سيناريوهات الأزمة السياسية في السودان بقلم د. ياسر محجوب الحسين

سيناريوهات الأزمة السياسية في السودان بقلم د. ياسر محجوب الحسين


01-05-2019, 12:50 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1546689029&rn=0


Post: #1
Title: سيناريوهات الأزمة السياسية في السودان بقلم د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 01-05-2019, 12:50 PM

11:50 AM January, 05 2019

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر

أمواج ناعمة




لم تزل الحلول السياسية للأزمة في السودان تراوح مكانها في مخيلة النخبة الحاكمة، أو بشكل أدق في مخلية الرئيس البشير، فالرجل مازال منفردا بالقرار السياسي وما دونه متفرجون ومستسلمون. فمن خلال 3 خطابات ألقاها البشير في مناسبات مختلفة منذ اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية أواخر الشهر الماضي لم يأت بجديد أو يدلي بما يتناسب مع الأزمة التي تعصف بالبلاد.
في ذات الوقت بدأت تبرز بعض الاتجاهات الشاذة والدعوات العنصرية الداعية إلى تصفية الخصوم السياسيين وهي التصفية التي لا تستثني أحدا مما ينذر بفوضى لا تبقي ولا تذر محاكيا ما حدث في ليبيا واليمن وسوريا. والحقيقة الشاخصة أن الثروات الطبيعية لأي بلد لا تجدي شيئا طالما أهله مشغولون بالجهوية والحروب والتصفيات العنصرية؛ فنيجيريا - على سبيل المثال - من أكثر الدول غنىً بالثروات والمعادن والبترول لكن حالها واقتصادها لا ينبئ بحجم ووفرة ثرواتها والسبب أن الأحقاد العرقية والصراعات الجهوية مشتعلة.
وقد تنبّهت واشنطن إلى خطورة سقوط الأنظمة في المنطقة بشكل دراماتيكي سواءً بسبب العنصرية أو الجهوية أو التطرف السياسي، فترامب يقول أن الشرق الأوسط كان سيكون أفضل في ظل وجود صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا، مشددا على ضرورة بقاء بشار الأسد في سوريا.
ويرى ترامب أن من قد يأتي لا يُعرف كنهه، وبالتالي ربما تأثيره يكون سلبيا على مصالح واستراتيجيات الولايات المتحدة في المنطقة. وترى ادارة ترامب أن غياب صدام والقذافي أتاحا المجال أمام «الارهابيين» إذ إن كليهما كان قادرا على الحد من انتشارهم. وهذا قد يشير إلى تفكير الولايات المتحدة إذ أنها قد تكون مع بقاء النظام في السودان وقد يكون في مخيلتها دعم تغيير محدود لا يأتي على النظام من القواعد مع تقديم طرح سياسي مقنع يستجيب لإصلاح سياسي مقنع جماهيريا.
لا يبدو الحديث عن مصير الرئيس عمر البشير استنادا إلى الاحتجاجات الجماهيرية الأخيرة واقعيا وموضوعيا دون الغوص في خلفياتها ومسبباتها. ولعل هناك اتفاق بأن الاحتجاجات أسبابها اقتصادية بحتة خاصة بعد نية الحكومة رفع ما تبقى من دعم سلعي على الرغم من تزايد الضغوط على المواطنين. وهناك تساؤل وجيه وهو لماذا لم يرفع هذا الدعم أيام الوفرة البترولية ٢٠٠٥ - ٢٠١٠؟.. وهل الإصلاح الاقتصادي لا يتم إلا بخنق الفئات الضعيفة وترك الفساد يستشري وفشل جهود مكافحته؟..
بيد أن الحقيقة الماثلة أن الأزمة التي تمسك بتلابيب البلاد أسبابها سياسية بحتة ولا يمكن تصور استقرار أو انفراج اقتصادي بدون حلول سياسية، لكن ذلك لا يبدو أنه يدور في خُلد النخبة الحاكمة التي من الوضح أنها لا ترى غير الحلول الأمنية لمواجهة في مواجهة المتظاهرين.
وغدا خطاب البشير بل وسائر الخطاب الحكومي الرسمي سمته القفز فوق أسباب التظاهرات واتهام المتظاهرين بكل ما حواه قاموس الخيانة والعمالة ومحاولة إنتاج وإعادة انتاج اتهامات تبدو سطحية وغير مقنعة. هذا فضلا عن إرجاع الضائقة الاقتصادية إلى الأقدار الإلهية والتربص الدولي والحصار الأمريكي والإسهاب في المسكنات والوعود بأن هناك ترتيبات ومعالجات جدية للأزمات الاقتصادية وأنها ستنفرج خلال أيام قليلة وأن موازنة ٢٠١٩ فيها الحلول الناجعة والشافية.
وعليه لا يجب أن تركن الحكومة إلى التواجد الأمني الكثيف وغير المسبوق في شوارع الخرطوم فأضحت الخرطوم وكأنها ثكنة عسكرية، وهذا بالضرورة ليس أمرا طبيعيا ولا يجب أن يكون كذلك لأنه ببساطة يعني إرهاقا للقوات الأمنية وتوقفا لعجلة الاقتصاد الذي لا يدور في بيئة متوترة وغير مستقرة.
ويبدو أن سقف هذه الاحتجاجات ارتفع عاليا وأصبح يطالب بذهاب البشير وما لم يحسن التعاطي مع هذه التطورات فإن مصيره قد يكون دراماتيكيا. ولو كانت هناك من فرصة للبشير فإنها في أحسن الأحوال ترؤس فترة انتقالية تُعدّ لحكومة مختلفة تماما عن شكل الحكومات التي شكلها البشير على مدى ثلاثة عقود. وهذا لن يتأتى إلا بعد تحرك سياسي سريع وعاجل يقدم حلولا مقنعة ويجري جراحات مؤلمة تطول كل الهرم السلطوي مع توفر خطاب سياسي واضح ومحكم المفردات والعبارات.