أبريل شهر الرحيل ,, بقلم إسماعيل عبد الله

أبريل شهر الرحيل ,, بقلم إسماعيل عبد الله


04-04-2019, 03:58 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1554389935&rn=0


Post: #1
Title: أبريل شهر الرحيل ,, بقلم إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 04-04-2019, 03:58 PM

03:58 PM April, 04 2019

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-الامارات
مكتبتى
رابط مختصر




ألتيمن و التبرك و التفاؤل بمواقيت المناسبات واللحظات التاريخية العظيمة , شيمة من شيم الشعوب الغنية بموروثها العريق في التاريخ والثقافة والحضارة , وانتفاضة السادس من ابريل من العام خمسة وثمانون وتسعمائة والف , لهي واحدة من المحطات والملاحم الوطنية التي أبدع في إخراجها الشعب السوداني الحر والأبي , فاخرجت هذا المارد من مخبئه ليعصف بأقوى الدكتاتوريات العسكرية التي حكمت البلاد , وها هي ذات الشعوب السودانية الحرة تجتر العظيم من مواقفها التاريخية لتلهم وتحفز بها اجيال الحاضر , فهل يعيد التاريخ نفسه و يقول أبريل كلمته الفاصلة مرة أخرى , ويفعلها كما فعلها في ثمانينيات القرن الماضي , فيحسم مسيرة هذا الحكم الكهنوتي المتجبر الذي طال أمده؟.
إنّ الإرث الوطني الماثل في قنوات المعرفة والمهمل داخل أضابير المكتبات , ومحفزات الفعل الثوري التي يحتويها موروث الفلكلور الشعبي , من مخزون مادي و معنوي متراكم للكفاح الثوري للشعوب السودانية , يمثل القاعدة الخرسانية الصلبة لمنصة انطلاق صاروخ التحرر و الانعتاق , فهذا الرصيد النضالي الكبير الذي يتمتع به السودانيون دون غيرهم من شعوب الاقليم , يقوم مقام قوة الدفع الجبارة لتغيير موازين القوى بين سلطة الشعب و سلطة الحكم الباطشة , فكلما كمم الدكتاتور الأفواه و حجب الرؤية كلما استدعت هذه الشعوب الملهمة طرائق ووسائل المقاومة , من مخزونها الاستراتيجي التاريخي الحافل بمنجزات النصر وهزائم جبروت الجبابرة , سواء كان هذا الجبروت ممثلاً في ظلم ذوي القربى , أو بطش غزوات المستعمرين الأجانب من ترك و إنجليز وغيرهم.
ما أشبه الليلة بالبارحة ! , نفس الارهاصات التي صاحبت الزيارة الاستشفائية لجعفر نميري إلى الولايات المتحدة الأمريكية , ذات الغلاء المعيشي و الضجر و الاحساس بالقهر و الاستياء الذي ألم بحال المواطن آنذاك , يحدث الآن , فالتبجح و الإفلاس في القول والعمل الذي يصدر من قبل رموز السلطة اليوم , بسبب الاسئلة و الاستفهامات المشروعة التي يوجهها المواطنون لأهل الحل و العقد , كان قد حدث من قبل , وبانت ذات الظواهر المشابهة له قبل اندلاع انتفاضة ابريل المجيدة , إلا أن النميري و برغم مساوئه كان عفيف اليد و اللسان ولم تصل مسامع الناس ملفوظات , من شاكلة تلك التي وردت على لسان راعي الألوان وصحبه من القطط السمان , فبعد ممات النميري لم يجد الورثة قصراً منيفاً ليرثوه ولا مالاً ليكتنزوه , فإن كانت هنالك مآخذ عليه , فهي متعلقة بالتجبر و التنمر و اسكات صوت الحرية , السلوك الذي كان معتاداً على ممارسته , والمسلك الذي لا ينسجم مع الفطرة السليمة لهذه الشعوب , فمقدرة السودانيين على تحمل الأذى و الصبر حيال ذلك لا تحدها حدود , تماماً مثلما تعرض لهذه الخصيصة بالشرح و التفسير الأديب الطيب صالح في إحدى كتاباته , فسعيد الحظ من هؤلاء الحكام الجبابرة , هو من أسعفه طالعه وسانده الزمن في الخروج الآمن من قبضة الثوار , حتى لا تلحق به وتحاصره جموع المقهورين الصابرين.
وموكب السادس من أبريل سيكون له ما بعده , إما أن يخلق نقلة نوعية و كمية بعدها توضع الأحرف الأولى لزوال الطغمة , ويتحقق القول :(يا نار كوني بردا وسلاماً على حشود المتظاهرين و المواطنين المساكين) , أو صداماً عنيفاً يفجر الأرض تحت اقدام الجبابرة فيصرعون , على وحي أبيات قصيدة (الشهيد) للشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود , (سأحمل روحي على راحتي .. وألقي بها في مهاوي الردى , فإما حياة تسر الصديق .. وإما ممات يغيظ العدى) , ليتحول شعار الثورة الشعبية السلمية بدلاً عن (سلمية سليمة) , ليكون مطابقاً لمعنى ومنطوق الآية الكريمة : (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) , وحينها سوف تدخل إلى حلبة الصراع أدوات جديدة ووسائل عنيفة , جاهد المواطنون أنفسهم شهوراً حتى لا يطّروا للأخذ بها , ولكن لكل حادثة حديث.
لم تبارح مخيلتي تغريدة الناشط الخليجي (سليمان قنودة) , الذي وصف عبرها الحراك الشعبي السوداني فاوجز ثم أجاد الوصف , حينما قال ما معناه (أن الثورة الشعبية السودانية ليست كسابقاتها من الانتفاضات التي اجتاحت الاقليم , حيث امتاز مشعلوها بالتروي و التريث , والعمل على إنضاجها على جمر أكثر النيران هدوءًا) , فالثورة جنين يولد من رحم الشعب المكابد لشظف العيش , وفي حقيقة الأمر أن المحصلة الثورية في مرحلة ما بعد التاسع عشر من ديسمبر , بدأ العمل والتجهيز لها منذ فجر الثلاثين من يونيو , ذلك الفجر النحس , في العام الف و تسعمائة و تسعة و ثمانون , فتراصت مداميك بنيانها حتى ناطح عنان السماء في ابريل الحالي.
الزحف المقدس لحراك ديسمبر الشعبي المعقود عليه العزم في السادس من ابريل القادم , لابد أن يضع النظام في محك نوعي مع الارادة الشعبية التي أجبرت القدر على أن يستجيب لها عندما قالت لا , تلك الارادة التي لا يمكن أن تقهر بالقوانين الطارئة , ولا بدقيق الخبز المشكوك في أمره , فالمجد للآلاف من الكادحين الذين سوف يهدرون في شوارع مدن السودان المتفضة في الموعد المحدد , والذين سيدق زحفهم كل قلاع الكبت و الظلم الذي طال و استطال , والمجد أولاً وأخيراً لآلآف الشهداء الشرفاء الذين سعوا بكل صدق لموتهم الكريم.

إسماعيل عبد الله
[email protected]