا


ولا نامت عيون الجبناء !!!!!!

Post: #28
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-01-2005, 02:56 AM
Parent: #1

شكرا هميمةعلى المساندة و التضامن. هذه السنوات الاثنين اسهمت فى تشكيل حياتى المستقبلية لما هو افضل بكثير مما كنت عليه و سوف اوضح هذا فيما بعد.

Post: #29
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-01-2005, 04:09 AM
Parent: #1

عندما وصلنا منزل السر باشاب و بدأت السيارتان في التوقف قفز ثلاثة من الجنود الأربعة و قاموا بإحاطة المنزل من ناحية السورين الذين يفصلانه عن الشارع للتأكد من عدم فرار المطلوب عن طريق القفز على السور كإجراء احترازي رغم أنى لم أسمع بمعتقل سياسي سوداني استعمل هذه الطريقة لأن الغالبية تذهب بثبات لمعتقلاتها.

طرق الضابط على الباب وكان عيسى يقف على بعد نحو أربعة خطوات من الباب وقد تمكنت من رؤية وجهه في تلك اللحظة على ضوء عمد إنارة الشارع فقد فلتت من يده العمة التي كان يخفى بها جزء من وجهه.

أعاد الضابط الطرق مرة أخرى. هذه المرة كان بقوة أكبر لأن من كان بالداخل تأخر في الرد ربما لاستغراقهم في النوم.

فتح الباب شاب مربوع القامة مستدير الوجه كان يرتدى جلبابا و طاقية تبادل حديثا سريعا مع الضابط ثم مع المرآة التي كانت تقف خلفه التي تبين لي فيما بعد أنها زوجته و إنها جزعت بعض الشئ عند حدوث الاعتقال رغم تحضير زوجها لها. قلت للسر و نحن في سجن بور سودان نتبادل الحديث عن تلك الليلة عندما قال لي أنه اضطر أن يكلم زوجته ببعض الشدة و يذكرها بما قاله لها سابقا عن احتمال اعتقاله : ماذا كنت تتوقع من عروس لم يتجاوز زواجها العام الواحد؟ يعتقل زوجها أمامها في تلك الساعة المتأخرة و هي وحيدة في المنزل؟ أحمد لها أنها تماسكت ولم تصرخ ولم تبكى.

لم يسمح الضابط للسر باشاب بدخول المنزل مرة أخرى تماما كما حدث لي ولكن السر كان مقارنة بي و بالمعتقل الآخر مهندما بعض الشئ.

عندما صعد على العربة قال بصوت قوى السلام عليكم رددت عليه التحية و قد كانت بعينيه لمعة قوية تدل على قوة التصميم والإرادة و الجرأة التي لا حدود له.

بعد أن تحركت العربة سأل السر الجنود : إنتو مودننا وين فلم يجبه أحد.

واصلت العربة طريقها في أزقة أم درمان وتوقفت أمام منزلا آخر. تم الاعتقال هذه المرة بنفس الطريقة غير أن الذي فتح الباب شخص آخر غير المطلوب و ذهب للداخل لإبلاغه. مرت بعض الدقائق قبل أن يظهر المعتقل الذي تبين أنه آخر مطلوب لهذه الحملة في تلك الليلة.

في انتظار قدوم سيد عيسى المحامى ( المعتقل الأخير) من الداخل اسند الضابط يديه على العرب قرب السر باشاب الذي فاجأه بالسؤال انتو مودننا وين؟ ابتسم الضابط قائلا: ماشين نفسحكم. ونفسحكم هذه بلغة العساكر تعنى ماشين نعدمكم. رد عليه السر باشاب بقوة: والله انتو ما تقدروا تفسحوا ناموسة. قال له الضابط: انت عامل فبها راجل طيب لمن تجى ساعة الفسيح ورينا شطارتك. فقال له السر: على الأقل بنكتل لينا بواحد أتنين منكم قبل ما تكتلونا كدي جربو.

وكان حديثه هذا مع الضابط مثار دهشتي فقد كان ينم عن كثير من الشجاعة والصلابة مقارنة بي فلم أفكر أن أسأل هذا السؤال بل كان كل فكرى منشغلا بوالدي وصحته المعتلة.

في هذه اللحظة خرج سيد عيسى لابسا بنطلونا و قميصا ويحمل في يده هاندباق به حاجياته. يبدو انه كان مستعدا جيدا لمثل هذا الموقف وعلمت فيما بعد أنه أعتقل عدة مرات في زمن المشير الأول نميرى.

بعد ظهور سيد عيسى وركوبه معنا على العربة لم يواصل الضابط الحديث المثير مع السر باشاب و تحركت العربتان . هذه المرة كان الاتجاه نحو الخرطوم. كنا في العربة أربعة من المعتقلين: ود الحورى: الخطوط الجوية السودانية، هشام طه المجمر مهندس بالهيئة القومية لمياه المدن وعضو باللجنة المركزية لنقابة المهندسين ، السر باشاب بنك الخرطوم وعضو نقابة البنوك و الأستاذ سيد عيسى المحامى وذلك تبعا لترتيب الاعتقال.

يتبع

Post: #30
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: sari_alail
Date: 10-01-2005, 04:52 AM
Parent: #1

واصل في السرد عمنا هشام المجمر ,,,,فمثل هذه القصص نواجه بها الكيزان والجبهجية هنا في ماليزيا

Post: #31
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-01-2005, 06:48 AM
Parent: #1

سارى الليل

الطويل إبن اخى و صديقى يوسف الطويل

البديع فى الامر انك انت و ابوك تتداخلان فى نفس البوست فيالسعادتى بكما نعم الاب و الإبن.

سوف اواصل الكتابة يا سارى الليل و من دواعى فرحى ان آخرين سوف يسجلون تجاربهم ايضادمت زخرا للوطن و النضال.

Post: #32
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-02-2005, 04:18 AM
Parent: #1

في الطريق إلى الخرطوم مررنا بعدة نقاط تفتيش و كانت العربات في ذلك الزمن تفتش مرتين عند مدخل ومخرج الكبرى نفسه و كان ذلك التشديد يدهشني و يذكرني بدكتاتوريات أمريكا اللاتينية العتيدة.

وصلنا حوالي الثالثة و النصف صباحا إلى وجهتهم. تعرفت فورا على المكان. إنه المقر الرئيسي للجنة الانتخابات في زمن الديمقراطية الثالثة تحول لمركز للاعتقال فقلت لنفسي هذه إهانة مباشرة موجهة لهذا الشعب.

بعد دخولنا طلب من النزول من العربة وتم توزيعنا على عدد من الغرف وعند دخولنا لها تم إطفاء الإضاءة مباشرة وإغلاق الباب. كانت الغرفة كبيرة بعض الشئ فهي في الأصل كانت تستعمل كمكتب. لم يكن يوجد بها شئ سوى ثلاثة طاولات مكتب من الطراز القديم مصنوعة من الخشب . بعد إطفاء النور سرت وأنا أتحسس طريق لكي لا اصدم بأحد الطاولات وعندما وصلت لأول طاولة قفزت عليه و جعلت أفكر . هذه المرة كان جل تفكيري في ماذا سوف يحدث بعد. هل سيحققون معنا كما كان يدعون في تلك الأيام في وسائل الإعلام؟ وأين سيحققون معنا؟ وفى ماذا سوف يكون التحقيق؟ وهل سنظل محبوسين في هذه الغرف التي لا توجد بها سوى طاولات؟ أم سنحول لمكان آخر؟

الكثير من الأسئلة والأفكار الأخرى كانت تدور برأسي ولم أستبعد احتمال التفسيح فقد قاله الضابط بعضمة لسانه.
حاولت التمدد على الطاولة ولم ينفعني ذلك لأن الطاولة كانت أقصر بكثير من أن تقبلني دون أن أضم ساقي على و أتكور في وضع يشبه وضع الجنين في داخل رحم أمه وهكذا فعلت فليس لى خيار آخر.

ظللت على هذا الوضع تلتهمني الأفكار و الهواجس وأتقلب مرارا و تكرارا علني أجد بعض الراحة حتى طلع النهار وظهر بعض الضوء من تحت النوافذ والباب.

لا أدرى هل غفوت أم ماذا ولكنني سمعت صوت باب يفتح واكتشفت أن الغرفة بها حائط خشبي قصير يفصلها عن الغرفة المجاورة التي تبين لي فيما بعد أن جنديان يستعملانها.

بدا لي من شكل الحركة في الغرفة المجاورة أنها تستعمل لأداء بعض المهام المكتبية واستطعت بعد فترة تمييز صوتي جنديين كان حديثيهما قليلا ولكن أحدهما كان متبرما ويشكو بوضوح عن عدم تلقيه لحصته من السكر هذا الأسبوع.

رد عليه الآخر بحزم: يا محمد أنت راجل شاركت في تنفيذ الانقلاب ما عيب عليك تتكلم عن السكر. خليك من هموم الحياة الفارغة دي.

حاول الجندي الآخر الرد ولكن محدثه طمأنه أن حقه سوف يصل إليه لغاية البيت. لم اسمع حديثا بعد هذا. بدا لي أن احدهم قد ترك الغرفة.

بعد مرور حوالي الثلاث ساعات وكانت الساعة حسب تقديري ربما قد تكون تجاوزت العاشرة فتح احدهم الباب و أشار إلى أن انضم لرفاقي المجودين جوار عربة في منتصف الحوش. سالت بصوت خفيض إلى أي مكان نحن ذاهبون ؟ قال لي الجندي : إلى كوبر.

يتبع

Post: #33
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: jini
Date: 10-02-2005, 06:22 AM
Parent: #32

شهادتى مجروحة يا صديقى أيها الوطنى الجسور
ما أتعس السودان الذى يتشرد نابهيه الشرفاء ملح الأرض فى المنافى
و يتسنم الزبد فيه سدة الحكم!!!
جنى

Post: #34
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-02-2005, 07:35 AM
Parent: #1

جنى العزيز

كل سنة وانت طيب

بيجى يوم و يذهب الزبد جفاء

Post: #35
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: ترهاقا
Date: 10-02-2005, 08:36 AM
Parent: #34

عتــــــلة للمتـــابعة وعشان كل من ناصر الإنقاذ يشوف الوسخ اللى كان حاصل
فى الضلمة لا مراعاة لرجل كبير مريض ولا لى عروس .

حقا من أين اتى هؤلاء؟

Post: #36
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: sari_alail
Date: 10-02-2005, 12:57 PM
Parent: #1

سؤال يطرح نفسه دوما :
من اين اتى هؤلاء؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

Post: #37
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-02-2005, 11:18 PM
Parent: #1

ترهاقا

شكرا على المؤازرة

سارى الليل

شكرنى على المتابعة و خليك قريب

Post: #38
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: أبوالزفت
Date: 10-03-2005, 02:38 AM
Parent: #1


أتمى انك ما تكون بتكتب من الذاكرة وتكون وثقت هذه الاحداث فى وقتها بكل التفاصيل, وخلال فترة الاعتقال اذا تعرضت لاى نوع من انواع التعذيب طالب بحقك ولايضيع حق وراءه طالب.

Post: #39
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: حسام يوسف
Date: 10-03-2005, 05:32 AM
Parent: #38

Quote: في الطريق إلى الخرطوم مررنا بعدة نقاط تفتيش و كانت العربات في ذلك الزمن تفتش مرتين عند مدخل ومخرج الكبرى نفسه و كان ذلك التشديد يدهشني و يذكرني بدكتاتوريات أمريكا اللاتينية العتيدة




تعرف يا عزيزي هشام ديل ما اقل منهم نحن في انتظارك

Post: #42
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Elawad Eltayeb
Date: 10-03-2005, 08:18 AM
Parent: #39

Quote: السر باشاب بنك الخرطوم وعضو نقابة البنوك


الأخ العزيز هشام المجمر،
شكرا لهذه الكتابة التي أثارت لدينا الشجون.
فقد كان المناضل السر باشاب زميلاً لنا في بنك الخرطوم وإن كنا حديثي عهد بالبنك حينها ولكن جمعتنا معه المواقف نفسها من النظام الحاكم، فلك وله ولكل المناضلين أكرم تحية. وقد كان لي شرف التعرض للإعتقال مرتين وخمسة من زملائي وزميلاتي من بنك الخرطوم بسبب مواقف داعمة للزملاء المعتقلين لأسباب سياسية ومحاولة تسويتهم بمن فصلوا لأسباب أخلاقية في محاولة بائسة من النظام للإساءة للمعتقلين لأسباب سياسية وعزلهم وعزل أسرهم، بالإضافة لخلافات مستمرة مع نظام الجبهجية ورموزه في بنك الخرطوم وخارجه إنتهت باستقالتي من العمل.

وفي إنتظار المزيد من التفاصيل.


العوض أحمد الطيب
كمبيوتر بنك الخرطوم فرع الجمهورية (سابقاً)

Post: #40
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-03-2005, 06:10 AM
Parent: #1

ابو الزفت

هذه الاحداث أغلبها مسجل بتواريخه وتفاصيله ولكنها أيضا محفورة فى الذاكرة. إذا تعرضت لمثل هذه الاحداث فستكتشف انك لا يمكن أن تنساها او تنسى الاشخاص الذين كانو معك وصنعوا تلك الاحداث فأطمئن كل شئ مكتوب بدقة هنا.

حسام يوسف

شكرا على حسن المتابعة

Post: #41
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-03-2005, 06:40 AM
Parent: #1

تحركت السيارة و اخبرنا الجندي المرافق لنا وكان يلبس زيا مدنيا و لا يحمل أسلحة ظاهرة هذه المرة (ربما لعدم إثارة الانتباه نهارا) أنهم سوف يأخذوننا إلى بيوتنا لأخذ حاجياتنا قبل الذهاب لكوبر.

انفرجت أساريرنا لأول مرة منذ الأمس و قد أخذتنا السيارة فعلا لبيوتنا و بدأنا ببرى حيث يسكن ود الحورى وانتهينا بامدرمان.

كان الجندي الذي يتبع للاستخبارات العسكرية ودودا جدا معنا وغاية في اللطف وسمح لكل من بأخذ الزمن الذي يريده في أخذ ما يحتاج ووداع أهله.

عندما وصلت على البيت وكانت الساعة حوالي الحادية عشر والنصف فوجئ من بالبيت و فرحوا جدا لرؤيتي ولو أنى لم أجد شقيقي حسام الذي كان قد ذهب للسؤال عنى ولا شقيقتي الهام التي ذهبت للامتحانات. أخذت حاجياتي بسرعة وودعت الجميع وخاصة والدي الذي كان يبدو إن المرض والقلق قد أنهكه بعد حادثة الأمس وكنت أخبرتهم فور دخولي إنهم سوف يذهبون بنا لكوبر ولم افهم لم قال والدي الحمد لله حينها إلا عندما تواترت لنا إخبار التعذيب الوحشي الذي تعرض له المعتقلون اللاحقون في بيوت الأشباح بدءا من شهر نوفمبر 1989. وقد التقيت ببعض من عذبوا من معتقلي بور سودان في شهر ديسمبر 1990 عندما أتوا بهم على السجن و حكوا لنا قصصا مهولة لا تصدق عن التعذيب الذي طالهم سوف أسردها في حينه.

أكملنا الإجراءات المطلوبة في مثل هذه الحالات وتم تسجيلنا كمعتقلين في سجن كوبر. عندما أخذنا للدخول مررنا بمبنى مكون من عدة طوابق وقال لنا عسكري السجون أنها السرايا وبها عنابر السجن الرئيسية والتي يسكنها المجرمون العاديون. بعد أن تجاوزنا السرايا شمالا توقف السجان الباب عند باب صغير يفصل حوش السرايا عن حوش آخر. وامرنا بالدخول فوجئنا بمجموعة كبيرة من المعتقلين تنتظرنا خلف الباب بدأت تنشد الأناشيد الثورية مرحبة بنا فأغرورغت عيني بالدموع وصرت أنشد معهم حينها امتلأت روحي حماسا وإصرارا على مقارعة الظلم و الاستبداد أينما كان ولو تطلب ذلك التضحية بأعز ما املك.. النفس. كان في مقدمة هؤلاء الشاعر محجوب شريف و الذي سوف تربطني به علاقة متينة في ما استقبلنا من أيام.

كان السجن مكتظا بالمعتقلين السياسيين من كافة الأحزاب السياسية و النقابات و منظمات المجتمع المدني ما عدا تنظيم الجبهة الإسلامية فكل كوادره النشطة لم يطلها الاعتقال بينما اعتقل زعيمهم الترابي و كان وقتها في نفس السجن ككومفلاج سرعان ما انكشف وقد قال الزعيم الإسلامي بعد مفاصلة ديسمبر 1999 التي أخرجته من الحكم وأودت به للسجن الحقيقي هذه المرة " وودعته فذهب هو للقصر وذهبت أنا للسجن"

عدد المعتقلين في ذلك الحوش الكبير الذي سوف تعرفون اسمه لاحقا كان يتجاوز المائة وعشرون موزعين على ثلاثة عنابر كبير بنيت داخل حوش واسع . من داخل هذا الحوش يمكنك مشاهدة المشنقة الكبيرة التي شيدت من الفولاذ وعلى عجل أثناء قوانين طوارئ نميرى المشهورة والتي أعلنها للبدء في تنفيذ قوانين سبتمبر 1983 سيئة السمعة. على هذه المشنقة علق شهيد البلاد و الديمقراطية محمود محمد طه بسبب منشوره الشهير "هذا أو الطوفان" والذي أصدره في معارضة تلك القوانين. كنت كلما انظر إليها من خلف الحائط العنها والعن من كان سببا في صنعها ولم أكن أدرى وقتها انه سوف يأتي يوم ويتبختر فيه المشير الهارب في شوارع الخرطوم دون مساءلة بسبب ما أسبقه عليه شركاؤه في الجريمة من عفو لا يمتلكون حقه.

بينما أنا أتعرف على المكان والناس جلبت لنا أسرتنا وأفسح لنا مجال في تلك العنابر و التي كانت تشرف على الاكتظاظ. تناولنا الطعام لأول مرة منذ الأمس مع بقية المعتقلين و سمح لنا ببعض الراحة حتى المساء ومن ثم تم توزيعنا على اللجان المختلفة التي كونها المعتقلون لإدارة أمورهم داخل المعتقل.

يتبع

Post: #43
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: sari_alail
Date: 10-03-2005, 11:45 PM
Parent: #1

UP

Post: #44
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-04-2005, 00:16 AM
Parent: #1

الاخ العوض الطيب

انا نفسى أثيرت عندى الشجون فتلك ايام رغم صعوبتها شهدت نضالا جبارا ضد سلطة مستبدة حاكت فى استبدادها اشد الانقالابات هولا على الناس وهى انقلابات امريكا اللاتنية.

شكرا على دعمك للمعتقلين الذى تسبب لك فى الاعتقال وقد كان هذا ديدن كثير من الشرفاء وقد توفرناعلى بعضهم فى بورسودان ساعدونا ومدونا بإحتياجاتنا حتى إعتقلوا هم أنفسهم وسوف اقوم بذكرهم فردا فردا فى هذا البوست.

لك التحية الطيب العوض وربنايكتر من أمثالك

سارى الليل

شكرا على المرور ورفع البوست

Post: #45
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Sidgi Kaballo
Date: 10-04-2005, 03:30 PM
Parent: #44

المهندس المناضا هشام
أرجو أن تستمر في الكتابة فأنت تكتب تاريخاواجب التسجيل، ورغم وجودي في الخارج وعدم إعتقالي بواسطة نظام الجبهة فقد بدأت أكتب مذكراتي عن فترات إعتقالي أيام نميري وذلك تنفيذا لوعد وعدته لصديقي الراحل الخاتم عدلان.
كنا نتابع إعتقالاتكم وننشر أخبارها وننظم حملات التضامن معكم وقدلعبت منظمات مثل أفريكا ووتش، هيومان رايتس ووتش، آمنستي، المنظمة السودانية لحقوق الإنسان، ونشرة سزدان أبديت دورا كبيرا في تلك الفترة في فضح الإعتقالات والتعذيب وتوصيلها للجنة الأمم المتحدةلحقوق الأنسان وهذه أيضا تحتاج لتوثيق.
ِكرا لك وفي إنتظار شهادتك للتاريخ وشهادات آخرين.

صدقي كبلو

Post: #49
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: فيصل عثمان الحسن
Date: 10-05-2005, 10:32 AM
Parent: #45


(ابديت دورا كبيرافى تلك الفترة فى فضح الاعتقالات والتعذيب وتوصيلها
للجنة الامم المتحدة لحقوق الانسان وهذه ايضا تحتاج لتوثيق)!!!!!!!!!
لاتنسى عند التوثيق الاشارة للمعلومات الكاذبة التى نقلتها عننا بسؤ قصد
للسلطات السويسرية,انا حقيقة لا ارغب فى جر البوست لغير اهدافه لكن ايضا
لن اتركك تستعرض بطولات انت برى منها برائة الذئب من دم ابن يعقوب.

Post: #46
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: إسماعيل التاج
Date: 10-04-2005, 05:48 PM
Parent: #1

العزيز هشام

حاولت الصمود وعدم التداخل حتى تنـتـهي من السرد ولكني انهزمت أمام تداعي الأحداث.

أضف صوتي إلى من سبقوني بأنَّ التوثيق مهم لمثل هذه الأحداث ولفترة حالكة في تاريخ السودان الحديث. ولقد بـدأ العزيز ود الزين في نثر ذكرياته/مذكراته في تداخلات هنا وهناك فليته يعمل على تجميعها في مكان واحد.

من ضمن ما استـوقفني في سردك هـو توقيت الاعتقال المصحوب بخلق مناخ من الخوف والهلع في الضحايا وأسرهم. أيضاً هنالك عامل الجبن الذي يتسم به المرشد الذي يدل العساكر على الضحايا. دومـاً هم كذلك من الجبن بمكان.
Quote: طرق الضابط على الباب وكان عيسى يقف على بعد نحو أربعة خطوات من الباب وقد تمكنت من رؤية وجهه في تلك اللحظة على ضوء عمد إنارة الشارع فقد فلتت من يده العمة التي كان يخفى بها جزء من وجهه .

الشهادات الحية مهمة ليس للتوثيق فقط بل أيضاً لمساءلة مرتكبي تلك التجاوزات وتعويض الضحايا وأسرهم التعويض المناسب.

وتحية لك وللصديق ود الزين ومرتضى جعفر ولكل من صمد أمام آلة القمع الإنـقـاذية.

وأتابع بإهـتمام.

Post: #47
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: nasiradin
Date: 10-05-2005, 00:25 AM
Parent: #1

معتقل فى كوبر
ياخى انت كنت فى فندق خمسه نجوم
لك ان تحمد الله كثيرا
متابعك
واصل

تخريمه:
أحس بمعاناتك فالاعتقال هو الاعتقال نفس الشعور و الالم غصة الضطهاد و الاحساس بالذل مع اختلاف الاماكن و المواقيت

ناصر البطل

Post: #48
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-05-2005, 05:16 AM
Parent: #1

الاخ صدقى كبلو

الشكر الكثير لك و أوكد لك لولا العمل العظيم الذى قمتم وقامت به المنظمات الدولية فى الخارج لتمادى النظام فى قهره للناس فهم يخافون ولا يختشون.

اسماعيل التاج

شكرا لك على المؤازرة و سوف أواصل نشر هذه المذكرات فقط اعيد الآن ترتيب بعض اوراقى و قريبا سأستكمل ما تبقى.

تاصر البطل

لقد ذكرت ان أبى رحمه الله حمد الله كثيرا أنهم سوف ياخذوننى لكوبر وقلت انى لم أعرف لما فعل ذلك حتى تواترت لنا اخبار التعذيب الشرس و الوحشى الذى طال المعتقلين بعد ذلك ولم يوفر احدا كبيرا كان ام صغيرا. نحن لم نعذب ولكنا تعرضنا للإعتقال الطويل بدون محاكمة أو حتى تحقيق وهذا الاعتقال الذى لا تعرف له نهاية حتى تسمع اسمك له آثار لا يعرفها إلا من تعرض له. عموما أحى من هنا كل من صمدوا فى زنازين و مراحيض بيوت الاشباح وسوف اروى ما حدث لمعتقلى بورسودان كما ذكرت سابقا فى حينه و هو مروع فقد تفنن هؤلاء الزبانية مرضى النفوس فى تعذيب ابناء شعبنا. يوم الحساب لابد لآت.

Post: #50
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: عماد شمت
Date: 10-05-2005, 12:52 PM
Parent: #48

المناضل هشام واصل في التوثيق. وكل مناضل يوثق لهذه الجرائم
وفي نهاية المطاف عليكم ياخراجه في كتاب (يسممي جرائم نظام الانقاذ)
ويا فيصل عثمان ما في زول بكتب لنفسه شقي !!!!!! كل ظالم ليهو يوم.
تسلم من كل سوء اخي هشام

Post: #51
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: بكرى ابوبكر
Date: 10-05-2005, 04:39 PM
Parent: #50

الرائع هشام
رمضان كريم
بوستاتك جديرة بالمتابعة ............
و البوست ده جدير بالمتابعة و التوثيق للاجيال القادمة ........الاخ هشام ارجو اخطارى عند انتهاء هذا البوست التوثيقى لحفظه للتاريخ فى مكتبتى ضحايا التعذيب والمواضيع التوثيقية
استمر

Post: #52
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Tragie Mustafa
Date: 10-05-2005, 07:22 PM
Parent: #51



اخي الفاضل هشام المجمر

واصل التوثيق يا اخي

هذا البوست جعلني اتسمر للشاشه واتناول افطاري بلحات امامه

كم يوم وانا اراه امامي وام اقوى على فتحه واليوم فعلت!!!!!!!

صرخة اختك احسستها طلعت من ضلوعي

قادتني الذكريات لاحداث 71 والاعتقالات التي طالت الجميع

ومنظر العسكر وهم يدخلون منزلنا حاملين ملابس ابي وطلبوا غيارا له!!!!!!!!

لازلت مندهشه لماذا خلعوا ملابسه ولماذا ابقوه بملابسه الداخليه حتى يأتي الغيار

وكان قد اعتقل من مكتبه ولم يهن عليهم ان يذهبوا به لبيته حتى يغير

وكان لابد ان يستمتعوا بساديتهم برؤية الفزع في عيون صغاره

عندما يحضروا لنا في موعد عودته من المكتب ولكن بدلا عن

حضوره الحبيب اتتنا ملابسه ولم نستوعب شيئاوقتها

وكان احساسنا ان ابي مات.

وعلى فكره المسافه من مكتبه لمنزلنا اقل من واحد كيلومتر!!!!!!!

واصل يا اخي

كلنا اذننا مصغيه.

تراجي.

Post: #53
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: nour tawir
Date: 10-05-2005, 08:47 PM
Parent: #52

هشام المجمر

رمضان كريم

اعلم يا اخى ان الله سبحانه وتعالى حسيب من ظلم وأعدل من حكم.

وهو فقط يمهل ولكنه لا يهمل..

تأكد من ذلك..

انا بس مناى يوم حسابهم اكون عايشة ما مت..

Post: #54
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: صديق الموج
Date: 10-05-2005, 09:20 PM
Parent: #1

لاشى يفسد هذا التداعى الجميل غير مداخلاتنا تلك ولكن من اجل رفع البوست دعنا

نتثاقل ولنا تعليق فى نهاية هذا التوثيق..تصوم وتفطر على خير،،،

Post: #55
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-06-2005, 00:05 AM
Parent: #1

الاخ عماد شمت

شكرا. أقتراحك بتسجيل تعديات الانقاذ فى كتاب واحد إقتراح جميل.
إنهم الان يحاولون التشدق بأن السودان اصبح حرا و ديمقراطياتحت قيادة نفس الاشخاص الذين مارسوا تلك الجرائم بحق شعب السودان. نقول لهم أن الجرائم ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم. مها طال الزمن و شعرتم بالامان و أطمأنيتم لنسيان ما فعلتم نحن لن ننسى ويوم الحساب بيجى.

الاخ بكرى أبو بكر

تصوم وتفطر على خير وكل سنة وإنت طيب
الحمد لله الذى وفقنى هنا و فى سودانيز أون لاين على توثيق ذلك الحدث الهام والمحورى فى حياتى.

مع إن الكتابة حول هذا الموضوع صعبة وتطلب الدقة إلا ان تضامن الناس و خاصة زملائى فى البورد شجعنى اكثر على المضى قدما و كان بلسماسحريا أزاح بعض ما علق فى دواخلى من احداث ذلك الزمن وما تلاها من احداث فى تاريخ السودان.

الشكر لك للرغبة فى توثيق البوست مجددا وسوف اخطرك عند حلول نهايته.


Post: #56
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-06-2005, 04:46 AM
Parent: #1

الاخوات الفاضلات

تراجى مصطفى

نور تاور

شكرا لكما على المرور و المؤازرة

الاخ صديق الموج

مداخلاتكم حى نفس البوست وروحه من دونها لن ينبض قلبه بالحياة. واصلو التداخل و التعليق ولكم الشكر

Post: #57
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: elsharief
Date: 10-06-2005, 11:58 AM
Parent: #56

الاخ هشام المجمر

نتابع البوست التوثيقى باهتمام واصل فى كشف وتعرية ممارسة نظام الانقاذ

Post: #58
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-07-2005, 11:40 PM
Parent: #1

شكرا اخى الشريف على المرور والمؤازرة.

الاخوة القراة و المتداخلون

آسف إن ـاخر تسلسل النشر بسبب ترتيب الاوراق والتأكد من صحة السرد التاريخى و سوف أبدأ مواصلة النشر بدأ من اليوم ولكم الشكر على حسن المتابعة.

Post: #59
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: sari_alail
Date: 10-08-2005, 00:26 AM
Parent: #1

عمنا هشام المجمر نحن في الانتظار
أها بعد دا حاتابع البوست من الامارات ..................

Post: #60
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-08-2005, 01:53 AM
Parent: #1

قضينا اليوم الأول بقسم المديرية بكوبر و قد مرت أحداثه سريعا . رغم أحداث ليلة أمس فإن الليلة الأولى داخل السجن تبدو مختلفة جدا. بعد هدوء عاصفة الاعتقال يفاجئك السجن بالاضطرار لاستعراض كل الأحداث التي مرت والتي تحدث والتعامل معها الآن بصفة جديدة صفة أنك معتقل عاجز عن فعل أي شئ تجاهها

فكرت فيما هو خاص: أهل بيتي ، والدي وكيف هي صحته الآن وما هو عام . ماذا فعلت وماذا فعلنا؟ وكيف كان يمكن العمل بصورة أكثر فاعلية وتجنب الاعتقال. الانقلاب كان متوقعا ورغم ذلك نجح في مفاجأة الجميع وكأنهم لا يصدقون أن أكثر شئ كان متوقعا تلك الأيام يمكن أن يحدث. و عندما حدث استخف الكثيرون بالكارثة و اعتبروا أن هذا الحكم الجديد الذي جاء بدعم من احد أكثر الأحزاب السياسية مالا و تنظيما و دهاء لن يستمر كثيرا بل أن بعضهم صار يسمى الاسماء للفترة الانتقالية.

مر شريط الأحداث أمام عيني سريعا و حاولت إقناع نفسي أنه ليس بالإمكان أحسن مما كان وعلى الآن التعامل مع الواقع الجديد الذي فاجأني أنا أيضا رغم توقعي له وتحذير والدتي لي عدة مرات آخرها كان من أحد ضباط الأمن من حي الدناقلة جنوب الحي الذي كان به بيت جدتي و شهد لحظة ميلادي. لم استمع للتحذير رغم أنني كنت على وشك مغادرة السودان بعد حصولي على منحة للدراسات العليا في هولندة وكانت والدتي تشدد على أنى يجب أن لا أضيع هذه الفرصة. اقترحت على زيارة أختي ابتسام التي كانت في تلك الأيام تعيش مع زوجها و أولادها بمدينة النهود، ومن ثم أحضر قبل يوم أو يومين من السفر ولا اظهر إلا في المطار ولكني رفضت فقد كان عقلي يعمل في اتجاه واحد تلك الأيام ولا يمكن لأي قوة تغييره. كنت في حمى الدفاع عن حق كنت أراه وما زلت حقا مقدسا لكل إنسان. قادني هذا للتفكير في المنحة التي يبدو أنها ضاعت. تلك المنحة التي كان ينتظر الدور فيها جميع المهندسين بالهيئة لما تشكله من تغيير في مستقبلهم العلمي و المهني. عند اعتقالي كنت على بعد أسبوعين فقط من السفر وكنت قد استلمت تذاكر السفر أنا وزملائي من المرشحين الذين أسعدهم الحظ بالقبول ومن ضمنهم صديقي الذي سوف آتى على ذكره فيما بعد هاني روجيه شاروبيم.

تأكدت أن من اعتقلني أراد حرماني من المنحة فأنا أصلا كنت سوف أسافر في ظرف أسبوعين وسوف أختفي من الساحة السياسية و النقابية إذا كان هذا هو المقصود من الاعتقال.لكن يبدو أن القصد كان أكبر من ذلك وهو تعطيل مستقبلي المهني و هذا ما تم وما يتم بصورة أو بأخرى مع كل الذين عارضوا نظام الإنقاذ فقد كان ديدن الجبهة الإسلامية في زمن الديمقراطية هو الفجور في الخصومة فكيف يكون فعلها و قد امتلكت السلطة وقوة البطش الهائلة المتمثلة في الأمن و الجيش.

قلت لنفسي في ذلك اليوم الذي جافاني النوم فيه للمرة الثانية على التوالي: لا تحزن فلو حدثت نفس هذه الأحداث مرة أخرى و خيروك بين الاختفاء و اللحاق ببعثتك أو المقاومة لاخترت المقاومة دون تردد.

يتبع

Post: #61
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-08-2005, 05:16 AM
Parent: #1

سلامات سارى الليل و مرحب بيك فى الامارات.

رمضان كريم

تصوموا و تفطروا على خير.
بلغ تحياتى للصديق يوسف.

Post: #62
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 10-08-2005, 10:28 AM
Parent: #61

شكراً على التوثيق يا هشام،
أستمر، لكيلا لا ننسى!
وما أضعف ذاكرتنا السياسية!

Post: #63
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: saadeldin abdelrahman
Date: 10-08-2005, 03:06 PM
Parent: #1

أخي هشام

رمضان كريم
أرجو أن تتقبل إعتذاري أن هاجمتك قبل هذا في أحد البوستات و تسرعت بنعتك بما علمت الآن أنه ليس فيك..وأخجلني ردك العاقل والهادي وقتها حقيقة.

المي بارد بقد الدلو (شدييييد)

أخوك/
سعدالدين

Post: #64
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-09-2005, 01:42 AM
Parent: #1

الاخ حيدر بدوى

شكرا لك على المؤازرة و سوف أستمر فى تسجيل و توثيق تلك الاحداث لأجل التاريخ.

الاخ سعد الدين عبد الرحمن

رمضان كريم

اعتذارك مقبول يا سيدى ولو أنى لا أذكر أنك هاجمتنى فى أحد البوستات. لقد عاهدت نفسى عند الانضمام لهذا المنتدى على فعل ما ينفع الناس ولكن حتى هذا الفعل ربما يجلب معه بعض الاخطاء التى هى من صميم الطبيعة الانسانية.المحك هنا هو الصدق مع النفس و الناس بعدها الاخطاء ملحوقة. لك الشكر على الكلام النبيل.

Post: #65
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-09-2005, 04:06 AM
Parent: #1

لم تمض أيام، بل سبعة أيام بالعدد حتى تم ترحلينا إلى سجن بورسودان وتلك قصة سوف ارويها في وقتها ولكني أريد أن أحدثكم عن ما حدث في الأيام السبعة التي قضيتها بقسم المديرية بسجن كوبر.

كان قسم المديرية في تلك الأيام يكتظ بالمعتقلين السياسيين كما كان هناك قلة من تجار العملة وأشخاص آخرين ليس هناك سبب واضح لاعتقالهم. كان مناخ المعتقل تملأه الشائعات ،من شائعات عن المفاوضات التي تتم بين الصادق ونسيبه الترابي بخصوص الاتفاق على عودة الديمقراطية و إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين إلى شائعات عن قرب تصفية كل المعتقلين السياسيين لدرجة انه تم التفاكر بين المعتقلين للاستعداد لمواجهة هذه الخطوة. شائعات عندما استرجعها الآن وأفكر فيها و في مغزاها أستطيع أن أجزم أن أكثرها كانت مدسوسا لإثارة جو من البلبلة وعدم الارتياح وسط المعتقلين.

من بين المعتقلين كان هناك العم نصار وشخص آخر لا أذكر أسمه. هؤلاء اعتقلوا مع الزبير محمد صالح في المحاولة الانقلابية التي جرت قبل 30 يونيو 1989 والتى يعتقد البعض أنها كانت كوموفلاج لانقلاب الإنقاذ. عندما نجح الانقلاب تم إخراج الزبير من المعتقل وتنصيبه نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة وقد اخبر الزبير هؤلاء عند خروجه انه عائد لإطلاق سراحهم فورا ولكنه تأخر عليهم كثيرا فحتى مغادرتنا لسجن بورسودان في ليلة 6 أكتوبر 1989 لم يمكن قد اطلق سراحهم بعد.

كان المعتقلون السياسيون يطلقون على هؤلاء اسم" الما قاعدين معانا" لأنهم جهزوا شنطهم وظلوا منتظرين و لا اعرف متى تم أطلاق سراحهم.

في وسط جو الزحمة و الشائعات هذا لم استطع التعرف عن قرب ( حتى ترحيلي) على الكثيرين من الذين كان يستحقون المعرفة وفى مقدمتهم المرحوم صمويل أرو السياسي الجنوبي المعروف و عم صمويل كانت له قصة طريفة في كوبر ففي أحد الأيام وبعد الفطور مباشرة غاب لفترة ظهر بعدها في بذلة كاملة زرقاء و كان شديد الأناقة فتحلق الناس من حوله يسألونه معتقدين أنه تم إطلاق سراحه وظل مبتسما لفترة وعندما تكاثر الناس وتكاثرت أسئلتهم قال عم صمويل: يا جماعة اللبس ده just for self satisfaction . وضج الجميع بالضحك وكانت هذه القفشة سببا في إشاعة جو من المرح في وسط المعتقلين في تلك الأيام الشديدة وأظن أن العم صمويل ارو بمعرفته وحنكته الطويلة قصد ذلك.

كذلك كان ضمن المعتقلين المرحوم سمير جرجس احد ابرز مناضلى الحزب الشيوعي السوداني. وسبب شهرة سمير جرجس لا أنه أحد السودانيين الأقباط داخل الحزب فقد كان هناك كثيرون بل بسبب سجله النضالي الكبير و المشرف كذلك مساهمته الوافرة على نطاق العمل الحزبي الداخلي ودعمه اللا محدود لهذا الحزب.

لم أتعرف عن قرب على هؤلاء الرجال ولكن الحظ كان حليفي فقد رحل معنا لبورسودان عدد من المناضلين الشرفاء والوطنيين السودانيين ممن اسهمت معرفتي لهم ضمن عوامل أخرى في تحويل تجربة الاعتقال إلى كم ايجابي شكل فيما بعد ما صرت عليه أنا الآن.

في المديرية كان الأكل الجيد متوفرا فقد كان قانون المعاملة الخاصة الذي انتزعه المناضلون السياسيون عنوة واقتدارا في زمن نميرى ما زال ساريا و أظن أنه ساريا حتى الآن واعتقد أن الترابي قد أفتى للإنقاذيين عند تحرك نقابات المهنيين ومحاولتها للإضراب في أواخر العام 1989 بضرورة اعتماد نظام الاعتقال في أماكن مجهولة مع استخدام التعذيب كوسيلة للتخويف وبذلك يضرب النظام عصفورين بحجر واحد: إخافة وإرهاب المعتقلين و التخفيف من الضغوط الدولية المضادة لمثل هذه الإجراءات.

فالنظام بإمكانه أن يقول أن عدد المعتقلين لم يزد عن مئات قليلة تتلقى المعاملة الجيدة في سجون السودان إلى أن يتم التحقيق معها وإطلاق سراح من لم تثبت أدانته كما كان يصرح باستمرار( وقد قام فعلا بإطلاق ساح عدد من الذين تم اعتقالهم بدون سبب) ومن جهة أخرى يقوم باعتقال الناشطين و يقوم بسجنهم في منازل مجهولة في مختلف المواقع وكان بعضها فى وسط الأحياء السكنية.

كان التعذيب يتم بصورة منظمة ومنهجية لهؤلاء المعتقلين فسمعت الصرخات تأتى من هذه البيوت لذلك أطلق عليها السودانيون بيوت الأشباح الاسم الذي سوف يصبح وصمة عار لن تنمحي من تاريخ الجبهة الإسلامية ونظامها الحاكم وسوف آتى لاحقا على ذكر بعض من تفاصيل تلك الأساليب الجهنمية في التعذيب والتي سمعتها مباشرة من الذين تعرضوا لها من معتقلي بورسودان. أما معتقلي الخرطوم فقد تم تسجيل ما حدث لهم بعناية من قبل المنظمات الإنسانية مع جهد كبير بذل من بعض المعارضين في الخارج ولعل أبرزهم د.على فضل و الذي استشهد أثناء التعذيب الوحشي و المحامى عبد الباقي الريح الذي بترت ساقه بسبب وضعه لساعات طويلة داخل برميل مملوء بالمياه المثلجة في عز الشتاء.

نرجع لما كان يحدث في سجن كوبر في ذلك الوقت. كنت قد بدأت في الاعتياد على حياة المعتقل تدريجيا وقد كان هذا الشئ صعب جدا على فهذا هو الاعتقال الأول لي ولا أدرى ما إذا كان الأخير. كان عمري آنذاك قد تجاوز الثلاثين بشهرين و قد قضيت كل هذه الفترة حرا طليقا رغم انغماسي المبكر في الحياة السياسية.

كان كذب النظام المستمر حول موضوع المعتقلين يقلقني ويقلق الجميع فلا تحقيق أجرى مع أحد ولا محكمة كونت. وقد أسهم هذا مع جو الشائعات السائد في وجود حالة من الشد والترقب داخل المعتقل. رغم كل هذا كانت أمور المعتقل الحياتية تسير بانتظام وذلك بسبب فعالية لجان المعتقل وكان بها العديد من المناضلين السابقين.

كنا نقضى النهار خاصة ما بين وجبتي الفطور والغذاء في قراءة الكتب الموجودة بمكتبة المعتقل التي كونت من تبرعات المعتقلين بما يأتي لهم من كتب من الخارج . بعضنا كان يفضل لعب الورق أو الطاولة أو الشطرنج لقضاء الوقت و أكثرنا كان يفعل كلاهما. يأخذ معظم المعتقلين راحة بعد الغذاء مباشرة ولكن كثيرو القلق منهم يفضلون الاستمرار في قتل الوقت بمواصلة اللعب. عند حلول العصر يبدأ برنامج الرياضة اليومي الذي يشتمل على لعب كرة القدم أو الجري أو المشي حول الحوش كل على حسب سنه ومقدرته الصحية فقد كان بيننا شباب أصحاء مثلما كان بيننا مرضى للقلب و ضغط الدم و السكري وبيننا أيضا من تجاوز السبعين و ما زالت الإنقاذ تتمسك بضرورة اعتقاله.

يتبع

Post: #66
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: صلاح الدين عبدالله محمد
Date: 10-09-2005, 04:46 AM
Parent: #65

الاخ/هشام

نتابع

Post: #67
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام مدنى
Date: 10-09-2005, 04:51 AM
Parent: #65

الأخ هشام
رمضان كريم
واصل متابعك من البداية
تحياتى

Post: #68
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: فيصل عثمان الحسن
Date: 10-09-2005, 04:52 AM
Parent: #65

الاخ هشام تحياتى .
( عبد الباقى حيدر) الاسم الصحيح عبد الباقى عبد الحفيظ الريح.
الرجل كان له مع آخرين فضل تاسيس المجموعة السودانية لضحايا التعذيب,
والارتقاء بها لمصاف النظمات الجادة العاملة فى مجال مناهضة التعذيب,
وبجهوده الخاصة والخارقة استطاع ان يوفر لها الدعم المادى والمعنوى
من منظمة الامم المتحدة , وبعض المنظمات العالمية العاملة فى مجال مناهضة
التعذيب وحقوق الانسان. له ولك التقدير والاحترام.

Post: #69
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-09-2005, 05:06 AM
Parent: #1

الاخوان صلاح و هشام مدنى

شكرا على المتابعة و الاهتمام

الاخ فيصل

شكرا على التصحيح. تعرف الراجل بلدياتى و اعرف اسمه جيدا ولا أدرى لماذا حدث هذا الخطأ الغير مقصود وقد قمت بتصحيحه ولك الشكر مجددا.

Post: #70
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: محمد السر
Date: 10-09-2005, 11:01 PM
Parent: #1

متابعين يا هشام

Post: #71
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-10-2005, 03:23 AM
Parent: #1

بعد اعتقالنا بحوالي أربعة أيام زار المعتقلين العقيد مارتن ملوال الذي كان عضوا بمجلس قيادة الثورة و كان طويل القامة وبدا انه كان مزهوا ببذلته العسكرية التي تم تمييزها ب" ازبلايط" احمر عليه الرتبة مما يشير إلى عضويته بمجلس قيادة الثورة. كان يرافق العقيد كبار ضباط السجن وتم تبلغينا بزيارته بعد الإفطار مباشرة فاصطفينا لمقابلته.
بعد السلام طمأننا العقيد أن اعتقالنا كان إجراء احترازيا و سوف يطلق سراحنا قريبا بعد زوال الأسباب التي أدت إلى ذلك و كانت قريبا هذه بالنسبة لبعضنا ( وأنا منهم) تعنى قضاء عشرين شهرا في المعتقل.

أذكر واقعة طريفة حدثت أثناء هذه الزيارة فقد وجه كمال الجزولى المحامى (الذى كان واحدا من الذين اعتقلو ا عقب الانقلاب بمدة قصيرة) سؤالا مفاجئا للعقيد مارتن ملوال عن ما إذا كان عضوا بالجبهة الإسلامية القومية التي قامت بالانقلاب. فأجاب العقيد مارتن:

Have you ever heard of a Muslim brother who's name is Martin

فقال له كمال الجزولى بسرعة:

No, but I have heard about a Muslim brother who's name is Abdalla Deng Niyal

وهنا ضحك الجميع و غادر العقيد مارتن المعتقل بسرعة. وقد غادر أيضا بعد فترة وجيزة و في ظروف غامضة مجلس قيادة الثورة الشئ الذي أثار حوله الشائعات.

قبل ترحلينا لبورسودان بيومين تواترت أنباء عن تكوين تجمع يضم كل الأحزاب السودانية و النقابات المهنية وقد كان هذا الخبر مصدر فرح وبشارة للمعتقلين فقد كان الكثيرون منا يعتقدون أن تكوين مثل هذا التجمع ومقارعته المنتظرة للنظام كفيلة بإسقاطه و القضاء عليه خاصة بعد ورود أخبار عن مفاوضات بين الأحزاب المشاركة في تأسيس هذا الكيان و الحركة الشعبية لتحرير السودان للإنضمام للتجمع.

كالعادة كان عمل التجمع النقابي يسبق عمل الأحزاب السياسية وذلك بسبب المقدرة على الحركة وسط القاعدة الجماهيرية للنقابات في حين أن قدرة حركة الأحزاب السياسية السودانية وسط الجماهير محدودة جدا بل تكاد تكون معدومة عند البعض.

وسط التجمع النقابي كان الحديث عن اعتماد سلاح الإضراب السياسي العام المجرب والذي أدى لإسقاط حكمي الفريق إبراهيم عبود في ثورة أكتوبر عام 1964 م و المشير جعفر محمد نميرى الذي أطاحت به انتفاضة ابريل 1985م. وقد استخدمت النقابات فعلا هذا السلاح ضد حكومة الإنقاذ في أواخر العام 1989 م. كان التجمع النقابي يعتقد أن مرور الزمن لمصلحة الجبهة ونظامها الحاكم و خاصة أن التجمع بدأ يفقد ابرز ناشطيه إما بالاعتقال أو التشريد فقرر ترجيح كفة الإسراع بالإضراب على حساب جودة التنظيم ولكن ميزان القوى كان أصلا مختلا ففشل الإضراب فشلا ذريعا بسبب سوء التوقيت بالإضافة إلى أن استخفاف عام كان يسود الجميع بقوة الخصم الذي ينافحونه ومقدراته التنظيمية العالية على المناورة في مثل هذه الظروف بسبب الوجود الجماهيري للجبهة الإسلامية وسط قطاعات المهنيين وهو وجود لم يكن الاستهانة به عملا حصيفا . سبب آخر زاد من تقليل فاعلية الإضراب وهو وجود كوادر سرية للجبهة الإسلامية زرعت منذ زمن طويل وسط هذه النقابات و هو ما درجت الأحزاب السياسية في السودان بتسميتهم ب" الغواصات". هذه الكوادر السرية علمت بتحركات كان من المفترض أنها غاية في السرية فأحبطتها الجهات الأمنية كما أغارت على اجتماعات مهمة سبقت الإضراب و حصلت على وثائق تنظيمية مهمة مما أسهم في البداية المهلهلة للإضراب.

هذا بالإضافة إلى أن الجبهة كانت قد احتاطت فعلا لمثل هذه الأحداث و دربت كوادرها على إدارة مرافق الدولة الحيوية بالحد الأدنى الذي يضمن استمرارية النظام. ومن حظ الجبهة الإسلامية أن ذلك السيناريو قد تمت تجربته فعلا في عهد حكومة الوفاق الوطني عند إضراب المهندسين المطلبي في العام 1987 فقد أرسل مبارك الفاضل و كان وقتها وزيرا للطاقة عدد من كوادر الجبهة الإسلامية للإشراف على ضمان تشغيل محطات الكهرباء و المياه أحد أهم المرافق في السودان.

أورد ملاحظاتي هذه رغم أنى كنت في وسط المراحل الأولية للإعداد لهذا الإضراب عند اعتقالي وكانت لي نفس الوجهة التي توجهها التجمع النقابي فيما بعد حينما قام بتنفيذ الإضراب و الذي تم على يد العديد من الشجعان من المهنيين و النقابيين الوطنيين الذي نازلوا النظام الحاكم في أوج استبداده.، وكان نضالهم في ذلك الزمن ولا يزال رصيدا مضيئا للحركة الجماهيرية السودانية.

لكننا يجب أن ننظر لتلك لأحداث بعين ناقدة حتى ولو كنا من صناعها وذلك حتى نأخذ منها الدروس والعبر وخاصة قد مر نحو 16 عاما على هذا الحدث الجلل و الذي تسبب فشله في إعطاء الجبهة الذريعة في التسريع بإعتقال و تعذيب الآلاف من أبناء شعبنا الشرفاء من المهنيين و الموظفين و العمال.

يتبع

Post: #72
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: بدري الياس
Date: 10-11-2005, 06:07 AM
Parent: #71

الأخ هشام المجمر

التحية لك وأنت تتبع هذا النهج الجدير بالإشادة وهو التوثيق الكتابي لحادثة اعتقالك والتي تخرج بالفعل عن كونها توثيقاً لحادثة خاصة تعرضت لها إلى إطار العام وهو التوثيق لمرحلة هامة في تاريخنا ما زالت شجرتها الخبيثة تطرح أوجاعاً وبلوى.
ولأن السودانيين ابتعدوا على طول تاريخهم عن التدوين الكتابي واعتمدوا على المشافهة التي هي أوهى أنواع التوثيق وصرنا شعباً "وناساً" بذاكرة خائنة بلا خزائن خلفية تعتمد التخزين الدائم، ذاكرة يدوم فيها الحدث فقط بمقدار المدة التي يتطلبها حدوث غيره ليتم الإحلال وهي أشبه بالذاكرة التي تعرف في الكمبيوتر بـ(RAM).
لهذا كان من السهل استلابنا وتزوير تاريخنا حتى القريب منه، وكان من السهل على كل من تسول له نفسه أن يفرض رؤيته ويمرر أجندته عبر كل القنوات طالما ليس هناك من يحمي أو يتصدى أو يصحح، وكانت النتيجة هذا الخراب المطبق.
ولأن حالنا كذلك استطاع تنظيم مثل الجبهة الإسلامية القومية أن يراهن على هذه الذاكرة وأن يرتكب كل جرائمه بدون أدنى خوف من مساءلة أو قصاص، كما راهن من سبقهم عليها وهاهو يفوز بالرهان (ويتضرع) الآن في شوارع العاصمة التي طردته بأكبر ثورة شعبية عرفتها إفريقيا والشرق الأوسط، بل ويتخذ له مكتباً بأبهى شوارعها وبالقرب من جامعة الخرطوم (منجم الثورات) وطلابها وقود الغضب الشعبي على مر التظاهر.
فلو كتب كل صاحب تجربة - مهما كانت - لحصلنا على إرث ثقافي وتاريخي واجتماعي وسياسي ضخم ولساهم فعلاً في تغيير طريقة التفكير السودانية غير الرشيدة وطريقة التعاطي مع الحياة، في مختلف أوجهها، من ذلك الشكل الهش المرتكز على العاطفي وغير العلمي إلى شكل فاعل ومختلف، ولما تركنا الباب مفتوحاً لكل مقامر ومغامر ومريض، بالركوب على ظهورنا ليُعمل فيها عصاه ومنخسته، ولوضعنا حجراً في أساس المجتمع العلمي الفاعل والمنتبه الذي ننشده.

أعتذر عن هذا التطويل، وإلى الأمام يا رجل، فللعالم عيون تتابع وقلوب تعي.

Post: #73
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: NEWSUDANI
Date: 10-11-2005, 10:11 AM
Parent: #1

الأخ هشـــام طه هذه التجربة الأليمة الجميلة وهي حقيقة جميلة لأنها تجعل الأنسان يرى الحياة بمنظور مختلف ...أكثر ما أسترعى الأنباه هو المسببات التي سقتها في حديثك عن أستخفاف القوى الديمقراطية والنقابية بقوة هذا التنظيم الســرطاني

تابع

Post: #74
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-12-2005, 00:13 AM
Parent: #1

الاخوة المتابعون والمتداخلون

أعتذر عن الانقطاع المؤقت وذلك بسبب نزلة برد جامدة حبتين اضطريت أن الزم معها الفراش و سوف أعاود حالما اشعر ببعض التحسن لكم الشكر.

الاخ بدرى الياس

شكرا على هذه المداخلة القيمة

الاخ نيوسودانى

شكرا.

فى إعتقادى اننا لو كنا نريد التغيير فيجب عليناالبدء بالنقد الذاتى و إعادة قراءة الكثير من الاحداث.

Post: #75
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: NEWSUDANI
Date: 10-12-2005, 02:20 AM
Parent: #74

عــامل الســـن يا بشمهندس الســن مش الســـجن

Post: #76
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-12-2005, 02:45 AM
Parent: #1

والله يا نيو سودانى كلامك صاح

السجن ما بسوى حاجة لكن المشكلة فى عامل الن زى ما قلت. عموما كلنا فى الهوا سوا.

Post: #77
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-13-2005, 00:57 AM
Parent: #1

الأخوة المتابعون و المتداخلون

تمثل الحلقة القادمة والتي سوف أنشرها قريبا نهاية الحالات التي تحكى عن السبعة أيام الأولى لاعتقالي و التي قضيتها بقسم المديرية بسجن كوبر .

الجزء الثاني من قصة الاعتقال يحاول رواية الأحداث الرئيسية و شكل الحياة التي عشماها و الناس الذين عايشناهم عندما تم ترحيلنا لسجن بورسودان.

لكم الشكر على حسن المتابعة.

Post: #78
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-13-2005, 04:30 AM
Parent: #1

قبل نهاية قصتى مع سجن كوبر اود ان احكى لكم عن صديقى هاني روجيه و أسرته والذى جاء ذكره فى بدايةهذه الحكاية.

تزاملنا أنا و هاني روجية شاروبيم بكلية الهندسة و المعمار بجامعة الخرطوم و لأن اسمه يبدأ بحرف ال H مثلي تعارفنا منذ كنا في السنة التحضيرية بكلية العلوم و توطدت علاقتنا أكثر عندما انتقلنا في السنة التي تليها إلى كليتنا الواقعة في الجزء الغربي من مجمع كليات الوسط بجامعة الخرطوم.

أبوه روجيه شاروبيم أحد أفذاذ معلمي مادة الكيمياء في السودان وهو مؤلف كتاب الكيمياء الذي كان مقررا علينا عندما طلابا للشهادة السودانية . جاء للسودان من مصر كمعلم للمادة بالمدارس الثانوية السودانية في الخمسينيات و طاب له المقام بالسودان فتزوج من السيدة/ أم هاني وهى بنت احد الأسر القبطية السودانية الثرية إذ كان أبوها من كبار التجار بمنطقة القضارف.

عم روجيه كان شخصا كثير العلم وجم الأدب عندما يتحدث أليك تكاد لا تسمعه. أذكر حتى الآن حديثه لي في بداية عام 1983م بمنزلهم بشارع السيد على عبد الرحمن جوار فندق المريديان.كان قد اشتغل بتجارة الأدوات المكتبية منذ تقاعده من وزارة التربية و التعليم وكانت تجارته هذه توفر له ممتازا دخلا يعينه على تربية أولاده الستة وكانوا كلهم من الصبيان.

كان يشكو حال البلد في تلك الأيام . قال لي عندما سألته ما الأمر وأنا أرى بضاعته مكدسة في جراج السيارات: " يا ولدى يا هشام البلد دى بقت ما حقتنا نحن تجار الفاتورة النظاف. البلد دي بقت حقت ناس عندهم دقون بيشتغلوا بطرق نحن ما بنعرفهاش وهى طرق وسخانة وأنا ما بقدر بشتغل في جو زى ده. عشان كده ح أبيع باقي بضاعتي بالجملة " ثم أضاف ضاحكا " اهو الحمد لله هاني ح يتخرج السنة دي وأهو يكمل المشوار" صمت قليلا ثم قال " يا أولادي مستنيكم زمن صعب في البلد دي".

تخرجنا أنا وهاني في نفس السنة في قسم الهندسة المدنية بكلية الهندسة جامعة الخرطوم. وأرادت الصدفة أن يتم اختيارنا للعمل بالهيئة القومية للكهرباء وفى نفس القسم( قسم الممتلكات) فى ابريل من عام 1984م. بعد عدة اشهر تم نقلنا لقسم المشروعات بالعمارة الكويتية شارع النيل. توطدت علاقتي بهانئ و أسرته كثيرا في تلك الفترة و كنت أقضى كل احتفالات عيد ميلاد عيسى عليه السلام معهم بالنادي القبطي بالعمارات .

هانئ روجيه كأبيه طيب المعشر عفيف اللسان وقمة في الصدق والأمانة. كان أكثر ما يكره في الدنيا الكذب و " البكش" ويقول لي " تعرف ليه أنا بحب السودانيين؟ لأنهم ما بيعرفوا البكش". يمتلك هاني روجيه أيضا حس عالي للدعابة وكان حاضر البديهة خفيف الظل بائن المرح.

قالت لي والدتي بعد خروجي من المعتقل أن الشخص الوحيد الذي كان يزورهم بالبيت بانتظام بعد اعتقالي كان هاني روجيه وكان يحضر لها راتبي الشهري عند نهاية كل شهر حتى بعد فصلى للصالح العام بعدة شهور ظل يحضر لها الراتب من المبالغ التي يتم تجميعها من الزملاء بالهيئة كتضامن مع المعتقلين.

عند زواجه الذي تم بحمد الله في العام 1990 م جاء العريس شخصيا للمنزل واخذ أمي و أختي لحضور مراسم زواجه بالكنيسة و أمي لا تنسى هذا الحدث: "هاني يا ولدى جاني و لابس بدلتوا بتاعت العرس قلت ليهو يا ولدى ليه تاعب نفسك وأنت العريس. نحن عارفين المكان وكنا بنجي برانا" قال لها " أنا مش زى هشام . خلاص اعتبريني هشام و موديكم عرس هاني"

عند خروجي من المعتقل في مايو 1991م أقامت لي والدة هاني روجيه حفلا كبيرا بمنزلهم بالطائف الذي كانوا قد انتقلوا له في منتصف الثمانينات من القرن الماضي. أذكر عندما زرتهم في بيتهم الجديد للمرة الأولى قالت لي أم هاني " شفت البيت الجديد؟ جميل موش؟ لكن تعال شوف فوق أخوانك العزابة ديل قالبين البيت كيف. يا هشام يا ولدى البحلني من العزابة ديل شنو؟" .تفننت والدة هاني كعادتها في ذلك الحفل في إبداع صنوف الأكل الشهي و كان كل شيء عامر بالدفء و المحبة. بين هؤلاء الناس الجميلين كنت اشعر بقيمة الإنسانية الحقيقية هؤلاء يمدوني دائما بالدفع الكافي ( كلما تعبت) من أجل الاستمرار في النضال من اجل وطن يتساوى تحت سماؤه الجميع.

هاجرت أسرة هاني روجيه في منتصف التسعينات لكندا بعد أن ضيق عليهم النظام بخطابه الدينى البغيض حالهم كحال بقية السودانيين الأقباط سبل الحياة في السودان.

هاجرت هذه الأسرة وبها أربعة من المهندسين الأكفاء و اثنين من الأطباء وخسرهم السودان وخسر جهودهم و إنسانيتهم التي لم تكن تشبها شائبة بل كانت معلما بارزا بهل الضوء في طريق حياتي فلهم التحية أينما كانوا.

Post: #79
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: محسن خالد
Date: 10-13-2005, 05:07 AM
Parent: #78


..

يا هشام الحلو،..
إنت يا زول خليت أمور السياسة وداير تنافسنا في الرواية وألا شنو؟ الكلام الموزون دا قعدتو قعيد حلو بالحيل، يلا بدربك دا تخفس بالكلام دا طوالي عشان فيهو مشروع كتاب تمام،..
مبروك كتابتك الجميلة، وسيرتك الباسلة،..


..

Post: #80
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-13-2005, 05:24 AM
Parent: #1

محسن خالد

انت الكلامك كلو حلو فى حلو.

وشكرا على كلماتك الجميلة و تشجيعك لكن قصة ننفاسك فى الراوية دى قصة بعيدة.
إنت بتجيب الكلام من بطن أمو وبعد مرات قبل ما يلدوهو. عرفة ومهارة زى دى حقتك براك.
انا بس بحاول تسجيل ما حدث للتوثيق مع جعل اللغة مقبولة للقاريء.

لك الشكر مجددا يا ود يا جميل.

Post: #81
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Mohammed Elhaj
Date: 10-13-2005, 06:47 AM
Parent: #1

أخ هشام
تحايا
تجاوزت هذا البوست لفترة من الزمن
لإعتقادي أن يكون لاحد معتادي النضال
او المناضلاتية المخستكين،
لكن حقيقة حينما دخلت اضطررت لترك كل ما أفعله لإكماله
لك احترامي و التحايا
متابعك
محمد

Post: #82
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-14-2005, 04:34 AM
Parent: #1

الاخ محمد الحاج

لك الشكر

تابع هذا البوست دائما و اعدك سوف تجد الجقيقة قائمة و الصدق راسخا.

Post: #83
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام هباني
Date: 10-14-2005, 07:16 AM
Parent: #82

الاخ الجسور المجمر

رمضان كريم وكل العام وانتم بخير والوطن بالف خير ولي قدام حتى ينقشع الظلام .

هباني

Post: #84
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-15-2005, 00:31 AM
Parent: #1

الاخ هشام هبانى

رمضان كريم ولك الشكر على المؤازرة

Post: #85
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-16-2005, 01:15 AM
Parent: #1

بدا كل شيء عاديا في اليوم السابع للاعتقال . قمنا مبكرا للتمام رجع البعض للنوم و البعض الآخر فضل التسامر حتى حلول وقت شاي الصباح. تناول المعتقلون الشاي في مجموعات كما هي العادة وبدأت بعض مباريات الشطرنج والطاولة فبين محبي هاتين اللعبتين يظل التحدي دائما قائما و ملتهبا.

نودي في المرضى من المعتقلين أن اخرجوا فخرجوا وكانوا حوالي خمسة. بعد الفطور عاد المرضى من وحدة العلاج أو المستشفى كما يطلق عليها المعتقلون و هي في الحقيقة وحدة علاج وغيار صغيرة . الفرق أن بها أسرة لو استدعت حالة السجين المريض حفظه للمراقبة.

الخروج للمستشفى كان يعنى للمعتقلين العودة ببعض الأخبار وخاصة السياسية منها ففي المستشفى يمكن مقابلة المعتقلين من الأقسام الأخرى و خاصة قسم المعاملة الذي كان يوجد به قادة الأحزاب السياسية السودانية: السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة و مولانا محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي و السيد محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني والشيخ حسن الترابي المعتقل كما أراد هو لنفسه وذلك إمعانا في تمرير كذبة أن الانقلاب تم بواسطة ضباط قوميون في القوات المسلحة لا يتبعون لأي حزب.

كانت أخبار ذلك اليوم مقلقة لكل المعتقلين فقد علم من مصدر مسئول في السجن أن هناك ترحيل لسجني بورسودان وسواكن سوف يتم ليلا. عدد المعتقلين الذين سوف يتم ترحيلهم في حدود الثلاثين أو أقل. الأسماء سوف تعرف عصرا أو عند الغروب كأقصى حد لإتاحة الفرصة للمرحلين كي يجهزوا أشياءهم.

لم يكن هذا هو الترحيل الأول. فقد سبق أن رحلت دفعة أولى من المعتقلين إلى سجن شالا الشهير بالقرب من الفاشر. وكان من ضمن المرحلين رئيس نقابة مهندسي الكهرباء و المياه أحمد محمد صالح و سكرتيرها حسين شقلبان و عضوها إبراهيم نصر الدين. وفيما تلى من أيام حتى نوفمبر 1989م تم اعتقال كل أعضاء المكتب التنفيذي لهذه النقابة المهمة والتى كنت اشغل فيها منصب ممثلها في نقابة المركزية للمهندسين.

بعد سماع أخبار الترحيل انتابني هاجس باني سوف أكون من ضمن المرحلين فقلقت اشد القلق إذ أنى وطيلة هذا الأسبوع لم أعرف أية أخبار عن أسرتي ولا كيف جرى الحال معهم منذ أن اعتقلت فالزيارة كانت ممنوعة منعا باتا ولم تتح لي الفرصة لرؤية أهلي أو سماع أخبار عنهم حتى ابريل 1990م أي بعد مرور سبعة اشهر على الاعتقال. كنت قد عرفت وأنا داخل قسم المديرية أن أحد أبناء بحري وخريجي مدرستها الثانوية بعمل ضابطا بالسجن وكنت اعرف أسرته وأخوته الكبار إذ انه كان يصغرني بحوالى السبع سنوات فلم نتزامل في أي مدرسة.

كتبت رسالة قصيرة على ورقة صغيرة لأسرتي أخبرهم فيها أنى بصحة جيدة وسوف يتم ترحلينا لسجن بورسودان في نفس اليوم و حفظت الرسالة بمكان سرى فقد كان من المعروف أن التفتيش يمكن أن يتم في أي لحظة وهذا التفتيش كان الغرض منه ضبط أي رسائل أو مطبوعات تصل للمعتقلين بصورة غير رسمية و المقصود هنا تشديد الشعور بالعزلة لدىالمعتقلين. نويت لو منت ضمن المرحلين أن أعطى هذه الرسالة لأحد المعتقلين لتوصيلها للضابط معرفتى لتجد طريقا غلى اهلى وهذا ما قد كان.

عند الرابعة والنصف عصرا زارنا قائد السجن ومعه كبار ضباطه وأخطرنا رسميا بالترحيل وأعطانا قائمة بأسماء 23 معتقلا ، 11 منهم سوف يحلون بسجن بورسودان وكنت من ضمنهم و12 سوف يرحلون لسجن سواكن وطلب منا أن نكون جاهزين عند منتصف الليل.

يتبع

Post: #86
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Khalid Eltayeb
Date: 10-16-2005, 02:26 AM
Parent: #1

عزيزي هشام طه المجمر

أحييك علي هذا التوثيق الهام لأكثر الفترات سوادا في السجل المخزي لنظام الانقاذ وقد ظللت أتابع هذا السرد الشيق منذ يومه الأول و كنت أنتظر كتابة تعليقي في النهاية و لكن ماتكتبه يهيج الذكريات و يعود بنا الي ذكر نفر شريف مخلص لشعبه و لوطنه , و يعود بنا الي ذكري أيام حالكة السواد .. تحياتي مجددا لك و لكافة الزملاء في الهيئة النقابية لمهندسي الهيئة القومية للكهرباء و مياه المدن , الذين و ردت أسماؤهم أعلاه
: أحمد محمد صالح , حسبن شقلبان , ابراهيم نصرالدين و الذين بلا شك سترد أسماؤهم لاحقا .. تحية خاصة مخلصة للمهندس هانئ روجيه في غربته البعيدة .. وأرجو أن يكون توثيقك هذا دافعا لي لحذو حذوك فأنا علي قناعة أنه لابد من كتابة مثل هذه التجارب ليس بدافع تسجيل الذكريات و لكن لكي لانسسي فظائع أرتكبت في حق أبناء و بنات هذا الشعب ..

واصل ياهشام يامجمر

تحياتي

خالد

Post: #87
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-17-2005, 00:58 AM
Parent: #1

الاخ خالد محمد الطيب

رمضان كريم. تحياتى لك وللأسرة الكريمة

سعدت بهذه المداخلة وكم يكون جميلا لو قمت نتسجيل تجربتك هنا بعد ما أفرغ من هذه الحكاية التى كنت أعتقد انهالن تاخذ كل هذا الوقت.

لك التحية مجددا.

Post: #88
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-19-2005, 02:10 AM
Parent: #1

كانت قائمة بور سودان تضم: أمين مكي مدني المحامى و وزير الإسكان في حكومة الانتفاضة الانتقالية و السيد عبد الرحمن أبو الكل وزير الصحة السابق وممثل التجمع النقابي في حكومة الجبهة الوطنية المتحدة (وهو الاسم الذي أطلقه السيد الصادق المهدي على آخر حكومة شكلت في العهد الديمقراطي الثالث بعد مذكرة الجيش الشهيرة). د. أحمد عثمان سراج الطبيب النفسي المعروف و السيد الصادق الشامي المحامى و القيادي بحزب البعث ، السر باشاب زميلي في ليلة الاعتقال والنقابي البارز في نقابة البنوك، ود الحورى أول المعتقلين في تلك الليلة وعضو نقابة سودانير. العم شندى من الوظائف القيادية في الطيران المدني، المخرج التلفزيوني الشفيع بالإضافة إلى شخصي. كما كان معنا أحد منسوبي الطيران المدني لا أريد ذكر اسمه هنا و أظن أنه أعتقل عن طريق الخطأ وكادت روحه أن تطلع عندما علم أنه سوف يتم ترحيله إلى بورسودان. هذا ما ذكره لى لاحقا أحد الأخوة عندما بدأ فلانا هذا في كتابة استراحامات عديدة للنظام لإطلاق سراحه بعد أيام من وصولنا لسجن بورسودان.

المرحلون لسجن سواكن كان في مقدمتهم الشاعر محجوب شريف و كمال الجزولى المحامى و السياسي المعروف د.محمد سعيد القدال الأستاذ الجامعي والمؤرخ و عادل ساتى من نقابي الطيران المدني ، أحمد بشارة من الهيئة النقابية لعمال الصحة و مصطفى زكى من أبناء الجريف غرب ويعمل بالقطاع الخاص..

بعد المغرب كان المعتقل خلية من النشاط. الكل يساعد المرحلين على تجميع أغراضهم وتوضيبها. البعض ممن شملهم الترحيل منهمكين في وصايا اللحظات الأخيرة. وقد شهد المعتقل في ذلك اليوم ملحمة تضامنية كبيرة مع المرحلين من المعتقلين وذلك لمعرفة بقية المعتقلين و خاصة من لديهم الخبرة بالأثر النفسي للإبعاد المقصود من الترحيل.

بعد العشاء مباشرة تجمع كل المعتقلين بقسم المديرية مشكلين مربعا كبيرا تكونت أضلاعه من الأسرة التي أتى بها من العنابر وبدأت فقرات الليلة التي لا تنسى بقصائد للشاعر المناضل محجوب شريف و في مقدمتها قصيدته القوية التي قالها في تحية سجن كوبر عندما اعتقلته حكومة الإنقاذ.

جيناك وكنا طلعنا منك نحن مرفوعى الرؤوس
جيناك مرفوعى الرؤوس
افتح زنازينك
أهو بنفتح صدورا ما بتكوس الرحمة
تب ما فينا عرقا فيهو سوس.

و قصيدته الأخرى التي مطلعها:

يا أب دقنا تحت الكاب
و الإفك رباط البوت

هذه القصيدة كانت أول بيان فعال عن هوية الانقلابيين و أظن أن الشاعر قد اعتقل بعدها مباشرة و كانت قد لحنت داخل المعتقل و اشترك ليلتها كل المعتقلين في ترديدها .

تنوعت الفقرات من حكاوي طريفة و قفشات من فترات اعتقال سابقة إلى أناشيد وغناء ثوري يمجد الديمقراطية و يناهض الدكتاتورية كان برنامج تلك الليلة معد بطريقة حريفة استعمل فيها معدوها كل ما توفر لهم من خبرات للترفيه عن زملاء لهم سوف يتم تغريبهم بعد سويعات. وأشهد أن هذا البرنامج الجميل أسهم في تخفيف حدة قلقي ورفع روحي المعنوية إلى اقصى درجاتها بعد انخفاضها نتيجة سماع خبر الترحيل.

عندما فتح الباب الصغير الذى يفصل بيننا وبين الورشة ، والتي فاتنى أن أذكر لكم أنها نقع بين السرايا وبين قسم المديرية، اخبرنا العسكري بالتأهب للخروج. كانت الساعة حوالي الحادية عشرة و النصف مساء أي بعد نصف ساعة من حلول حظر التجول الذي كان مفروضا في تلك الأيام. لملم المعتقلون حاجياتهم القليلة و اصطفوا أمام الباب الصغير. ما أن فتح الباب حتى و انطلقت الحناجر بالهتاف المدوي الذي ارتجت له أركان السجن الكبير بسقوط سلطة القمع. بعد الهتاف مباشرة ردد الجميع رائعة محجوب شريف: عما قريب الهمبريب يفتح شبابيك الحبيب. بنهايتها تعانق الجميع في مشهد مؤثر وتم أخذنا لتسلم أماناتنا توطئة لتسليمنا لمندوبى الاستخبارات العسكرية و الأمن الذين ينتظرونا خارجا.

الأمانات في أغلبها كانت عبارة عن مبالغ نقدية صغيرة كانت تخص القدماء من المعتقلين ، أما نحن حديثي الاعتقال فلم يستطع أهلنا أصلا معرفة كيفية الوصول لنا ناهيك عن وضع مبالغ تحت تصرفنا كأمانات.

انتهى تسليم الأمانات بسرعة و خرجنا من بوابة السجن الكبيرة وكم كانت دهشتي كبيرة عند رؤية هذا العدد الكبير من الجنود و الضباط المسلحين بالمدافع الرشاشة. أحصيت حوالي الثلاثين جندي غير الضباط الذين تجاوز عددهم الأربعة و ذلك عدا منسوبي جهاز الأمن الذين كانو حوالى ال 5 أفراد. عجبت من هذا الكم الهائل من الجنود و الذين يفوق عددهم عدد من جاءوا لحراستهم من المعتقلين المدنيين الذين لو تركوا بدون حراسة لما هرب منهم أحد.

يتبع

Post: #89
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-21-2005, 00:46 AM
Parent: #1

الاخوة المتابعون و المتادخلون

أولا:آسف للتأخر بعض الشىء فى ايراد ما تبقى بسبب غيابى عن المحطة وسوف أواصل اعتبارا من الغد.

ثانيا: أود أن أعبر عن شكرى للأديب و القاص عثمان حامد سليمان الذى ظل متابعا لما اكتب و ساعدنى كثيرابملاحظاته اللماحة و اقتراحاته المفيدة. وقد اتصل بى بعد آخر حلقة معبرا عن سعادته بهذه التجربة.

لك جزيل الشكر مجددا اديبنا الكبير عثمان حامد و ارجو ان تجد فى ما تبقى من الحكاية ما يمتعك.

Post: #90
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: haider osman
Date: 10-21-2005, 12:27 PM
Parent: #1

توثيق وسرد جميل

Post: #91
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: haider osman
Date: 10-21-2005, 12:37 PM
Parent: #1

اهداء للجميع

Post: #92
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-22-2005, 00:07 AM
Parent: #1

شكرا حيدر حسين على المرور ، المؤازرة و الاهداء

Post: #93
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-22-2005, 01:36 AM
Parent: #1

ركبنا حافلتين صغيرتين كانتا مجهزتان لنا وركب معنا في كل حافلة مجموعة مسلحة من الجنود تضم كل منها ثلاثة أشخاص كانت تحتل الجزء الأمامي من الحافلة قرب الباب.


تحرك الموكب تتقدمه عربة الأمن المدنية تتبعها عربة لاندكروزر مكشوفة تتبع للجيش تحمل حوالي العشرة جنود و من خلفهم الحافلتين ومن تم عربتان لانكروزر تحمل كل واحدة منهما نفس العدد من الجنود.

كان الموكب يسير ببطء شديد لا أعرف له سببا. و توقف عند نقطة التفتيش الأولى الواقعة في أول كوبري القوات المسلحة للحظات ثم واصل المسير. داخل الحافلة كان الصمت مطبقا. يبدو أن هؤلاء المدنيين المسالمين فاجأتهم بشدة مظاهرة التسلح المفرطة التي جاءت لحراستهم.

بعد المرور بعدد نقاط التفتيش دخلنا مطار الخرطوم من بوابة أفضت مباشرة لطائرة نقل عسكرية من طراز" بفلو" كما بدا لي في تلك الليلة. توقفت العربات وترجل العسكر أولا ثم من بعدهم المعتقلون. كانت ماكينات المروحية تهدر والطائرة جاهزة للانطلاق وهذا ما حدث مباشرة بعد ما اعتلينا ظهر الطائرة . كانت هذه هي المرة الأولى التي استغل فيها طائرة عسكرية. دوى الماكينات يصم الآذان وكل أسلاك الطائرة وتوصيلاتها بادية للعيان. جهزت الطائرة بصفين متواجهين من الكنب جلسنا كلنا في جهة واحدة بينما جلس ولدهشتي كل العسكر الذين رافقونا من سجن كوبر وهم يحملون رشاشاتهم في الصف الذى يواجهنا.

سألت نفسي هل هؤلاء المعتقلين العزل بهذه الدرجة من الخطورة؟ لا أظن ذلك ولكن الشيء المؤكد أن النظام الجديد كان يرتجف هلعا في تلك الأيام و يخشى على نفسه من أي نوع من الحركة حتى لو كانت دبيب نملة على الأرض.

أقلعت بنا الطائرة من مطار الخرطوم وكانت الساعة تقارب الواحدة صباحا. استغرقت الرحلة لبورسودان حوالي الساعتين ونصف و كنا طوال هذه المدة صامتين إما بسبب الضجيج العالي الذي تصدره ماكينات الطائرة أو عدم الرغبة أصلا في الكلام في مثل هذا الجو الملبد بالعسكر المدججين بالأسلحة.

هبطت الطائرة بمطار بورسودان عند الثالثة و النصف صباحا و كان في انتظارنا مجموعة أخرى من الجنود يتبعون أيضا للاستخبارات العسكرية كان عددهم يماثل تقريبا العدد الذي رافقنا منذ خروجنا من سجن كوبر.

من المطار تقسمنا لمجموعتين مجموعة سجن بورسودان ومجموعة سجن سواكن , ودعنا رفاقنا الذاهبين لسجن سواكن وتحرك الموكبان إلى وجهتيهما المختلفتين.

شق موكبنا ليل مدينة بورسودان الهادىء و كانت المدينة تبدو مستكينة كمن وضع في قفص كغيرها من مدن السودان الكبيرة بسبب الإجراءات الأمنية المكثفة التي تتخذ ليلا.

وصلنا إلى سجن بورسودان تحت تلك الحراسة المشددة من الجند. وكان في استقبالنا قائد السجن وجميع ضباطه .

كان الاستقبال ودودا. العميد حسين مدني قائد أو حكمدار السجن كان غاية في اللطف والتهذيب عرفنا بنفسه وضباطه وأجلسنا داخل مكتبه الكبير. لحين انتهاء الإجراءات قدم لنا الماء وشايا ساخنا أعاد لنا توازننا البيلوجى. إستغرق العميدحسين في ونسة يبدو أنها كانت لطيفة مع د. أمين مكي مدني وكمال الجزولى فقد تخللتها بعض الضحكات. أحسسنا ولأول مرة منذ الأمس بالارتياح فقد ذهبت الحراسة المشددة و علمنا أن مصيرنا سوف يكون بيد قائد سجن سوداني أصيل وشهم و سوف تثبت ما استقبلنا من أيام في سجن بورسودان وحتى نقل العميد حسين للفاشر صحة حسن ظننا به.

يتبع

Post: #94
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-24-2005, 03:45 AM
Parent: #1

تم الانتهاء من الإجراءات مع تباشير الصباح الأولى و قادنا العميد حسين مدني بنفسه لقسم المعاملة بالسجن.

يقع قسم المعاملة على اليسار بعد دخولك البوابة الكبيرة للسجن. السرايا والتي يوضع بها المسجونون العاديون كانت تقع في منتصف السجن ويمكن الدخول إليها من بوابتها الكبيرة مباشرة إذ كان السجن يتكون من مربعين كبيرين أحداهما يمثل السور الكبير الخارجي ببوابته التى تواجه بوابة السرايا و بداخله مربع آخر بحائط داخلي يحتوى على قسمنا و قسم السرايا وهناك مسافة حوالي عشرة أمتار بين الحائطين الخارجي والداخلي.

في مؤخرة السجن يوجد قسم المنتظرين و غرفة الإعدام و زنازين الحبس الانفرادي و حوش كبير يضم عنبرا واحدا سجن به في يونيو1990بعض العسكريين المرحلين من الخرطوم و الذين تمت محاكمتهم لمشاركتهم في محاولة 28 رمضان الانقلابية التى وقعت فى نفس العام.

كان قسم المعاملة الخاصة عبارة عن حوش صغير منفصل بنيت بداخله غرفتين أحداهما كبيرة والأخرى أصغر منها. الغرفة الكبيرة ملحق بها دورة مياه و الاثنين تم تجهيزهما كزنزانتين يمكن حبس الأفراد بهمادون ان يتاح لهم التمتع باستعمال الحوش ولكن هذا لم يتم طوال مدة إقامتنا بسجن بورسودان.

أمام الغرفة الصغيرة كانت توجد شجرة يبدو أنها قطعت في منتصف عمرها من أعلى الساق .عرفنا فيما بعد أن تلك الشجرة زرعها السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة عندما تم اعتقاله في مطلع السبعينيات من القرن الماضي بيد حكومة العقيد آنذاك جعفر محمد نميرى.

بجانب الغرفة الكبيرة يوجد المطبخ وهو عبارة عن غرفة صغيرة جهزت بماسطب خرسانية و قد تم تزويده بالعدة اللازمة بالإضافة إلى موقدي كيروسين صغيرين.

قسمنا أنفسنا بسرعة على الغرفتين و وضعنا حاجياتنا البسيطة داخليهما. في الغرفة الصغيرة د.أمين مكي مدني و د.سراج و الصادق الشامي والعم شندى و احتل البقية الغرفة الكبيرة.

قبل خروجه من القسم قال لنا العميد حسين أنه سوف يتركنا لأخذ بعض الراحة وبعدها سوف يجتمع مع مندوبين عنا إذا كانت لنا أي احتياجات أو تجهيزات إضافية نراها ضرورية.

جهزنا أسرتنا بسرعة .كانت الساعة تقترب من السادسة والنصف صباحا ونحن لم ننم منذ يوم الأمس فبدا لي السرير حينها نعمة لا تعادلها نعمة. قبل أن يتوفر لي النوم تذكرت آخر مرة زرت فيها مدينة بورسودان في مايو من نفس العام و قارنت بينها وبين هذه الزيارة القسرية التي لا أعرف لها نهاية. في مايو أتيت برفقة صديقي و زميلي محمد المعتمد أحمد النور بمناسبة زواجه . رغم أن وسيلة النقل من مدينة مدني كانت حافلة إلا أن الرحلة لبورسودان والتي استغرقت حوالي 14 ساعة كانت مختلفة كل الاختلاف عن الساعتين و النصف و التي قضيتها في جوف الطائرة الجاموس" بفلو" .

الرحلة الأولى كنت جزء من سيرة عريس بكل ما فيها من مبهجات و صخب جميل ملأ الحافلة على امتداد الطريق لمدينة بورسودان وقد كانت الزغاريد عند دخولها عربونا للفرح القادم إليها بينما كان الصمت والتجهم عند هبوط الطائرة فى مطار المدينة في الرحلة الثانية نذيرا للحزن الداخل لها .

داهمني أيضا هم القلق على صحة والدي والذي لم يفارقني لحظة منذ اعتقالي و قد تسبب هذا الاعتقال في حرماني من مرافقة والدي في آخر سنتين من حياته و أنا الذي لم أفارقه لمدة تزيد عن شهر منذ ولادتى، فعند خروجي من المعتقل في العام مايو1991 وجدته معتل الصحة فقمت بإرساله لأخوتي بدولة الإمارات ولم أره ثانية حتى وفاته في يناير من العام 1992 و خلف هذا في جرحا لا يبرأ فقد كان لي العديد من المشاريع التي لم تكتمل معه.

تبع

Post: #95
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-25-2005, 02:32 AM
Parent: #1

الاخوة المتابعون و المتداخلون

تحية لكم

اسمحوا لى بالتوقف بعض الوقت لمراجعة ما كتبت و ترتيب الاوراق للمرحلة القادمة. و سوف لن أتاخر عليكم.

معذرة.

Post: #96
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: A.Razek Althalib
Date: 10-25-2005, 03:33 AM
Parent: #95

Quote: و سوف لن أتاخر عليكم.

معذرة.




في الإنتظار..



ولا يهمك...

Post: #97
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Elawad Eltayeb
Date: 10-25-2005, 04:12 AM
Parent: #96

العزيز هشام،

واصل السرد الجميل وكل سنة وأنت بخير.

العوض أحمد الطيب

Post: #98
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-25-2005, 11:00 PM
Parent: #1

عبد الرازق

مرحبا بعودتك وكل سنة وانت طيب
سعيد بمتابعتك لهذا البوست

العوض الطيب

كل سنة ولنت طيب وسوف اواصل قريبا انشاء الله

Post: #99
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-28-2005, 11:32 AM
Parent: #1

المتابعون الأعزاء

كل عام و انتم بخير.

سوف اعاود ابتداء من الغد ما انقطع من الحكاية وارجو ان تكون الاحداث فى الذاكرة ولا تحتاجون لملخص ما حدث.

لكم الود

Post: #100
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-30-2005, 03:07 AM
Parent: #1

بعد هجعة ليست بالطويلة مقارنة بما عانيناه ليلة الأمس استيقظت مبللا بالعرق اللزج فقد كانت بورسودان لا تزال تعانى من ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو رغم انقضاء فصل الصيف من ناحية زمنية. أزعجني أيضا كثرة الذباب و مماحكاته و إصراره العجيبين على غزو كل الفتحات المتوفرة في الوجه. المروحة الوحيدة المعلقة في سقف الغرفة كانت لا تكفى لتهوية نفسها ناهيك عن سبعة من بنى البشر مكدسين بالغرفة علاوة على ما تصدره أجسادهم و أنفاسهم من حرارة.

وجدت الجميع مستيقظين ففي مثل هذه الظروف التعيسة لا يمكن لشخص طبيعي النوم لفترة طويلة ، ويقيني أن الوقت الذي قضوه نياما كان نصفه كفاحا للحصول على هواء أو فى محاولات عبثية للإبعاد الذباب الملحاح عنهم.

حاول البعض الاستنجاد بالحوش و بعض من ظل قصير بدأ يتكون بعد منتصف النهار. لم تطل فترة احتمالهم فقد كان الهواء ساكنا تماما فضلا عن الذباب الذي لم يغفر لهم محاولة هروبهم منه فطاردهم بلا هوادة لحيث ذهبوا بل أصبح أكثر جرأة فى الهجوم بسبب تخلصه من مضايقة تيار الهواء الخفيف الصادر عن مراوح الغرف.

كان الكل في محاولة صعبة للتأقلم زاد من عبئها الحوجة للقيام بالمتطلبات الضرورية للحياة اليومية من حمام وخلافه.

كانت تجربة الحمام هي الأكثر صعوبة فقد اكتشفنا وجود حمام واحد صالح للاستخدام البشرى و كان عبارة عن مساحة ضيقة بالإضافة موضوع فيهاجردل قديم من الزنك و كوز. اضطرينا لانتظار أوقات طويلة لأخذ دورنا في الحمام لكن الشيء الذي أزعجني أكثر هو شعورك بالحوجة للإستحمام مرة أخرى بمجرد قضاء فترة قصيرة بالخارج بسبب الجو الخانق الذى يستدعى العرق فيخرج دون إبطاء من مكامنه مع فقدانه لفضيلة ترطيب الجسد بسبب عدم وجود الهواء الكافي لذلك.

فوجئت عند عودتي من الحمام بثلاثة من "المساجين" في المطبخ ،يرتدون زى السجن البسيط المصنوع من ثياب قطنية بيضاء "دبلان" تشتمل على سروال قصير و قميص بلدي "عراقي" بالإضافة إلى طاقية تشبه طواقى عمال السفن مصنوعة من نفس القماش . كانت المواقد مشتعلة وعليها قدور الطبخ و "المساجين" منهمكون في تحضير طعام الغذاء. ألقيت عليهم التحية فخرج لي أحدهم وكان قصير القامة قصير الأرجل ولكنه مفتول الجسم قوى البنية.

سلم على بلال بحرارة بعد أن عرفني باسمه و قال لي انه سوف يرأس مجموعة "المساجين" المخصصة لخدمتنا من قبل إدارة السجن. أضاف أنه يتشرف بخدمة هكذا ناس من المناضلين في سبيل حرية البشر و الوطن وختم كلامه بدعوته لي لمناداته في حال أن احتجت لأي شيء وقد عرفت فيما بعد انه قام بتحية الجميع بنفس الطريقة وسوف يصبح بلالا هذا روح المعتقل و قوته المحركة فيما يخص شئون حياة المعتقلين اليومية فضلا عن أنه كان مصدرا هاما من مصادر التسلية بحكاويه التي لا تنتهي عن مغامراته مع القانون ورجاله وغزواته النسائية حينما طالت مدت الاعتقال وسقطت كل الحواجز بيننا.


تجمعنا في الغرفة الكبيرة بعد الحمام الذى ربما ساعد بعض الشىء عل تجاهل معاناتنا دون أن يخلو ذلك من الشكوى و بعض اللعنات. ساعد فى زيادة تلك المعاناة انقطاع التيارالكهربائى و توقف المروحة عن الدوران. عرفنا كم كنا مجحفين بحق تلك الآلة ومستهترين بتيار الهواء الخفيف الذي تخلقه فقد صرنا بعد توقفها كمن حوصر تحت الأرض في منجم انقطع عنه الهواء.

تحدث د. أمين مكي مدني مبتدرا الاجتماع الودي و الذي تجمع المشاركون فيه من غير دعوة و طلب من الجميع الصبر على هذه المحنة فهذا هو قدرنا كمناضلين من أجل هدف سامي وغاية نبيلة زهقت من أجلها النفوس فما يحدث لنا قليل مقارنة بما حدث من قبل للمناضلين السودانيين وغيرهم ودعا الجميع للتماسك و المحافظة على روح المعتقل المعنوية.

بعد حديث د. امين الكافى و الشافى قمنا بتكوين لجان المعتقل فتم إختيار د. أمين و الأستاذ الصادق الشامي المحامى لتمثيلنا أمام إدارة السجن فيما تم اختيار السر باشاب لإدارة الكميون وهى كلمة أصطلح عليها و تعنى إدارة شئون المعتقل الغذائية من استلام للتفريدة( الحصة الغذائية اليومية) من المتعهد و التأكد من جودتها بالإضافة الإشراف العام على كل الوجبات .أما أنتاج الوجبات اليومى فيقوم به "المساحين" مع ألإشراف المباشر من أحد المعتقلين الذي يقوم بدور اختيار الأصناف و الإخراج. لهذا الغرض وزع المعتقلين على أيام الأسبوع مع إعفاء د.أمين و الأستاذ الصادق الشامي والعم شندى ود. سراج.

اختير ود الحورى لمساعدة السر باشاب في تسيير أمور لجنة الكميون التي كان من مهامها أيضا جمع كل ما يأتي من الخارج من طعام ومستلزمات غير شخصية و توزيعها على الجميع حسب الطلب. كما تم اختيار المخرج التلفزيوني الأستاذ الشفيع للقيام بمهام اللجنة الثقافية بمساعدتي وهكذا ختم الاجتماع.

بعد الاجتماع قلت لد. أمين ممازحا: خطبتك قوية لكن عليك الله قول لي بوصفك وزير سابق حيفكونا متين؟
ضحك د. أمين وقال لي :نفس هذا السؤال سألته لمحمد إبراهيم نقد عندما إلتقيته صدفة بعد زيارة استشفاء للمستشفى بسجن كوبر.رد على نقد قائلا: رتب نفسك على سنتين أقل حاجة وكان نقد وقتها راجعا مع السجان لقسمه وظللت ألاحقه بالحديث والصيحات: سنتين شنو يا نقد. بالله قول لينا حاجة تانية يا نقد اقيف وغير كلامك ده !! و ظل نقد مواصلا سيره حتى اختفى من الأنظار دون أن يغير رده أو يلتفت ناحيتى.

يتبع

Post: #101
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-30-2005, 05:16 AM
Parent: #1

فاتنى ان أعتذر للإخوة القراء عن التأخير فى إنزال هذه الحلقة من يوم أمس لليوم حسب وعدى لهم وذلك بسبب صعوبات فنية.

وكل عام و الجميع بخير

Post: #102
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: ahmad almalik
Date: 10-30-2005, 06:22 AM
Parent: #1

توثيق رائع وسرد في غاية الروعة أخ هشام .
كانت ولما تزل فترة عصيبة لبلادنا.
والمحزن أن المجرم لا زال يمرح دون عقاب.
ويتقلب فوق حزمة بقايا (جلوده) التي يغيرها مع كل زمان ليستمر في سلطته.

نتابع بشدة.



أحمد الملك

Post: #103
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 10-30-2005, 11:36 PM
Parent: #1

الكاتب الرائع احمد الملك

شكرا كلمات المؤازرة و التشجيع وكل عام وأنت بخير.

Post: #104
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-01-2005, 02:12 AM
Parent: #1

رغم طابع الرغبة في المزاح الذي طبع حديثي مع د. أمين إلا أنى شعرت بالإحباط من إجابته فقد أحسست بأن محمد إبراهيم نقد يعنى ما يقول. كنا في ذلك الوقت نمنى النفس أن إطلاق السراح سوف يجيء عقب ثورة شعبية جارفة تقتلع النظام الهش من جذوره بزعامة التجمع النقابي لكن يبدو أن نقد أحسن قراءة الوضع السياسي و توازن القوى الموجود على الساحة بإصدار حكمه ذلك وقد ثبت فعلا بعد نظره فتم إطلاق سراحنا في أول عفو شامل عن المعتقلين السياسيين أصدره النظام إثر استمرار تصاعد الضغوط الدولية عليه وذلك بعد قضاؤنا لما يقرب العامين في المعتقل. ولا يقلل من قيمة توقعاته تلك أن بعض المعتقلين ومن ضمنهم د. أمين مكي مدني تم إطلاق سراحهم قبل ذلك بكثير.

قبل تناولنا لطعام الغذاء طلبت اللجنة الممثلة للمعتقلين مقابلة العميد حسين مدني قائد السجن. استجاب العميد بسرعة للطلب فخرج ممثلانا بسرعة لمقابلته. عند رجوعها بعد حوالي الساعة أخطرانا أن الاجتماع كان مثمرا جدا وقد وافق العقيد على كل طلباتنا.

كانت الطلبات عبارة عن بناء حمام آخر و صيانة الغرفتين مع تغيير المراوح بمراوح جديدة ذات ريش أكبر لزيادة كمية الهواء الناتجة عنها نسبة لتكدس الغرفتين بالمعتقلين. كما طلبنا حافظات كبيرة للمياه.

الطلب الأخير كان عبارة عن رجاء بتشييد "تعريشة" أمام الغرف حتى يلجأ لها المعتقلون في حالة انقطاع التيار الكهربائي الذي كان يحدث يوميا و يستمر في بعض الأحيان لساعات طويلة.

خصص لنا العقيد أيضا ساعتين للرياضة يوميا تبدآن عند الرابعة عصرا وتنتهيان عند السادسة مساء مع استعمال ملعب السجن والذي كان يجاور المستشفى وكان عبارة عن حوش كبير مضاف إلى مبنى الرئيسي يقع في نهاية الممر لو سلكت يمينك عند دخولك من البوابة الرئيسية للسجن. كان هذا الحوش يستعمل للمناسبات و الاحتفالات الرسمية التي تقيمها إدارة السجن في فترات متباعدة. في الربع الأخير من هذا الحوش يوجد المنسج و هو المكان الذي يصنع فيه المساجين المفارش و السجاجيد والتي كان يصنع بعضها من الخيوط والبعض الآخر من الوبر أو صوف الحيوانات. كنا نحرص على الحضور يوميا لزيارة المنسج قبل الرياضة لرؤية ما يبدعه " المساجين" من تشكيلات مختلفة كان بعضها في غاية الجودة والروعة. لما سألت بلال في أحد المرات عن هؤلاء المنتجين من" المساجين" قال لي أن أغلبهم من المحكومين بمدد طويلة و أنهم يمدون كل مصلحة السجون السودانية بالسجاد الذي تفرشه على أرضيات مكاتبها وهم يعملون بدوام كامل يوميا. سألته ما الذي ينالونه مقابل ذلك ؟ قال يومية العامل المسجون وتبلغ ستة وثلاثون قرشا سودانيا.

ستة وثلاثون قرشا سودانيا معقول يا بلال؟ رددت أنا. رد على قائلا: ديل كويسين . شوف الناس الشغالين في الملاحات في ظروف عمل لا يمكن لبنى البشر احتمالها فهم يفعلون كل شىْ يدويا . يحاصرون مياه البحر في مساحات محددة تسمى الواحدة منها الملاحة. بعد جفاف المياه بواسطة التبخر يقومون بجمع الملح و بأيديهم العارية في جوالات من البلاستيك. يواصلون عملهم هذا صيف شتاء وتتعرض أرجلهم وأيديهم للتشققات و العديد من المشاكل الجلدية نتيجة لتعاطيهم المباشر مع الملح الخام . إدارة السجن تعطيهم نفس الراتب اليومي بالإضافة لقطعة من القريب فروت للشخص.

سألت بلال :أين يذهب الملح المنتج؟ قال: تبيعه مصلحة السجون و تجنى منه الأرباح أما من صنعوه فيتركوا هكذا دون عناية أو حتى سؤال عن ما يلحق بهم من الأمراض نتيجة العمل في مثل هذه الظروف الصعبة.

قمت بعمل حسبة صغيرة لما يتقاضاه هؤلاء بالدولار الأمريكي وقد كان سعره وقتها حوالي 15 جنيها سودانيا فوجدت أن دخل المسجون نتيجة عمله في هذه الأشغال التي أعتبرها شاقة يبلغ 2.4 سنتا في اليوم، حوالي 72 سنتا شهريا أي أقل من واحد دولار في الشهر.

سألت العميد حسين مدني في أحدى زياراته للقسم عن هذا الأمر فقال : " أنه قانون وضع في مطلع السبعينيات وقد قصد به أعادة تأهيل المسجون مع توفير دخل له من العمل في السجن يمكنه صرف نسبة قليلة على احتياجاته الإضافية أثناء محكوميته والباقي يحفظ له كتوفير إجباري يصبح مبلغا محترما حين خروجه من السجن يعينه على بدء حياة جديدة

أضاف العميد:أن المدخول كان مجزيا جدا حينها ولكن مع تدهور قيمة العملة السودانية صار ما يقبضه هؤلاء ليس له قيمة وقد كتبنا لرئاسة السجون عدة مرات لزيادة هذا المدخول لخدمة الغرض الذي وضع القانون من أجله دون أن ننجح في التغيير. في نفس الوقت لا نستطيع وقف تشغيل " المساجين" فالقانون هو القانون و يجب تطبيقه."

ظل عمل المساجين يتلك الطريقة والتي أعتبرها ضربا من ضروب السخرة قائما حتى إطلاق سراحنا رغم تواصل تدهور قيمة العملة السودانية آنذاك ولا أعرف ما إذا كان هذا القانون قد تغير فيما بعد.

تناولنا طعام الغذاء فور انتهاء د. أمين مكي مدني من إخبارنا بالأنباء الجيدة لاجتماعهما المثمر مع قائد السجن.فضلنا قضاء بقية اليوم في محاولة ترتيب أشياؤنا و تجهيز المكان وتأجيل بدء الرياضة لليوم التالي.

مع غروب الشمس هاجمتنا جيوش جرارة من البعوض لا ندرى من أين أتت. نعم كان البعوض موجودا بكثرة في سجن كوبر ولكن ما واجهناه في سجن بورسودان كان شيئا آخرا.

تحسر الأستاذ الصادق الشامي المحامى على مدينة بورسودان التي كانت مثالا للنظافة و احترام صحة البيئة.

باعتبارها مدينة تسكنها العديد من الجاليات الأجنبية والتي وضع الإنجليز على عاتقها عبء تسيير دولاب العمل الفني في الميناء و تجارة الصادر والوارد كانت بورسودان بالفعل من أنظف و أجمل مدن السودان. كان والدي قد عمل بها ردحا من الزمن في مقتبل شبابه و كان دائما ما يحكى عن روعتها وجمال الحياة فيها. عندما زرتها للمرة الأولى في مطلع الثمانينات من القرن الماضي كانت ما تزال تحتفظ ببعض بهائها . قضيت بها أسبوع في ضيافة شقيقي المهندس وقتها بالخطوط البحرية السودانية أسامة طه المجمر. كان يعمل بالباخرة الأبيض و كانت جزء من أسطول جديد من عدة بواخر اشترتها طيبة الذكر الخطوط البحرية السودانية. صعقني جمال ودقة صنع هذه الباخرة وقد أخذت بلبي حياة البحر وكنت أراه للمرة الأولى فزادت عندي بورسودان جمالا على جمال.

عندما زرتها للمرة الأخيرة قبل حضوري مخفورا بعد عدة اشهر إليها كنت أقيم مع صديقي العريس في منزل خاله بالحي الإغريقي أحد أرقى أحياء بورسودان الذي ما زال يحتفظ ببعض النظافة فلم ألحظ وقتها التدهور المريع الذي حدث لهذه المدينة.

يتبع

Post: #105
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-02-2005, 02:13 AM
Parent: #1

اسمحوا لى بإنتهاز هذه الفرصة و تهمئة كل متابعى هذا البوست بحلول عيد الفطر المبارك اعاده الله علينا وعليكم باليمن والبركات.

سوف اعاود الكتابة مع نهاية العيد إنشاء الله.

Post: #109
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام مدنى
Date: 11-03-2005, 05:02 AM
Parent: #105


Post: #106
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Mohamed Adam
Date: 11-02-2005, 03:47 AM
Parent: #1

لكل المتداخلين بهذا البوست:
كل عــام وأنتم بخيًر.
نتمني لكم العفو والعـــافيًه.

Post: #107
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: sari_alail
Date: 11-02-2005, 07:02 AM
Parent: #1

عمنا هشام المجمر ,,,,,,,,,عيد سعيد
اها العيد دا أظهر علينابي جاي

Post: #108
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-03-2005, 04:02 AM
Parent: #1


لاخ محمد آدم
و الإبن سارى الليل

تحياتى لكم و كل عام وانتم بخير

أنا اليوم بالعين يا سارى الليل و حكون عندكم المساء. كلم يوسف الطويل

Post: #110
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-05-2005, 00:30 AM
Parent: #1

الاخ هشام مدنى

كل سنة وانت طيب . تحياتى لك وللأسرة الكريمة
بلغ تهانى العيد للأخ هاشم محمد احمد و بقية الأخوة
يعوده الله علينا و عليكم باليمن و البركات

Post: #111
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-06-2005, 01:40 AM
Parent: #1

في صباح اليوم التالي صحونا مبكرا على صوت حركة كثيفة في الحوش.العديد من الحرفيين يقومون بأعمال مختلفة يساندهم جيش صغير من المساجين كعمال. كان هناك فريقا يعمل في حفر أساس الركائز لتشييد التعريشة و قد كان من الواضح من المسافة بين حفر الأطراف كبر المساحة التي سوف تغطيها هذه التعريشة.

فريقا آخر كان يقوم بعمل أساسات الحمام الجديد وكانت كل المواد موجودة داخل الحوش بما فيها مراوح السقف الجديدة جاهزة للتركيب في انتظار خلو الغرف من شاغليها.

عندما خرجت من الحمام مرورا بالمطبخ و جدت أن بلال و مجموعته أعدوا شاي الصباح وفى انتظار مواد التفريدة للشروع في إعداد طعام الفطور. داخل المطبخ كانت هناك حفاظتان كبيرتان للماء. أخبرني بلال أن هناك من أحضر 3 ألواح من الثلج في الصباح الباكر .

ولألواح الثلج هذه قصة تروى عن ملحمة تضامن فريد مع المعتقلين قدمه الشرفاء من أبناء بورسودان في وقت كانت فيه حكومة الإنقاذ في أشرس مراحل تعديها الفظ على معارضيها ومن يتعاطف معهم.

عند إطلاق سراحنا فقط علمنا بأمر لجنة التضامن مع المعتقلين السياسيين التي أنشأت في بورسودان برئاسة العم على دهب حسنين. أخذت هذه اللجنة على عاتقا دعم المعتقلين السياسيين في كل من سجني بورسودان و سواكن . وقد كانت تِؤدى أعمالها ببساطة وفاعلية شديدة أغضبت المسئولين في بورسودان مما أدى إلى اعتقال عدد من أعضائها الشباب فيما بعد.

و قبل أن أحكى عن ما فعلت هذه اللجنة لا بد لي من التوقف عند الراحل الكبير على دهب حسنين الذي فقدته مدينة بورسودان والسودان في العام 2002 م. هذا الرجل لا تذكر بورسودان إلا و يذكر معها فقد كان ولا يزال يشكل مفهوم الرجولة الحقة بكل ما تعنيه الكلمة بالنسبة لى و للكثيرين ممن عرفوه . فندقه الواقع في سوق بورسودان و المسمى بفندق بوهين كان مزارا لكل أهل بورسودان خاصة المحتاجين منهم فقد كان العم على دهب مشهورا بالبر والعطاء. ينحدر عم على من أسرة عريقة من أسر وادى حلفا . كان يعمل موظفا بالسلك الإداري للهيئة القضائية أتى لبورسودان بعد أن جاب كل إقاليم السودان يؤدى واجبه بتفان ونزاهة أهلته ليكون محلا لثقة مرؤوسيه في الهيئة القضائية. تعرض للاعتقال عدة مرات نسبة لاشتغاله بالسياسة. طاب له المقام فى بورسودان فترك وظيفته و أشتغل بالعمل الخاص .أعطته الهيئة القضائية رخصة للعمل في مجال توثيق العقود لتميز خدمته بها فبرع في هذا العمل و أشتهر به و كون ثروة صغيرة مكنته من التوسع في العمل التجاري فقد كان رجلا عصاميا يحب الحركة والعمل.

عقب نجاح انقلاب الإنقاذ كان ضمن أل 30 شخص الذين تم التحفظ عليهم في بورسودان وبقى ضمن آخر 12 ظلوا في المعتقل لمدة شهرين بعد إطلاق سراح المجمعة الأولى بعد عدة أسابيع من الاعتقال.

ذكر لي بعض من اعتقلوا معه في تلك الفترة أن وجوده معهم في المعتقل ساهم على حد كبير في تخفيف وطأة الاعتقال فقد كان رحمه الله خفيف الظل بارع الحديث موسوعي الثقافة. كان عم على دهب مشهورا في بورسودان بسرعة بديهته فقد كان لا يفتش عن الكلام فلديه مخزونا وافرا منه وهناك العديد من القصص الطريفة التي تروى عنه و يعرفها الكثير من أبناء بورسودان.

يوم إطلاق سراحه من المعتقل أم منزله الواقع بجانب الفندق نصف سكان بورسودان. فبورسودان هذه مدينة عجيبة تحتفي بشدة بأبنائها الذين تحبهم و تكشف عدائها الواضح للذين لا تحبهم. في بورسودان يمكن رؤية العداء المقيم للإخوان المسلمين كما يمكن رؤية سحابة الغبار العالقة في الجو في منتصف الصيف. غير أن هذه السحابة تميزت ببقائها الدائم فى كل الفصول وازدياد كثافتها بمرور الأيام. سكان بورسودان نظروا لهؤلاء منذ نجاح انقلابهم كمستعمرين لا كأبناء نفس البلد. وقد ساهمت بعض التصرفات الغبية التي قام بها منسوبي هذا التنظيم في بورسودان في زيادة حدة هذا العداء بين بورسودان وأهلها الأصليين من البجة وبين السلطة الحاكمة ولعل ابرز تلك الأحداث هي القيام بتحطيم تمثال البطل عثمان دقنة أثناء المظاهرة الهزيلةالتي قادها الأخوان المسلمون لتأييد الانقلاب عقب نجاحه.

أثر تحطيم هذا التمثال سلبا على العلاقة المتوترة أصلا بين البجة و حكومة الإنقاذ وزاد الطين بله قيام الحكومة بإعدام البطل الشهيد كرار ضمن مجزرة ال 28 ضابط المتهمين بمحاولة 28 رمضان 1990 الانقلابية. و كرار هذا أحد أبناء زعيم من ابرز زعماء البجة وكان لمقتله وقع الصاعقة على المدينة و سكانها فقد كان رجلا معروفا بالشجاعة والإقدام و النزاهة و محبوب من أبناء قبيلته و مدينته على حد السواء.

نعود لعم على دهب الذي رغم أنه جاء للمدينة بسبب العمل إلا انه صار أحد أبنائها المحبوبين. فصانعوا المعرف له مريديهم أينما حلوا. سوف أروى لكم قصة تحكى عن مدى عظمة هذا الرجل و كنا شهودا لجانب منها .

بعد أن تم نقل العميد حسين مدني للفاشر تم تعيين نائبه المقدم قائدا للسجن و كان هذا النائب على عكس سلفه متشددا جدا معنا وقد رفض لنا العديد من الطلبات و كان هذا سبباللعديد من الاحتكاكات بينه و بيننا وبينه وبين العم على دهب. بعد خروجنا من المعتقل تمت إحالة هذا الضابط للمعاش وأمر بإخلاء منزله الحكومي فورا وعندما علم العم على دهب بهذا ذهب أليه وعرض عليه السكن مجانا في أحدى الشقق التي يملكها حتى يدبر حاله و قد كان. روى لي هذه القصة ابنه عماد على دهب عندما ذهبت لمدينة بورسودان في زيارة خاصة في نهاية العام 1991 م وقد كان الضابط مايزال مقيما بتلك الشقة.

مما يحسب لعم دهب أيضا تحمله عبء إسكان اسر المعتقلين الذين يأتون لزيارة أبناءهم فكان بيته لا يكاد يفرغ من فيه من زوار حتى يمتلىء مرة أخرى وهو في ذلك لا يفرق بين معتقلي حزب أو آخر عسكريين كانوا أم مدنيين. قال لي أحمد دهب الذي يعمل ويسكن بمدينة العين أنه ذهب لزيارة عمه على ذات مرة فوجد المنزل ممتلئا عن آخره بالضيوف ولما سأل قيل له أنهم أسر معتقلي ما سمته السلطات بالمؤامرة العنصرية فالطريف في السودان أن المحاولات الانقلابية تكون محاولات عادية عندما يقودها ضباط من الوسط أو الشمال ولكنها توصم بالعنصرية لو كان من يقودها ينتمي للغرب أو الجنوب. كان معتقلي هذه المرة من العسكريين الذين ينتمون إلى أهلنا في دار فور و قد استضاف عم على دهب أسرهم في منزله لأسابيع دون أن يكل أو يمل.

عماد على دهب أحد أبناء الراحل العظيم تم اعتقاله أيضا واحضر لنا في القسم في أواخر العام 90 مع آخرين وتلك قصة أخرى سأرويها في وقتها عند الحديث عن معتقلي بورسودان ولكن اعتقاله كان يمثل حالة العداء المستحكم بين هذا الرجل وكل ما يمثله من جمال ونبل وبين السلطة بوجهها البشع وما تمثله من عداء مقيم للإنسانية و الحياة.

يتبع

Post: #112
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-06-2005, 11:11 PM
Parent: #1

من الصدف العجيبة: بعد مابدأت بكتابة نصف الحلقة الماضية وكانت تدور عن عم على دهب كانت بعض المعلومات تنقصنى و عندما ذهبت للعين فى العيد وجدت قريبه السيد أحمد دهب و كنت كمن عثر على كنز. بركاتك يا الشيخ على دهب

Post: #113
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-08-2005, 02:25 AM
Parent: #1

عدا عن العم على دهب كان هناك الكثيرون ممن أخذوا على أنفسهم تزويد المعتقلين بأشياء ربما ترونها صغيرة ولكنها كانت شديدة الأهمية.

الطبيب صالح عبد العزيز الإنسان الذي تعهد بشراء الصحف و السجائر يوميا و أيصالها صباحا قبل ذهابه للمستشفى أدى هذه المهمة بامتياز ومثابرة نادرة الوجود. أن تفعل شيئا حتى ولو كان كبيرا لمرة واحدة أمر سهل ولكن أن تلتزم مثل هذا الالتزام الصعب و بصفة يومية وبدقة في المواعيد عجيبة فهذا شيء مدهش لا يقدر عليه إلا الفرسان أمثال د. صالح عبد العزيز.

صاحب مصنع الثلج الذي كان يورد لنا يوميا ثلاثة ألواح رفعها لسبعة عندما زاد عدد المعتقلين عقب "كشة" بورسودان الكبيرة في أواخر العام 1990م. لا أعرف لهذا الشخص اسما فقد أخفاه عن ضباط السجن وحرص على أن لا نعرف من يحضر الثلج وعندما سألت المرحوم على دهب عنه عقب خروجنا من المعتقل فضل احترام رغبة هذا الشخص العظيم ولم يذكر اسمه بل قال أنه غير منتمى حزبيا ولكنه كسائر أهل السودان لا يحب الأخوان المسلمين و لا أفعالهم. و أنا إذ أذكره هنا وأذكر فضله الكبير علينا ، هذا الفضل لا يعرف قدره إلا من كان داخل السجن في أشهر صيف بورسودان الملتهبة،أتمنى أن يجمعني الزمن به لأودى له جزء ولو يسير من شكر على ما تكرم به علينا دون أن يطلب ذلك منه و بدون حتى سابق معرفة بيننا.

خطرت لي خاطرة حينها عن كيفية اكتساب أفراد هذا التنظيم لعداء الشعب السوداني. لا بد أنها هبة إلهية وهبها الله للإخوان المسلمين وهذه الكراهية لم تأتى حينما وصل التنظيم للحكم ولكنها وصمته منذ بواكير أيامه ولعل هناك أسباب موضوعية لها فالمنهج الذي اتبعه الشيخ حسن الترابي في تربية تلاميذه كان منهجا فاسدا يحض منتسبى هذا التنظيم على الاستعلاء بدعوى أن المؤمن يعلو ولا يعلى عليه وتحت هذه المقولة ٍظن هؤلاء التلاميذ أنهم أفضل حتى من آبائهم وأمهاتهم فكانت تصرفاتهم وسط الأهل و الجيران تجلب عليهم السخط و الكراهية هذا بالإضافة إلى أن تشددهم في الدين وافتقارهم إلى أي حس إبداعي نفر عنهم السوداني البسيط. وربما يسأل سائل محقا إذا كان هذا هو الحال كيف نما هذا التنظيم وتمدد؟ الإجابة تأتى في التكتيكات التي اتبعها الشيخ في استهداف شريحة معينة من المجتمع وهى شريحة الطلاب و استغلاله الواعي لظروف هؤلاء الاقتصادية و الاجتماعية ساعده في ذلك الظروف الخارجية من نمو التيار الإسلامي في المنطقة عقب سقوط شاه إيران ورغبة أغلب الشباب في تحدى الشيطان الأكبر الذي هو أمريكا التي تدعم إسرائيل التي تحتل مقدسات المسلمين. استطاع التنظيم أن ينجح نجاحا باهرا في هذا المجال وضم إليه إعداد كبيرة من الطلاب الذين شكلوا أكبر روافد الحركة الإسلامية في السودان. و هنا لا بد لنا من الإشارة أنه عقب وصول هذا التنظيم للسلطة و افتضاحه تدنت شعبيته بشكل مريع وسط الحركة الطلابية حتى اضطر متنفذيه إلى تزوير انتخابات الإتحادات الطلابية للجامعات الكبرى لضمان عدم وصول معارضيهم لتلك الإتحادات. فقدان تنظيم الأخوان المسلمين لأغلب الحركة الطلابية أفقدهم الزخم السياسى الذى كان يميزهم فى السابق فأصبح تنظيمهم الجديد( المؤتمر الوطنى) كما المعلق دون أرجل فى الهواء.

كما ذكرت كانت هناك منطلقات عديدة للسودانيين خارج المعتقل لكي يدعموا هؤلاء الموجودين بداخله وهناك جنود مجهولون تبرعوا أثناء وجودنا في المعتقل بأشياء قيمة ومفيدة أعانتنا على الصمود و سوف آتى على ذكرها في وقتها.


يتبع

Post: #114
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-08-2005, 06:41 AM
Parent: #1

اطلعت قبل قليل على بوست الأخ متوكل كل يتحمل الكيزان كل هذه الكراهية
و لا أدرى أذا ما كان قد إطلع على آخر ما كتبت و قد ورد فيه شيئا عن هذه الكراهية أم ان هذا توارد للخواطر. ولكنى سعيد لن هناك من أتفق معى على وجود هذه الحقيقة ولا أقول ظاهرة لأن الظاهرة مربوطة بزمن محدد و يمكن أن تختفى والحقيقة باقية.

التحية لك أخ متوكل.

Post: #115
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Khalid Eltayeb
Date: 11-08-2005, 08:43 AM
Parent: #1

الصديق هشام
وزوار البوست

عيد سعيد وكل عام و الجميع بخير .. اتابع باهتمام ...

خالد

Post: #116
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-09-2005, 04:59 AM
Parent: #1

الأخ/ خلد محمد الطيب

كل سنة انت و أسرتك بألف خير
سعيد بمتابعتك للبوست
لك الود والتحايا

Post: #117
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-10-2005, 02:21 AM
Parent: #1

في ظرف أيام معدودة تم تجهيز المعتقل بما طلبنا ووصلتنا من الخارج ناموسيات متقنة الصنع أشرف عليها العم على دهب بنفسه. ورغم سعادتنا بالتضامن القوى الذي وجدناه في المدينة الرائعة بورسودان إلا أن وقع التغريب و وطأته كانا قويين. بدون شك التغريب يزيد من شعور المعتقل بالسجن والعزلة ولذلك كان معظم الوقت في الأيام الأولى يمضى ما بين الصمت و قراءة ما توفر لنا من مطبوعات عكس فترنا في سجن كوبر والتي كانت تضج بالحركة والحيوية و الأحداث سريعة الإيقاع. في بورسودان افتقدنا الأخبار التي كانت تأتينا يوميا من أرجاء السجن الكبير فى كوبر و أقسامه العديدة والتى كانت تعج بالمعتقلين السياسيين و ربما افتقدنا أيضا جو الشائعات الذي كان يوفر شيء من الإثارة التي تكسر رتابة جو المعتقل وكآبته.

في الخرطوم وبعد أن عرفت أسرتي خبر ترحيلي لبورسودان حفيت قدمي شقيقي الأكبر همام في محاولة الحصول على تصريح بالزيارة. لم يجد مسئولا واحدا في الاستخبارات العسكرية يمكن أن يعطى شيئا نافعا عن ما يجب عليه فعله حتى يتحصل على هذا الإذن بالزيارة. وهذا بسبب أن الانقلاب لم يقم به الجيش السوداني بصفة قومية و إنما قام به تنظيم صغير داخل الجيش يتبع للإخوان المسلمين ولهذا كانت المعلومات المتوفرة للاستخبارات العسكرية و التعليمات تأتيها من جهة قيادية غير معلومة بالنسبة لها. رغم ما وجود ما سمي بمجلس قيادة الثورة فإن كل الأوامر والتوجيهات كانت تصدر من مجموعة أخرى غير معروفة أخذت تتولى شئون إدارة البلد.

لم ينجح همام بالحصول على إذن بالزيارة قبل مضى 6 اشهر على اعتقالى وكان السبب الذى يقال فى أجهزة الإعلام أن الزيارات ممنوعة خوفا من تأثيرها على عملية التحقيق وكان هذا كذبا صراحا إذ لم تكن هناك تحقيقات ولا يحزنون بل كان حرماننا من الزيارة مقصودا من قبل السلطات .قال لي شقيقي فيما بعد: تصور أنو فلان و الذي كان يشغل رتبة عسكرية كبيرة في الاستخبارات قال له بعدماأجهد من "المساسقة": "يا همام حقو الموضوع ده تخليهو حسع."

كان لي أبناء عمومة( غير مباشرة) انتسبوا للتنظيم ولسوء الحظ منذ بواكير حياتهم بسبب عمهم الأستاذ في جامعة الجزيرة والقيادي الكبير بالحركة الإسلامية. بعد نجاح الانقلاب تولى معظم هؤلاء مناصب في الجيش والأمن.

كانت علاقتنا بأبناء عمى جيدة بسبب الصداقة التي كانت تربط والدي بوالدهم فكنا قريبين من بعضنا في الصغر ولكن عند المرحلة الثانوية تفرقت بنا السبل من حيث الانتماءات السياسية رغم أننا احتفظنا لبعضنا بشيء من الود. من بين هؤلاء المنتمين للتنظيم لم يتبرع احد بزيارة منزلنا عقب اعتقالي و حتى إطلاق سراحي و كان منهم من تولى مناصب حساسة في الأمن. وكان هذا شيئا غير مألوفا في أسرتنا وقد أثر هذا السلوك بشدة على والدتي التي كانت تكن الكثير من الود والمحبة لهذه الأسرة.وربما قلل من المها ومعاناتها أن واحدا منهم فقط كان يزورهاو يسأل باستمرار عنى و كان غير منتميا للتنظيم.

الكثيرون ممن يعرفون الأسرتين استنكروا هذا السلوك واستغربوه و أجزم أن كثير من الأسر السودانية ممن طال الاعتقال أبناءها حدث لها هذا أو شيء مشابه له لذلك حينما كتب الطيب صالح مقاله المشهور"من أين أتى هؤلاء" وقعت هذه الكتابة للشعب في جرح و صارت مثلا خصوصا بعد أن فاقت أعمال الجماعة كل ما هو متصور من مستهجن السلوك. ورغم أنى أختلف مع أستاذنا الطيب صالح من ناحية ما ذهب إليه في استنكار النسب و أميل إلى ما كتبه الأستاذ عبد الله بولا فى مقاله الموسوم عن شجرة نسب الغول إلا أنني اتفق مع الطيب صالح في رفضه واستنكاره لأفعال الجماعة و الذي بلغ حد التشكيك في نسبهم للشعب السوداني.

على عكس ما فعل أبناء عمومتي هؤلاء أعطى أقربائي ببورسودان الصورة المشرقة للترابط الأسرى السوداني. عمتي الحاجة دار الأمان و التي كانت تسكن في حي "سلبونا" وهو مكان بعيد عن السجن عهدت على نفسها الحضور و بالمواصلات العامة كل يوم أربعاء وهى تحمل ما لذ وطاب من الأكل في عامودين فهي كانت تدرك أن لي زملاء بالمعتقل. كانت تتفنن فى صنع الأصناف المختلفةمن الأكل وكان طعامها جد شهيا حتى أننا صرنا ننتظره و نطلق عليه فطور دار الأمان. ظلت هذه المرأة الجميلة مثابرة على هذا العطاء الكبير رغم تقدمها في السن ولم تنقطع عنا ولو لمرة واحدة طيلة فترة اعتقالي وقد حزنت أشد الحزن حينما أختارها الله إلى جواره قبل عدة سنين و أنا بعيد هنا في الغربة لا أستطيع الذهاب للعزاء و لكنى أخذت على نفسي عهدا بالذهاب لزيارة قبرها و قراءة الفاتحة على روحها الطاهرة فقد كانت مثالا لأمهات السودان كبيرات القلب و القول والفعل.

عمنا الحاج قاسم شيخ محمد التاجر ببورسودان وضع في حسابي بالأمانات مبلغ 1000 جنيه سوداني وكان مبلغا كبيرا في ذلك الوقت أعانني كثيرا في أيامي الأولى بالمعتقل وحتى وصول الدعم من الخرطوم. قاسم شيخ محمد هذا قريب لي من جهة الأب و الأم وقد أخبرني والدي عند خروجي من المعتقل أنه أتصل به تلفونيا و ابلغه اعتقالي وترحيلي لبورسودان فما كان منه إلا أن ذهب فورا للسجن ووضع هذا المبلغ في حسابي وقد فاجأني وجود هذا المبلغ بعد عدة أيام من وصولنا لبورسودان إذ أن العم قاسم رحمه الله وضعه في الحساب وذهب دون أن يذكر أسمه. وقد ظل فاعل الخير هذا مجهولا لدى حتى علمت هويته من والدي.

يتبع

Post: #118
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-11-2005, 02:46 AM
Parent: #1

الجنود المجهولون

أتصل بى صديق متابع للبوست مشددا على أهمية مساهمة الجنود المجهولون فى دعم صمود المعتقلين السياسيين فى ذلك الزمن الكالح من تاريخ السودان.

لم يفتنى ذكر فضل هؤلاء وربما لم أعطهم حقهم بسبب عدم معرفة اسمائهم ولكنى هنا أحييهم مرة أخرى و اثمن دعمهم لنا و أنا أعرف ان منهم من كان يعرض نفسه و مصدر رزقه للخطر.

التحية لكم أيها الشجعان فى بقاع السودان المختلفة و بالتأكيد بيجى يوم نعرفكم فيه و نحتفل سويا.

Post: #119
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Dia
Date: 11-12-2005, 04:08 AM
Parent: #118

الاخ هشام المجمر


لك التحية والتقدير على توثيقك وتمليك الجميع حقائق وتصرفات والام يحاول البعض طمسها ععبر مقولة عفا الله عما سلف وهذه مرحلة انتهت وتناس المرارات.

احيك ياهشام ياقريبى فعم قاسم شيخ محمد ابوحراز هو جدنا وعهده عهد جدنا المرحوم محى الدين ابوحراز ونحن اسرة عرفت بعدم الخنوع للزل والطغيان وقدمت فى سبيل ذلك الغالى من الارواح والانفس ز اطال الله عمرك ونفع الله الناس بعلمك وقيمك النبيلة والتحية لكل الشرفاء الذين لازموك فى زنازين الطغاة .

Post: #120
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-12-2005, 06:59 AM
Parent: #1

الأخ/ ضياء

شكرا على الكلام الجميل يا قريبى و فعلا سليل الرجل الفارس قاسم شيخ محمد لا يمكن إلا أن يكون هكذا.

لك التحية ولأسرة قاسم شيخ محمد الممتدة سلام.

Post: #121
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Dr. Moiz Bakhiet
Date: 11-12-2005, 10:36 AM
Parent: #120

الصديق الحبيب هشام،

أتابعك بشغف من وراء الكواليس واقرأ في صمت لكنني امتلأت بزخم السكون

فخرجت لأقول لك:

يا نخلة من غابة العصيان تطلع..
نحن شعب ليس يركع
لا لطاغية تنكر أو لمدفع
نحن شعب من سماء الحق يرضع..

محبتي واحترامي


معز

Post: #122
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: ريهان الريح الشاذلي
Date: 11-12-2005, 01:13 PM
Parent: #121

الاستاذ هشام

تحية الصمود والنضال....
لك وردتان...
ولهم مليون تحية..
هذا هو الشعب السوداني جميل دوما كاشواق الامهات

واصل لنمتلئ .......................

Post: #123
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-12-2005, 11:23 PM
Parent: #1

الصديق الشاعر الجميل د.معز

Quote: فخرجت لأقول لك:

يا نخلة من غابة العصيان تطلع..
نحن شعب ليس يركع
لا لطاغية تنكر أو لمدفع
نحن شعب من سماء الحق يرضع..


لك الشكر على هذه الكلمات المضيئة وما ضاع حق خلفه مطالب.

الأخت/ ريهان

تسعدنى متابعتك للبوست وشكرا على كلماتك التشجيع و المؤازرة

Post: #124
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-13-2005, 01:41 AM
Parent: #1

بمرور الأيام بدأنا في التعود على جو المدينة والسجن معا وإن كان انقطاع الكهرباء الذي أصبح شبه دائم يزعجنا كثيرا و يستدعى للتفكير في حال الوطن المتدهور. مدينة تمثل منفذ السودان الرئيسي والوحيد للعالم تغوص وتغرق في تردى الخدمات الأساسية دون أن تجد من يمد لها يدا لإنقاذها أو حتى التحدث بصوت عال عن أزماتها التي تكاد أن تقضى عليها؟ بورسودان تعانى أيضا من مشكلة مياه خانقة. الناس لا يجدون ما يشربون خاصة في فصل الصيف حيث تصبح المياه أغلى من البترول الذي كان نادرا تلك الأيام.

بحكم عملي كمهندس بقسم المشروعات بالهيئة القومية لمياه المدن، قبل اعتقالي و إحالتي للصالح العام بعدها بشهرين، كنت مضطلعا على المشروعات الجاهزة كبدائل محتملة لتزويد مدينة بورسودان بالمياه وآخرها كان مشروع إمداد المياه من حوض نهر بركة والذي قطع التفاوض فيه مع بنك التسليف الألماني (KFW) و بنك التنمية الإسلامي شوطا كبيرا قبل وقوع الانقلاب. بعد نجاح الإنقلاب و قيام حكومةالآنقاذ قبر هذا المشروع للأبد.

لكن منطقيا لا يمكن تحميل النظام الحديد فى ذلك الوقت ما عجزت عنه الحكومات السودانية بأشكالها المختلفة منذ الاستقلال وهو الانتقال بالسودان من مرحلة البنية التحتية لاقتصاد الاستعمار إلى إنشاء البنية لاقتصاد الاستقلال و التنمية المستدامة في كافة أنحاء البلد. و الأسوأ من ذلك أن الحكومات المتعاقبة فشلت حتى في المحافظة على البنية النحتية التي ورثتها من الاستعمار.

لكن الثابت أن وقوع انقلاب العسكري في 30 يونيو 1989 أوقف الكثير من المنح والقروض التي كنا نتفاوض عليها مع المؤسسات و الدول الأجنبية في محاولة لإسعاف مدن السودان التي كان معظمها في مرحلة الاحتضار في تلك الأيام. ولكن بالنسبة لى ما يزال السؤال الكبير يلح على حتى الآن قائما: لماذا فشلت الحكومات الديمقراطية وخاصة الحكومات الأخيرة بقيادة السيد الصادق المهدي في تحويل تطلعات الجماهير إلى حياة حرة كريمة إلى واقع معاش أو على الأقل البدء في ذلك؟ قد يقول قائل أنها الحرب التي كانت مستعرة في الجنوب . لكنى لا أعتقد أن الحرب هي سببا مقنعا لهذا الفشل. هذا الفشل سببه قصر النظر الذي أصاب قادتنا مع انعدام الرؤية الشاملة لكيفية حل مشاكل البلد. كان ترتيب الأولويات ضعيفا فصرفت الإمكانيات الشحيحة أصلا في غير مكانها فلم يشعر المواطن العادي بأي تحسن في حياته يمكن نسبه للفترة الديمقراطية كما أن قادتنا كانوا يضعون الرجال غير المناسبين في الأمكنة المناسبة و الرجال المناسبين في الأمكنة غير المناسبة.فهم لا يضعون للمهنية و المؤسسية حساب. فى ذلك الوقت كانت هناك جيوش من المهنيين المؤهلين للقيام بأعباء تلك المرحلة و تعضيد الديمقراطية و لكنهم أحبطوا عندما تم اختيار الأقزام لملء الوظائف الكبيرة والحساسة بسبب الولاءات السياسية. سار البلد متعثرا ومعتمدا على بركة الله وبلدا كهذا من الطبيعى أن يكون محضرا نفسيا لاستقبال أي انقلاب عسكري.

عند قدوم الإنقاذ لم يتغير شيئا بل زاد الطين بلة سياسة التطهير الواسع التي اعتمدتها ففرغت الخدمة المدنية من أهم كوادرها الفنية و الإدارية فزاد هذا من تدهور المرافق بالبلد وأصبحت الأقاليم في حالة وفاة اكلينكية من ناحية الخدمات. كما أن تحديد الأولويات كان واضحا بالنسبة للإنقاذ فالجهاد هو الهدف الأول وما عداه يصبح كالحديث عن الأشجار في زمن يموت فيه الناس كما قال بريخت واتخذت هذه كسياسة أمنية وإعلامية قمع بواسطتها الجميع: المعارض السياسي الصريح و المطالب بأبسط حقوق الحياة.

دعوني هنا أروى لكم هذه الحكاية ففي العام 2002 سعت الإنقاذ إلى إقامة ما أسمته مؤتمر خبراء السودان في الخارج وقالت أن الهدف منه الاستفادة من الخبرة المتقدمة التي اكتسبها هؤلاء السودانيين بالخارج و نقلها لدعم أنشطة الحكومةبالداخل ومنفعة أهل البلد. تم استدعائنا من قبل مجلس الجالية بأبوظبى و إبلاغنا بمطلب الحكومة وكان كل الموجودين من المهنيين و أغلبهم من المهندسين على وجه الخصوص. الهدف يبدو نبيلا لكن الذي يعرف الإنقاذ يعرف أن أعمالها تعنى بها أهدافا أخرى غير المعلنة.

لا أريد إطالة الحكاية ففي نهاية الأمر تم اختياري و الأخ عمر الدقير لكتابة ورقة الصرف الصحي و أمداد المياه الصالحة للشرب. أذكر أنه في بداية الاجتماع سجلنا أن و الأخ عمر الدقير تحفظنا على المشاركة وقلنا بوضوح أن الإنقاذ هي نفس الحكومة التي اعتقلت وفصلت من العمل كلينا للصالح العام فكيف تأتى بعد هذا الزمن وتريد الاستعانة بنا كخبراء؟

بعد المناقشة قلنا بوضوح أننا سوف نكتب الورقة لفائدة الشعب السوداني لو أرادت الحكومة تطبيق ما جاء فيها و لأننا نشك في أن الأمر مجرد مظاهرة إعلامية فقد أوضحنا منذ البداية رفضنا للذهاب للخرطوم لحضور المؤتمر رغم تكفل الحكومة بتذاكر السفر و الإقامة .

أتجزنا الورقة وتم اعتمادها من اللجنة و أرسلت للمؤتمر وكما توقعنا بقى كل شيء حبيس الأضابير فقد كان الهدف هو الضجة الإعلامية و ربما منفعة للذين أتوا بالفكرة ونفذوها. صرف المال واحضر الناس من أصقاع الدنيا وعلى حساب الشعب السوداني و الحصيلة صفر كبير. ما زالت البلاد تعانى و بالذات أقاليمها من تدنى الخدمات والانهيار المروع في صحة البيئة.

نرجع إلى أكتوبر من العام 1989 حيث كنا نقبع بين تلك الحيطان العالية لسجن بورسودان نمضى جل وقتنا فى القراءة للكتب التي كانت يمدنا بها بانتظام من السيد حمزة مكي مدني شقيق الدكتور أمين مكي مدني الذي بفضله تيسرت لنا الكثير من الأمور ولكن دعمه لنا بوسائل المعرفة كان أهم ما حدث لنا بسجن بورسودان في ذلك الوقت. المدهش أن حمزة مكي مدنى ظل على دعمه هذا حتى بعد ترحيل شقيقه للعلاج بالخرطوم في النصف الثاني من العام 1990 م ومن ثم إطلاق سراحه.

يتبع

Post: #125
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-13-2005, 12:56 PM
Parent: #1

أسمحوا لى ايهاالقراء الافاضل ان اوجه تحية خاصة للسيد حمزة مكى مدنى و قد أتصل بى بعض الأصدقاء من بورسودان موضحون أن دوره لم يكن مقتصرا فقط على مسألة الكتب. التحية لله و لشقيقه المناضل الوطنى الكبير أمين مكى مدنى.

Post: #126
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-15-2005, 01:41 AM
Parent: #1

بنهاية شهر أكتوبر 1989م كان الوقت يمر علينا بطريقة مملة ورتيبة. كل شئ كان قد انتظم داخل المعتقل لجنة " الكميون" تقوم بواجباتها على خير وجه. " المساجين" المخصصين لخدمتنا بقيادة بلال لا يوفرون جهدا كما كانوا مثالا في حسن الخلق و الأدب و المرء ليستغرب كيف ارتكب هؤلاء الجرائم المنسوبة إليهم فقد كان بينهم من حوكم بمدد طويلة بتهمة السرقة بالإكراه ( السرقة تحت تهديد السلاح). معظمهم كانوا من فئات اجتماعية مسحوقة واغلبهم لم يتلق تعليما نظاميا ومن تلقى منهم للمرحلة الابتدائية فقط. لا يحبون الحديث عما ارتكبوا من جرائم بعضهم يعتبرها قضاء وقدر وبعضهم كبلال يضحك حينما تسأله و يقول: "إنت والله يا هشام بتاع محن. حسع السيرة القديمة دى جايبة ليه؟" و استحلفه أن يحكى واحدة من مغامراته العجيبة مع البوليس فهو كان يحب السرقة الجريئة ولعل أجرأ سرقة قام بها حكاها لنا عندما أستـاذنا قائد السجن لكي يحضر بلال معنا أحد ليالى السمر الخميسية.

كان بلال ضيف شرف تلك الليلة بعد أن سمح له العميد حسين بعمل التمام المسائي فى قسمناو الرجوع لقسمه عندما نفرغ من السهرة.

"كنت وقتها مسجونا في السجن المحلى ببورسودان على ذمة قضية كسر دكان لتاجر كبير بسوق بالمدينة". بدأ بلال قصته بعد أن انتظم الجميع في شكل دائرة حوله. " راقبت الدكان جيدا حتى عرفت و حفظت عن ظهر قلب كل حركة حوله وعرفت خفيره وعاداته متى يصحو ومتى ينام وعرفت أنه يغرق في النوم قبل الفجر بحوالي ساعتين وهذا هو الوقت الذي نفذت فيه السرقة بكسر السقف والتدلي بحبل. بعد ذلك قمت بكسر الخزنة ووجدت الكثير من الأموال والذهب وأخذتهم بسرعة. عندما خرجت وجدت أن الخفير قد صحي بسبب الحركة التي حدثت في الدكان. لم أنتظر كثيرا و قفزت أمامه مباشرة صائحا صيحة كبيرة فى وجهه كزئير الأسد فخر صريعا على الأرض وأسلمت أنا ساقي للريح حاملا معي الغنيمة" ضحك الجميع عندما قلد بلال صيحته و حاكى طريقة انهيار الخفير ووقوعه على الأرض.

"طيب يا بلال قبضوك كيف؟" سأله السر باشاب مبتسما ويبدو أنه كان يعرف القصة فهو الأقرب لبلال بحكم عمله في لجنة الكميون. رد بلال: قائلا "والله إنت يا السر بتاع حركات ما تخلينا من قبضونى كيف دى". فقال السر باشاب "صاحبكم عمل فيها دون جوان شال القروش كلها وقعد مع حبيبتو في "تل أبيب" ( اسم حي في بورسودان ) وقام يوزع في القروش زى الإمبراطور علىالبنت وصاحباتها و أقام الحفلات والليالي الملاح فوصل الأمر للمخبرين وتم القبض عليه بسهولة جدا داخل غرفة النوم ". معقول ده يا بلال ؟ قالها د. أمين ضاحكا؟ رد بلال: " الفلوس دي يا دكتور نعمل بيها شنو ما قروش حرام بنستمتع بيها وخلاص"

قال له باشاب:" طيب تم الحكاية الأصلية" . واصل بلال قائلا: "بعد أسابيع هربت من السجن المحلى ولن أحكى عملية الهروب هذه لأنها سر لا أستطيع إطلاع أحد عليه. اختفيت في المدينة عدة شهور وأنا أخطط لسرقة جديدة أغيظ بها بوليس بورسودان فقد كنت غاضبا من القبض على بتلك الطريقة السهلة و المهينة. كان نميرى قد أعلن وقتها قوانين الشريعة وقام الجيش و البوليس بالاستيلاء على كل الخمور الموجودة بالمدينة وتم التخلص من بعضها على أن يتم التخلص من الباقي في وقت لاحق. وعلمت أن جزء من الخمور المستوردة مخزنة بمخزن سجن بورسودان العمومي، فخططت لسرقته وفعلا قمت بكسر المخزن و ملأت شوال كامل من " فتايل" الويسكى الصغيرة لسهولة حمله وهربت به " بعد أن قوطع بالضحك واصل بلال قائلا:" بعت الويسكى بسرعة فقد كان مطلوبا وسعره مرتفعا. هذه المرة غادرت بورسودان إلى الخرطوم ومن ثم إلى الدمازين" هنا تدخل السر باشاب قائلا: "و طبعا في الدمازين عمل فيها مغترب جاى من السعودية وديك يا نضارة الشمس البيرسول والولاعة الذهبية وعلبة البنسون الكبيرة وسكن مع إحداهن فصاحبنا قلبو رهيف. طبعا ذاع صيته فقد فعل مثل ما فعل بتل أبيب فوصل أمره للمباحث التي تحرت عنه و في النهاية تم القبض عليه بنفس الطريقة السابقة" ضحك الجميع. كانت ليلة ممتعة وكان بلال راويا جيدا تحس انه يعرف ما نمر به من ظروف فأراد بالفعل الترفيه عنا بقصصه المشوقة وقفشاته الذكية.

مسجون آخر من المجموعة التي كانت تخدمنا كان مميزا بدماثة خلقه وقلة كلامه وكان يقوم بغسل ملابس المعتقلين و يتقن عمله بإخلاص . كان يبلغ من العمر وقتها 18 عاما و عندما سألنا لماذا هو داخل السجن فى هذه السن أخبرنا بلال أنه مسجون لعدم قدرته لدفع الدية الناقصة فقد أصاب أحد الأشخاص بقضيب من الحديد بعد أن تحرش به هذا الشخص وحكم عليه القاضي بدفع الدية الناقصة بعد تقديرها بمبلغ وقدره 6 ألف جنيه سوداني(حوالي 500 دولار في ذلك الوقت). وقع هذا الحادث قبل 4 سنوات و كان عادل، وهذا أسمه، يبلغ من العمر 14 عاما وقتها وهذا ما أكده لنا عندما استدعيناه ذات يوم لسؤاله عن قصته. أوضح أنه منذ محاكمته وهو يقبع داخل السجن فلا هو ولا أهله الذين لا يجدون ما يأكلون يستطيعون دفع مثل هذا المبلغ. نبهنا الأستاذ الصادق الشامي المحامى أن في مثل هذه القضايا لا يتم إطلاق سراح المتهم إلا إذا دفع المبلغ المطلوب أو أن يعفى عنه خصمه. ومن المفترض في قضية عادل هذه أن تقوم الدولة بالدفع من أموال الزكاة باعتبار عادل معسرا و لا يستطيع الدفع ولكن هذا نادرا ما يحدث .

تعاطف الجميع مع عادل و تشاورا ما يمكن أن يقدموا له، لكن د. أمين مكى مدني و الأستاذ الصادق الشامي انتحيا جانبنا وتشاورا ثم أمرا عادل بالانصراف بعد أن أوضحا له أنهما سوف يناقشان قضيته مع مدير السجن.

الحقيقة أنهما قررا دفع مبلغ الدية مناصفة و من أموالها الخاصة و بتعاون كامل من العميد حسين مدني وصلت الأموال من الخرطوم وتم إطلاق سراح عادل وسط فرحة لا تتصورونها وكان عادل غير مصدق ما يحدث لهم وبكى من التأثر. كان ذلك اليوم يوما مشهودا في السجن فقد فرح الجميع لعادل ,اثنوا عليه وطلبوا منه محاولة بدأ حياة جديدة بما تبقى له من المبلغ المدفوع وهو مبلغ 1000 جنيه قصد بها د. أمين والأستاذ الصادق مساعدته على بدء هذه الحياة.

يتبع

Post: #127
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: Dia
Date: 11-15-2005, 02:15 AM
Parent: #126

الاخ هشام

لك التحايا . ما حدث ليس غريب على الاستاذ امين مكى مدنى فهو رجل قامة وقد التقيته عند حضوره الامارات فى منزل شقيقه وهو يحمل نفس الابتسامة والتفاؤل وهو يعمل كمستشار لحقوق الانسان فى الامم المتحدة ويتحدث عن الحرية وقيمها والجانب الكبير الذى اولاها اياها الاسلام دون ان يذكر شيئا عماحدث له وهو رجل يشع نبل وقيم.

عزيزى هشام ان من اشراقات الدكتور امين انه قد قام بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية وتحادث معهم حتى عمل على اطلاق سراح السودانيين المعتقلين فى لبنان بسبب دخولهم لبنان بصورة غير مشروعة من سوريا وكذلك عمل على اطلاق سراح من ارتكب منهم جناية صغرى وحصل على عفو حكومى لهم وتكفلت كنيسة النور بنقل هؤلاء الى السودان يوم تمنع الكثيرين من اهل السلطةومنهم شخصية نافذة لفظت الان الى الشارع العام بحجة ان هولاء كلهم معارضين بينما هم فى الحقيقة اناس بسطاء غلابى لاحول لهم ولا قوة . تكفلت كنيسة النور بتاجير طائرة خاصة لهم وتقديم عون رمزى لهم. حكى لى صديق كيف وانهم فى الطريق الى الطائرة كان الدكتور امين يحرص على السلام على كل فرد منهم ويقول لهم لا تخافوا انتم ماشين بلادكم وفى السودان كما يقول اهلنا ربنا ماشقى حنكا ضيعه فتاكدوا وحرص على السلام بالاحضان معهم ووقف فترة 6 ساعات حتى غادروا الى السودان وانفك اسرهم.

صديقى هذا عاد للسودان والان يقدم لاطروحته فى حقوق الانسان فى بلد اروبى كبير ومصصصم على اهدائها للدكتور امين مكى مدنى ويقول انه دخل لبنان من باب ذهابه للسياحة ووجد نفسه فى السجن بسبب مخالفة صغيرة وعليه دفع غرامة لايملكها ولولا الدكتور لبقى فى السجن الى الابد

Post: #128
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: كمال مبارك
Date: 11-15-2005, 10:48 AM
Parent: #127

الاخ / مهندس هشام

تحياتى ،،،، كنت متابعك بصمت ،، ودون تعليق ،، وحقيقه مرات التعليق

يفسيد لحظه ما عند المتابعه على العموم ما دعانى للافساد هذة المتابعه هو

حديثك عن الفترة الديمقراطيه وعدم مقدرتها لحل مشاكل المواطن السودانى هو

تسائل مشروع لكن المفروض أن يكون هنالك سؤال قبله وهو هل فترة الحكم فترة

كافيه لحل تراكم مشاكل المواطن السودانى الموروثه من العهد الدكتاتورى الذى

قبلها ؟

على فكرة كلا النظامين ( نميرى + الانقاذ) لهما نفس المبررات بعدم مقدرة النظام

الديمقراطى واحياناً يقولون حكومه الصادق على حل مشاكل المواطن ، دون النظر لفترة

الحكم أو الى تراكم المشاكل والوياتها، فى حين أن النميرى لم يتمكن من حل ولا مشكله

واحدة من مشاكل المواطن للاسف عمقها وزادها ، كذلك حكومه الانقاذ وهذه اضافه الى

مشاكل الاكل والشرب والعلاج والتعليم جعلت كل السودان عند مفترق طرق .

مجمل تعليقى يا اخى اتمنى ان لا نسوق لمبررات الانظمه الفاسدة التى تسطو على حريه

الشعب بدواعى حل مشكله المواطن السودانى المغلوب على أمرة .

Post: #129
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-15-2005, 03:07 PM
Parent: #1

الاخ ضياء

شكرا لك على ما اوردت بخصوص ما فعله امين مكى مدنى بحق السودانيين المحتجزين بلبنان. ود. امين من الشخصيات النادرة على مستوى النزاهة و الامانة و الشهامة فكما قلت ما يفعله خدمة للمواطن السودانى فى وقت تقاعست فيه الحكومة عن اوجب واجباتها ليس بغريب عليه. له التحية اينما حل فهو و امثاله من يعطينا القدرة على التفاؤل ان السودان بخير.

كمال المبارك

يبدو انك لا تعرفنى و لا تتابع ما اكتب. قولتى المشهورة وسط اصدقائى ان" اسوأ نظام ديمقراطى افضل من اى حكم ديكتاتورى" و لكننا يا أخى لا ندفن رؤوسنا فى الرمال. يجب علينا تفعيل النقد الذاتى مساهمة منا فى توضيح ما كان سببا فى وآد الديمقراطية بواسطة اعدائهاو لى عودة.

Post: #130
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-16-2005, 02:34 AM
Parent: #1

الأخ مبارك تحدث كما تحدث الكثيرون أن الديمقراطية لم تعطى فرصة لإثبات رجاحتها كما يقول السيد الصادق المهدى رئيس حزب الأمة و رئيس آخر حكومة منتخبة ولكن الناظر للأمر بعين من النقد المسئول لا بد له أن يعرف أن قصر المدة ليس وحده سببا. السبب الرئيسى هو تلكؤا الحكومات عن تحقيق انجازات بعينها كان يتوق لها الشعب السودانى. الشعب السودانى كان يريد حكومات قوية تسعى لتغيير واقعه بجدية ولكن أن تظل الحكومة الديمقراطية مدة ثلاثة سنوات محلك سر هذا ما لا يمكن قبوله. لهذا السبب عندما تقع الانقلابات العسكرية لا تجد الديمقراطية من يدافع عنها سوى الملتزين سياسيا.

Post: #131
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: charles deng
Date: 11-16-2005, 10:14 AM
Parent: #130

Dear Hisham,
I know Dr. Amin Maki. He was professor in the Law Faculty in Khartoum University in the seventies and friend. We worked together during the Intifida 1985. I do not think that if you have not met Dr. Amin, you will never meet a character so admirable and brave as him. I recently learned he has retired from the UN and is back to Khartoum. I wish him well from afar. If you have his electronic address, I will be thankful to have it.
Regards

Post: #132
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: خالد عويس
Date: 11-16-2005, 11:04 AM
Parent: #131

عزيزي هشام
لعل أكثر ما آلمني في تجربتك المحزنة حزن وطن بأكمله قولك:
[عند خروجي من المعتقل في العام مايو1991 وجدته معتل الصحة فقمت بإرساله لأخوتي بدولة الإمارات ولم أره ثانية حتى وفاته في يناير من العام 1992 و خلف هذا في جرحا لا يبرأ فقد كان لي العديد من المشاريع التي لم تكتمل معه].
مثل هذا البوست المكتوب بشكل دقيق، وبذاكرة لا تصدأ، يساعد كثيرا في إبقاء ذاكرتنا يقظة جدا. ويفتح الباب واسعا لكل الذين تجرعوا مرارات الظلم والإهانة على يدي الإسلاميين. أي بيت يا صديقي لم تؤذه الإنقاذ، وأية أسرة سلمت من البلوى. شكرا لك على هذا التوثيق المهم، فنحن نريد لأبنائنا أن يعرفوا "مهر الحرية"، ونريد لذاكرتنا ألا تنسى أبدا أبدا وجوه السجانين والقتلة. وربما يغريني سردك هذا على توثيق تجربة "تهديد علني بالقتل" من خلال بيانات وندوات، تعرضت لها في 1998 أثناء دراستي بجامعة الخرطوم، ودعوة كل سوداني وسودانية لتوثيق تجاربهم خلال حكم الإنقاذ.

Post: #133
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-16-2005, 11:40 PM
Parent: #1

شكرا الأخ شارلز دينق على الكلمات الجميلة بحق د. امين مكى مدنى وهو بالحق شخصية نادرة لا يختلف على حبها أثنان ولا يمكن لأمثال د. امين مكى مدنى أن يسجنوا إلا فى عهد مثل عهد الإنقاذ فهو يمثل نقيض لشخصياتهم التى فسدت و تقيحت من الداخل فتقيأت نتاج فسادها على الناس. للأسف لا اعرف عنوان د. امين ولكنى إعدك بالبحث عنه وإرساله لك بالمسنجر حال حصولى عليه.

الاخ خالد عويس

مرحب بك ضمن قراء ومتابعى هذا البوست و قد أعجبتنى كلماتك لأنك لمست الغرض الاساسى الذى من أجله كتبت هذا البوست.

لك الود والتحية

Post: #134
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-19-2005, 02:29 AM
Parent: #1

في أواخر شهر نوفمبر 1989 م بدأ التجمع النقابي في محاولة تنفيذ إضرابه التزاما بميثاق الدفاع عن الديمقراطية الذي وقعته كل الأحزاب السياسية، ما عدا حزب الجبهة الإسلامية القومية، في نفس ذلك العام. كنا في بورسودان معزولين بعض الشيء عن ما يحدث في الخرطوم ولولا قيام السلطات باعتقال عدد من النقابيين من أبناء بورسودان لما توفرت لنا أخبار دقيقة عن ما حدث و لا يزال يحدث في الخرطوم في ذلك الوقت.

شرفنا في المعتقل الدكتور أبوسن الجراح المشهور و الدكتور أبو حمد أبو آمنة و السيد كمال موسى الضابط الإداري و السيد عبد الرحمن الأمين موظف بأحدي شركات التأمين و أحد المناضلين التاريخيين ببورسودان.

رغم حزننا على اعتقالهم إلا وجودهم بث في المعتقل روح جديدة و عرفنا أخبار الحركة السياسية و الجماهيرية في الخارج و لأول مرة سمعنا عن عمليات التعذيب التي طالت المعتقلين و خاصة النقابيين الناشطين و صدم أذننا مصطلح جديد يدخل لأول مرة في تاريخ السياسة السودانية وهو مصطلح "بيوت الأشباح" . عرفنا بوجود معتقلات متعددة في أنحاء متفرقة من الخرطوم وأشهرها سئ السمعة المعتقل الذي أقيم في مقر نقابة المحامين السابق ومورس فيه التعذيب بصورة منظمة و بأساليب جهنمية ومبتكرة بواسطة أفراد قيل أنهم تلقوا تدريبا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية على فترات متقطعة قبل و بعد وقوع الانقلاب.

يحفظ التاريخ للحركة الإسلامية حق الريادة فى إنشاء هذه الامكنة المخصصة للممارسات القذرة ضد المعارضين من أبناء جلدتهم. بدأت معالم تلك الاستراتيجية التي رسمها الشيخ حسن بدقة تتضح في تلك الأيام وعانت الأسر السودانية ما عانت من ترويع و مصادرة الممتلكات و قطع الأرزاق. حاول الشيخ حسن فيما بعد تبرير هذه الحملات الشعواء ضد الإنسان بأنها كانت لازمة لمرحلة الشرعية الثورية ثم تنكر لها و قال أنها تمت بتعليمات آخرين و لم يكن يدرى بها ومهما كان فإن سيرة التعذيب التصقت بجسد الحركة الإسلامية و لن يستطيع كائن من كان أن يخلصها من هذا التاريخ الممعن في الشر و الشيطانية.

بالنسبة للشيخ حسن كان اختيار مقر نقابة المحامين السابق ليس من قبيل المصادفة و الموقع المناسب لذلك العقار الصغير فى قلب الخرطوم بل كان اختيارا تم بعناية وقصد به ضرب المعاني التي كانت تمثلها نقابة المحامين في ذلك الوقت و بسبب مواقفها الوطنية ودفاعها القوى عن الديمقراطية و حقوق الإنسان السوداني. كما إن هذه النقابة ظلت عصية على الأخوان المسلمين و لزمن طويل أفشل المحامون السودانيون محاولات الإسلاميين فىالسيطرة على نقابة المحاميين و ظلت شخصيات بارزة منهم كفتحي خليل المحامى عرضة للمرمطة و السقوط مرة تلو الأخرى. اختيار مقر النقابة كمكان لممارسات الانتهاكات الصارخة لحقوق الناس كان من قبيل الانتقام الشيطاني الذي لا يخرج إلا من نفس تجيد فعل كل ما يمكن أن يضر بالإنسان و حقه العادل في حياة كريمة و آمنة.

مع حضور معتقلي بورسودان استطعنا للمرة الأولى منذ مغادرتنا لكوبر الحصول على معلومات موثوقة عما يجرى بالخارج. وصلتنا وثائق مهمة صادرة عن مختلف الأحزاب و التنظيمات السياسية السودانية و ظلت هذه الصلة موجودة حتى بعد مغادرة هؤلاء للمعتقل.

الدكتور أبو محمد أبو آمنة وهو طبيب متخصص في طب الأطفال و واحد من الأطباء القلائل الذين تعتمد عليهم هذه المدينة في هذا المجال. عندما يتحدث تكاد لا تسمع صوته. بوجوده أطلعنا لأول مرة و عن قرب على الثقافة البجاوية و مميزاتها المدهشة عرفنا قبائلهم المختلفة و جزء غير يسير من تاريخ تلك المنطقة. عرفناأبطالهم الشعبيين، أغنياتهم طموحاتهم وآمالهم في الحياة. نعم هذا السودان قارة بديعة تضم العديد و الكثير من الثقافات المختلفة لكن هذا ليس عذرا لنا أن نكون بهذا الجهل بتاريخ و إنسان هذه المنطقة المهمة في السودان و غاية ما نعرفه عنهم هو أن بطلهم الأوحد هو عثمان دقنة و ما يبثه لنا تلفزيون السودان الكسيح باستمرار من رقصة السيف و الدرع السماة برقصة كسلا يؤديها بها أفراد من قبيلة الحلنقة. عندما تقترب أكثر وتعرف تحس بالخجل عن عدم المعرفة بهذا الشعب المظلوم و المهضومة حقوقه على تعاقب الحكومات. كما قال حميد : (حيكومات تجى وحيكومات تفوت.) والغبش التعانى و من ضمنهم بل وأحقهم بالذكر (كلات المواني) التي تتكون من أبناء البجة فقط و التي حملت على رأسها ميناء بورسودان. نعم هؤلاء الناس و الذين يعملون بدون كلل أو ملل حملوا على رؤوسهم و أظهرهم كل البضائع التي دخلت وتدخل السودان وفى النهاية لا يحصلون إلا على ما يسد الرمق.

حكى لنا دكتور أبو آمنة عن مرض السل الرئوي بهذه المنطقة وكيف أن نسبة تفوق ال 75% من السكان بما فيهم الأطفال مصابون بهذا المرض اللعين. الأمم المتحدة و المنظمات غير الحكومية تنشط في هذا المجال ولكن مجئ الإنقاذ والتي اعتبرت هذه المنظمات عدوة لها ساهم في تفاقم هذا المرض و الحكومة الجديدة لا يهمها وان مات البجة كلهم بل سوف يسعدها ذلك لأنها تكون وقتها تخلصت من معارضين أشداء.

قصة عجيبة سمعتها عند خروجي من المعتقل و السبب إن بطلها كان نجما من نجوم الإنقاذ و المسلوبة حقوقها هي قريبة لي تعمل مديرة لأحد المنظمات الإنسانية الأجنبية التي تحارب السل الرئوي في بورسودان و ما جاورها.

وصلت لهذه المديرة سيارة دفع رباعي مصنوعة بطريقة خاصة لتلائم تضاريس هذه المنطقة الصعبة بغية الوصول لأكبر عدد من الناس المستهدفين ببرنامج المنظمة. كان صلاح كرار وقتها عضوا في مجلس قيادة الثورة ورئيسا للجنة الاقتصادية و من ضمن جولاته ذهب للميناء للإطلاع والتأكد من نجاعة تشغيله( كما ذكر في التلفزيون وقتها). في زيارته هذه رأى عربة المديرة و أعجبته و سأل عن أصحابها و أجيب فما كان منه إلا أن أمر بمصادرة العربة و أرسالها للخرطوم و قام بتخصيصها لشخصه.

اضطرت قريبتي أن تسكت و اضطرت المنظمة لإرسال عربة أخرى ولكن هذه المرة بمواصفات أقل حتى لا تعجب أطهار اليد من حكامنا الجدد الذين قالوا أنهم جاءوا لإنقاذ البلد.

يتبع

Post: #135
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-20-2005, 01:51 AM
Parent: #1

أسمحوالى أيها الاخوة بإنتهاز هذه الفرصة لتحية الدكتور المناضل ابو محمد أبوآمنة وأنا لا أعرف اين هو الآن ولكنى أقرأ باستمرار مقالاته فى سودانايل. د. أبو آمنة يثبت أن ليس للنضال أنصاف طرق فالمناضل لا يصيبه التعب و لا تثنيه المصاعب و المحن.

Post: #136
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-22-2005, 02:46 AM
Parent: #1

ظلت أخبار الخرطوم تتواتر وهى تحمل بشارة المقاومة البطولية للنظام من قبل التجمع والقمع الوحشي و الشرس من قبل حكومة الإنقاذ. وسط هذا الجو المشحون استلمنانسخة من الميثاق الذي وقعته الأحزاب المعارضة والتجمع النقابي في نهاية أكتوبر من نفس العام إيذانا بتكوين التجمع الوطني الديمقراطي.

زاد من توتر الجو داخل المعتقل الأخبار التي وصلتنا من سجن سواكن عن الأوضاع الإنسانية المزرية التي يعيش فيها المعتقلون الذين رحلوا إلى هناك و قد كتب هؤلاء المعتقلين عدة شكاوى لسلطات السجون عن رداءة الأحوال الصحية و المعيشية داخل السجن و خاصة النقص الكبير في مياه الشرب. نتج عن هذا الوضع إصابة عدد من المعتقلين بأمراض مختلفة.

الصحيفتان اللتان كانت تصدران في تلك الأيام و كنا نحرص على مطالعتهما يوميا وهما صحيفتي الإنقاذ الوطني و السودان الحديث لأنه لا يوجد غيرهما، نقلتا إصابة الأستاذ كمال الجزولى بمرض الجرب ( الاستاذ كمال كان اصيب بحساسية جلدية وليس مرض الجرب كما ذكرت الصحيفة). وقد كتب الصحفي محمد طه محمد أحمد مقالا عن هذا الموضوع مستهجنا فيه الضغط الذي كانت تمارسه منظمات حقوق الإنسان العالمية و قال ما معناه إن مجرد أن كمال الجزولى حي حاليا أصيب بالجرب أو لم يصب فهذا كرم من حكومة الإنقاذ. والذي يعنيه محمد طه محمد أحمد أن الحكومة كانت كريمة باحتفاظها بمعتقلين كان من الممكن أن تصفيهم و لا يسألها أحد. وكنا نستغرب من هذه المقالات التي تحرض الدولة على معتقلين مدنيين يقبعون داخل السجون ولا يشكلون خطرا آنيا على النظام. كاتب آخر كان يمثل كل ما يعنيه التطرف من قبح وهو الكاتب اسحق فضل الله الذي كان يعمل فنيا بمصلحة الطرق والكباري وصار من كبار الكتاب بعد الإنقاذ. اسحق فضل الله هذا كان يكتب باستمرار محرضا الحكومة على الضرب بيد من حديد على معارضيها و يستغرب أيضا من اللين الذي تبديه الحكومة باحتفاظها بمعارضين في السجون. كانت هذه المقالات تقلقنا ولكنها في نفس الوقت تزيدنا تصميما و توحدنا داخل المعتقل في مجابهة أي خطر قد يأتي من الخارج.

تشاورنا ما بيننا حول موضوع معتقلي سواكن و قررنا تكليف ممثلينا لدى الإدارة بالاجتماع مع العميد حسين مدني قائد السجن لمحاولة التدخل عند سلطات سجن سواكن لتحسين ظروفهم داخل المعتقل أو ترحيلهم لسجن بورسودان. تم اللقاء وقد وعد العميد حسين خيرا حول هذا الموضوع الشئ الذى اشعرنا ببعض الارتياح.

حدث مهم لا بد من روايته ففي أحد الأيام ابلغنا العميد حسين أن حاكم الإقليم الشرقي اللواء يوسف بشير سراج سوف يزور المعتقلين صباح اليوم التالي و اللواء يوسف بشير سراج هو أبن عم الدكتور محمد عثمان سراج زميلنا في المعتقل. وكان اللواء يوسف قد عين حاكما للإقليم الشرقي في أعقاب إقصاء الحاكم العسكري الذي عينته الإنقاذ عقب استلامها للحكم. وكان سبب الإقصاء إن الحاكم صرف ببذخ على تأثيث بيته و منزله!!! و ارتفعت التهليلات حينها و لوكت شعارات طهارة اليد في كل وسائل الأعلام. الرجل الذي كان عسكريا مشهودا له بالكفاءة ولم يكن عضوا بالتنظيم تم اختياره بصورة اعتباطية من قبل العقول المدبرة الشريرة لكي يذبح أمام الجميع قربانا لطهارة مزعومة أثبتت القادمات من الأيام أنها أصلا كانت مفقودة.

السيد اللواء يوسف سراج كان قد حضر للسجن قبلها و طلب مقابلة الدكتور سراج في مكتب العميد ولكن الدكتور سراج رفض مقابلته و أرسل له رسالة مع العميد يقول فيها أنه يعتذر عن مقابلته بصورة فردية بسبب كونه حاكما يمثل النظام و أخبره أن أراد أن يقابله فيجب عليه مقابلة كل المعتقلين بقسم المعاملة الخاصة وقد كان.

دخل علينا حاكم الإقليم الشرقي وتحدث إلينا و استمع على ممثلنا الدكتور أمين مكي مدني الذي ابلغه رسالة شفهية للسلطات بإطلاق سراحنا فورا أو التحقيق معنا ومحاكمتنا إذا كانت هناك تهما محددة.

تحدث اللواء و قال أن ما يحدث لهو إجراء احترازي لحماية الثورة الوليدة و ضمان أمن البلاد و قال أنه قريب سوف يطلق سراحنا حالما تطمئن الدولة على استتباب الأمن.

الدكتور سراج لم يتحدث قط للحاكم بصورة شخصية بل كان جالسا ضمن المعتقلين و سلم على الحاكم كما سلمنا عليه وودعه كما ودعناه و كان هذا أمرا مدهشا بالنسبة للجميع و قد حاولنا حمل الدكتور سراج على الخروج معه ولقاءه منفردا وترك هذا التشدد فالرجل في النهاية أبن عمه وهو حسب ما قاله لنا د. سراج نفسه رجل مستقيم ومتدين و لكنه ليس عضوا في تنظيم الجبهة الإسلامية وإنما أختاره البشير لأسباب شخصية وربما عسكرية. باءت محاولاتنا بالفشل و رفض د. سراج رفضا قاطعا الخروج معه وقائلا: " طالما انه يلبس هذه البذلة العسكرية ويمثل النظام كحاكم لن التقى به شخصيا مطلقا."

يتبع

Post: #137
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 11-23-2005, 05:59 AM
Parent: #1

السيد اللواء يوسف بشير سراج استغنت عنه الانقاذ بسرعة بعد ذلك دون أن يعرف السبب وقد قيل له أن السبب هو تلك الزيارة ولكنى اعتقد أن السبب أن يوسف وغيره من غير المنتمين للتنظيم غستعملوا لدعم كذبة قومية الانقلاب وتمريرهاعلى الجيش السودانى وتم الاستغناء عنهم عندما تم تخطى هذه المرحلة. اللواء يوسف الآن يعمل كإمام لمسجد قرب داره و يقتات من ريع دجاج يربيه فى منزله.

Post: #138
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: أبوالزفت
Date: 12-07-2005, 06:02 AM
Parent: #1

ليك اسبوعين ان شاء الله المنانع خير

Post: #139
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 12-07-2005, 07:58 AM
Parent: #1

شكرا ابو الزفت على السؤال و الاهتمام

كل مافى الموضوع ضغط العمل كان كبير فى الاسبوعين اللى فاتو. شئ أخر شغلنى وهو موضوع التخلص من مياه مجارى محطة اللاماب فى النيل الابيض و كان لابد لى من اثارته و تنبيه الناس للخطر الداهم على ضحتهم.

اعدك بمواصلة الحكاية بدأ من الاثنين القادم لنو من بكرة ولغاية الاخد سوف اكون انشاء الله بدولة قطر.
لك التحية

Post: #140
Title: Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989
Author: هشام المجمر
Date: 12-14-2005, 01:44 AM
Parent: #1

عقب زيارة اللواء يوسف عاد المعتقل لإيقاع الحياة اليومي العادي. لكن بعد ايام من هذا الحدث تم اعتقال المزيد من أبناء بورسودان . كان الاعتقال هذه المرة يغلب عليه طابع العرقية. فجل المعتقلين الجدد كانوا من أبناء البجة وكان من ضمنهم آخر محافظي بورسودان في العهد الديمقراطي وكان يمثل الحزب الاتحادي الديمقراطي والذي كان له نفوذ واسع وسط أبناء القبائل البجاوية.

لم نستطع أن نعرف على نحو التحديد سبب اعتقالهم . إذ لم تكن هناك حركة واضحة في ذلك الوقت تنتظم هذه القبائل لمعارضة حكومة الإنقاذ ولكن يبدو ان الجو الذى كان مشحونا بالتوتر بسبب صدام الحكومة مع التجمع النقابي و شعور القابضين على السلطة بالخطر في ظل تنامي الجو العدائى بين الجماهير بسبب ذيوع سيط الانتهاكات المرعبة التي اقترفتها الأجهزة الأمنية بحق المدنيين المعارضين لنظام الحكم الجديد.

كان بعض هؤلاء المعتقلين ينتمي لبيوتات كبيرة وسط هذه القبائل ولكنك لا تحس عند الحديث معه عن رؤية واضحة أو فكر معارض قوى بل أن بعضهم كان يجأر للشكوى لاعتقاله بدون سبب و يعتبر أن ما تم كان بسبب وشاية قام بها بعض أعدائه. في نفس الوقت كان هناك العديد من شباب البجة الذين تحس وأنت تتحدث معهم بأن النار تأكل أحشاءهم و باستعدادهم لفعل أي شئ يخلصهم ويخلص الشعب السوداني من هؤلاء الحكام الظلمة.

بسبب زيادة عدد المعتقلين تم فتح الحوش المجاور لنا وهو حوش به جزأين منفصلين يحتوى كل جزء على غرفة كبيرة ولكن له مدخل واحد وليس به مطبخ فكان الطبخ يتم عندنا ثم ينادى على الحرس من الخارج لفتح الباب عند كل وجبة و فتحه مرة أخرى لإعادة الأواني وكان هذا مزعجا لنا وللحرس وللذين يخدمونا . سمح لنا العميد حسين بإبقاء الأبواب مفتوحة بين القسمين على مدار ال24 ساعة و كان هذا سببا في توطيد معرفتنا بالقادمين الجدد و مشاركتهم في كل البرامج التي نقيمها و ابرزها ندوة الثلاثاء الفكرية والأدبية وسهرة الخميس الترفيهية.

ساهم وجود هذا العدد الكبير من أبناء البجة بقبائلهم المختلفة في اقترابنا وتعرفنا أكثر بالثقافة البجاوية وخاصة الشعبية منها فما عرفناه من د. ابوآمنه كان سردا عاما للتاريخ البجاوى ولكن هؤلاء قدموا لنا فرصة لا تعوض في النظر بعمق للشعب البجاوى والحياة البجاوية الشعبية. في هذه الأيام تناولت للمرة الأولى لبن النوق والذي كان يأتينا من اسر هؤلاء المعتقلين كل صباح في ( بستلات) من الألمونيوم عقب حلبه مباشرة و يشرب هكذا دون أن يعرض للغلي بواسطة النار.

ليالي السمر الخميسية أصبحت ممتعة في وجود المعتقلين الجدد فقد أضافوا إليها زخما جديدا بدأ من القصص البجاوية مرورا بالغناء ووصولا للنكات والحكاوي الطريفة فالبجاويون يمتلكون حسا فكاهيا رفيعا كما لهم سرعة بديهة يحسدون عليها.

حادثتان حدثتا في تلكم الأيام و ظلتا مطبوعتين بل محفورتين في ذهني للآن :أولاهما منظر رأيته عندما خرجت ذات صباح مع السر باشاب لاستلام التفريدة اليومية من المتعهد. واستلام التفريدة، المواد الغذائية اليومية، يأخذ بعض الوقت نسبة لأن اغلب هذه المواد يتم وزنه بالميزان الكبير الموضوع فى وسط الحوش الخارجى قبل استلامه بواسطتنا.

في ذلك الصباح طلبت من السر باشاب مرافقته وخرجنا من الباب الكبير للسجن برفقة حرسن،السجان سانتينو. فجأة سمعنا خلفنا صراخ و عويل ورأيت مشهدا لم أكن أتوقع رؤيته في حياتي: عسكر السجن يجرجرون شيخا عجوزا بالقوة من داخل السجن إلى خارجه والشيخ يبكى ويصرخ رافضا الخروج. على صوت الصراخ جاء الضباط و أخذوا يتحدثون مع الرجل الذي ظل يبكى باستمرار وتم أخذه للمكتب لتهدئته و الحديث معه. سألنا حارسناسانتينو والذي كان قد ذهب لمساعدة الحرس الذين كانوا يجرون الرجل العجوز عن ماذا يحدث. قال لنا بلغته العربية المكسرة اللطيفة: "والله دنيا دي أجيبة . زول ده مرقو من سجن عشان مدة بتاعو انتهى بس هو ما داير يمشى".

" زول ده ليهو 16 سنة جوة السجن وكل الناس البعرفهم هنا. هو بيقول ما عندو أولاد وما عندو أهل و ما عند قروش وين يمشى ويأكل شنو وينوم وين؟"

في لحظات مثل هذه تحس بمدى ورطة هذا الوطن و ينتابك الحزن العميق لما آل له هذا الرجل الذي تجاوز سنه السبعين كما علمت من سانتينو لاحقا.

عندما حكينا هذه الحكاية بالداخل وتحمس المعتقلون لمد يد المساعدة له وجدناه قد ذهب لوجهة غير معروفة بعد أن أقنعه الضباط بعدم إمكانية إرجاعه للسجن وهو مطلق السراح و جمعوا له بعض المال فيما بينهم فأخذه وخرج.

يتبع