مذكرات رئيس جمهورية !! بقلم فيصل الدابي المحامي

مذكرات رئيس جمهورية !! بقلم فيصل الدابي المحامي


12-26-2018, 04:07 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1545836840&rn=0


Post: #1
Title: مذكرات رئيس جمهورية !! بقلم فيصل الدابي المحامي
Author: فيصل الدابي المحامي
Date: 12-26-2018, 04:07 PM

03:07 PM December, 26 2018

سودانيز اون لاين
فيصل الدابي المحامي-الدوحة-قطر
مكتبتى
رابط مختصر


 
لعل المتأمل لواقع الحياة وللسلوك البشري، يلاحظ أن الانانية الشخصية تدفع كل إنسان دفعاً لكي يكون رئيساً ، رئيساً في أي شيء وعلى أي شخص، فالرئاسة في حد ذاتها واحتكار الكلمة العليا هي وضع انساني مرغوب فيه دائماً رغم أنه يمثل قمة النرجسية الذاتية وقمة الفرعنة الشخصية ، الزوج يريد أن يكون رئيساً في المنزل على الزوجة والأولاد والزوجة تمنحه رئاسة شكلية وتنفرد بالرئاسة الفعلية وتستخدم الأولاد كورقة ضغط وكمعارضة خفية وحتى الأطفال الصغار يتنافسون على الرئاسات الصغيرة في لعبهم وألعابهم، الأحزاب السياسية يتناطح رؤسائها ليل نهار كالكباش الجبلية من أجل رئاسة حكومة البلد التي تعني لهم تحقيق أكبر المكاسب الشخصية والحزبية عبر احتكار السلطة والثروة والنفوذ وأي كلام عن المباديء السامية هو مجرد هراء سياسي، هناك بشر عاديون يبحثون عن رئاسات في الفارغة والمقدودة، هناك من يريد أن يكون رئيساً في الونسة أو في خفة الدم أو في الحب ، حتى الفرق الدينية تنقسم في الدين الواحد المنزل من السماء إلى عشرات المذاهب الأرضية ويصبح لكل مذهب زعيم ورئيس ، ومن ثم تحتدم نيران الصراعات الرئاسية الدينية غير المقدسة، ببساطة كده ، أنت رئيس وأنا رئيس فمن سيحمل الكيس؟!

عندما كنا صغاراً كنا نلعب لعبة شدد في مربع 24 بمدينة كوستي ، وكنت اعتبر نفسي رئيس جمهورية لعبة شدد فقد كنت أهزم كل المنافسين من الأولاد بالدفرة القاضية ، إلى أن جاء لاعب شدد جديد يدعى مجذوب ، تعاركت مع مجذوب في لعبة شدد لأكثر من نصف ساعة وتمكن من هزيمتي في نهاية المطاف وسط كل المشجعين من الأولاد الذين كنت قد هزمتهم سابقاً ، شعرت بحنق بالغ وطلبت من مجذوب منازلة أخرى نهائية ، ووافق على ذلك ، كان مجذوب قوياً ومرناً ومراوغاً بشكل لا يصدق وكانت يده كأنها ملحومة مع رجله وبدت هزيمته أمراً مستحيلاً ، فجأة لاحظت وجود حفرة صغيرة خلفه ، فبدأت في مهاجمته واستدراجه في اتجاه الحفرة حتى تعثرت قدمه فيها وانتهزت الفرصة وتمكنت من هزيمته بالمكر والخداع، غضب مجذوب بشدة واعتبر أن الحفرة هي التي هزمته وليس أنا وطلب مني منازلة جديدة إلا أنني رفضت المنازلة المقترحة رفضاً باتاً لأنني كنت أعلم علم اليقين أنه كان سيهزمني في أي منازلة جديدة وهكذا فزت على مجذوب القوي في منازلة تاريخية وتكفلت بترويج انتصاري على أقوى لاعب شدد وسط جميع الأولاد ومن ثم اعلنت استقالتي وانسحبت نهائياً من تحديات لعبة شدد محتفظاً ظاهرياً بسجل رئاسي نظيف في الفوز بلعبة شدد وموقناً في دواخل نفسي بأن حواء والدة وأنني لو منحت مجذوب فرصة أي منازلة جديدة فإنه كان سيهزمني ويحطم اسطورتي الرئاسية في لعبة شدد إلى الأبد!

بعد تمكني من هزيمة بعض المبتدئين في لعبة الكشتينة المعروفة بأم اربعتشار أو الحريق أو الكونكان ، اعتبرت نفسي رئيساً وزعيماً في تلك اللعبة ولكن خالي حسن كان يعتبرني مجرد كيشة وكان يحرق أعصابي ويهزمني باستمرار وبسهولة بالغة في تلك اللعبة فخالي حسن كان يبدو وكأنه نقط الكشتينة فهو يعرف الورق الذي في يدي والورق الذي في الصندوق ويعرف الكروت التي نزلت والكروت التي ما زالت فوق ويتابع سحب ورمي الورق بسرعة وبعقلية حسابية جبارة لا تفوتها شاردة ولا واردة ، وكان يفتح باستفزاز شديد فهو يقوم ، عندما يفتح، بكشح ما تبقى من ورق الصندوق في وجهي بكرت واحد وهو يضحك ويصيح : خمسين والجوكر بايظ يا كيشة ، لقد هزمني حسن في الكوشتينة حوال ألف مرة ولم أهزمه مطلقاً ، في صباح أحد الأعياد ، طلبت منه لعب قيم كوشتينة ، في التوزيعة الأولى جاء ورقي جاهزاً ففتحت ، وحدث نفس الشيء في التوزيعة الثانية والثالثة وهزمت خالي حسن وأنا وهو لا نكاد نصدق ما حدث ، طلب مني حسن بإلحاح أن نلعب قيم جديد إلا أنني رفضت رفضاً باتاً واستقلت نهائياً من لعبة الكوشتينة ورحت أردد بأنني رئيس في لعبة الكوشتينة وأنني هزمت خالي حسن أحرف لاعب كوشتينة هزيمة تاريخية في يوم العيد ، حقاً لقد جاءت استقالتي النهائية في وقتها ولو لعبت مع خالي مرة أخرى لهزمني الف صفر وحطم إلى الأبد رئاستي لجمهورية الكوشتينة التي احرزتها بمحض الصدفة!

من المؤكد أن قيامي بتقديم استقالاتي الرئاسية في ذات التوقيت الذي حققت فيه نجاحات رئاسية بالمكر والخديعة أو بالصدفة والحظ قد علمني أهم درس في الحياة وهو أن الاستقالة من رئاسة أي شيء في الوقت المناسب وعندما تكون في قمة انتصارك هو القرار الأكثر صواباً في الحياة وأن إدمان البقاء في رئاسة أي شيء لمدة طويلة سيولد الملل الرئاسي لدى الجميع وسيجعلك محاصراً بأعداء ومنافسين جدد أقوياء وحتماً ستنتهي رئاستك بهزيمة وفضيحة رئاسية مجلجلة فحواء والدة في كل المجالات ولو كانت رئاسة أي شيء تدوم لغيرك ما وصلت إليك ، والكلام دا ليك يا الرئيس المنطط عينيك!! فلماذا لا تستقيل الآن وتريح نفسك وتريح الشعب وتريح العالم وتتفرغ لكتابة مذكراتك الرئاسية التي يمكنك أن تسميها مذكرات رئيس ساي!

فيصل الدابي/المحامي

تفضلوا بزيارة موقعنا
www.farfashaonline.com