إستحقاقات المرحلة الانتقالية ,, بقلم إسماعيل عبد الله

إستحقاقات المرحلة الانتقالية ,, بقلم إسماعيل عبد الله


07-09-2019, 04:08 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1562684938&rn=0


Post: #1
Title: إستحقاقات المرحلة الانتقالية ,, بقلم إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 07-09-2019, 04:08 PM

04:08 PM July, 09 2019

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-الامارات
مكتبتى
رابط مختصر




سوف ترفع الاقلام وتجف الصحف بعد التوقيع المرتقب على الاتفاق الثنائي , بين (قوى الحرية و التغيير) و(المجلس العسكري) , والذي سيعقبه دخول حكام السودان الجدد إلى مسرح السلطة , فيتحولون من موقع المراقِب و الناقد إلى موضع المراقَب و المنتقَد (بفتح القاف) , و سوف تتكون معارضة يمينية متطرفة تسعى بكل السبل إلى كشف مكامن خلل و ضعف منظومة الحكم الجديدة , لا سيما وأن الغبن سيد الموقف , ولن نبالغ اذا قلنا أن الحكومة الانتقالية القادمة ستكون من أتعس الحكومات السودانية حظاً , لأنها سترث تركة مثقلة بالديون و الجرائم والتجاوزات القانونية من قبل النظام البائد , الأمر الذي يتتطلب التجرد والتفاني والتحلي بنبيل الخلق والأخلاق , حتى تستطيع الخروج الآمن من مرحلة الحكم الانتقالي بكفائة و اقتدار.
التحدي الأول الذي يواجه منظومة الحكم الانتقالي , هو عقد الجلسات والمحاكمات العادلة لرموز النظام السابق , المتعلقة بتهم الفساد المالي و الاداري و جرائم الحرب الموجهة إليهم , ثم تحقيق السلام العادل مع فصائل المقاومة المسلحة , في كل من دارفور و جبال النوبة و جنوب النيل الازرق , وهذا التحدي المصيري يمثل المقياس الحقيقي لأهلية حكومة الانتقال , ويحدد مدى نجاحها في حلحلة تشعبات وتشابكات الأزمة الوطنية المستحكمة , فإنّ أكثر ما نخر في عظم الدولة السودانية وفتت عضدها هو الفساد بكل ضروبه , و مخلفات الحرب الضروس المشتعلة في الأقاليم الثلاثة , وكما هو معلوم أن الحروب الأهلية في السودان كانت ومازالت , تعتبر المهدد الرئيسي لأستمرار جميع أنظمة الحكم المتعاقبة في الخرطوم , فقد كان لقصور رؤية النخب السياسية تجاه معالجة قضايا الحرب و السلام على مر الحقب الزمنية , دور رئيسي في إفشال العديد من المشاريع التي استهدفت تحقيق السلم الأهلي في البلاد , وآخر هذه المشاريع الفاشلة كان إتفاقية السلام الشامل المبرمة بين الحركة الشعبية الموحدة آنذاك , وحكومة المؤتمر الوطني المسيطرة على مقاليد الأمور في ذلك الوقت .
أما التحدي الثاني فهو انجاز مشروع الاصلاح الاداري الشامل , و إعادة هيكلة المؤسسات المدنية و العسكرية للدولة , وهنا مربط الفرس , فالشباب والكنداكات و الطالبات والطلاب الذين دشنوا مليونيات التحرير و التغيير , يريدون تحريراً حقيقياً لهذه المؤسسات من القبضة الحزبية و القبلية و المناطقية , وتغييراً جوهرياً لذلك الوجه غير المحتوي للون الطيف السوداني الاجتماعي العريض , والذي هو بمثابة الظاهرة المفضوحة التي عرفتها واشتهرت بها الدوائر الحكومية في عهد البشير (شركات البترول نموذجاً) , فإعادة الهيكلة يجب أن لا تكون انتقائية بحيث تتناول مؤسسة وتترك أخرى ترزح تحت نير القبيلة و الجهة , وتئن تحت وطأة سيطرة عضوية التنظيم السياسي الواحد , فاعادة الهيكلة هذه يجب أن تشمل حقائب الوزراء والسفراء ووكلاء الوزارات و مدراء المؤسسات الوطنية الكبرى , ومدراء الأقسام و رؤساء الشعب وقادة الجيش و الشرطة و الأمن , نزولاً إلى الوظائف والرتب الأدني فالأدنى.
وثالث هذه التحديات يتجسد في الضرورة القصوى لحسم فوضى النشاط السياسي , فخزينة الدولة في العهود السابقة ارهقت كثيراً جراء الصرف غير المرشد لصالح متسكعي السياسة , الذين لا هم لهم سوى التطفل على موائد كبار موظفي الدولة , فاعادة الهيكلة التي ينشدها المواطن السوداني أيضاً تشمل الاحزاب و التنظيمات الهلامية التي تقتات من عرق جبينه , ومسجل الاحزاب السياسية مثله مثل مسجل الشركات التجارية , فاذا لم يبلغ رأس مال (عضوية) الحزب السياسي مبلغاً معيناً , مع استيفاء الشروط القانونية و الفنية الأخرى , لا يجب أن يتم تقييد اسم ذلك الحزب في السجل القومي للأحزاب و التنظيمات السياسية السودانية , تفادياً لتمدد وتنامي ظاهرة الأحزاب الاميبية (احزاب الفكة) , التي امتلك حق الامتياز في صناعتها نظام المشير عمر حسن احمد البشير.
إنّ وعي الشارع قد ازداد بنسب تراكمية عظيمة انعكست في الحراك الشعبي المشهود , فعلى رموز الحكم الانتقالي أن يضعوا نصب أعينهم خطورة وفاعلية هذا السلاح الفتّاك , الذي أسقط رئيسين في ليلة واحدة, وأجبر المجلس العسكري وقوى الحرية و التغيير , على الجلوس والتفاوض والوصول لاتفاق سياسي ما بين ليلة وضحاها , إنّه الوعي الذي ازاح التهيئات الزائفة والأوهام الكاذبة عن رؤوس الساسة المتسكعين , الذين كانوا يظنون أن المواطن السوداني (زول) مسكين وساذج و (الغنماية تاكل عشاه) , و يمكن ارضاؤه بخطبة حماسية تعقبها (ربة كاربة) يرقص على إثر إيقاعها الزعيم , فمواطن ما بعد أبريل هذا لا تنطلي عليه حيل متبطلي السياسة ولا تروج عنده بضائعهم الكاسدة , فهو المواطن الرقيب و الحسيب و المساهر من أجل حراسة مكاسبه و حقوقه , ومن لا يقوى على خدمته من موظفي الجمهورية الجديدة القادمة , فإنّ هذا المواطن لن يتوانى في التعرض لهذا الخادم الحكومي , ومواجهته بتقصيره وقصوره في اداء واجبه الخدمي.
وأخيراً , على حكومة الكفاءات المستقلة التي روج لها ووعد بها الطرفان , (العسكري) و(الحرية و التغيير), أن تنظر إلى مشاكل البلاد من خارج الصندوق , وأن تولي اعتبار للتقسيم الجغرافي متعدد المناخات الذي يتميز به السودان , وأن تعمل جاهدة وجادة لافراغ المدن الثلاث المركزية من الاكتظاظ الذي أدى لهذا الانفجار السكاني المميت , وذلك بجعل عواصم الأقاليم الستة الرئيسية ملبية لجميع الخدمات التي اطّرت ثلث سكان السودان لأن ينزحوا داخلياً و يقطنوا في هذه المساحة الجغرافية الصغيرة الممتدة من (مايو) حتى (الجيلي).

إسماعيل عبد الله
[email protected]