البَشِيرُ ومَغبَّة الخُروج عن المَافيا - بقلم/ علي تولي

البَشِيرُ ومَغبَّة الخُروج عن المَافيا - بقلم/ علي تولي


01-28-2019, 06:13 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1548652425&rn=0


Post: #1
Title: البَشِيرُ ومَغبَّة الخُروج عن المَافيا - بقلم/ علي تولي
Author: علي تولي
Date: 01-28-2019, 06:13 AM

05:13 AM January, 27 2019

سودانيز اون لاين
علي تولي-USA
مكتبتى
رابط مختصر



إنَّ ما يُدعَى بنظامِ الإخوان المسلمين في السودان لم يَكُنْ سِوَى مافيا تحكَّمَتْ في كلِّ شؤون السودان طِيلة العقود الثلاثة، حيث لم تكن وليدة صدفة بل هي ترَاكُمات من وعيها بطبيعة واقِعها الإجرامي، حيث إنَّها مافيا توفِّر لنفسِها الحمايةَ القانونيَّةَ لأفعالها غير القانونيَّة، وهي أحقُّ أنْ تُدعَى مافيا لأنَّ ما يَتحكَّم في إدارتها هُم مُجرمون كما ثَبت بالدليل القاطع، ضُلوعهم في اغتراف كبرى الجرائم، في قيامها بنهب موارد الدولة بأشكال بشِعَة وطرق قسريَّة لا هَوَادَةَ فيها، حتى أصبحَ المواطن المغلوبُ على أمرِهِ يُكثِرُ الشَكَاوَى والنِّداءاتِ والاستعطافات أمام فُقدَانِه للدواء والمياه والتعليم وباقي الخدمات الضروريَّة كما صار نَهْباً أمام استشراءِ الغَلاء المُتَفَاقِمِ يَوماً بعد يومٍ طيلة هذه العقود الثلاث.
ولعلَّ من المُصادفة أنْ نَجِدَ مُسمَّى المَافيا الصقليَّة - كوزا نوسترا- التي نشأت في القرنِ التاسِع عشر قريبة المَخارج من كوز السودان أو كيزان السودان إلى حدٍّ ما، ولعلَّ المافيا السودانيَّة قد تفوَّقَت على الصقليَّة وعلى كثير من المافيات العالميَّة، وللعلم فإنَّ المافيا تمتلكُ رأسَ مالٍ ضخمٍ وشركات كبيرة، كما أنَّ الجريمة المنظَّمة تصنّف على أنَّها تجمع لشركات أو مشاريعَ عاليةَ المركزيَّة وإنْ كانَ تصنيفها إمَّا محلية أو دَوْلِيَّة، فإنَّ مافيا الكيزان بالسودان قد جمعت بين المحلية والدولية ولم تكن ذات بؤرة إجرامية واحدة بل أنشأت بؤراً في شتى المجالات، ودائماً تستعين بالجيش والشرطة، وهذا متحقِّق تماماً في تنظيم الكيزان ومشاهد بالعيان بل أصبح واقعاً مَعِيشاً وجدليَّة لتواتر أخبار النظام اليومي، وهي تمارس شتى أنواع الجرائم المنظمة وغير المنظمة، وجرائم السياسة والحرب وجرائم الدولة والخيانة، وقد ناقش الأكاديميون أمثال - تيلي تشارلس- هذه المسألة والتي تنشأ غالباً في الدول الفاشلة في أداء الوظائف الأساسية كأن تخفق في التعليم والأمن والحوكمة، بسبب العنف المجزأ أو الفقر والحروب. وهذا النوع من المافيا هو ما يعنينا في عقد هذه المقارنة، فإن كانت المافيا في صقلية تنشأ من فكرة العائلة التي تديرها ؛ فإنَّ ما نرى عليه هذا النظام هو الخطر الحقيقي الذي أفضى إلى إهدار كل موارد الدولة أصبح أفراد العصابة الحقيقيون يتركزون في من تمتَّ بينهم من مصاهرة أي بين رموز قادة النظام السوداني، وحسب ما هو معروف في عمل المافيا تقوم هذه العائلة بإرسال رسائل لأصحاب الشركات والأثرياء تطالبهم بدفع مبالغ لحمايتهم من المجرمين ومن لم يستجب يتعرض للاختطاف وللقتل والاختفاء والتفجير.
ومن شروط المافيا ألا يشي المنتمي لها أو يبوح بأسرار العائلة، وإلا تعرض ربما للقتل فإنَّ العصابة ستصفِّيْهِ، ولعمري هذا هو حالُ البشير الآن أمام التيار الإسلامي الذي قضى على كل شيء بالبلاد وعمل بها كل أشكال القبحِ الإجْرَامِيِّ، وآخر إجرام مافيا السودان هو شراء حماية دول الخليج، حيث وظفت عملها في تأمين حكومة السعودية وهذا يدخل في صميم عمل المافيا، فالبشير الآن يسعى بكل ما لديه من أدوات في التحايل على هذا الشعب بأن يجد له تأييداً يُكسِبُهُ الشرعيَّة ويطيل أمَدَ بقائِهِ على كرسِيِّ السلطة ولكن هيهات، والتيار الإسلامي بكتائِبِهِ وأتباعِهِ لم يجدوا طوال العقود الثلاثة بديلاً مقبولاً فكان البشير هو صيدهم الثمين لإطالة امتلاكهم للسطلة بعد كل ذاك التمكين، والإبقاء عليها باستصحاب كَذِبِ البشيرِ ومُدَاجَاتِهِ للشعب الذي كان حليماً أمام ما يَبُثُهُ البشيرُ وأعوانُهُ من الأمن، فلذا فهو يخشى على مصيره من هؤلاء لما يفسره ذهابه عن السلطة بمثابة خيانة البشير للتيار الإسلامي، وقد تساقطت أطراف النظام بفقدانه لكثير من أدوات المراوغة والتحايل على البقاء بما يسمى ببرنامج الحوار الوطني كآخر أوراق اكتساب الشرعية.
لقد تكشَّفَ أمرُ النظام السوداني أخيراً بعد أن أصبَحَتْ على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ عن أركانها ودعائِمِها، من خلال من يُصَرِّحُون أو يُرسِلونَ القول على عواهنه ولم يدروا مَغَبَّةَ مَا يُؤدِّي إليه هذا التصريح لأنَّ الأمرَ مُختِلف في التعاطي مع أيِّ مافيا إجراميَّة أخرى، لأنها تُديرُ إجرَامَهَا مِن مواقِع سلطة الشعب ومركز قيادته المنوط بها خدمته، ولكن تبدل الحال، أن يجد نفسه مَعزولاً مُبْعداً عن حقوقه في أن يكون شريكاً للوصول إلى كراسيِّ الحُكم بل وعكس ذلك أن أصبح يُذَلُّ في حقوقِهِ وفي مُقدَّرات بلدهِ المنهوبة عياناً بياناً، والشَّعبُ يَرى أنَّ نظام البشير أضاعَ هيبَةَ الشَّعبِ والدولة وسيادتها أمام رؤساء الشعوب الأخرى بكثرة استجْدَائِهِ دونَ كرامة ودون اكتراث، حتى أصبحَ من الوَضَاعَةِ والصَّغَارِ مَطرُوداً غير مقبول لدى كثير منها، وما زالت كتائب الظل تمارس أبشع صور الفتك بالشعب الثائر الأعزل، باستخدام الذخيرة المحرَّمة وبقتل المتظاهرين دهساً بسياراتهم، ومحاولة تزييف الحقائق بأساليبَ فَجَّة، ولكنَّ بَسَالة الشباب الثائر أعيَت ما لدى كتائب ظِلِّهم من قوةٍ، والثورة تزدادُ كلَّ يوم قوَّة وضَرَاوَة ويتكاثر حشودها في كل البلاد مدنها وقراها، ولا أحد منهم يَجْرُؤ على أن يكونَ بديلاً للبشير، لما وصلَ إلى مسامعهم ولكل العالم من شعاراتِ رفضِ الشَّارعِ السودانيِّ لهم - كتيار إسلامي مُزَيَّف- جملة وتفصيلاً، مع تمسكهم بأن يبقى البشير واجِهَةً لهم يضمنون به بقاء تيارهم الإسلامي، لأن المسألةَ هيَ (نكون أو لا نكون)، وساعدهم وسندهم في ذلك جهاز الأمن برئاسة الباطش الدموي قوش، مِمَّا أطالَ من أمَدِ المواجهة غير المتكافئة لهم مع الثوار الذين يرفعون شعار السلمية ويُوَاجَهُونَ بالرصاص الانشطاريِّ الحَيِّ المحرَّم والغاز المسيل للدموع. وها هو النظام أصبح وشيك السقوط يزداد ضعفاً كل يوم وتزداد حدة وضراوة الخروج الشعبي عليها في وعي وثبات ورباطة جأش وخطى وثابة لأخذ الحق الذي لاحت بشائره.