البريكسيت.. كواليس الدولة العميقة بقلم د. ياسر محجوب الحسين

البريكسيت.. كواليس الدولة العميقة بقلم د. ياسر محجوب الحسين


01-19-2019, 03:58 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1547909916&rn=0


Post: #1
Title: البريكسيت.. كواليس الدولة العميقة بقلم د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 01-19-2019, 03:58 PM

02:58 PM January, 19 2019

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر

أمواج ناعمة



تشهد بريطانيا اليوم أكبر القضايا الوطنية تعقيدا في تاريخها السياسي؛ وهي مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي أو ما يُعرف بـ(البريكسيت) Brexit. والمعلوم أن البريطانيين اتفقوا بصورة أو أخرى على الخروج من الاتحاد الأوروبي استنادا إلى الاستفتاء الذي أجري في يونيو 2016 حيث صوتوا لصالح الخروج بأغلبية ضئيلة لم تتجاوز نسبة 52% لكن الجدل اليوم يدور حول ضرورة وجود اتفاق مع دول الاتحاد يضمن مصالح بريطانيا الاقتصادية والتجارية.
ورفض نواب البرلمان البريطاني بأغلبية كبيرة (432 صوتا مقابل 202) الاتفاق الذي توصلت إليه رئيسة الوزراة تريزا ماي بعد مفاوضات مضنية مع الاتحاد الاوروبي، الأمر الذي أشعل حالة من التوتر لاسيما بين الاوساط الاقتصادية لدرجة وصف عدم التوصل لاتفاق للخروج بالكارثة والفوضى الشاملة. والسبب أن التبادل التجاري بين الطرفين؛ بريطانيا من جانب والاتحاد الأوروبي من جانب آخر، كبير جدا حيث تبلغ صادرات بريطانيا للاتحاد نحو 274 مليار جنيه استرليني وهذا يمثل نحو 44% من صادرات بريطانيا بينما تبلغ وارداتها من الاتحاد نحو 341 مليار جنيه استرليني أي نحو 53% من الواردات البريطانية، ويقوم هذا التبادل الضخم بصورة أساسية على الميزات التي تتمتع بها بريطانيا بسبب عضويتها في الاتحاد ولذا تأتي أهمية اتفاق الخروج لكونه يوفر بديلا لبريطانيا عقب خروجها الرسمي في 29 مارس القادم. بيد أن الرفض للاتفاق الذي أبرمته ماي جاء لاعتباره أقل من الطموح في حين ترى هي أنه ليس بالامكان أفضل مما كان.
وعقب نجاة ماي من تصويت سحب الثقة منها بفارق ضئيل جدا - كنتيجة لرفض اتفاقها الذي تقدمت به - وعدت بتقديم اتفاق بديل. لكن المشكلة في أن تعديل الاتفاق قد يتطلب وقتا طويلا بينما أمامها نحو شهرين فقط، فضلا عن أن الاتحاد الأوروبي لا يبدو أنه قابل لتقديم المزيد من التنازلات لبريطانيا حتى لا يشجع ذلك دولا أخرى على الانسحاب عبر الباب لتعود عبر النافذة لتحصل على نفس الميزات التجارية وتكسب التنصل من الاستحقاقات السياسية والقانونية الأخرى. ومعلوم أن بريطانيا قالت إن خروجها يحقق لها استقلالية في وضع قوانينها الخاصة بالهجرة والحدود فضلا عن عدم خضوعها للمحكمة الأوروبية.
من جانبه حذر الاتحاد الأوروبي من مخاطر خروج غير منظم لبريطانيا من الاتحاد، مؤكدا أن فرص ذلك الاحتمال أصبحت أكبر من أي وقت مضى. وقال كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي إن إمكانية عقد اتفاق جديد مرهونة بتغيير مطالب بريطانيا الرئيسية مثل التخلي عن تصميمها مغادرة الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة المنظمة مركزيا، وهنا تكمن ورطة تريزا ماي. وتعول ماي على خشية دول أوروبا من أن خروجا غير منظم لبريطانيا قد يؤدي لاختلالات في أوروبا بأسرها.
وهناك طريق ثالث في حال تعذر توصل النواب البريطانيين إلى اتفاق جديد، يتمثل في اجراء استفتاء جديد على مسألة الخروج وهذا اتجاه يشكل ارتياحا لدى الاتحاد الأوروبي إذ يتوقع الكثيرون أن يصوت البريطانيون لصالح البقاء في الاتحاد نظرا للأغلبية القليلة التي صوتت لصالح الخروج باعتبار أن الجدل الذي دار خلال السنتين الأخيرتين وضح لشريحة كبيرة من البريطانيين مسالب ومضار الخروج الأمر الذي يمكن أن يرجح كفة مؤيدي البقاء إذا ما تمت إعادة الاستفتاء.
وفي هذه الحالة يمكن أن يوافق الاتحاد الأوروبي على تمديد ميعاد الخروج لستة أشهر ليفسح المجال أمام اجراء استفتاء ثان. وتتطلب الاجراءات التشريعية الخاصة باعادة الاستفتاء 3 أسابيع فقط بينما يمكن اجراء الاستفتاء خلال شهرين. فهل تسير بريطانيا في اتجاه اعادة الاستفتاء أم إن تريزا ماي قادرة على عقد اتفاق خروج جديد يحظى بموافقة أغلبية نواب البرلمان؟. هناك من يقول إن الدولة العميقة في بريطانيا تدفع في اتجاه الخروج بأي ثمن وتلك اتجاهات شعبوية يتم تكريسها بذكاء ولا نقول بخبث.