في رحيل والدتنا العزيزة ماما لوجيه... بقلم عمر عبد الله محمد علي

في رحيل والدتنا العزيزة ماما لوجيه... بقلم عمر عبد الله محمد علي


01-12-2020, 09:08 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1578816517&rn=0


Post: #1
Title: في رحيل والدتنا العزيزة ماما لوجيه... بقلم عمر عبد الله محمد علي
Author: عمر عبد الله محمد علي
Date: 01-12-2020, 09:08 AM

08:08 AM January, 12 2020

سودانيز اون لاين
عمر عبد الله محمد علي-USA
مكتبتى
رابط مختصر




اسمها الأصلي اماريش قرمتهن منغستو كفلي، ولكن غلب عليها اسم "لوجيه"، وهو الاسم الذي اشتهرت به، واخبرتني بأنه اسم إيطالي، ثم تغير وخفف الاسم إلى لوجية.. ومؤخرا أصبح يطلقون عليها سكان الحي، اسم "الحاجة" خاصة بعد زيارتها لبيت الله الحرام.. أنا، واخوتي ونحن أطفال زغب، وجدناها امامنا.. بعد وفاة والدتنا المفاجئ، "سعاد حاج إبراهيم ابوعوف" عليها الرحمة والرضوان. فقد كانت "لوجيه" تمثل لنا الأم العزيزة المفقودة.

كانت الوالدة ماما لوجيه حلوة المعشر، كريمة، ومعطاءة، للأهل والجيران وحتى الغرباء.. من كرمها،
كانت توزع الفيتامينات التي يرسلها لها اولادها من الخارج. قالت لي الأستاذة الجليلة ماريا محمد موسى، "والله يا عمر، نحن بنستنا وصول الفيتامينات تجي لماما لوجيه، عشان توزع لينا".

وايضا، اذكر انها استضافت أسرة مولانا يوهانس يور اكول اجاوين، عندما كان يسكن حي المرابيع، كوستي. وكان على مولانا اجاوين الفائز بعضوية الجمعية التأسيسية أن يرحل إلى الخرطوم. فعرضت ماما لوجيه عليهم ان يتركوا اولادهم معها حتى نهاية العام الدراسي؛ فكان يذهب إيمانويل اجاوين مع ابنها عبدالرحمن إلى مدرسة كوستي الابتدائية رقم (٢)، ولقد اصبح ايمانويل اجاوين دبلوماسيا، فيما بعد.

الوالدة، ماما لوجيه، لم تفارقها سماحتها وطيبتها وروحها المرحة، حتى آخر يوم لرحيلها المر. فقد كانت تميزها لكنتها المحببة ووجهها البشوش لكل من يقابلها أو يتحدث معها. منذ زواجها من الوالد، الراحل العزيز عليه الرحمة والرضوان، عبد الله محمد علي في حوالي عام ١٩٥٩ من القرن الماضي، بعد وفاة الوالدة زوجته الأولى عليها الرحمة والرضوان.

هي لم تغادر حي المرابيع بمدينة كوستي إلا لفترات قليلة ثم ما تلبث أن تعود اليه.. كانت قد خلقت علاقات وطيدة ومتجذرة، مع نساء الحي واسرهم خاصة أصدقاء وصديقات ابناءها وبناتها. فقد كانت تعتبرهم، كأنهم أولادها، فكانت تغدق عليهم وعليهن كل المحبة والحنان، وتسعد غاية السعادة بهم، عن طريقها، فقد برتنا منذ وقت مبكر بالزقني والانجيراد والشرو وغيرهم من الاكلات الاثيو-ارترية؛ حتى في هجرتنا لحقتنا اكلاتها الشهية.....

في مرة من المرات، كانت تريد ان ترسل أحد اولادها للسوق لشراء ليمون. فلم تجده، فخرجت الى الشارع علها تجد أحد الاولاد وترسله. في الشارع صادفت الأخ الحبيب جلال مصطفى حسن، كابتن جلة، فنادته وقالت له، بلكنتها الحميمة “يا جي لال، جيبلي المون بقرش!!". والجملة تعني، "يا جلال جيب لي ليمون بقرش". هذه الجملة على الرغم من مرور قرابة الخمسين سنة عليها، إلا ان الكثيرين من أولاد حي المرابيع مازالوا يتذكرونها ويتندرون بها..

وايضا، في مرة من المرات احدى صديقات بناتها اخبرت ابنتها بأن والدتها ماما لوجبه لا تجيد التحدث بالعربية. فقالت الوالدة لبنتها، "قولي لبنت عثمان، أنا العربي ده حق امي ولا حق ابوي، ما كتر خيري كلامي ده بتفهمو"..

سافر أحد ابناءها إلى امريكا، واستطالت غيبته. فشفقت عليه فذهبت مع ابنتها إلى الشيخ البرعي، في الزريبة ليعطيها الفاتحة ويرد غربة ابنها الغائب. بعد الفاتحة، وتطمينها بعودة الغائب المنتظر، سألها شيخ البرعي، "ما اسمك؟" فقالت له، "لوجيه". فقال لها، "فالنسميك مكية!"

كانت الزيارة لمنزلها تسعد قلبها وتفرحه، وإذا قدمت من خارج مدينة كوستي، فالذبائح كانت في انتظاري. كنت دائما، امزح معها واذكر مرة قلت لها، "يا ماما لوجيه، ياخي انت قريبك ده، ما خلاس كورتو فكت، ما يبطل الكنكشة دي!" وانا اقصد اسياس افورقي. الرئيس الارتيري. فترد وتقول، لي، "هوي، يا ولد، ده جاب لينا الاستقلال"!

كانت الوالدة ماما لوجيه، مسؤولة المال للجبهة الشعبية الإرترية، قطاع كوستي وكنانة. فكانت تجمع المال والتبرعات من مجتمع الارتريين.. زارت اسمرا عدة مرات قبل الاستقلال، وبعد الاستقلال اصطحبت اولادها مرتين، لتعريفهم على اهلهم وعلى وطنهم الثاني... في إحدى زيارتها لأولادها في امريكا، شاهدتهم، وهم بخرجون للعمل قبل طلوع الشمس ثم العودة إلى البيت بعد غروبها. فقالت لهم، "وهو انتو القروش دي، بتجيبوها كده، والله تاني ما اقول ليكم رسلوا القروش"..

مرة، قلت لها، "تعرفي يا ماما لوجبه، في بعض علماء الدين قالوا الزول لو غير دينو يجب قتله". فردت بغضب ظاهر، "أجي، الزول مش على كيفو؟".. كذلك، اذكر جيدا وأنا في ميعة الصبا، أن أجرت عجلة لأخذ عمود الغداء للدكان. فسقطت بالعجلة وتناثر العمود، لأني لا اعرف قيادة العجلة! فنجوت من علقة الوالد بفضلها...

في رحلتها الأخيرة للخرطوم طلبا للعلاج، لم تتجاوب مع الممرضات اللواتي كن يردن وضع الدرب لها. فرفضت. وعند سؤالها من قبل أسرتها، ولماذا اتيت إلى هذا المستوصف إذن؟ اجابتهم، أنا جيت لا تفرج وبس.

ونحن أطفال كنا نسمع معها الراديو في الأمسيات وهي تدير المؤشر نحو اذاعة اثيوبيا. فنستمع إلى اغاني اثيوبية حزينة بالربابة، مليئة بالشوق، والحنين والشجن، فكانت تترجم وتشرح لنا، وهي في سعادة غامرة وحب ممزوج بالتشوق والاثارة عن ماذا تتحدث تلك الأغنية.

في يوم السبت الموافق ٢٨ ديسمبر ٢٠١٩ اسلمت الوالدة العزيزة ماما لوجيه الروح الى بارئها، بعد معاناة امتدت لفترة مع المرض. ألا رحم الله فقيدتنا العزيزة ماما لوجيه، واسكنها مع الصديقين والاخيار. فقد تركت ذكرى عطرة، ستبقى خالدة لأسرتها ومحبيها، وعارفي فضلها. بعد أن ادت أمانتها ومهمتها على أكمل وجه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (وانا لله وإنا اليه راجعون)..

أول يناير ٢٠٢٠
مونتري، كاليفورنيا