المرحلة الحرجة من عمر الثورة بقلم محمد صالح رزق الله

المرحلة الحرجة من عمر الثورة بقلم محمد صالح رزق الله


10-28-2019, 10:49 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1572299367&rn=0


Post: #1
Title: المرحلة الحرجة من عمر الثورة بقلم محمد صالح رزق الله
Author: محمد صالح رزق الله
Date: 10-28-2019, 10:49 PM

10:49 PM October, 28 2019

سودانيز اون لاين
محمد صالح رزق الله-بريطانيا
مكتبتى
رابط مختصر





الراهن والمشهد السياسي السوداني بات محيرا لكثير من المتابعين والمراقبين و المحللين السياسين ومن لهم مصالح استراتيجية في هذه البقعة الجغرافية ذات الخصوصية الافروعربية بحكم الموقع و إمكانياتها الاقتصادية المستقبلية .
و عند الاقتراب اللصيق لما يدور في الساحة السياسية ، نري أن الواقع الثوري أفرز ثلاثة مكونات رئيسية / قوي الحرية والتغير / اللجنة الأمنية والتي استبدل اسمها إلى المجلس العسكري الانتقالي ثم أصبحت نصف مجلس السيادة / لجان المقاومة ولجان الأحياء . و كل منها يستمد شرعيته من الشرعية الثورية . و لكي نفهم الوضع بصورة أفضل يحتم علينا أن نتناول كل كتلة علي حدى .

١/: كتلة قوى الحرية والتغير :

تضم هذا الكتلة مكونات عدة علي رأسها الحكومة الانتقالية برئاسة حمدوك ، نداء السودان ، تجمع الداخل ، تجمع المهنيين و آخرين . و هؤلاء من تبنوا قيادة الثورة والثوار ، و نسبة لاخطائهم المحسوبة من بعضهم ادخلوا البلاد فهذا الوضع الشائك المظلم . و لم تكن تلك الأخطاء عبثية و غير مقصودة لغالبيتهم . فاختلاف المكونات الاسياسية لهذه الكتلة في البرامج والأهداف جعل من الطبيعي أن تتقاطع المصالح ، فكانت التجاذبات من أجل المصالح هي العامل الأساسي الذي أدى لمحاولة إجهاض الثورة و إعاقة طريقها . فكتلة نداء السودان وعلي رأسها (حزب الأمة القومي و حزب المؤتمر السوداني وملحقاتهما من انتهازي الحراكات المسلحة الذين ملوا مشقات الكفاح المسلح ) ، لديها مشروعها الغير مخفي علي احد ، وهو الهبوط الناعم ، أي التفاوض مع نظام الانقاذ و الوصول الي شراكة معه . مجموعة قوي الداخل و علي رأسها الحزب الشيوعي السوداني تنادي بإسقاط النظام و تفتيت دولة التمكين . تجمع المهنيين كان هو الأقرب لوجدان الشارع الثوري وتبني شعارات الثورة حتي الأيام الأخيرة قبل فض اعتصام القيادة العامة ، لكنه كانت تعصف به خلافات غير مرئية و بحكم منشئه النقابي سهل اختراقه من الأحزاب والبيوتات صاحبة النفوذ ، فجنح نفر منه نحو المصالح الذاتية و الأسرية . و تمخض عن تناقضات هذه الكتلة بما يمكننا وصفها (بالعصابة) تهافتت في السر والعلن للتحاور و التنسيق مع النظام قبل سقوط رأسة في الحادى عشر من ابريل ٢٠١٩ وبعد سقوطه و نتج عن ذلك تفاهمات ، أضرت بالثورة و ساهمت في حدوث مجزرة فض الاعتصام أمام القيادة العامة بتاريخ ٣/٦/٢٠١٩ فى خواتم شهر رمضان ، كذلك دخول دولة السعودية والإمارات علي الخط ، و شرعنة اللجنة الأمنية لنظام الانقاذ ، و مليشيات الحنجويد . كما تجرأ مني مناوي لمصافحة جزار دارفور ، النيل الأزرق ، جنوب كردفان و متهم مجزرة القيادة العامة زعيم مليشيا الحنجويد في لقاء جمعهم في دولة تشاد مستقويا بوعود دولة الإمارات له اذا ما نفذ شروطها بالاعتراف و دعم المجلس العسكري . وفتح الباب علي مصرعية لتغلغل الثورة المضادة في عمق مكونات الثورة ، و التلاعب علي مطالبها والقفز عليها واحدة تلو الاخري ، والخداع والدجل والنفاق و استغفال جماهير الشعوب السودانية ، وتخديرها بشعارات باهته سرعان ما تكشفت حقيقتها وبان لقوى الثورة ان الوضع ينذر بالخطر
علي الثورة و مسيرتها .

٢/كتلة اللجنة الأمنية (المجلس العسكرى الانتقالي) :

هى واجهة للنظام السابق (المؤتمر الوطني ) وحليفتة الحركة الإسلامية و مليشياتهما وتوابعها من أحزاب (الفكة ) . و هى ذات النفوذ الأوسع بحيث تسيطر علي كل الاجهزة الامنية ، الجيش ، مليشيات الاسلامين و الدعم السريع (الجنجويد) . كما تحكم سيطرتها شبه الكاملة علي أجهزة الإعلام و قطاع الاتصالات . و تحت تصرفها هيئات اقتصادية ضخمة خارج سيطرة حكومة المرحلة الانتقالية .
وتعمل علي حماية بقايا النظام البائد و مؤسساتهم الاقتصادية والسياسية و كانت الغطاء الذي وفر فرص الهروب لبعض رموز النظام السابق وأعوانه . و تتصرف كحكومة موازية ، تحركها أيادي النظام السابق لاضعاف الحكومة الانتقالية و اظهار عجزها و محدودية قدراتها علي مواجهة الواقع السياسي ، الاقتصادي والأمني . وتحافظ علي علاقات النظام السابق في الداخل والخارج واتفاقياتة الموقعة علي المستوي الأمني والاقتصادي . يعينها في ذلك دولة التمكين التي لم تطالها يد التطهير إلي الان ، و تمارس دورا تنفيذيا خدميا من خلال قوات الدعم السريع ، لتاليب المواطنين ضد حكومة حمدوك و التمهيد لسحب البساط من تحت قدميها و انهيارها . الانكى والأمر سعيها لتصفية القوات المسلحة و إحلال الدعم السريع المدعوم بوحدة العمليات من جهاز الأمن الوطني ، كتائب الظل و مليشيات الاسلامين بديل لها . وتمارس نفس نهج ومنهج نظام الانقاذ علي الصعيد الأمني حيث ما يزال القتل ، حرق القري و الاغتصاب مستمرا في دارفور و جنوب كردفان . و سياسة تمزيق النسيج الاجتماعي كما حدث مؤخرا في بورتسودان بين النوبة والبجا .

٣/كتلة لجان المقاومة والاحياء:

قلب الثورة النابض و حاضنتها الاجتماعية و صاحبة المصلحة الأساسية فى ان تبلغ الثورة غاياتها و تحقق مطالبها وشعاراتها . هي التى دفعت التضحيات الغالية فى سبيل إنجاح الثورة . صانعة المتاريس و القائمة علي حراستها و بها ارهقت أجهزة النظام ومليشياتة و أجبرت النظام علي الاستسلام و الانكسار أمام صمودها و جسارتها . سطرت صوره ناصعة للنضال السلمي المنضبط أجبر العالم كله للوقوف أمامها والإشادة بها . هي الجيل الراكب رأس مبدع شعارات الثورة الصادقة ( تسقط بس ، أى كوز ندوسوا دوس ، الدم قصاد الدم ما بنقيل الدية ، حرية سلام و عدالة مدنية خيار الشعب ......و...و ) . لمعت تجمع المهنيين ، و فوضوته لقيادة مسيرة الثورة بعد ظهوره للعلن بعد عدة شهور من استمرار الزخم الثوري ، و كانت تلك خطوة ذكية موفقة خلقت هيئة تنسقية لكل لجان الثورة علي كافة بقاع السودان . و كانت العلاقة بينهما تسير على ثقة عالية تطابقت فيها الآراء والأهداف ، إلي أن دخل عليهم الهدام (قحت) الذى تمت صناعته علي يد تجمع المهنيين بحسن نية لتوسيع ماعون الثورة وتكوين أكبر تجمع ايئتلافى تشهده الساحة السياسية السودانية علي الاطلاق ، تفاديا لأى ثغرة ينفذ من خلالها النظام و يجهض الثورة . و قد ظلت تؤكد في عدة مرات قدرتها علي تحريك الشارع ، كل ما داهم الثورة خطر ما . وبذلك أضحت الطرف الذي بإمكانه الاستغناء عن الكتلتين الأخيرتين ، و القادر علي قلب المعادلة بين ليلة وضحاها . كانت علاقتهم مع تجمع المهنيين تمتاز بأنها شراكة حقيقية إلي أن ظهر إعلان الحرية والتغير (الهدام ) و نتيجة للممارسات الملتوية التي قامت بها العصابة التى خرجت من رحم أحزاب قحت ، وتدخلاتها السافرة لفرض توجهاتها ، قناعاتها و أجندتها التي تتنافي مع مشروع الثورة برمته ، و سعيها الي إرجاع البلد الي المربع الأول بخلق إنقاذ رقم ٢ . و حصر الثورة في نطاق الطائفية ، الجهوية و المحاصصة الحزبية . من هنا تضعضعت الثقة بين تجمع المهنيين ولجان المقاومة والاحياء . و حاولت أحزاب قحت اختراق لجان المقاومة والاحياء وشرائها بالمال و الوعد بالمناصب . وحينما استعصى علي أحزاب قحت ذلك ، سعت لتكوين لجان موازية تتبع لها . وهذا عمق الشقة بينهما . وبرزت في تجمع المهنيين أصوات من داخلة تدين تصرفات بعض قياداتة التي توآمت مع عصابة قحت و استغلت صفتها في التجمع لتمرير أجندة قحت الساعية لبيع الثورة لعسكر الانقاذ والقوي الطائفية والانتهازين الذين استقلوا قطار الثورة لتحقيق رغباتهم الشخصية . وصل حد ان طالبت بعض المنظمات المنضوية تحت لواء تجمع المهنيين بفصل بعض هذه القيادات الانتهازية . و كل يوم يمر تزداد الغربة بين قحت ولجان المقاومة والاحياء . ونتوقع أن تصل قريبا مرحلة الخصام و فض الشراكة التي أصبحت تكاليفها باهظة الثمن بالنسبة للجان المقاومة والاحياء بحيث الثمن المعروض هو إجهاض الثورة .
وبعد سردنا المتواضع هذا نتوقع أن لا يستمر الحال هكذا . ستحدث تطورات كنتيجة حتمية للصراع المحتدم بين هذه الكتل المتنافرة . الكل يعمل علي حسم الصراع لصالحة . و لكن حظوظ كل كتلة تتفاوت عن الاخري . العسكر مع حلفائهم القدامى والجدد يبدون من الظاهر هم أكثر تنظيما وديناميكية و اوفر حظا للفوز بالغنيمة .ولكن دون ذلك عوائق ومصاعب جمة ، أولها العامل الخارجى الذى يراقب الوضع السودانى عن كثب ، و لن يعترف بحكومة عسكرية إذا ما استولوا علي السلطة . ثم هنالك عدم ثقة بين مكونيه الرئيسين ، مليشيا الحنجويد (الدعم السريع ) و عسكر المؤتمر الوطنى والأجهزة الأمنية التابعة لهم . فحميدتي أصبح طموحه أكبر و أوسع مما كان مرسوم له من دور ، و يجتهد في تلميع نفسه و بناء تحالفات مع الإدارات الأهلية وبعض الحركات المسلحة ، و إغراء بعض النخب والمثقفين بالمال المتوفر لديه من عدة مصادر داخليا وخارجيا و المناصب ، ولا يخفى طمعه للوصول الي أعلى القمة كيفما اتفق . بالإضافة للمتبقي من الجيش والذي همش إلي أبعد الحدود وتم استفزازه و الطعن في شرفه العسكري بتنصيب أفراد المليشيات في رتب لا يستحقونها و تجعلهم مترئيسين علي ضباطه المؤهلين ، فهو في قلته و ضعف حيلته يكظم غيظه ، ولا أحد يدرى كيف يتصرفون أفراده إذا ما حاول طرف من الأطراف عسكر المؤتمر الوطنى أو مليشيا الجنجويد القضاء علي الاخر والسيطرة علي زمام الامر في الوطن . كل واحدة مما ذكرنا تجعل فرص هذه الكتلة محفوفة بالمخاطر.
قحت (إعلان الحرية والتغير ) هو صاحب أضعف الحظوظ ، إلا أن يلجى إلي ما قال به أمام ( بوخة المرقة) مهندس الهبوط الناعم الصادق المهدي ، بالدعوة إلي انتخابات مبكرة ، وهذا يحتاج الي عمل شاق لاستمالة عسكر المؤتمر الوطني و زعيم الجنجويد ، وحتي ان نجحوا في ذلك لن يستطيعوا إقناع بعض قوي الداخل و لجان المقاومة و الأحياء ، والوطنين المستقلين والقوي الثورية المدنية والمسلحة التي لم تدخل حلبة المعركة بعد.
السيناريو الأكثر تطابقا مع الواقع والمنطق ما يزال بجانب لجان المقاومة والاحياء . لما تملك من مقومات و قوة مجربة ، فالشارع شبه طوع بنانها ، وبعض قيادات تجمع المهنيين علي نفس العهد القديم في العلاقة معها ، وكل شباب الثورة يؤيدها ومستعد للاصتفاف جانبها ، وكل قوي التغير الجذري والقوة الثورية الحقيقة المدنية والمسلحة تنظر لها علي انهما في خندق واحد . و قطاع عريض من سكان الهامش ، و معسكرات النزوح واللجوء ، وقاطنى أطراف المدن و سكان الكنابى في كل ولايات السودان هم رصيدها .فيجب عليها رص صفوفها وتكثيف اتصالاتها و تواصلها مع كل هؤلاء ، وتفعيل و تنشيط الثورة و اعادتها إلي مجراها الصحيح ، فإن فعلت ذلك ليس هنالك قوة في السودان ومهما كان حجمها وقوتها بقادره علي ان تعترض طريقها ، و إلا أصبح مصيرها مصير المؤتمر الوطني و دولتة دولة الحروب ، القتل ، اللصوصية ، الظلم ، الفساد وتقطيع اوصال الوطن وبيع كل ثرواتة ، و تخريب كل بنياته الأساسية و تمزيق نسيجه الاجتماعي. وهذا مصير لا تتمناه اي قوى علي الساحة السودانية في هذا الوقت بالتحديد.
المستقبل في يد كتلة لجان المقاومة والاحياء و حلفائهم المبدئين إذا نجحوا فى الوصول إليهم و إقناعهم بمواصلة مسيرة الثورة الي ان تنجز أهدافها وغاياتها النبيلة ، و بناء السودان الجديد الذى يسع الجميع و يحلم به كل اهل السودان .

محمد صالح رزق الله
28/10/2019