هنالك دولتان عميقتان هما دولة الكيزان ودولة الطبقة الأكثر عمقا بقلم د. محمد مصطفى

هنالك دولتان عميقتان هما دولة الكيزان ودولة الطبقة الأكثر عمقا بقلم د. محمد مصطفى


08-09-2019, 05:33 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1565325192&rn=0


Post: #1
Title: هنالك دولتان عميقتان هما دولة الكيزان ودولة الطبقة الأكثر عمقا بقلم د. محمد مصطفى
Author: د. محمد مصطفى محمد فضل
Date: 08-09-2019, 05:33 AM

05:33 AM August, 08 2019

سودانيز اون لاين
د. محمد مصطفى محمد فضل-السودان
مكتبتى
رابط مختصر





كل من درس واطلع على تأريخ السودان وفكك أزمته إلى مكوناتها الأساسية وحدد مصادر تغذيتها سيدرك أن هنالك طبقة مسيطرة على مراكز صنع القرار في السلطة المركزية والمعارضة السلمية والإعلام والإقتصاد، وبالمقابل هنالك طبقات مهمشة، فدولة الطبقة العميقة المسيطرة على مقاليد السلطة في البلاد منذ عام ١٩٥٣م، قد ظلت تعمل على تعميق جذور التفاوت الطبقي وتغذيتها على حساب الحقوق والحريات لتقوى أمنيا وتتحكم في السياسة العامة تداولا سلميا بين مكوناتها العسكرية والمدنية، مغيبة بذلك بقية الطبقات، فالمعارضة من هذه الطبقة - بإستثناء بعض الراسخين في السودانوية كالدكتور منصور خالد والأستاذ ياسر عرمان ود. حيدر إبراهيم علي ود. الواثق كمير والأمير نقدالله وآخرين - لا يفصلها سوى شعرة من الحكومات الدكتاتورية، حيث تجد مختار الأصم يزور الإنتخابات ليمكن البشير من إرتكاب المزيد من الجرائم المختلفة وبالمقابل تجد بن أخيه الذي أحترمه جدا معارضا يمارس حقه السياسي الطبيعي ويقرر في دولة المعارضة البديلة، لكن ما هو ليس طبيعي هو أن هنالك من يتعرضون للتعذيب والإغتصاب والقتل في معتقلات وسجون الإنقاذ وهنالك من يحتفظون بهم في ذات السجون ويخرجونهم أبطالا يحملون على الأعناق ليتولوا مهمة الطبقة القادمة، وكما أن هنالك من هم على رأس تلك الأجهزة القمعية التي تمارس أفظع الجرائم والإنتهاكات، وبالمقابل تجد أقرب الناس إليهم يلعبون أدوارا تأريخية مفصلية كالتوقيع على الإتفاقيات المؤدية إلى عملية الإنتقال والتحول، وهم ماشاء الله رغم أوزانهم النضالية الثقيلة جدا وفقا لأدوارهم الحالية ظلوا يتمتعون بحقهم في الحياة الكريمة والأمن والتوظيف والتملك والتعبير كاملة، وللمفارقة يظهرونهم أبطالا ويغيبون من خطط للإنتفاضة وظل يدعو لها حتى انطلقت عن الإعلام تماما فقط لأنه مهمش، نحن لا نبخس مواقف ونضالات أحدا من أبناء هذا الشعب العظيم سوى أننا نضرب الأمثال ونسلط الأضواء على المفارقات بين معارض ومعارض وسجين وسجين بناء على تعامل أجهزة الأمن والإعلام معهما باستثناء بعض الحالات القمعية في ميادين المظاهرات والتي يتساوى فيها الجميع، وحمدوك الخبير الإقتصادي المتمكن ذو الخبرة الطويلة الذي أعتز وأفخر به ظلت علاقته وثيقة الصلة بالبشير الذي إذا انتقدت سياساته مرة واحدة إبتعدت عن إهتماماته الإيجابية سنين عددا، ومعلوم أن ممارسات المخلوغ البشير وجرائمه التي ارتكبها بإمكانها أن تحرك حجرا لينطق معارضا لنظامه إلا أن حمدوك الذي لمعه وزينه البشير وأظهره للناس ولم يكن معروفا من قبل سوى في دوائره الخاصة، لم نشهد له موقفا واحدا لمصلحة الشعب السوداني خاصة ضحايا الحرب والتهميش الذين قتلوا واغتصبوا بدوافع عنصرية بغيضة، وعندما رفض حمدوك منصب وزير مالية حكومة البشير، لم يكن لمواقفه ضد النظام وإلا لما تم تعيينه من الأساس وإنما كان نتيجة لمفاضلة بين وظيفة ووظيفة ومرحلة ومرحلة، حيث كانت حكومة الإنقاذ سيئة السمعة حينها في أسوأ حالاتها والإقتصاد منهار تماما وعلاقات الدولة الدبلوماسية كانت ضعيفة عطفا على العقوبات المفروضة عليها. كل التوقعات كانت تشير الى دنو أجل نظام الإنقاذ الذي بدأ فعليا يتأكل من داخله ومن أطرافه كذلك، وحمدوك الذي كان يشغل منصبا رفيعا بالأمم المتحدة، ما كان يحتاج لمال أو مخصصات بقدر ما كان يحتاج لسلطة فعلية وسمعة طيبة والتين تفتقدهما الإنقاذ الجرباء، وبالتالي أن الشعرة التي تفصل بين قوى الطبقة السياسية المعارضة والحكومة المنهارة جعلتها لا تهتم بمواقف حمدوك السابقة ولا علاقته بالمخلوع البشير، لأنه وفقا لمعايير دولتها العميقة التي ظلت تختزل التغيير في تغيير حرس القصر فقط لا يعنيها سوى معايير الأيديولوجيا غير الإسلاموية والخبرة والطبقة التي تتوفر في حمدوك وفي غيره من السودانيين وهنالك من يتفوق عليه خبرة ولديه مواقف نضالية قوية لكن قد ينقصه معيار الطبقة، والبشير في نظرها كما قال أحدهم - عندما قدمت المحكمة الجنائية مذكرة توقيف ضده- البشير جلدنا ما بنجر فيه الشوك، يمثل شقها الأيمن الذي ظل حاكما طيلة سني الإنقاذ والآن جاء دور الشق الأيسر، فالشق الأيمن ظل يحمي ويسلط الأضواء إعتقالا وهجوما إعلاميا صوريا على الشق الأيسر ليعده ويجعله الخليفة المنتظر إلا ما ندر لزوم تغبيش إنتباه ووعي المهمش، بينما تم تشريد قوى المهمشين فتفرقت أيدي سبأ بين ميادين القتال ومعسكرات النازحين واللاجئين ودول أوروبا وأمريكا وكندا واستراليا أضف إليها من اضطر للتحالف مع العدو والعمل معه ومن لزم الصمت في الداخل، والقلة الذين حاولوا التعبير والمطالبة بحقوقهم المدنية والسياسية، تعرضوا للقتل والتنكيل والتعذيب والإغتصاب. حيث لم نجد واحدة من بنات الطبقة تعرضت لإغتصاب في أي مكان من السودان ولكن حتى الطالبات المهمشات قد أغتصبن داخل الخرطوم.
قد حدثني ذات مرة الأمير نقدالله شفاه الله، فالأمير نقدالله رجل عظيم وكريم وشجاع وهو مقارنة بالسياسيين من أبناء جيله، كقطعة ماس وسط ركام من حديد، حدثني عن سجنه بتهمة تدبير إنقلاب في عام ١٩٩١م، حيث قال بعد أن تم تخفيف حكم الإعدام إلى المؤبد وتم نقلنا إلى سجن كوبر، جاءني الرائد حينها أحمد موسى أحمد نمر وسألني إذا كان لدي أي طلب ليستطيع خدمتي بسرية تامة، فقلت له شكرا لك وكتر خيرك، أنا ود بحر ولدي الكثيرون الذين يقومون بخدمتي ولكن هنالك ضابط برتبة المقدم من أبناء الغرب وهو سجين معنا وأعتقد ليس له أحدا يخدمه، أرجو أن تساعده، فاستجاب سعادة الرائد لطلبي وانصرف انتهى كلام الأمير. أختي القارئة أخي القارئ نعم أن واجبنا الوطني والأخلاقي والإنساني يحتم علينا تصفية دولة الأسلامويين المجرمة الفاسدة العميقة، ولكن لولا سيطرت دولة الطبقة المسيطرة على مراكز صنع القرار في السلطة المركزية والمعارضة السلمية والإعلام والإقتصاد الأكثر عمقا والتي فرضت على كل الطبقات الأخرى أجندتها المتمثلة في العقيدة والهوية والثقافة الأحادية وفرضت عليها دولة التفاوت الطبقي منذ قبيل إستقلال السودان إلى يومنا هذا، لما نشبت حرب أهلية في السودان من الأساس، ولاستقرت الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ولتمكن السلام من عبور كل العقبات وتجاوز كل التحديات ليظل سلاما مستداما أبديا، ولأصبح الإقتصاد من أقوى إقتصادات إفريقيا والوطن العربي. إذن أيها الشعب السوداني العظيم أن مسئوليتنا الوطنية والأخلاقية والإنسانية توجب علينا تصفية دولة التفاوت الطبقي لمصلحة دولة المواطنة بلا تمييز، والآن قد اصطف الشعب السوداني كله خلف مطالبه رافعا شعار المدنية، دعونا نسير جميعا خلف هذا الشعار العظيم ونناقش جذور الأزمة السودانية مناقشة أخوية ودية صادقة نطلع بها جميعا الى بر الأمان مخلفين وراءنا دولتا الكيزان والطبقة العميقتين،

د. محمد مصطفى