هل السودان دولة ذات سيادة؟ بقلم إسماعيل عبد الله

هل السودان دولة ذات سيادة؟ بقلم إسماعيل عبد الله


02-08-2020, 10:30 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1581197411&rn=0


Post: #1
Title: هل السودان دولة ذات سيادة؟ بقلم إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 02-08-2020, 10:30 PM

09:30 PM February, 08 2020

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-الامارات
مكتبتى
رابط مختصر




تم أختراق أراضي وأجواء دولتنا السودانية عدة مرات, في كل الحقب والحكومات المتعاقبة منذ استقلال البلاد, وما زلنا نستمع في اصغاء تام لمن يحدثنا باللفظ الغليظ والحديث الفخيم عن (سيادة الدولة), فالأراضي السودانية المحتلة من قبل مصر وأثيوبيا (حلايب والفشقة), والمنطقة المختلف والمتنازع حولها مع جنوب السودان (أبيي), لم تطرح الطرح اللذي يليق بها من قبل ساستنا و حكامنا في برامج وتصورات حكوماتهم السابقة و الحاضرة, بما فيها الحكومة الانتقالية الأخيرة, ففي سنوات سابقة انتهك طيران الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الأجواء السودانية, و قصف مباني الاذاعة والتلفزيون بامدرمان في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري, أما في عصر الاخوان المسلمين البائد فقد ضُرب مصنع الشفاء للأدوية بصواريخ كروز الامريكية وسط مدينة بحري, و روعت العاصمة الخرطوم والميناء الوطني بورتسودان بغارات جوية من (صديقتنا!!) اسرائيل, استهدفت مصنع اليرموك و قتلت أحد السماسرة المهربين للسلاح لدولة اسرائيل.
نأتي لننظر حول حقيقة استقلالية القرار السيادي من عدمها في ظل المسيرة الحديثة لحكومات الدولة السودانية, ففي حقبة الاستعمار البريطاني حدث حدثٌ غريب ومستهجن, قامت مجموعة مكونة من بعض رموز الادارات الاهلية و شيوخ الطرق الصوفية وزعامات الأحزاب الطائفية, بزيارة ملك بريطانيا العظمى لتقديم التهنئة في النصر اللذي حققته المملكة المتحدة في الحرب العالمية الثانية, فتنازل زعيم اكبر طائفة دينية و سياسية آنذاك عن سيف والده لملك بريطانيا, ذلك الوالد البطل السوداني الذي قاد أنجح ثورة تحرر وطني بأفريقيا والشرق الأوسط في نهايات القرن الثامن عشر, فذلك الموقف المخزي للإبن المتساهل اللذي تنازل عن سيف الأب الأسطورة والأيقونة اللتي فجرت ثورة التحرير الوطني السودانية, يعتبر أول تمهيد لإخضاع الارادة السياسية السودانية للأجنبي وبداية مؤسفة لتدجين دور بلادنا السيادي وتجييره لمصالح القوى العالمية.
لقد قالها سدنة النظام البائد (من لا يملك قوته لا يملك قراره) في مفتتح عهدهم الغيهب, لكنهم لم يثبتوا ولم يسيروا في طريق الاقتصاد الانتاجي اللذي تبنوا شعاره (نأكل مما نزرع و نلبس مما نصنع), ولم يحققوا الاكتفاء الذاتي في بلد زراعي من الدرجة الأولى, فتم لي ذراعهم بواسطة الامبريالية العالمية لما كسبت أيديهم من تطبيق أنموذج الدولة الدينية والإرهابية المتطرفة, وسط عالم يسيطر عليه القطب الليبرالي الأحادي, ودخلوا في دوامة من التخبط العشوائي لم يخرجوا منها الا بعد ذهاب مقاليد السلطة من بين أيديهم, أن تكون لك السيادة الكاملة على إرادتك السياسية ليس بالأمر السهل في مثل الوضعية الهشّة للدولة السودانية, التي تتقاذفها رياح الاختلاف والصراع الداخلي و أطماع القوى الاقليمية و الدولية.
فالأحزاب السودانية ذات الارتباطات الايدلوجية القطرية الوافدة, هي واحدة من العقبات الرئيسية الواقفة أمام تقدم مشروع تحقيق كينونة الدولة الوطنية ذات السيادة, لما لهذه الأحزاب من ولاء عقدي لهذه الأيدلوجيات القطرية اللتي تشربوا منها الأفكار الغريبة, وقد ظهرت سلبية الممارسة السياسية لهذه الأحزاب في ردود أفعالها حيال اللقاء المثير للجدل اللذي جمع البرهان بنتنياهو, فانتكست و رجعت لزمان حرب النكسة و دخلت في غيبوبة القومية العربية الناصرية, التي لم تجني منها الدولة السودانية غير الخراب و الدمار و التخلف.
لقد كفر بهذه المشاريع الوهمية خليفة جمال عبد الناصر (أنور السادات), فاستن سنة حسنة سار على هديها زعماء العرب, بعد اتفاقية كامب ديفيد اللتي أعقبها رفع العلم الازرق المرسوم عليه خاتم النبي سليمان, في عقر دار العاصمة المصرية فظل يخفق و يرفرف في سماء قاهرة المعز لدين الله الفاطمي إلى يومنا هذا, حينها اعترض العروبيون والمهووسون دينياً وقالوا هذا استسلام وذل وهوان, ودفع السادات حياته ثمناً لقراره الجريء و الشجاع اللذي وجد الاستحسان و القبول من غالبية الشعوب والحكومات العربية بعد أربعين عاماً من إغتياله.
لقد عكس حدث الساعة (لقاء رأس الدولة السودانية برئيس حكومة اسرائيل), حجم الخلاف و تفاصيل الاختلاف بين مكونات الحكم الانتقالي, تجمع مهنيين و قوى حرية وتغيير وشق مدني بالمجلس السيادي و عسكر في قمة هرم السيادة, ومجلس وزراء يقوده الدكتور عبد الله آدم حمدوك, الرجل الطيب اللذي وجد نفسه بين عشية و ضحاها يؤدي دور عوير الفيلم الهندي.
لكي تكون لنا السيادة على إرادتنا السياسية و على أراضينا في الفشقة و حلايب, لابد من تحقيق انسجام حقيقي بين مكونات الحكم الانتقالي, وضرورة اشراك حركات الكفاح المسلح في سلطة الحكم الانتقالي و استعجال تكوين برلمان الانتقال وتعيين الولاة, وعقد و ابرام الاتفاقيات التجارية قصيرة الأجل مع دول العالم و الاقليم دون ارتهان لتعقيدات الأيدلوجيا, وتغليب المنفعة المالية النقدية الصرفة دون اعتبار للهموم السياسية للعروبيين وبعيداً عن هوس الاسلام السياسي.

إسماعيل عبد الله
[email protected]