مدى مقاربة شعار جهاز الأمن الجديد بقلم مصعب المشرّف

04:03 PM September, 05 2019

سودانيز اون لاين
مصعب المشـرّف-السودان
مكتبتى
رابط مختصر

5 سبتمبر 2019م

يقولون في الأمثال : "من فات قديمه تاه" ..... و "الخـلاّ عادتو قـلّـت سـعادتو" ....
وقد كان من الملفت للنظر أن جهاز الأمن الوطني . وفي سياق إعادة هيكتله . كان من الملفت إختياره صقر الجديان شعاراً له .... وهو ما يثير بعض الهواجس لجهة أن صقر الجديان لا يعتبر معبراً حقيقيا لما سيناط به هذا الجهاز من مهام مستقبلية ؛ جرى التوافق على أنها ستكون إستخباراتية لمصالح البلاد العليا فقط .

من جهة أخرى فإن صقر الجديان هو الشعار الرسمي للدولة .... وقد سبقه إلى هذا الموقع وحيد القرن (الخرتيت) الذي تربع شعارا حتى إنقلاب مايو 1969م فتم تعديله عام 1970م وأصبح صقر الجديان .... وحيث تجدر الإشارة إلى أن هذا الشعار كان ضمن مسابقة عامة شارك فيها العديد من المبدعين وأصحاب الرأي.
وقد كان التبرير الموافق لهذا الإختيار أن صقر الجديان وموطنه غرب السودان يتميز بالقوة الجسدية والجرأة والشجاعة .. وأنه أطلق عليه هذا المسمى لسبب أنه يعتاش بشكل رئيسي على صيد الجديان التي ينقض عليها السماء فيغرس في ظهرها مخالبة ويختطفها ....... ويبدو أن هذا الوصف قد صادف هوى في نفس جعفر نميري فتحمس له كثيراً أو كأنه وجد فيه مثلا أعلى لما كان يعتمل في نفسه من نزعات السلطة والجبروت والفتونة والعضلات.... وكذلك زجد فيه نميري الشيه الأقرب لشعار الجمهورية العربية المتحدة (مصر) التي كان على رأسها اباه الروحي جمال عبد الناصر . والذي سبق وأن قام بتغيير شعار بلاده الرسمي إلى النسر.
من جهة أخرى فإن دولة جنوب أفريقيا تتخذ هي الأخرى من صقر الجديان شعاراً لها .. كما تشاركنا كل من دولة جنوب السودان وأفريقيا الوسطى كموطن لهذا الطائر الذي يسمى أيضا بصقر الكاتب.
وعلى نحو آخر فإن إتخاذ المخابرات لصقر الجديان شعاراً سيكون تكراراً باهتا . وتقليداً لشعار تتخذه الدولة شعاراً رسيما لها ولا جديد ...

كنا نأمل أن يطرح جهاز الأمن – طالما أنه سيكون مننا وفينا- .. كنا نأمل لو أنه طرح إختيار شعاره الجديد على "شعبه" ..... وكنا نتوقع مثلاً أنه وفي سياق المهام الجديدة الموكلة إلى جهاز الأمن الوطني بعد تغيير إسمه أيضا ليتماشى مع طبيعة هذه المهام والتي تتمحور في رصد المهددات التي تتعرض لها البلاد لجهة وحدتها وسلامة أراضيها سواء من الداخل والخارج . وأن يولى جمع المعلومات الخروقات من كافة جوانبها الأمنية والإقتصادية .... إلخ ...... كنا نأمل أن يتخذ من "الهدهد" طائر النبي سليمان عليه السلام شعاراً له.

جميع الآيات القرآنية التي تحدثت عن هذا الهدهد تشرح للمسلمين كيفية أداء العمل الإستخباراتي . بل وكيف يكون إنضباط هذا العنصر الإستخباراتي .. وضرورة أن يأخذ بزمام المبادرة .... ومدى الشفافية المطلقة التي يجب عليه إنتهاجها في عمله وأدائه لمهامه .. وضرورة أن يتفهم ولي الأمر فيه هذه الحاجة إلى الشفافيسة في تعامله وحواره معه.

وبالطبع فقد حاول اليهود في أدبياتهم وتلمودهم الموازي للتوراة الحط من شأن هذا الهدهد. ودسوا في سيرته الكثير من الأكاذيب التي تقلل من شأنه وواقع إنضباطه .. فزعموا أنه إنما كان يطير خلف هدهد أنثى أعجب بها وهام بها عشقا . ونسي نفسه حتى وصلت به هذه الأنثى إلى قصر بلقيس ملكة سبأ بالصدفة . ولكن القرآن الكريم أعاد إلى الهدهد حقوقه كما أعاد إلى النبي سليمان عليه السلام مكانته السامية التي حاول اليهود تشويهها عبر القول أنه كان ساحرا وليس نبي.

أول الأدلة على إنضباط الهدهد هو قوله عز وجل في الآية رقم (20) من سورة النمل :[وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ]
عدم رؤية النبي سليمان عليه السلام للهدهد في موضعه المحدد له في الطابور ؛ يدل على أنها حالة إستثنائية فريدة إستدعت إلإستغراب. فقال سليمان لماذا لم أتمكن من رؤية الهدهد؟ هل تأخر عن الحضور؟ .. هل الهدهد غائب؟
وحتى هذه اللحظة لم يدر بخلد البي سليمان أنه الهدهد قد أهمل في واجبه بالحضور والتواجد في الطابور للتفتيش في موعده .. ولكنه مال إلى الظن فقط بغياب الهدهد لسبب قهري ما دون العادة .. وكما يقولون فإن الغائب عذره معاه.

[لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (22)]
وهذه الآية تشير إلى أن سليمان النبي قد وضع عدة إحتمالات لغياب الهدهد . هي في كافة الأحوال واردة . فهو إن أهمل سيكون مصيره العقاب (قالوا أنه توعّـد بأن ينتف له ريشه) .. ثم إستدرك أن يكون غياب الهدهد سببه إنشغاله بأداء أمر يخص المملكة في غاية الأهمية. فقال (أو ليأتيني بسلطان مبين) أي بمعنى معلومات ذات أهمية قصوى بائنة.

[ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)]
وهذا هو ما جرى بالفعل . وكان الإحتمال الثالث الذي إستنتج به النبي سليمان عليه السلام غياب الهدهد هو الصحيح .... فقد جاء له بالمعلومة وزاد على ذلك بقوله دون أن يخشى من أن يعاقبه النبي سليمان فقال بكل الشفافية (أحطت بما لم تحط به).

كنا نرجو إذن لو أن الإختيار قد وقع على الهدهد كشعار لمفهوم وعقيدة وأداء إستخباراتي جديد يخدم السودان الوطن وليس الحاكم الشخص ولا يحمي الفاسدين . شعار الهدهد فيه تلبية لمفاهيم جديدة طرحتها ثورة ديسمبر التي فجرها الشعب بشبابه القوي الأمين ... حرية سلام وعدالة .... وستكون الثورة خيار هذا الشعب العظيم مهما كان حجم المؤامرات ضده.