السودان.. لا تبكوا على اللبن المسكوب بقلم د. ياسر محجوب الحسين

السودان.. لا تبكوا على اللبن المسكوب بقلم د. ياسر محجوب الحسين


06-01-2019, 06:38 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1559367497&rn=0


Post: #1
Title: السودان.. لا تبكوا على اللبن المسكوب بقلم د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 06-01-2019, 06:38 AM

06:38 AM June, 01 2019

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة




تتحمل الحركة الإسلامية في السودان اخفاقات تجربة حكم ناهزت 30 عاما، وهي فترة كافية لاحداث التغيير الذي بشّرت به أدبياتها السياسية، بيد ذلك التغيير لم يحدث فأطاحت بها ثورة شعبية في 11 ابريل الماضي. وهي كانت الأطول حكما بين قوى ما يعرف بالإسلام السياسي، والتي طرحت برنامجها كبديل باعتبار الإسلام نظام حكم سياسي صالح لكل زمان ومكان، ونموذجا قادر علي مواجهة التحديات الحضارية الماثلة.
وهذه الفترة الطويلة لم تُتح لأي تنظيم أو حزب سياسي حكم السودان بُعيد استقلاله عن بريطانيا في يناير 1956. وشهدت البلاد في هذه الفترة انفصال الجنوب، وتفشي القبلية والعصبية الجهوية، وتدهورا اقتصاديا مريعا، فضلا عن عزلة دولية تطاول أمدها.
ولعل هذه الفترة الطويلة من الحكم كانت كافية للمراجعة ومعالجة الإخفاقات والقصور قبل حدوث تلكم الصيحة فهل للحركة لها من فواق أم أنها مردودة في الحافرة؟. الواقع لا يجدي فيه البكاء على اللبن المسكوب شيئا، فهناك قطاع مقدر من المنتقدين للتجربة ومنهم أعضاء وقيادات في الحركة نفسها، يرون أن مشروع حكم الحركة في السودان قد انتهي إلي دكتاتورية قمعية، ودولة شبه فاشلة.
ولربما من أكثر الانتقادات التي توجه لها أنها هيمنت على الحكم عبر انقلاب عسكري أطاح بنظام حكم ديمقراطي تعددي، كانت الحركة الإسلامية تمثل فيه دور المعارضة الفاعلة الرئيسة. ولم يشفع لها أن انقلابها في 1989 جاء كرد فقل لانقلاب كان قد حدث بالفعل أجبر رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي على إخراج الحركة من حكومته عبر ما عُرف بمذكرة الجيش التي كان من وارءها اليسار.
وتقول بعض النخب الإسلامية المغاضبة والتي اعتزلت المشاركة في الحكم، أن حكم الحركة الإسلامية تم اختطافه من قبل الرئيس السابق عمر البشير معه قلة قليلة من السياسيين والعسكريين أصحاب المصلحة الشخصية. إلا أن الإشكال ليس في استئثار البشير بالحكم لاحقا وطرد القيادات الإسلامية الفاعلة؛ بل الإشكال في طريقة الوصول للحكم من حيث المبدأ، ثم الفشل الذريع في صياغة برنامج حكم واقعي مرتبط فكريا بشعار "الإسلام هو الحل".
وكان الفساد الذي ضرب بحذوره في بنية الدولة هو ما قصم ظهر النظام. وللفساد أشكالا وضروبا كثيرة، بيد أن أخطر ضروبه الفساد السياسي الذي يفتح أبواب الفساد الأخرى على مصاريعها. فهو مثل قطع الدومينو، تتداعى خلفه كل ضروب الفساد. وجانبا من الفساد السياسي اعترف به أيضا النائب الأول الأسبق للرئيس الجمهورية عندما أقر بأن جزءاً من - بل غالب - عائدات الدولة ذهبت في ما وصفه بالبذخ السياسي، في إشارة إلى التوسع غير الرشيد في الحكم الذاتي وانشاء الوظائف لأغراض الترضيات السياسية.
إن عدم الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في النظام السياسي وطغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية هو ما أدي إلى الإخلال بمبدأ الرقابة المتبادلة، كما أن ضعف الجهاز القضائي وغياب استقلاليته كان سبباً مشجعاً على الفساد. ومن جهة أخرى كانت التعديلات الدستورية الرغائبية المتواترة تجعل من الرئيس عمر البشير مركز القرار الوحيد وتكريس السُلطات في يده بصورة مطلقة.
ولم يكن الاستفراد بالسلطة وبالا على المجتمع فحسب، بل انعكست هذه العقلية الإقصائية على البناء التنظيمي للحركة تفسها؛ فتعثرت فكرة تبادل السلطة داخلها فنضب معين الأفكار المتجددة وشاخت معالجاتها للتحديات العصرية المتزايدة. ومن لم يستطع بسط الحرية والشورى وتبادل السلطة في داخل التنظيم فلن يتسنى له تطبيق ذلك بالضرورة في المجتمع العريض.
والدولة بالطبع وسيلة لإدارة منظومة مؤسسات سياسية وعسكرية واقتصادية خدمة للمجتمع؛ فغدت الدولة غاية أخذتها الحركة الإسلامية بحد السيف، ثم من بعد ذلك تقاتل قادتها عليها يذيغ بعضهم بأس بعض دون هوادة. بل الأدهى وأمر أن كل الحركة نفسها أصبحت تابعة للدولة.
الواقع المر نشوء فجوة كبيرة بين المجتمع من جانب، وبين الدولة والحركة من جانب آخر، وغدت الجماهير التواقة للنهضة تفترش هوامش الحياة عوضا عن مشاركتها بصورة حقيقية في صناعة واقع جديد. بل أصبحت الحركة قبيلة لكيان نخبوي مشغول بصراعاته أكثر من انشغاله بقضايا المجتمع.