الي من يهمه الامر ( 9 )

الي من يهمه الامر ( 9 )


08-11-2019, 05:31 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1565541093&rn=0


Post: #1
Title: الي من يهمه الامر ( 9 )
Author: سليمان محمد
Date: 08-11-2019, 05:31 PM

05:31 PM August, 11 2019

سودانيز اون لاين
سليمان محمد-السودان
مكتبتى
رابط مختصر



إستدعي المجلس العسكري و منذ لحظة توقيعه علي الوثيقة الدستورية، إستدعي شعاراته البائسة المضللة حول شراكته في صناعة الثورة و حرصه عليها و تمسكه بأهدافها و هي مخزون كلمات عقيمة و غير أمينة يستدعيها كلما دعت الحاجة، أصمّ بها الآذان في الأيام الاولي لإنقلابه علي رئيسه البائد في ٤/١١ و بعد مذبحة ٨ رمضان و ٢٩ رمضان -في يوم مذبحة فضَّ الإعتصام- و أخيراً بعد مذبحة الطلاب بالأبيّض.

لم يمل تكرار هذه الأقوال (فارغة المحتوي) رغم ردّ الشعب الحاسم و المتكرر عليه بالإضرابات و الإعتصامات و وقفات الإحتجاج و العصيان المدني و بلغ ذروته في تظاهرات ٦/٣٠ المليونيّة، تطالبه بالإبتعاد و تسليم السلطة للمدنيين.

ظل يعزز وجوده كسلطة أمر واقع (و رغم الأنف)، في كل يومٍ مؤشراً علي أنه لا ينوي التنازل عن الحكم، و يمارس صلاحيات الحكم التشريعيّة و التنفيذيّة و بلا تفويض من دستور أو قانون.
شعبياً: إستند علي قاعدة الحكم البائد من مؤتمر وطني و شعبي و بقية سواقط ونقابات المؤتمر الوطني و أحزاب الفكة.
رفض تفكيك و حل المليشيات- علي عثمان و الطلاب و الأمن الشعبي و الدفاع الشعبي و احمد هارون، بل أعلن علي لسان منسوبيه انه قام بضمها للقوات المسلحة، و بعد ايام قليلة أعلن عن اكتشاف مخازن لِأسلحة و معسكرات و عربات تابعة لهذه المليشيات و في كل المجازر ظل يؤشر اليها بالمندسين و المخربين و غيرها من مسميات التستر و التآمر.
رفض التعامل الجاد مع جهاز الأمن، فوفّر لرئيسه مقعداً ضمن طاقم المجلس العسكري و عندما هرب او هُرِّب (المعني)، أعلن المجلس بأنه لم يُعلم بما جري بينما كانت حراسة القوّات النظامية ما تزال رابضة امام باب منزله و تهدد أعضاء النيابة بإطلاق النار إن حاولو الإقتراب.
لم تعتقل من قيادات الحركة الإسلامية و المؤتمر الوطني مع البشير إِلَّا عدداً لا يتجاوز المطلوبين في جريمة واحده في وقت تنتظر هذه القيادات عشرات الآلاف من القضايا جرّاء اقترافهم لعشرات الآلاف من الجرائم. بل و ما زالت كوادر النظام البائد تتمتع بوظائفها في قيادة مؤسسات الدولة الاقتصادية و الإدارية و العسكرية و القضائية.
حاولْتُ في السطور السابقة بناء مقدمة أرصد من خلالها -ولو بالإشارة- مخازي المجلس العسكري منذ إنقلابه كلجنة أمنية تابعة للبشير و حتي الآن، فوجدت أنني أحتاج لكتاب كامل و ربما لن أصل لما انوي مناقشته بعد المقدمة.
لا تتناطح عنزتان علي أن اللجنة الأمنية و وليدها المجلس العسكري خرجا علينا من عباءة الحركة الإسلامية، و لا يحتاج إثبات ذلك الي كثير عناء. ما ينقص ذلك فقط هو شجاعة الإعتراف و التي تحلّي بها قائد الإنقلاب الأخير هاشم عبدالمطلب و افتقر اليها رئيس و أعضاء المجلس العسكري.
إختصار الكلام، أن المجلس العسكري كرَّس كل وقته و جهده و منذ إنقلابه في ٤/١١ لِأجل عرقلة مسار الثورة وإعاقة وصولها لأهدافها بل و معاداتها محاولاً إجهاضها، معطياً بذلك دليلاً مادياً علي كونه ممثِل الحركة الإسلامية و رأس حربتها داخل القوات المسلحة و الحارس الأمين لمصالحها داخل الجيش و خارجه، و ما آلت اليه سلطات المجلس العسكري بعد ابنعوف و عبدالرؤوف و عمر عابدين و قوش و ...........و .........الخ، و بالسلاسة و السهولة التي تمّت بها إِلَّا لِصلة الأصالة بين هذه العناصر و الحركة الإسلامية، و التي اختارت التخفّي الكامل و اللعب بورقة المجلس العسكري و قد اخلص المجلس العسكري و كان عند حسن ظنّ الحركة فيه فماطل في تفاوضه مع قوي الحرية و التغيير و سَوَّفَ و راوغ و نُفِذت تحت سمعه و بصره المجازر و السحل و الحرق و الإغراق، و برع في معاداة الثورة بكل ما اوتي من قوة و بطش و عنف و لم تردعه كل التحذيرات من أن سلوكه و الجرائم التي تورط فيها ستقوده حتماً الي مساءلات جنائية وطنية و دولية و لن تشفع له الحركة الإسلامية وقتها، و لكن و رغم كل ما قدمه المجلس لعرّابيه في الحركة الإسلامية فإنه لم يستطيع أن ينال رضاها، و كما استبدلت البشير بابنعوف و ابنعوف بالبرهان و كما أزاحت قوش و عمر زين العابدين و عبد الرؤوف، يبدو انها حاولت مع البرهان و طاقمه و لكن بعد ان تلطخت أيديهم بالدماء اصبح الانسحاب بالسلاسه و البساطه التي تم بها مع الطواقم السابقة مخاطرة كبيرة و دماء الشهداء لم تجف بعد. و بالتالي فإن التشبث بالسلطة و التخلي عنها اصبح معادلاً للحياة و الموت بالنسبه له.
إن لجوء الحركة الإسلامية لتشكيلات تنظيمها العسكري لإحداث انقلاب عسكري عبَّر عن سحب غطاءها و قطع صلتها بفريق المجلس العسكري و فقدان ثقتها فيه بشكل كامل بعد ان عجز عن الامتثال لسياساتها و تكتيكاتها، عبَّر عن ذلك في عجزه عن السيطرة علي الثورة و عنفوانها و إتساعها حتي شملت كامل خريطة السودان.
إن خروج التظاهرات المليونيّة -بلغت العشرة ملايين في ٦/٣٠ حسب التقديرات المتواترة-اصابت الحركة الإسلامية و المجلس العسكري بالجنون و باليأس المميت فاستعجلت تغيير المجلس العسكري و بإنقلاب، أي بالعنف، علي خلاف الاستبدالات السلمية السلسة السابقة.
أضف الي ذلك تزايد الضغوط الإقليمية من الإتحاد الأفريقي و الضغوط الدولية و الترويكا و كلها كانت تضغط لأجل إستعجال تسليم السلطة للمدنيين.
تفاجأ المجلس العسكري فوجد أنه قد فقد ثِقة الحركه الإسلامية داخل الجيش كما فقد تأييد شرازم انصارها في الشارع.
تقطعت حبال الودّ القديم و ضاق الخناق و تعثرت الخطط و نضبت الحيل و الأحابيل و وجد المجلس نفسه كمن يهوي من السماء و خشي ان تتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكانٍ سحيق.
و بما ان النفس و المصلحه الشخصية هي الأوْلي في تنظيم و فكر انتهازي و طفيلي تتنفس عضويته التضليل و الكذب و النفاق و الأنانية، فقد أدار المجلس العسكري ظهره لتنظيمه و الذي رضع من ثديه دهوراً، و اكتشف أن الواقعية تفرض عليه الوصول الي اتفاق مع ق.ح.ت و بأسرع وقت، لذلك فقد استغرقت اجتماعات الوثيقة الدستورية فقط ثلاثة الي أربعة ايّام - و وقعو عليها بالأحرف الاولي. ذلك بعد أن وضعو عن أكتافهم أحمال و أثقال إستصحاب كامل اهداف الحركة و اكتفوا بحدها الأدني و كان همَّهم الأكبر هو الحصول علي ضمانات شخصية فضمنوا لأنفسهم مقاعدهم الخمسه في مجلس السيادة و احتفظو بمفاتيح الأمن و الجيش بمليشياته و الدعم السريع في صيغه غامضة و حاولو الحصول لأنفسهم علي حصانة مطلقة و تراجعو عنها علي وقع حملة رفض شعبية واسعة.
خلاصة القول: أن الثورة و التي انفجرت في ديسمبر ٢٠١٨ و امتدت جذورها لثلاثين عاماً، تراكمت خلالها نضالات شعبنا و ادهشت العالم بحكمتها و سلميتها و فرادتها و بسالتها و أذهلت بل و شلّت وعي و حركة جهابزة الحركة الإسلامية- مدنيين و عسكريين- داخل أجهزة و مؤسسات الدولة الرسمية و الموازية و العميقة- هذه الثورة و بتصاعد زخمها و جسارة ابناءها و بناتها، و رغم عجز ضباط و جنود القوات المسلحة من تقديم الدعم و الحماية التي طلبها الثوار منهم من خلال اعتصامهم امام القيادة، هذه الثورة أجبرت الحركة الإسلامية و مجلسها العسكري لتقديم التنازل تلو الآخر، تنازلات بدأت بخطوات منتظمة و مدروسة و انتهت بالقطيعة "الجزئية" بين المجلس العسكري و رموز و فصائل الحركة الإسلامية بدليل ان الاعتقالات بسبب الانقلاب الاخير لم تشمل إِلَّا عدداً محدوداً من ضباط الحركة و من المدنيين و ترك بقية كوادر الحركة داخل الجيش و في قيادة مؤسسات الدولة و تنظيماتها السياسية أحراراً.
و يظل الدرس الأهم: هو أن ثورة سلمية كُتِبَ عليها ان تواجه جيشاً بقيادة مُسَّيّسة و مليشيات لم تُدَرَب إِلَّا علي القتل و الترويع، هزمت نظاماً عسكرياً عقائدياً شمولياً تجَذَّر لثلاثين عاماً، و وضعت اقدامها علي بداية الطريق لأجل تحقيق التفكيك الكامل لدولة الحزب و محاسبة مسؤوليه عمّا ارتكبوه من جرائم و لأجل تحقيق اهداف الثورة من الحرية و السلام و العدالة تمهيداً لإعادة تأهيل الدولة و كامل مؤسساتها و بناء قواعد التحول الديمقراطي الراسخة و المستدامة.
في هذا المقام، تبرز الأهمية المركزية لوحدة القوي التي أنجزت ما تمَّ، قوي اعلان الحرية و التغيير و علي قاعدة الإعلان الذي وقَّعت عليه فصائلها، فالنجاح في الفترة الانتقالية يرتبط بتوثيق و تعزيز هذه الوحدة و قطع الطريق أمام قوي الثورة المضادة- الناعمة و العنيفة- يرتبط بتوثيق و تعزيز هذه الوحدة (راجع تصريحات القيادي بالحركة الإسلامية احمد عبدالرحمن و تصريحات علي يوسف رئيس ما يسمي باتحاد نقابات عمال السودان التابعة للمؤتمر الوطني -كنموذج-)
ستظل وحدة و صلابة و مثابرة قوي الحرية و التغيير بفصائلها هي القاعدة السياسية و التنظيمية التي ستستند عليها الحكومة الانتقالية في تحديد برامجها و أولوياتها و مراقبة التنفيذ و تصويب المسار.
و سيشكل اعلان الحرية و التغيير و بقية المواثيق الموقعة بين مكوناتها و عناصرها البرنامج الوطني الذي يهم كل الأحزاب و النقابات و التنظيمات الجماهيرية و الحركات المسلحة و تتراجع خلفه البرامج الحزبية و الخاصة و التي لا يمكن استشرافها إِلَّا بإنجاز مهام الثورة الوطنية و الديمقراطية المستنبطة من الواقع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الموروث من حقبة الإنهيار و الفشل لحكومة المؤتمر الوطني و الحركة الإسلامية - و ستظل قاعدة استمرار مشاركة الملايين و قواها الحيّة و قياداتها التي أفرزتها الثورة من الشباب و الشابات في صياغة و تنفيذ و مراقبة برامج الفترة الانتقالية هي صمّام الأمان و الضامن للوصول الي تحقيق كامل اهداف الثورة.

الباحث/سليمان محمد