عرقلة الموظف لمصالح المواطن..الجرح والحل.. بقلم د.أمل الكردفاني

عرقلة الموظف لمصالح المواطن..الجرح والحل.. بقلم د.أمل الكردفاني


10-02-2019, 00:37 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1569973078&rn=0


Post: #1
Title: عرقلة الموظف لمصالح المواطن..الجرح والحل.. بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 10-02-2019, 00:37 AM

00:37 AM October, 01 2019

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




في السودان من السهل جدا أن تجد أجنبيا حصل على أوراق رسمية من شهادة ميلاد وجنسية وجواز ورقم وطني ووظيفة ؛ في حين أنت كمواطن أصيل يمكن أن يعرقل موظف صغير حصولك على أبسط حقوقك لأي سبب كان ؛ سواء لأسباب عنصرية أو ليحصل على رشوة أو لوجود مشاكل شخصية بينك وبينه. وفي الغالب الأعم يسعى المواطن للالتفاف حول الموظف بطرق مختلفة من ضمنها الواسطة الأعلى.
وفي الوقت الذي يهز الموظف وخاصة لو كان شرطيا رأسه ويطرح لك شفاهة سببا غير منطقي لعدم اكمال اجراءاتك فهو نفسه وأمام عينيك يقوم بذات الإجراء لشخص آخر وهو يطلق ابتسامات صفراء تأكيدا على تعنته ضدك واستغلاله لسلطته.
إن أغلب المواطنين يعرفون أن تصرف الموظف غير صحيح أو أن هذا التصرف لا يطبق على الكافة ، ومع ذلك يفضلون حل مشاكلهم بهدوء بطرق التفافية كسبا للوقت.
يمكنك أن تقدم بطاقتك فيقول لك الموظف:
- كيف أتأكد أن هذه الوثيقة خاصة بك؟
وهو سؤال يحير الانسان العادي ، رغم أنه سؤال مناف للمبادئ القانونية.
فمثلا هناك مبدأ مقنن بأنه يفترض في أي عمل من أعمال الحكومة الصحة حتى يثبت العكس. وعليه فإن تقديم المواطن لمحرر رسمي يعتبر صحيحا ولا يجوز للموظف الامتناع عن قبوله إلا بالطعن فيه بالتزوير. بالتأكيد لا يقوم الموظف وهو في سبيل عرقلته للمواطن بتدوين سبب امتناعه عن أداء الخدمة للمستفيد مكتفيا بالتبرير الشفوي ، حتى يحمي نفسه من المساءلة وحتى لا يمنحك كمواطن دليلا يمكنك أن تتوجه به إلى القضاء. وهكذا يتركك الموظف حائرا بلا قدرة على عمل شيء. يكتفي الموظف بهز رأسه ولي شفتيه ويمد لك بأوراقك ثم يمثل الانشغال بعمل آخر.
في أقسام الشرطة يمكن القبض عليك ثم يختفي المتحري ليوم كامل دون أي تحر للضغط عليك. والنيابات لا تقوم بدورها في ضبط الرقابة على أعمال الشرطة. وفي احيان كثيرة لا تقوم الشرطة القضائية بإعلان الخصم أو الشاكي أو الشهود متعللة بأسباب مثيرة للسخرية. في إحدى القضايا تعللوا لي بأن (الموتر) أي الدراجة النارية معطلة... وأترك لكم تخيل أن إعلانات دعاوى تتعلق بحقوق المواطنين وبعضهم مساجين يتم التعامل معها بهذه الطريقة اللا إكتراثية بل والفوضوية... (ياخي أجر ركشة وأمشي وزع الاعلانات وخلاص).
طبعا الأمثلة التي تسد النفس وتثير الغثيان كثيرة ولا شك أن كل مواطن عاش شهرا في هذا البلد قد واجه مثل اولئك الموظفين على كثرتهم.
يفضل المواطنون عدم تصعيد الأمر للقضاء (طبعا الجهات العليا تتواطأ مع الموظف واللجوء إليها مضيعة وقت) ، أما القضاء فناهيك عن جرجرته وإجراءاته الطويلة فلن يستطيع تجاوز عقم بيروقراطيته حتى تضيع مصلحة المواطن وتفقد قيمتها.
ولذلك فما الحل؟
لا يمكننا أن نختلق حلولا في ظل فساد متأصل في أدمغة البشر ؛ فهذا الموظف ليس قادما من كوكب المريخ بل هو يعتبر ممثلا للعقل الجمعي للمواطنين.
في السفارة السودانية بإحدى الدول وجدت مثل هذه التصرفات ضد عرقيات معينة ، يتم عرقلة كل اجراءاتها بحجج واهية ، ويمكنك أنت نفسك أن تواجه ذات المشكلة مع أي موظف آخر. ومن المعتاد أن تجد مواطنا آخر يجري اتصالا وهو جالس إلى الموظف ثم يمد بهاتفه للموظف الذي يعرف أن هذا المواطن لديه واسطة فيقضي له أمره في الوقت الذي يركنك أنت على الرف.
لا حساب..
لا عقاب..
لا رد مكتوب...
لا إمكانية للشكوى التي تعطيك حلا عاجلا..
لا مساواة أمام القانون ..
لا معاملة بالمثل...
لا مؤسسات ولا قانون..
وهذا طبيعي جدا بل أصبح جزءا من واقعنا الثقافي...
بدلا عن أن يحدثنا بعض الوزراء الجدد عن العلمانية والملائكية كان من المفترض أن يحدثونا عن برامج مقترحة لعلاج لتلك الأزمة المتجزرة في القطاع العام. لكنهم مهتمون أكثر بالمناظر مثل انشاء فريق كرة قدم شبه نسائي أو ارتداء بدلات تركية.
تتعمق الأزمة مع وزراء لا رابط لهم بواقع الدولة ، ولا يملكون من الخيال ما يستطيعون به اكتشاف جوهر المشكلة ناهيك عن وضع حلول ومعالجات لها.
الخدمة المدنية منهارة تماما في كل مرافق الدولة ، والثقافة الوظيفية شيطانية وحقودة وعنصرية وفاسدة ، ولإيجاد حل لدحر هذه الثقافة السالبة لابد من طرح ثقافة بديلة ولابد من إعادة هيكلة القطاع العام برمته ولمامته ، ولابد من خلق أنظمة قانونية -تشريعا ولوائح- مسنودة بمؤسسات محكمة الإدارة. ولابد ولابد ولا بد...
لا أعرف ما المهم كون أن هناك فريق كرة قدم نسائي في دولة تملك من الإشكاليات ما هو أعمق من ذلك بكثير ، وما هو الخطير كون أن هناك مذيعة جميلة أو قبيحة إن كان القبح مستشريا في كل مكان حيث البنية التحتية منهارة تماما.
أعتقد أن الشريحة الأكثر وعيا على قلتها لا تملك مواجهة سطحية الجماهير وغوغائيتهم وعاطفتهم الساذجة. ولو استمر الأمر على هذا المنوال فأعتقد أن البلد ستحتاج لخمسين عاما أخرى على الأقل لكي يتمهد الطريق نحو الشروع في بناء دولة كباقي الدول.