عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاﺫ الحلقة الرابعة بقلم خالد الحاج عبدالمحمود

عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاﺫ الحلقة الرابعة بقلم خالد الحاج عبدالمحمود


09-11-2019, 02:06 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1568163999&rn=0


Post: #1
Title: عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاﺫ الحلقة الرابعة بقلم خالد الحاج عبدالمحمود
Author: خالد الحاج عبدالمحمود
Date: 09-11-2019, 02:06 AM

02:06 AM September, 10 2019

سودانيز اون لاين
خالد الحاج عبدالمحمود-
مكتبتى
رابط مختصر




بسم الله الرحمن الرحيم
"أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"

الجزء الأول
الحياة في الحضارة الغربية
الفصل الثاني
صورة العالم
لا بد لكل إنسان، من أن تكون له صورة للعالم، ربما تكون هذه الصورة واضحة، وقد تكون غامضة، ولكنها بحكم وجود العقل، دائماً موجودة.. يقول ولتر ستيس في هذا الصدد: "تميل أفعال الناس وأفكارهم إلى أن يحكمها – أو يؤثر فيها على الأقل – مجموعة من الأفكار العامة عن طبيعة العالم ومكان الإنسان فيه. ويمكن أن نطلق على الأفكار العامة من هذا القبيل اسم (صورة العالم) أو وجهة نظر الإنسان عن العالم وتكون صورة العالم هذه عند العلماء والباحثين والفلاسفة متناسقة إلى حدٍ ما، وإن كانت تعمل عند الغالبية العظمى من الناس بطريقة خفية بوصفها الخلفية المعتمة لأذهانهم، لأنهم لا يلاحظونها بأنفسهم بل يسلمون بها تسليماً.. ويكون في العادة، لحقبة معينة في ثقافة معينة مثل هذه المجموعة عن الأفكار الخاصة بها، حيث تتغلغل في ثقافة ذلك العصر ككل.. وتتغير مجموعة الأفكار العامة خلال مجرى التاريخ بتأثير ظهور تجارب جديدة وخبرات جديدة للجنس البشري" 2 ص23.. وهذا يسير في اتجاه المعنى الذي قلناه، في المقدمة، وجاء فيه: "لقد بينا، في كتاب (الوجود)، أن آصل الأصول، الذي ينبني عليه كل شيء، هو الوجود!! وعندما نقول كل شيء، نعني كل شيء حرفياً!! ولذلك على تصور الوجود، يقوم تصور كل شيء موجود، وتصور كل ما يتعلق به".. وهذا ما نطبقه نحن هنا على الحياة.. وواضح أن الموضوع عندنا، أوكد مما هو عند ستيس، في قوله المذكور أعلاه.. على كلٍ، نحن نعني ما يعنيه ستيس، ولكن بصورةٍ أكثر توكيداً.. كل شيء عن الإنسان يتوقف على تصوره: لطبيعة الوجود، والطبيعة الإنسانية.. والآن ما هي صورة العالم، عند إنسان الحضارة الغربية؟ وما هي العوامل التي أدت إلى تكوين هذه الصورة؟؟
بصورة عامة، العوامل التي أدت إلى تشكيل صورة العالم، عند إنسان الحضارة الغربية، هي الأفكار والمفاهيم، التي جدت مع بداية عصر النهضة، ثم تبلورت على نحو تدريجي لاحقاً.. هذه الأفكار والمفاهيم هي العلمانية، كإطار مرجعي.. وقد تحدثنا عن ذلك في التوطئة.
لقد تكونت صورة العالم، عند إنسان الغرب، نتيجة للتصورات التي فهمها، أو نسبها، للعلم المادي التجريبي.. في هذه الصورة، العالم عالم مادي تحكمه قوانين الطبيعة.. وقد كان التصور، ولا يزال إلى حد كبير، يقوم على أن قوانين الطبيعة، مكتفية ذاتياً، وليست في حاجة إلى غيرها، لتسيير العالم.. وقد توكدت هذه الصورة، خصوصاً بعد نيوتن، ثم ترسخت نتيجة التطور العلمي، الذي أعقب عهد نيوتن، وحتى بداية القرن العشرين.. وأهم ما يميز هذه النظرة، أنها مادية، وتعتمد بصورة كلية على العقل المجرد، وما يصل إليه من علوم طبيعية.. ومن أهم ما يميزها أيضاً، أنها أبعدت الله، من صورة العالم.. هي أبعدته عند الذين لا يعتقدون في وجوده، وعند الذين يعتقدون في وجوده.. فحسب هذه النظرة، الله تعالى، حتى ولو كان موجوداً، لم يعد يفعل شيئاً في الكون.. يقول ستيس: "كان الله هو العلة الأولى، للعالم، لكنه بعد أن خلقه، تولى القانون الطبيعي، الذي كان قد خلقه أيضاً، مهمة تسيير العالم، فلم يعد الله يفعل شيئاً بعد خلق الكون، بل ترك لقوانين الحركة وقانون الجاذبية عمل كل شيء".. 2 ص106.. بالطبع هذا لمن يؤمنون بوجود الله، أما الذين لا يؤمنون، فيمثلهم أفضل تمثيل، قول لابلاس، عندما سأله نابليون عن مكانة الله، في تصوره للعالم.. فرد لابلاس بقوله: الله، فرضية لا حاجة لها!! فلابلاس ومن هم على شاكلته، يتصورون أن الكون تحكمه قوانين صارمة، وصحيحة، وإذا تمت معرفة هذه القوانين يمكن التنبؤ بأي شيء يحدث في الكون!! يقول ستيس: "وهكذا تظهر فكرة (نيوتن) القائلة بأن (العالم آلة).. ولقد انتشرت هذه الفكرة في أوربا انتشار النار في الهشيم.. ليس فقط العالم، ككل، آلة، بل أن كل شيء فيه هو أيضاً آلة.. قارن (هوبز) بين الجسم البشري وبين الآلة، وكتب يقول: (ماذا يكون القلب سوى نابض (زمبرك)، والأعصاب سوى مجموعة من الأوتار، والمفاصل سوى مجموعة من العجلات التي تعطي الحركة للجسم كله؟).. لقد عاش هوبز قبل أن يكتشف نيوتن قانون الجاذبية، لكن وجهة النظر الآلية عن العالم كانت جاهزة بالفعل في الجو الثقافي.. ولم يكن على الساعة الشمسية عند نيوتن سوى أن تثبتها.. ولقد كتب هيوم في القرن الثامن عشر يقول: (أنظر إلى العالم من حولك، وسوف تكتشف أنه ليس شيئاً سوى أنه آلة عظيمة، تنقسم إلى عدد لا نهاية له من الآلات الفرعية الصغيرة).." 2 ص117.. ولقد ظل هذا التصور، هو السائد إلى اليوم، وعليه تقوم الحياة وينبني الفكر –هذا على الرغم من أنه جد في العلم بعد نظرية النسبية، ونظرية الكوانتم– ما يدحضه بصورة نهائية!!
هذه النظرة الآلية، تبعد النظرة الغائية!! فالعلم المادي التجريبي، يبعد الغائية بصورة تامة، ويعتبر أنها تفسد العلم، وتدخل فيه ما ليس منه!! فلو أن كل ما يحدث في العالم، يمكن تفسيره عن طريق السببية العلمية، تفقد الغائية أهميتها، فتُستبعد أو تصبح على الأقل، غير ضرورية.. يقول ستيس: "الأهمية العظمى التي أضفاها العلم في القرن السابع عشر على مفهوم الآلية، دفعت ببساطة مفهوم الغائية خارج عقول الناس، مما أدى إلى طمسها ونسيانها.. النجاح الهائل الذي حققه علم (نيوتن) أصاب العالم الغربي بالدوار" 2ص 118.. ويقول: "أصبح النجاح المطبق الذي حققه التفسير الآلي منذ عصر (نيوتن) حتى عصرنا الراهن مذهلاً، ومثيراً.. لماذا؟ لأن العلماء كفوا عن التفكير في الأغراض، وركزوا جهودهم في البحث عن الأسباب.. ألا يرجع التقدم الحديث كله إلى هذه الواقعة وحدها!؟ هل يكون هنالك أي سبب، عندئذ، في أن يهجر العالم الغائية!؟"2ص118.. وغياب الغائية، هو غياب المعنى عن العالم، وعن الحياة!! فإذا كان العالم، والحياة، يقومان على أسباب طبيعية آلية، فحسب، يصبح (المعنى) لا مكان له في هذا العالم، وفي هذه الحياة.. فالمعنى مرتبط بالسببية الغائية.. الغائية تعني أن هنالك معنى لما يحدث، لأنه يحدث من أجل أغراض وغايات.. وقد تنبه برتراند رسل لذلك، ونبه له، فقال: "هو بإيجاز العالم الذي يقدمه العلم لكي نؤمن به، وهو عالم يخلو من الأغراض، عالم لا معنى له!!"2ص 119.. أما ولتر ستيس فيقول: "لقد اتسم العالم الحديث بالكثير من الظلام، والحيرة، وفقدان القداسة، وربما أيضاً بزيادة هائلة في عدد المرضى العصبيين، والانهيارات العصبية في عصرنا وفي استطاعتنا أن نتعقب ذلك عائدين، إلى فقدان الإيمان بوجود أية غاية أو خطة، لمسار العالم" 2 ص121.. أما كولون ويلسون، فيقول: "يجب أن نواجه بموضوعية نوع الحكم الذي سيطلقه مؤرخو المستقبل عنا سيقولون: (أن حضارتهم أصبحت معقدة لدرجة أنهم، لم يعرفوا رؤوسهم من أرجلهم، وكانوا أذكياء ومتعلمين، لكن ذلك لم يوفر لهم هدفاً يسعون إليه، والشيء الأساسي الذي لاحظناه، أنهم بلا هدف منهكون وضجرون بشكل غريب.. أقاموا سنة 1914 أحد أكبر الحروب في التاريخ راح ضحيتها تسعة ملايين من البشر، وكنا نعتقد أن هذه التجربة ستوقظهم، لكنها جعلتهم يندفعون في عربدة النسيان، وقام إنسان نصف مجنون، يعاني من عدة أمراض جنسية، ليغزو أوربا، وكان الضحايا في هذه المرة خمسين مليوناً من البشر، وحين هزم هذا المجنون، جن العالم من الفرحة.. ولربما تظن أن حضارتهم ستصبح الآن عظيمة، وأنهم سيتحولون إلى رجال جادين، لهم هدف واضح، لكن ذلك لم يحدث، ومضى السياسيون يتشاجرون على أشياء تافهة كالاطفال، وأصبح العصر الجديد، عصر: الجاز والتلفزيون ولوليتا وجيمس بوند والهوريوين والمارجوانا والعنف والجنون وجرائم الجنس التي وصلت معدلات لم تصلها من قبل" 6 ص46.
ويرى ولتر ستيس، أن إبعاد التفسير الغائي، لم يتم بصورة متعاقبة، فالعلم لا يعطيه، كما لا يعطي أمر إبعاد الله، وهو يرجح أن السبب في الوصول إلى هذا التصور، سبب سيكولوجي!! المهم بالنسبة لنا، أن التصور الآلي، هو ما تقوم عليه الحضارة الغربية.. ونعتقد أن الأمر لم يتم دفعة واحدة، وإنما تم بالتدريج.. ففي البداية كان التصور الآلي، والغائي يتعايشان.. ثم بدأ تدريجياً التصور الغائي يضعف، والتصور الآلي يقوى، إلى أن أبعد التصور الغائي تماماً، أو يكاد، بعد سيادة العلم، وزيادة افتتان أهله به، بالصورة التي جعلته يستولى على الحياة كلها، ليس في الغرب وحده، وإنما في كل مكان سادت فيه الحضارة الغربية، ولا يوجد مكان لم تسد فيه الحضارة الغربية!!
بهذا نكون أمام نوعين من صورة العالم، يقوم عليهما نوعان من الحياة.. النوع الأول، والأقدم، هو النوع الذي يقوم على (الغائية الكونية).. وهذا النوع كان سائداً في أوربا حتى القرون الوسطى.. وقد أصبح النوع الثاني الذي يقوم على النظرة العلمية للعالم، أو النظرة الآلية، أبتداءً من عصر النهضة ينتصر، ويستبعد النوع الأول تدريجياً،إلى أن أصبحت له السيادة وحده.. نريد أن نخلص من كل هذا، إلى وجود نوعين من الحياة، يتناسب كل منهما مع نوع النظرة للعالم.. النوع الأول، يقوم على الغائية، وفيه حسب تعبير ستيس: "لابد للوجود وتاريخ الكون كله من هدف أوغرض.. بل لابد لكل ما يوجد في الكون، وكل حادثة تقع فيه، من هدف أو غرض.. ولابد لمثل هذا الغرض أن يتلائم مع الخطة العظيمة والتخطيط العام للكون"..ويقول: "دراما العالم تحكمها أهداف في ذهن الله، فكل شيء مما يحدث يتناسب بطريقة ما مع الخطة الالهية".. 2 ص 26.. على العكس من هذا التصور، يقوم التصور العلمي الآلي، الذي يستبعد أي غرضية للعالم، ولا ينشغل بها.
نحن إذن أمام نمطين من الحياة: حياة الدين التي تقوم على الغائية، بصورة تامة.. وحياة العلم المادي الآلي، التي تقوم على السببية المادية، وتبعد الغائية بصورة تامة.. النمط الأول هو الذي تقوم عليه، بصورة مبدئية، الحياة في الإسلام.. والنمط الثاني، هو الذي تقوم عليه الحياة الغربية، الكوكبية الحالية.. وكلما أوغلنا في الكتاب، سيظهر لنا التمايز الواضح، بين النمطين في الحياة.
الأخلاق:
أهم مجالات الاختلاف، بين النمطين من الحياة المذكورين، موضوع الأخلاق، ومرجعية الأخلاق.. ففي صورة العالم التي تقوم على الدين، وعلى الغائية، يعتبر (العالم نظاماً أخلاقياً).. وحسب هذه النظرة، تكون الأخلاق أمراً موضوعياً.. أما النظرة العلمية الآلية، فقد هدمت النظرة الموضوعية للأخلاق، بإبعادها لتصور أن العالم نظاماً أخلاقياً، وجعلت موضوع الأخلاق أمراً يرتبط بالبشر، ورغائبهم وأذواقهم.. يقول ستيس: "إن أول شيء ينبغي علينا أن نلاحظه هو أنه لا توجد رابطة منطقية على الإطلاق بين مكتشفات العلم وأي مشكلة أخلاقية: أتكون واجباتنا أكثر صدقاً وأمانة وأشد أخلاصاً وعدالة ـ لو أخذنا بقانون الحركة عند جاليلو بدلاً من قانون الحركة عن أرسطو؟ مع ذلك، فعلى الرغم من أنه لا توجد رابطة منطقية، فقد كان أثر المفاهيم العلمية الجديدة سيئاً، لأنها هدمت الإيمان بأن العالم يمثل نظاماً أخلاقياً.. ولقد كان العقل الحديث، منذ نشاة العلم، على استعداد أكثر فأكثر للسير في هذا الإتجاه.." 2 ص 14.. ويرى ستيس: "أن السبب فيه هو أن مفهوم القيمة يرتبط بمفهوم الغرض والغاية: فما له قيمة لا بد أن تكون له قيمة لغرض ما. فإذا اعتقد الناس في غرضية العالم، فإن ما هو خير أخلاقياً (أو له قيمة أخلاقية)، فإنه يرتبط بذلك الغرض.. فإذا انهارت غرضية العالم انهار معها القول بأن العالم نظام أخلاقي.. ولقد تسبب علم الطبيعة عند نيوتن بالفعل في فقدان الناس للإيمان الحقيقي بالغرض من ظواهر الطبيعة، ومن ثم في موضوعية الأخلاق أو القول بأن العالم يمثل نظاماً أخلاقياً، وهكذا ارتبطت القيم بأغراض البشر، وذلك هو المذهب الذاتي أو ذاتية الأخلاق، الأخلاق التي ترتبط بالنسبية أيضاً" 2 ص 14.. قوله: "ارتبطت القيم بأخلاق البشر"، يعني أغراضهم الدنيوية التي يحددونها لأنفسهم بأنفسهم، دون الرجوع إلى أي مرجعية خارجية.. فالأخلاق التي تكون بهذه الصورة، تكون أخلاقاً ذاتية، وليست موضوعية.. وقد سادت هذه الأخلاق الذاتية في الحضارة الغربية، وتمت الفلسفة لها في عديد الفلسفات.. يمكن أن يقال، تمت الفلسفة لها في جميع المذاهب المادية، والفلسفة الوضعية.. وعلى كلٍ، هذا الاتجاه نحو الأخلاق الذاتية سائر وطاغي دون الحاجة لفلسفة، هو سائر بحكم النظام السائد، والإطار المرجعي الذي يقوم عليه.. وقد وكدت هذه الأخلاق الذاتية، الاتجاهات الدنيوية، السائدة في الحضارة اليوم.. والدنيوية هي أساس ما تقوم عليه العلمانية، والنظرة المادية.. وقد وصل الأمر بالوضعية المنطقية، التي مددت نظام المذهب الطبيعي، الذي أسسه هيوم، وطبقه في ميدان القيم، وصل بها الأمر أن تعتبر العبارات الأخلاقية مجرد حالات انفعالية لا معنى لها!!
إن نمط الأخلاق الذاتية الدنيوية، هذا، ليس بأخلاق، وإنما هو تبرير لأهواء النفوس.. ووفق هذا التصور الذاتي، من المستحيل أن تكون هنالك أخلاق مشتركة!! فما هو غير قابل لأن يشترك فيه الجميع ليس بأخلاق.. بل إن ما يسمى بالأخلاق الذاتية، هو اليوم أكبر عقبة أمام الأخلاق.. واليوم، العمل جاري بشدة لمعالجة أزمة الأخلاق الطاحنة.. وتنعقد المؤتمرات المحلية والعالمية لهذا الغرض.. وعلى هؤلاء أن يعلموا، أن مشكلة الأخلاق، الأساس فيها، هو قصور التصور الذي لا يرى في العالم نظاماً أخلاقياً، وما لم تصحح هذه النظرة، لا مجال لحل مشكلة الأخلاق!!.. العودة للأخلاق - وهي ضرورة ملحة – تقتضي العودة إلى الدين، إلى التصور الغائي للعالم، والذي يرى في العالم أنه نظام أخلاقي.. ودون هذا، فالأمر مستحيل!! وكل عمل يجري في هذا الصدد، ولا يرتفع إلى الأصل.. هو عمل لا جدوى منه، بل هو مضيعة للجهد والوقت.
أما ولتر ستيس، فيقول عنه د. إمام عبدالفتاح، الذي قدم لكتابه: "يرفض المؤلف في نهاية الفصل النظرة الذاتية والنسبية إلى الأخلاق، نظرة المذهب الطبيعي، التي تقيم الأخلاق على أساس المشاعر والأغراض البشرية، ويرى ستيس أن الأوامر الأخلاقية كلية وعامة للناس جميعاً، وهو يجعل من التصوف أساساً للحياة الأخلاقية، على نحو ما جعله من قبل جوهر الدين".. 2 ص 16.. إن نظرة ستيس للتصوف، كجوهر للدين وللحياة، نظرة صائبة تماماً، ونحن نذهب في هذا المدى، إلى أعمق وأبعد مما قال به ستيس بكثير.. لم يقم في الأرض دين، ولن يقوم إلا بالتصوف.. ونحن لسنا معنيين بكلمة (تصوف) وما قام حولها، وإنما نحن معنيون بمعنى التصوف، وهو عندنا ببساطة: العلم عن طريق العمل!! وهذا هو المبدأ الأساسي في الدين: لا قيمة لأي علم، لا يقوم عليه عمل.. وهذا هو نهج (التقوى)، في الإسلام.. وهي تعني العلم عن طريق العمل، وليس مجرد التنظير، وهذا معنى قوله تعالى: "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ".. وقول المعصوم: "من عمل بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم".. والحديث في معنى الآية.. وهذا ما سيتضح في متن الكتاب.. وأوردناه هنا، لنؤكد مسألة أساسية هي: أن الأخلاق في الدين قيم ثابتة، وهي دون غيرها ما تمثل إنسانية الإنسان.. والإنسان هو الغاية الوحيدة، في الوجود، وكل ما عداه، ومن عداه هو وسيلة إليه.. فاتجاه السير، في القيم الذاتية والنسبوية، هو عمل ضد إنسانية الإنسان بصورة جوهرية.. ولما كان تحقيق إنسانية الإنسان هو الغاية من كل التطور، في الكون، فإن ما تقوم به الحضارة الغربية، في مجال الأخلاق، هو عمل رجعي، بمعنى أنه عكس اتجاه مسيرة التطور، وعمل في النكوص نحو الحيوانية، التي يعمل التطور على تجاوز مرحلتها!!