هل الثورة السودانية مصدر إيحاء للمملكة المتحدة؟ بقلم سعيد محمد عدنان

هل الثورة السودانية مصدر إيحاء للمملكة المتحدة؟ بقلم سعيد محمد عدنان


04-05-2019, 05:56 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1554483391&rn=0


Post: #1
Title: هل الثورة السودانية مصدر إيحاء للمملكة المتحدة؟ بقلم سعيد محمد عدنان
Author: سعيد محمد عدنان
Date: 04-05-2019, 05:56 PM

05:56 PM April, 05 2019

سودانيز اون لاين
سعيد محمد عدنان-UK
مكتبتى
رابط مختصر




– لندن – المملكة المتحدة

يبدو في المعترك الذي ترزح فيه بريطانيا الآن في أعنف أزمة دستورية في تأريخها، وأكبر هزة لأعظم إنجازٍ لها في ميلاد الديمقراطية في ضاحية "رني ميد"، حيث تم توقيع ال"ما قنا كارتر" (الوثيقة الكبرى) بين الملك جون عن التاج البريطاني وبين الإيرلات (النبلاء) عن الشعب البريطاني بأن يحكم الشعب نفسه بنفسه، وكان ميلاد الديمقراطية في العالم
يبدو في ذلك المعترك، رغم نمو وتطور الديمقراطية في بريطانيا ونضوجها عبر القرون في كل منعطفٍ وكل "دُحديرة"، أن مفاجآت عدم نضوجها تفاجئهم بدون تحسب ولا حتى تصوّر منظور، أنه ليست كل عماد الديمقراطية مكتملة، وينقصها على الأقل عمادٌ واحد لم يعقله أحدٌ منهم ولكنهم يحسونه إحساساً كاد يودي بالوحدة للملكة المتحدة.
دخلت بريطانيا عام 1975 في السوق الأوروبية المشتركة كوحدة اقتصادية سياسية اجتماعية، ونسقت أحكامها القانونية مع أحكام بقية الدول الأوروبية تحت تشريع الإتحاد الأوروبي الذي يحدد مدي الخصوصية التي تطالب أي دولة تكفيلها لها للحفاظ على سيادتها أو مدى التزامها بقوانين المحكمة الأوروبية الكبرى. وبريطانيا دولة محافظة متمسكة بالتراث حتى أنها تسمى بالدولة العجوز، حتى أنها تمسكت بمبانيها العتيقة حتى هاجمها الإتحاد الأوروبي فيها بأن بريطانيا أصبحت دولة خرابات، وذلك في السبعينات، وحينما أيضاً انتقدت بالتمسك بالكمالية (بيرفكشنزم) في التصنيع في لجنة كوك الأمريكية التي وقفت على نصح بريطانيا في الإصلاح حتى تستحق قروض من البنك الدولي وذلك عام 1976، وبدأت بريطانيا بالتحسن في حصر المباني التأريخية وتحديث بقية المباني والمباني الجديدة، وهجرت كمالية التصنيع ودخلت الاتحاد الأوروبي الذي فتحها على العالم الخارجي.
ولكن لا زال في التراث المجتمعي المذهبي التعصب العنصري، ولم ينتبه البريطانيون إلى أن ذلك سمٌ على غذاء الديمقراطية، فالديمقراطية حديثة استطاعوا في حياتها الوصول لتفهم حل النزاع ونشر المعلومة وكل مفاصل الديمقراطية المتعددة.
والأن برز جانب جديد لم يكن في الحسبان، من دولٍ أخرى كجمرات خبيئة في خاصرتها لم تكن لتدل على أثرٍ بليغ، بل وسام، في بناء الديمقراطية والحفاظ عليها خلاف أنها نوع من التعصب العنصري والذي بلغ ذراه في عهد النازية وتسبب في الحرب العالمية الثانية بسبب الفصل العنصري واضطهاد اليهود مما حرك الضمير العالمي لإقامة الأمم المتحدة وتأطير حقوق الإنسان ومحكمة نورمبرج والتي تطورت مع محكمة طوكيو إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتأمين الحريات، ولكن شعار "الطيور على أشكالها تقع" صار مقبولاً لتبرير النفور العنصري ليس إلا، حتى قوِيَ في تلك الدول ليكون سخطاً اجتماعياً وفيروس هلاك في وحدة الأمة. إلا أن تلك الدول، وأغلبها لا تمارس الديمقراطية كدول شرق أوروبا قبل انفصالها من الإتحاد السوفيتي، والدول العربية والآسيوية والإفريقية، لم تظهر فيها معالمها لعدم وجود المضيف، الديمقراطية. أما أمريكا فكانت وقتها في العزلة الأطلسية الاختيارية، ولا زالت ثقافة الرق فيها زمناً طويلاً حتى بعد نبذه، ولم تلتزم أمريكا طريق محاربته بجدية بعد الحرب الأهلية المنتهية في 1868، إلا بعدما رفعت عزلتها بالمحيط العظيم من العالم في بدايات القرن العشرين.
وبدأت مستجدات بريطانيا بالتعامل مع تأثير عنصرية اليمين المتطرف من دول شرق أوروبا بعد دخولها السوق الأوروبية المشتركة، والتعامل الوثيق مع أمريكا، فدخلت في المجتمع الإنجليزي المغلق ثقافة العنصرية اليمينية بعيداً عن عقلية الرق المحظورة، ففردت أرضية مجتمعية جديدة بنى عليها المجتمع المحافظ سياسته التي توطّن التفريق العنصري كحركة يمينية غير محظورة، وكوّنت المشروع السياسي ل حزب المحافظين الذي جمع انصار ذلك المشروع العرقي (القومي) وأنصار البرجوازية والطبقية. وحمى وطيس اليمين التطرفي ببروز قيادية دونالد ترامب في أمريكا لفلسفة وتأطير اليمين التطرفي، فبث روحاً في الحركات اليمينية شبه الميتة في العالم، بما فيها بريطانيا.
ولكن بريطانيا، وليست ككل الدول هي أم الديمقراطية في العالم، واحتضانها لليمين المتطرف يهز أوصالها لفقدانه الحرية والعقلانية اللازمة للحوار بتقبل الراي والرأي الاخر، فهز عرش حزب المحافظين القوي في مقتل لم يكن في حسبانه وقد أستقلته بذلك كتلة يوكيب – "حزب الاستقلال"، المبنية على مبدأ القومية والتي تهددت المحافظين بنزع عضوية شريحة القوميين منه والتي قد تقضي عليه. في ذلك عكف المحافظون ينافسون حزب الاستقلال في تبني أجندة الانفصال من الاتحاد الأوروبي وبادروا بعمل استفتاء تتهم فيه روسيا في التلاعب ب الاستفتاء فيه والذي اتى بنتيجة متقاربة 52% مؤيدين الانفصال و48% يؤيدون الاستمرار.
وعند محاولة التنفيذ تم الاصطدام بمشكلة ايرلندا الشمالية، فهي تتبع للمملكة المتحدة، وتصارع للانفصال للاتحاد مع أيرلندا الحرة، وقد عاشت صراعاً داخلياً بين من ينادي باتحادها مع إيرلندا الحرة ومن ينادي ببقائها في المملكة المتحدة، وبدخول بريطانيا الاتحاد الأوروبي حلت مشكلتها بكونها في الاتحاد الأوروبي وفي المملكة المتحدة. وبدأ البرلمان في مداولات لتعديل قرار الاستفتاء لمنع الانسحاب من أوروبا قبل معالجة سلامة المملكة المتحدة، الأمر الذي لم يضع له المتآمرون بالخروج من النظام الأوروبي حساباً، وأثيرت ضجة كبرى وتظاهرة ضخمة من المتبنين للنظام اليميني بمحاولة فرض الأمر الواقع على البرلمان الذي تكون أساساً خارج إطار المؤامرة في الاستفتاء حول الاتحاد الأوروبي، والذي كان أغلبه ضد الانفصال. وتأزمت الديمقراطية، وعلا النباح بالتشهير بأعداء الديمقراطية الذين تنكروا لنتيجة الاستفتاء و"تآمروا" على فرض العكس وهو الاستمرار. ودخل القانونيون والمشرعون في زوبعة وأزمة حاقة فلا يجوز أن يدّعوا أن الاستفتاء قام على "جهل" البريطانيين بما استفتوا فيه وعقباته، مما يجعلهم يشهدون بأن ثمانمائة عام من ممارسة الديمقراطية لم تجعل الشعب أهلاً للمقدرة على ممارستها.

أثر الحراك الثوري في السودان:
إلا أن التفسير الصحيح هو أنه في طرح الاستفتاء غاب على "القانونيين" القائمين عليه بعمل تأمين على دستورية الإتحاد البريطاني والذي هو نص دستوري خارج نظام الدستور البريطاني غير المكتوب والمتمثل في القانون العام.
وأصبح الأمر كالاتي: قبل الاستفتاء يجب عمل توجيه بأنك "لا يمكن أن تحتفظ بالكعكة وبأكلها"، فإما تحافظ على وحدة المملكة أو عدم الخروج من الاتحاد الأوروبي
وفي هذا المضمار التجربة الوحيدة العالمية في ذلك، وصادف أنها تحدث حاضرةً في الأزمة الدستورية المعاشة الآن في بريطانيا، هي الحراك الثوري في السودان، الوحيد من نوعه في العالم، حيث احتل الشعب السوداني بكامله الشارع، ولمدة مائة يوم وتزيد، في حراكٍ لا تحركه جهة أجنبية ولا تموله سلطة في الخفاء، لا ينادي بالطعام وضيق ذات اليد، ولا يلتجئ إلى التخريب، ولا يلتجئ إلى السلاح ولا لمساعدة الجيش ولا حركات الشعب المسلحة ضد النظام، ولا نداء الدول الصديقة للتدخل ولا معاداة الدول التي يتهم بمشاركتها الجريمة في السودان، ولا بالتمحور السياسي ولا الإقليمي ولا العرقي ولا الديني، بل وفيه أمثلةٌ حية وموثقة بالثقافة والتفتح العقلي المبين للخيار النزيه من كل فردٍ فيه، ويوحده هدفٌ واحد فقط: التحرر من الوصاية الدينية والعرقية والمحورية ، شعار أذهل العالم في عبقرية وعقلانية شعب كامل – ليس فيه، وبالتوثيق، من يناجي الكرسي والسلطة – كان الفضل فيه حبسه لمدة ثلاثة قرون بنظام يتسم بنفس تلك الصفات التي رفضها، والذي كان له الفضل في تركيز ضميرهم وعقلهم الداخلي في دراسة عيب الأرضية في مجتمع الطغمة الحاكمة، والتي لا يمكن بناء فلسفة عليها لا تعتدي على أو تعيق قيام وحدة وطنية وتعددية عرقية ثقافية دينية غنية، مبنية على الحرية والأمانة، مثالاً ناصعاً لأنقى حرية لا مثيل لها في العالم.
وتطابق ذلك الحراك الأسطوري، مع القضية الدستورية في مفارقة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي "متحدةً"، طابق ذلك أيضاً الحملة اليمينية في بريطانيا التي حيرت الشرطة والمجتمع في ظهور وتطوّر فجائي مطّرد لعمليات الطعن بالخنجر لا لغرض مالي أو حقد خلافي أو تنافسي، ولا تفسير له إلا نمطية مجزرة المسلمين في جوامع نيوزيلندا. ضف إلى ذلك الإهانة والتحرش باللاعبين الأفارقة وتمثيلهم بالقرود، بصورة فجائية أيضاً ومطردة، وتهديد النواب البرلمانيين الذين عارضوا الخروج من السوق الأوروبية بالقتل، مما حدا بالحكومة البريطانية بنشر قوات هائلة من الشرطة، وإنزال الجيش لحماية المباني والمنشآت. وفي المملكة المتحدة، كما وفي الدول الأوروبية وفي أمريكا، وعلى مسمع العالم أجمع، انعقد لسان الصحافة وفلاسفة التشريع إلا بالقبول بالظاهرة السودانية والتي قطعاً هي من محركات دواليب الضمير البريطاني حول الحرية وقولة "لا يمكن أن تحتفظ بالكعكة وبأكلها"، بوجوب مراجعة الاستفتاء من جديد، على أن يعي الدستور البريطاني ذلك الدرس المفيد، وسنسمع قريباً بعد نجاح ثورتنا هذه بكل شيء بحروفٍ مكتوبة