شيء من الحزن.. دعوني أبكي بقلم د. ياسر محجوب الحسين

شيء من الحزن.. دعوني أبكي بقلم د. ياسر محجوب الحسين


04-06-2019, 00:21 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1554506508&rn=0


Post: #1
Title: شيء من الحزن.. دعوني أبكي بقلم د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 04-06-2019, 00:21 AM

00:21 AM April, 05 2019

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة




يقولون إن الحزن سواد يرخي سدوله على القلب، كما يغشى الليل الدنيا كل مساء، وهو أن يتوقف قلبك عن النبض عندما تحتاج إلى تلك الدقات القلائل لتتمكن من مقاومة انحدار الدموع.. إنها لحظة عين تنساب خلفها دمعة حرى.

والحزن يحكم قبضته حين تجثم الخيبة على حطام الأحلام وتقف الحجارة في طريقك لتتعثر وتهبُّ الريح مزمجرة لتملأ عينيك ترابا.. بل حتى أزيز باب قلبك الملتاع يرعبك. كل شخص لديه قصة حزن بداخله لكن بداخلي رواية حزن صاخبة.. هو حزن أقوى من الحزن الصامت والحزن الصامت يهمس في القلب حتى يحطمه.

كثيرا ما يخيل إليك ألا سبيل لالتئام الجراحات العميقة التي وقرت في سويداء القلب العليل.. أحيانا الحزن الغائر يهزم محاولات اصطناع الابتسامة. بعضنا يتمنى لو يظل يبكي ويبكي حزنا على نفسه حتى لو عيروه بأن حيلته البكاء والنواح.. من داخل أعماقه يهاتف هاتف دعوني أبكي فضلا.

‏هناك في ظلام الحزن البهيم يُفتقدُ البدر، والبدر بدر رغم بقعه الداكنة وتضاريسه القاسية.. فلا تبحث أيها الملتاع عن الكمال فتلك معركة خاسرة خاسرة.. كلنا عيوب، ظاهرة ومستترة. ‏البدر في دورته يولد هلالا لا يكاد يبين ثم يبلغ زينته بعد حين تحمله أجنحة حسن الظن في الناس ثم يترجل هاربا تحت وطأة سهام الحسد ودانات النفاق فيختفي تماما وراء خيبات أمل عظيمة.

الحزن عند البعض شرّ في ظاهره لكنه خير في باطنه ولعلهم محقون حيث تغوص أقدامهم في بحر الواقعية غوصا. فالحزن مدرسة تعلم الإنسان كيف يكون مخلصا صادقا في التعبير عن نفسك، بدموع جارية. فقد ينقلك الحزن من الحيز المادي المعقد إلى عالم روحاني خاص تتجسد فيه خصوصيتك، هناك تحلق بين ألوان لم تكن لتراها ولا يراها غيرك. إن الحزن يعلمنا كيف نتعايش مع آلامنا وواقعنا، ونقاوم صدماتنا ومصائبنا دون أن نتضجر منها، ودون أن نستسلم للضعف. فقد يصنع الحزن ويولد طاقة نووية جبارة تعينك على الانطلاق من جديد.

الفيلسوف الفرنسي فيكتور هوغو صاحب الروايات العالمية التي لا تموت، وكاتب (البؤساء) و(أحدب نوتردام)، نقرأ بين سطور رواياته التي جسدت الحزن، عمق الحزن الذي يشعر به الشخص فهو يعتبر الحزن كالغيم يُغيّر شكله. وان الأرواح القويّة، تعزل في بعض الأوقات تحت ضربات البؤس. ولليأس درجاته الصاعدة. فمن الانهاك يصعد المرء إلى الانهيار، ومن الانهيار إلى الحزن العميق، ومن الحزن العميق إلى السّهوم أي الغسَق حيث يذوب الألم في فرحة قاتمة.

والمدهش أن فلسفة الفرح والابتهاج والسعادة ليست فلسفة قائمة على الغني والمال الوفير وإلا لبقي معظم أهل الأرض تعساء لا تغشاهم غيمة السعادة حتى لو كانت برهة أو سويعات مثلها مثل سحابة الصيف التي يضرب بها المثل في قصر مدتها. إن حياة الانسان منذ الأزل أكواخ وقصور وسفوح وقمم وتخمة وفقر.. البعض يغرق في مياه الغيث والبعض الآخر يشتهي شربة ماء وتقرقر أمعاؤه جدباً وسغباً..

إن فلسفة السعادة الحقة تكون بمعية ربانية.. بين الإنسان وربه إحساس بالراحة والطمأنينة والأنس بالله ومع الله والرضا بقضاء الله وقدره والصبر على السراء والضراء وحب الخير للناس بتمني السعادة لهم كما نتمناها لأنفسنا.. وأكثر من ذلك فان فلسفة السعادة لا تقوم على سعادة الفرد فحسب، ولكن تقوم على سعادة الآخرين.. لنذكر دائماً أنه من أراد أن يقطف العسل لا يجب عليه أن يحطم خلية النحل.. قالها الرسول صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".