عبد الواحد..النظام .. الاحتجاجات...ماحدث.. بقلم د.أمل الكردفاني

عبد الواحد..النظام .. الاحتجاجات...ماحدث.. بقلم د.أمل الكردفاني


03-13-2019, 06:00 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1552496420&rn=0


Post: #1
Title: عبد الواحد..النظام .. الاحتجاجات...ماحدث.. بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 03-13-2019, 06:00 PM

06:00 PM March, 13 2019

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




أصدر القائد عبد الواحد النور بيانا في بدايات الاحتجاجات الجماهيرية مساندا للثورة. ومناديا برؤية قومية في نسق خطابي جيد. غير أنني سأتناول (ليس الخطاب بذاته) بل مجرد آرائي الشخصية جدا حول الواقع الذي انخلق فيه خطاب عبد الواحد والواقع الذي تشكل بعد خطابه.
خطابات الحركات المسلحة (أقصد بالخطاب هنا النسق والسهم الدلالي للبيانات)..كانت هذه الخطابات سيئة جدا في بدايات العمل المسلح في دارفور منذ عام 2003م حينما أصدر عبد الواحدنفسه أول بيان (سياسي عسكري) كتبه بخط يده وانتشر في نطاق ضيق حيث إثنيات معينة فقط هي التي يمكن أن تهتم به. في عام 2005 وبعد اتفاقية السلام تداعت الأوضاع في دارفور على نحو غير مسبوق وحدثت انقسامات فتيلية متعددة لعشرات الحركات المسلحة والتي كان خطابها أيضا منحصرا جهويا واثنيا. ثم تطور الوضع منذ ذلك الزمن وحتى اليوم ؛ وربما نستطيع أن نؤكد التقدم المذهل في خطابات حركة عبد الواحد وخطابه هو نفسه من خلال اللقاءات الصحفية في وسائل الاعلام الدولية وهذا يعني أن عبد الواحد استطاع الاستفادة من عامل الزمن لاكتساب مهارات قيادية جديدة وحولته من كونه محض قائد عسكري لقائد يجمع بين العسكرية والسياسة في آن واحد ، ومن قائد ذو نزعة جهوية إلى قائد ذو طموحات قومية... بحيث يدبج بيانات تتعاضد مع الاحتجاجات في الشمال النيلي كنوع من الاستقطاب الجماهيري. في آخر لقاء في احدى القنوات لمست اجماعا بأن عبد الواحد استطاع أن يتفوق على مناظره في حزب المؤتمر الوطني ، كما لمست قابلية لتأييده من الكثيرين عقب ذلك الخطاب. مع ذلك فهذا كله لا يعول عليه كثيرا ؛ لأن للجماهير سيكولوجيتها القلقة وغير الثابتة والأكثر تأثرا بعاطفة اللحظة ثم العودة إلى الثوابت الثقافية المتوارثة. بيان عبد الواحد المباشر والداعم للثورة لم يؤد حقيقة لنتيجة إيجابية داعمة للثورة رغم أن الكثير من الناس تفاءلوا بتعزيز الحراك الجماهيري عبره. وربما كان سبب ذلك هو سرعة رد فعل أجهزة الأمن التي حاولت الاستفادة من ذلك البيان لقمع الجماهير المحتجة من خلال الزعم بأنهم أتباع عبد الواحد. كان ذلك رد فعل سريع ولذلك الغرض فحسب لكنه أنتج نتائج صبت في صالح النظام عن غير قصد. ففي أول أيام الاحتجاجات تم اعلان اعتقال مجموعات تابعة لعبد الواحد داخل التظاهرات. وسواء كان ذلك حقيقة أم مجرد فبركة لكنه احتجز الحركة الجماهيرية في مجموعات الشمال النيلي على وجه الخصوص وامتنعت اثنيات أخرى تماما عن المشاركة ؛ من خلال استطلاعي للشارع ومقابلات عفوية غير مقصودة تبين لي أن غالبية الاثنيات من الفور والنوبة على وجه التحديد امتنعوا تماما عن المشاركة في التظاهرات إلا داخل كتلهم الصغيرة كطلاب دارفور مثلا. أما المظاهرات الأخرى فغالبيتها من الشمال النيلي.. وأعزو ذلك لعدة أسباب:
أولا: حماية الاحتجاجات بابعاد أي مبررات لقمعها.
ثانيا: وجود حالة اتصال وانفصال بين تلك الاثنيات وبين الثقافة المستأسدة في العاصمة وباقي الولايات من النيل الأبيض وحتى أقصى الشمال.
ثالثا: الاحتجاجات الجماهيرية السلمية تبدو نوعا من الرفاهية أمام ما تواجهه تلك الاثنيات من قمع دموي جدا في مناطقها. فمثلا الدعوة إلى لبس فتيات الأحفاد للثوب الأبيض ستكون مثيرة جدا لسخرية من كانت الرصاصات تجندل عائلته بأكملها امام بصره أو كانت صواريخ الانتنوف تفرم وتشوي قبيلته بأسرها.
رابعا: الاعتقاد بأن التهميش ليس تهميشا سياسيا فقط بل هو تهميش اجتماعي فهو اولا من خلق تلك التجمعات الاثنية والجهوية في الحقيقة . فطلاب دارفور مثلا لديهم تجمعهم. محامو دارفور ...الخ. ومن ناحية ثانية فهذا التهميش هو من خلق اعتقادا باستقلال قضاياهم عن قضايا الآخرين. وأن رد فعل الجماهير الصاخب تجاه مقتل شخص او شخصين في التظاهرات والذي لا يتناسب مع مقتل عشرات الآلاف هناك يؤكد ذلك الانفصال العاطفي ويلزم كل كتلة بقضيتها الخاصة دون الاكتراث بحل قومي شامل.
خطاب عبد الواحد خطاب ترقى عبر الوقت ولظروف عديدة نتجت عن خبرة طويلة في إدارة صراعه مع النظام. لكن الواقع على الأرض مختلف تماما. فعبد الواحد اختلط بالعالم الأول وليس مستبعدا أن يكون قد تلقى تدريبا عاليا ليتم تجهيزه كقائد سياسي مستقبلي ولكن هذا وإن كان جيدا على المستوى الشخصي لكن ليس على مستوى قيادة لقاعدة تأسس نضالها على نظرية التهميش الإثني... هذا ربما سيجعل خطاب عبد الواحد كخطاب ماري انطوانيت للثوار الفرنسيين...فلنلاحظ مثلا أن عبد العزيز الحلو لا زال متمسكا بكرت الجهوية حتى اليوم رغم أنه أكثر خبرة سياسية من عبد الواحد ؛ وربما تكون خبرة الحلو قد بانت واتضحت في تشبثه بكرت مهم وجوهري جدا (داخل خصوصية الخطاب المتأسس على الصراع بين المركز والهامش للضغط على الحكومة) فهو خطاب سيظل منتجا باستمرار لأنه أكثر تركيزا من الخطابات القومية شديدة الاتساع و التي تشتت ذهن الأفراد والكتل ذات الخصوصية الثقافية).
في بدايات الاحتجاجات اجترح المحتجون شعارا ازدادت شهرته وهو (كل الوطن دارفور). مع ذلك فهذه الشهرة ظلت تطفوا على السطح الذي نتجت عنه ولم تستطع الغوص متغلغلة إلى العمق. ربما -وكما أسلفت- كانت محاولة النظام لاستخدام حركة عبد الواحد سببا في انبثاق تلك الأسوار النفسية العالية التي فصلت بين القضايا بحيث أصبح الخطاب القومي نفسه مجرد صدى لاغتراب جهوي بدلا عن أن يحمل أية براهين على مصداقيته.