مخاض ثورة شعب بقلم إسماعيل عبد الله

مخاض ثورة شعب بقلم إسماعيل عبد الله


12-15-2018, 04:19 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1544887182&rn=0


Post: #1
Title: مخاض ثورة شعب بقلم إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 12-15-2018, 04:19 PM

03:19 PM December, 15 2018

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-
مكتبتى
رابط مختصر


وإنّه لكل أجل كتاب , أو كما قال الشاعر محمود سامي البارودي :(فسوف تصفو الليالي بعد كدرتها , و كل دور اذا ما تم ينقلب) , فلا ولن يكون حدوث الولادة إلا بعد انقضاء تسعة أشهر للأنثى من بني الإنسان , أو بعد مرور تسعة عشر من الشهور للفيلة , أما الثورات فتتفاوت المدد الزمنية التي يقضيها حملها في أرحام الشعوب , ولن تندلع هذه الثورات و لا تتفجر الانتفاضات الشعبية إلا بعد انقضاء دورة نضجها واكتمال نموها , كما هو الحال بالنسبة لسودان العزة اليوم , الذي يتمخض شعبه ليهب الناس ثورة وانتفاضة شعبية عارمة , تكنس تجار الدين و الفاسدين , لقد تضافرت كل العوامل التي من شأنها الدفع بالمقهورين إلى الإمساك بزمام المبادرة , و التحرك لإزاحة كابوس الإنقاذ الذي أوردهم موارد الجوع والفقر والمرض , فلا شرعية لنظام حكم عجز عن تأمين رغيف الخبز لمواطنه , ولا استمرارية لجيش من الوزراء و المستشارين و المدراء التنفيذيين , غير القادرين على رسم سياسات ناجحة تعمل على معالجة المشكلة الاقتصادية , ألفاشلين في ملاحقة الفارين والهاربين بالكتل النقدية من المال العام ومحاكمتهم , فالبلاد غنية وثرائها فاحش بموردها الطبيعي , وهي ليست بحاجة إلى كل هذا الضجيج الذي يصدره علماء الاقتصاد وخبراء المال عبر تطبيق واتساب , فكل الذي تعوزه بلادنا هو الضمير الوطني المتوهج في نفس من يتولى قيادتها , وما أقعدنا وأحبط أعمالنا سوى إنعدام قيمة الصدق و الأمانة في نفوس من قاموا بإدارة شأنها العام , تلك القيم التي افتقر إليها الكادر الإنقاذي منذ الخاتم من يونيو من ذلك العام المشؤوم , فكل الذي حدث هو أن سيطر هذا الكادر الذي انعدم فيه وازع الضمير و دافع الأخلاق , على مفاصل سلطة الدولة السودانية , و لم يعمل من أجل مصلحة هذه الدولة ولا لفائدة المواطن , فخرّب الاقتصاد و فاقم مديونية البلاد الخارجية , وزاد على ذلك بإنفاقه لمال الدولة في حروب داخلية عبثية , كان بإمكانه أن يوقفها بانجاز سلام حقيقي لولا سوء النية و بشاعة الطوية , فما أنفقه النظام في حرب دارفور , كان باستطاعته أن يعمل على إعادة إعمار الإقليم المهمش من الألف إلى الياء , فهذا الكادر الإنقاذي و من أجل إشباع نزواته ورغباته الشخصية والذاتية قام باستغلال كرسي الحكم أبشع استغلال , ولم تكن من أولوياته أي بند من بنود هموم هذا الوطن أو المواطن , فأحال إيرادات البترول إلى حسابه وجيبه الخاص , و بنى بضعة مشاريع تنموية بتمويل أجنبي باهظ الكلفة , ففيما بعد سيكون هذا الدين عبئأ ثقيلاً على خزينة الدولة بعد إنقضاء أجل هذا النظام الإنقاذي المستبد , فتعامل هذا الكادر الإنقاذي مع مقدرات البلاد وكأنها غنيمة وفيء , فسلب و نهب وجنّب ثم تحلل.
فالثورة الشعبية منطلقة لا يوقفها صادم , والهتافات السلمية الداعية الى رحيل طاقم إدارة الحكم الانقاذي الفاشل , سوف ترددها حناجر الشيب و الشباب ونبض قلوب الأطفال الأنقياء , فشمس الحرية لن تموت برغم صعاب القهر الذي مارسه الأنقاذيون , وليل الظلم طويل و بارد برودة صقيع جليد القطب المتجمد , لكن انبلاج صبح الانعتاق و بزوغ فجر الخلاص سريع وخاطف , كسرعة سيف لامع متوهج وباتر بيد سيّاف ماهر , يكون في حده الحد بين الحياة و الموت , يفصل الجسد عن الروح في لمحة من الإبصار وقبل ارتداد الطرف , وإني لأراه يلوح في آفاق (كانون) الأول و (كانون) الثاني من هذا العام , معلناً نهاية حكم أبارتيدي وحشي ظالم أيبس ضرع أنثى الإنسان و الحيوان , فالأنتفاض في وجه الطاغوت قد استكملت حلقاته وقويت شوكته , و استنفذت المنظومة الإدارية لحكم الإخوان المسلمين و أعوانهم , كل الزمن الذي منحهم إياه هذا الشعب الطيب المسالم والمسكين , فالوجوم الذي أصاب المنظومة الإنقاذية هذه الأيام , و الصدمة العكسية و المرتدة التي ألمت بها , لهو دلالة قاطعة على حكمة وحلم هذا الشعب الأبي الكريم , ألذي تركهم في غيهم يعمهون , إلى أن اصطدمت سفينتهم بصخرة الواقع الأليم , و كانه يقول لهم إن حبل الكذب لقصير جداً و سوف تتوقف عجلة قطاركم الذي بدأ بكذبة , فهاهم الآن يقفون وقفة حمار الشيخ في العقبة , فلم تجدي نفعاً كل الترهات التي وعدوا بها الناس , و لن تجدي.
إنّ جرائم إشعال الحرائق في الأسواق بهذه الطريقة الكيدية , والمنهاجية المعادية للوطن والمواطن , تذكرنا بالحرائق والنيران التي اضرموها على رؤوس الأطفال و العجزة و المسنين و النساء , بقنابل الأنتونوف في جبال النوبة و جبل مرة و جبال الأنقسنا , بحجة أن اولئك البؤساء يدعمون المتمردين الحاملين للمدفع و الواقفين في مواجهة الدولة الظالمة , فتتعدد أسبابهم ولكن طريقتهم هي الواحدة في إسكات صوت الحق , وأساليبهم متشابهة في أكل أموال الناس بالباطل , وإلا فقولوا لي بربكم , ما ذنب من أراد الحفاظ على ماله الخاص وخلاصة عرق جبينه بعيداً عن خزينة الدولة المفلسة ؟ , فعندما يضع صاحب المال والأعمال ماله ونقوده في خزينته الآمنة و الموجودة بداخل متجره , هل يعتبر ذلك سبباً مشروعاً يدفع بالنظام إلى الإنتقام من هذا التاجر الممسك بتلابيب عصب إقتصاد بلاده ؟ , إذاً, ماذا تبقى لمنظومة الحكم الإنقاذي من رجل حريص , بعد أن زرعت العداوة و البغضاء بينها وبين رجل الأعمال ؟ , ما يجعلنا نؤكد على حتمية نهاية أجل حكومة الإخوان , هو فقدانها لثقة السوق السوداني من أم درمان حتى نيالا , وتوقف عملاء البنوك من تجار الأسواق الكبرى بالبلاد عن التعامل مع الجهاز المصرفي , فمن هنا جائت الأسباب القوية للحملة الشرسة والضارية والنفرة الهوجاء والكارثية , من نظام الحكم الإنقاذي بحق التاجر السوداني المستقل في تجارته , والذي أجتهد عبر مسيرة طويلة ورحلة قاسية ومريرة , من سنين العمر في تأسيس ورعاية عمله الخاص , فالإنتفاضة الشعبية تكتمل حلقاتها عندما تكون جميع قطاعات الشعب ساخطة على النظام , وناظرة إليه من زاوية أنه العدو , و أنه دائماً يقف ضد مصالحها , فمن هنا تتحقق عملية استكمال حلقات الإنفراجة الكبرى , التي يعكسها بيت الشعر القائل :(ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت , و كنت أظنها لا تفرج).
إنّ دورة حياة أنظمة الحكم كدورة حياة الآدميين , مهدٌ فشبابٌ ثم كفنٌ ولحدٌ , ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا , فالسقم الذي أصاب جسد المنظومة الإسلامية الحاكمة في السودان هو سقم الموت , فقد اضمحل هيكل الأقتصاد و انكمش , و تدهورت القيمة النقدية للعملة الوطنية , وجفت كل مواعين السيولة التي يمكنها ان تبعث بشيء من الأمل , وتضاربت سيقان الناس في الركض وراء الحافلات والبصات في ميادين وساحات المواصلات , غير المتوفرة , فشحبت الأجسام و اغرورقت الأعين بالدمع الثخين , وأصبح الانسان في بلادنا هيكل من العظام المتحركة , يتحدث مع نفسه في السر و العلن , وإن رأيته حسبته قد رشف من كأس خمرٍ عتيق , و لكنه ليس بذلك المدمن على شرب النبيذ وإنما هو عذاب الإنقاذ الشديد , فانتقل شبح الموت الذي كان يطارد البؤساء في سفوح جبال الغرب و الشرق , إلى خرطوم كتشنر بمدنها الثلاث حيث ينام أهل الملك , ويستكين أصحاب السلطة والمتوجون بتاج الإمارة والممسكون بالصولجان , فقد صحا أهلها ومواطنوها فوجدوا الطعام و الشراب منعدمان في متاجرها ومطاعمها ومخابزها , إنّهم قوم مدائنيون يعتمدون على الدولة في كل شيء , فهم ليسوا مثل أولئك الريفيين الذين يسد رمقهم لقمة من عصيدة و جرعة ماء من بئر أو حفير , فالرجل المدائني لن يصبر على طعام واحد , ولا يسوق عذراً لنظام حكم حرمه صحن الفول و كيس الرغيف و صندوق البيبسي كولا , فأيٍ من نظام للحكم يريد البقاء والأستمرارية , ما عليه إلا أن يوفي بضروريات أهل المدن المكلفة وأن يقوم بتوفير كماليات أهل الريف , لأن الأساسيات التي تقوم عليها حياة الريفيين يخرجونها من باطن الأرض التي يحيون على سطحها , دون الإعتماد على الحكومة و موظفيها.


إسماعيل عبد الله
[email protected]