الشعوب وأزمة التجييش الوجداني بقلم ⁨يوسف نبيل فوزي

الشعوب وأزمة التجييش الوجداني بقلم ⁨يوسف نبيل فوزي


02-04-2020, 05:15 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1580832918&rn=0


Post: #1
Title: الشعوب وأزمة التجييش الوجداني بقلم ⁨يوسف نبيل فوزي
Author: د.يوسف نبيل
Date: 02-04-2020, 05:15 PM

04:15 PM February, 04 2020

سودانيز اون لاين
د.يوسف نبيل-السودان
مكتبتى
رابط مختصر





مما لا شك فيه بأن التاريخ كان ولا يزال يُدار ويكتب حسب مشيئة البعض بينما الآخر فهو متلقى يحفظ على ما يُلقى على مسامعه ولا يبحث عن حقيقة أصل الأشياء ، والسؤال يبقى دون أجابه: هل ما حُدثنا به كان صدقا أم أفكا منسوج تحت عباءة الفاعلون الحقيقيون في تشويه صورة التاريخ والواقع الحاضر أيضا !!؟

مما لا شك فيه أيضا بأن الشعوب العربية شعوب عاطفية ، دائما ما تُعالج الأشياء الموضوعية بصورة انفعالية ، ومنطقها الجدلي مبني على الهشاشة النفسية وليس على المنطق المنهجي الاستقرائي الاستقصائي الاستدلالي في تفسير التاريخ والواقع ، حتى أصبح كل ما يعنينا إرضاء مشاعر الآخرين تماشيا مع الانسياق الوجداني العبثي ، وليس ارضاءا لحجة الذات العقلانية ضمن صياغة العلاقة الوجودية في التكامل مع الطبيعة بل التماثل لطبيعة الآخرين حتى أصبح الكائن عبارة عن ذات بلا هوية نمضي وراء خرافة بدع الجاهليات القديمات ذات الأثر السلوكي الانطباعي "المختلق" زيفا وبهتانا وافكا.

كل ما يتم تفسيره و تداوله مؤخرا عبارة عن عملية شعبية واسعة لإرضاء الآخرين منا -ولن يرضوا مطلقا- وليس إرضاء لذاتنا العقلانية المنطقية حتى تشوه المضمون البحثي بين علائقنا مع الآخرين وأصبحنا "رميما" لا صوت له بلا رأي ولا شأن أو ذات تمثل حقيقة وجودنا .. ومن هنا انبثق التشوه العقلاني في فضاء تجاربه الإنسانية وعممها على الآخرين سنة وفريضة ، وأصبح يُرجع في تأويله كل حدث للوهم الانفعالى للصراع المتخيل بين العاطفة الفلسطينية غير المرضية والعقل غير المفهوم تركيبه ، لكن لو أمعنّا النظر وأيقنّا السمع لرأينا وسمعنا أحداث مخالفة لوجه نظرنا القديمة المبنية على رغبات وشهوات الآخرين ولما حدثت كل تلك الضجة حول جدلية استرضاء الشعور العربي.

لا يتفق الانفعال مع المنطق تحت أي ظرف وضمن أي تصنيف وفي ذات أي كينونة ، بل يظل الانفعال حبيسا لتوجسات صراع "قبلي" -قبل- قائم قبل مئات السنين ومنشده نحو الحنين إلى أشياء تربى الإنسان عليها وغُصِبَ على ممارستها والأسوأ معايشتها وفق منظوره الموروث "المفتعل" ، وهذا المنظور الموروث كراهية -ليس إرضاء للمنطق- المتكون والمتشكل لطبيعة ظروف حاضره ماثله أمامه لن ينسجم مطلقا الا بتفكيك الأجزاء وتركيبها وصياغتها مجددا ، فكيف لواقع حاضر أمامك يتم إرجاعه إلى بيّنات غير حقيقية تاريخية مفتعلة؟!!

لقد لعب الآخرون على وتر العاطفة وللأسف نجحوا في تجيش عواطف الآخرين معهم نحو قضية كانت ومازالت وستظل أحلام لتحقيق أهداف "قلة" يسعون دائما إلى تشويه التجانس الذي وضعه الله في قلوبنا (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم: إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يُبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون)

أما الآخرون دعاة الفتن وإثارة "حماس" غضب الشعوب (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) هذا هو مرض الرياء والنفاق والكذب يُضلون الناس عن الحقائق ، هم المنافقون ، لكن نفاق الشعوب أشد وطأة من نفاق المنافقين نفسه.

أما بما يخص تداول الموروثات على أنها مسلمات فهذا لا يثبت صدق أي من الطرفين ، فالكائن الوجودي أن لم يفكر بعقله منفصلا عن مشاعره -لحظيا- في اتخاذ قرارات خاصة به سيظل جليسا قانعا بأفكار الآخرون ، حبيسا مدافعا عن صراعاتهم بينما هو قابع في إستغلال منظوره المشاعري الوجداني القاصر عن إدراك الحقائق دون أن يدري فحوى مسايرة الآخرين في أهواءهم المَرضية.

فإن الارتباط بعلاقة -أثبت التاريخ فشلها مرارا وتكرارا- لا تستوجب زيادة الطين بلة ، أي تركيب مرادف مقابل للأطراف المرتبطة "مسبقا" مع بعضها وهي متجانسة داخليا مع بعضها ومتناقضة علنيا ، وعلى وجه الدقة فلن نصبح نحن معادلا لأي خاصية من خواص الكل الذي يحويه الطرفين ، لأن العلاقة القائمة بين طرفين تتكون في واقع الأمر من خصائص الطرفين كل على حدة ومن خصائص الكل الذي يحتويهما ، والحقيقة الأكيدة أنهما متخاصمين "علنا" ومتوافقين "سرا" ، أما دخول باقي شعوب الأرض ضمن طي تلك العلاقة فهي مسايرة مغلوطة وقصيرة الأفق أيضا. والأهم من ذلك كله ، أن كانت هناك علاقة بين طرفين ، جزءا منها علني والآخر سري فهذه دلالة كافية على تربّح كلا الطرفين من صراع قضيتهم الخاصة ، وكسب تجيش موازي من الآخرين كلا على طريقته في تسيير نزاعه المفتعل لإجبار الآخرين على الانسياق وراء كل فريق ، والخاسر الحقيقي ليس طرفي النزاع بل ذلك المنساق وراءهما.

على الإنسان "الحر" عدم الخوض في نزاعات الآخرين المربحة لهم والخاسرة لنا والساخرة من عقولنا ، وعدم اكسابهم شهرة ونفوذ وطني -وهو الأهم لهم- بل ومال مكتسب لهم ومخصوم منا ، فهذه خسارة تضاف علينا وعلى أوطاننا بل تضاف على حياة شعوبنا وحاضرها ومستقبلها ، والابشع من ذلك عمالتنا الخاسرة لأحد الطرفين بتجيش النزاع وانقاص حقوقهم الكونية.

لذلك يجب على الشعوب بناء واقعهم على الأحداث التي ترسم ملامح الحادثة الماثلة الواقعة أمامنا الآن ، وليس بناءا على تراكمات تخيلات الآخرين كيفما شاءوا زرعها في عقولنا بناء على نزعات ونذوات العاطفة المجازية التي تمتثل لواقع أهواء قلوبهم المريضة ، والقلب وما أدراك ما القلب هو ذلك الباطن المتقلب الذي لا يستقر له حال بل يزعزع أساسات استقرار أحوال باقي الأمم والشعوب.

فلو كان التاريخ رجلا لقتلته ، لكن كيف تقتل الواقع !؟ بقتلك لنفسك ! لن تستطيع ذلك أبدا .. انت من تختار الطريق وليس الآخرين لأن مصيرنا البائس ستدفع نحن ثمنه ولن يساعدنا الآخرين كما ساعدناهم ، والدليل واضح للعيان ، فعند انفصال جنوب السودان وسنين حربنا الطوال ، من ساعدنا ووقف بجانبا؟ لا توجد أجابه غير أنه لا يوجد أحد ، فؤلاء الذين يطلبون مساعدتنا لهم ، عليهم بالمثل مسبقا ، لكن تركونا في صراع اقتتل فيه أبناءنا بدم بارد ولم نجد لنا نصير ! والأغرب من ذلك ما زالوا يطلبون مساعدتنا رغم تقاعسهم المسبق في مساندتنا ولو شفاهة ولو كلام منطوق !

لقد اختار الطرفان المتنازعان حجة القوميات وبرعوا في تجيش الكائنات غير العقلانية مجازيا في تسيرهم وراء بؤسهم الذين اختاروه ، أما نحن فما شأننا بكل هذا الصخب غير المجدي؟ ما شأننا بالامتثال لهم ومسايرة قتالهم ؟

لقد جاهد المتنازعين واستقروا بإثبات الحقائق للآخرين دون إثبات ذلك لأنفسهم ، ولو امعنت النظر في هذا الموضوع كلية ، ستجد أنه بلا حقيقة حتى الآن ، كل الموضوع عبارة عن جدليات علائقية خاصة بينهما في كيفية رسم كل طرف طبيعة لشكل علائقه المزعومة.

ينتصر الزمان ويسقط الإنسان فريسة لجهل طغيان العاطفة وضعف بصيرة الذاكرة وانقياد الروح الى ما لم تكن عليه يوما واحدا وهي نزاع إفتراضي مغلوط موسوم بحجج مقدسة مبني على فرضيات واهية في قلوب جشع الطرفين.

لقد كانت وظلت حرب استنزاف مورديه وعلائقية ومشاعرية لم ينتصر فيها طرف على الحقيقة التي لن يستطيع طرفي النزاع إثبات أي من حقائقه المزعومة لأي الجانبين وللعالم أجمع. فالحقيقة أصبحت عاطفة وبذلك انتفى أصل الحقيقة ، لأن الحقيقة واقع ، مضمون عقلي ، نتاج فكري ، بينما العاطفيين يميلون إلى تصديق حقيقة مبنية على عاطفتهم الخاصة وليس بناءا على أرض واقع حقيقي وتاريخ فعلي ، وزمن مكاني وجودي ، وحدث وحادثه وحديث معلول ، بعيدا عن كل أدوات إثبات الإدراك المنطقية ، فالتجهم فى وجه الحقيقة لا يزيدها إلا بؤسا أما مسايرتها ومعرفة أركانها ومعالجة فرضياتها وإتباع فروضها هو الحل لكل ظروف بؤسنا الغامضة الراهنة الماثلة أمامنا الآن والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون …

يوسف نبيل فوزي

ملكية فكرية

4 فبراير 2020