ألخبـز والغـاز والدمـوع ,, بقلم إسماعيل عبد الله

ألخبـز والغـاز والدمـوع ,, بقلم إسماعيل عبد الله


12-08-2018, 04:01 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1544281273&rn=0


Post: #1
Title: ألخبـز والغـاز والدمـوع ,, بقلم إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 12-08-2018, 04:01 PM

03:01 PM December, 08 2018

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-
مكتبتى
رابط مختصر


يبدو أن صدمة السيد وزير المالية رئيس مجلس الوزراء قد تحققت تماماً , فأصبح الحصول على الخبز والرغيف لا يتطلب إمتلاك عنصر المال وحده , بل يستوجب أن يصطحب المواطن أوراقه الثبوتية معه أيضاً , فأي صدمة أكبر من هذا الذي يحدث في السودان !! , و أي دهشة أعظم من أن تتحول الكوميديا إلى تراجيديا و واقع ماثل للعيان , أصاب الناس بالبكم والصمم من هول الفجيعة , فحتى الكوميديان ربيع طه لن يصدق ما تراه عيناه اليوم من تجسيد حلقته الدرامية بكاميرته الخفية ألتي قدمها قبل شهور , لحال الناس وهي تهرع بأرقامها الوطنية للإصطفاف أمام المخابز , لتحصل على حصتها من الرغيف و (العيش) , فقد احتشدت ساحات قنوات التواصل الإجتماعي بالصور المثيرة , و الفيديوهات الخطيرة التي وثقت لمرارات و مآسي المواطنين السودانيين , وهم جالسون على اسطوانات الغاز الفارغة تحت هجير شمس الخرطوم الحارقة , يمنون النفس بحمل هذه الأسطوانات على الأعناق وهي مملوءة و مترعة بغاز الميثان , أما الصدمة الأقوى فتتمثل في تلك الصورة التي تشبه الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية , لسلسلة طويلة من السيارات المصطفة من أجل الوصول إلى حنفية الوقود (بالـطرمبة) , لكي تملأ خزاناتها بالجازولين و البنزين , في تعرجات و التفافات جابت السكك و الطرقات والأزقة الداخلية الضيقة بين الأحياء السكنية , راسمة لوحة بديعة عاكسة لطول بال المواطن السوداني , وصبره على المكاره والخطط و البرامج الحكومية الفاشلة , التي ظلت تنفذها الحكومات المتعاقبة وتطبقها عليه , وهو المستكين والمستجيب إستجابة الفئران الميتة بالمعامل و المختبرات , لمقص و مشرط علماء الأحياء الدقيقة و خبراء الكيمياء الحيوية , وهم يجرون العمليات الجراحية والتشريحية على جثثها المثلجة و الباردة , بحثاً عن النتيجة المثلى التي تفيد الأحياء من بني الإنسان , لكن وبعد كل هذا الزخم فانّ للحليم لغضبة سوف تنفجر و إن طال زمان سباته , ولا يغرنَّ القائمين على أمر إدارة مصالح هذا الحليم , صمته المطبق وسكونه المرعب وسكوته المريب , فالعاصفة التي سوف تعقب هذا السكون لا محال قادمة , وقائمة رغم تقادم السنين العجاف التي ناهزت الثلاثين ربيعاً.
فهذه المنظومة الإدارية لحكومة الإنقاذ التي عافها الخبير الإقتصادي (حمدوك) , مثلها مثل المريض الذي لا يرجى شفائه , بعد أن طاف به أهله أرجاء الدنيا طلباً للإستشفاء فعرضوه على خيرة الأطباء و المختصين , الذين تطابقت تقاريرهم الفنية المتخصصة بعضها ببعض , والتي أكدت على أنه لا فائدة من بذل المزيد من الجهد العلاجي و الدوائي , في سبيل إنتشال رجل سقيم إستوفى كل شروط العبور إلى الضفة الأخرى , وعليها أن تعترف بالفشل الإداري و الإقتصادي ثم السياسي الذي ارتكبته , وأن ترجع الحق إلى أهله ليقوموا بعمليات الإصلاح الشامل وإعادة التأهيل , فأن تكون مسؤولاً عن أرواح الناس ورعاية مصالحهم ليس بالأمر الخاص أو الشخصي , حتى تفرض إدارة الحكم الإنقاذية هذه نفسها على المواطن السوداني , فحتى الإمام في صلاة الجماعة لا يؤم الناس ولن يستطيع تقديم نفسه على المصلين تجبراً, إلا بعد أن يدفع به أحدهم ثم يزكيه آخر فتباركه الجماعة , لأن الصلاة ليست حكراً فردياً يختص بشخص واحد دون الشخوص الآخرين , مثلها مثل الولاية و الإمارة و الحكومة والإدارة و التنظيم , فمن يتقدم الناس لقيادتها لابد ان يكون مجمعاً عليه من قبل الناس , فإن جاء مفروضاً عليهم بقوة السلاح و تحت التهديد على حين غفلة من الدهر , أيضاً يظل مرفوضاً لديهم حتى ولو أذعنوا إليه تحت ترهيب هذه القوة الباطشة , فلهؤلاء الناس مصالحهم وتجارتهم و حيواتهم ذات الأوجه الكثيرة و المتعددة , وبحسب ما تعرضه صفحات الأفراد و الجماعات و الجمعيات بالفضاء الإسفيري , فإنّ الأمر قد وصل لأبعد حدود التهكم و السخرية و الضحك , وكما يقول المثل الشعبي : (ضحك الرجال بكاء) , وبمثل ذلك أيضاً قال الشاعر الجهبذ المتنبيء : (لا تحسبن رقصي بينكم طرباً , فالطير يرقص مذبوحاً من شدة الألم) , فإنّ كل ما تطفح و تنضح به مواعين تطبيقات التقنية الرقمية والالكترونية في الواتساب و الفيس بوك و التويتر , من نكتة ساخرة أو مسرحية ضاحكة ما هو إلا غيض من فيض بكاء , وبقايا دموع سائلة ومنجرفة على وجوه المحرومين و المقهورين , لم تجد لها من مخرج سوى منافذ هذه التطبيقات والبرمجيات الحديثة المنتشرة في سوح الشبكة العنكبوتية.
هنالك نقطة جوهرية لابد من التنبه لها و التركيز حولها , وعدم المرور بها مرور الكرام الطيبين الذين يحسنون الظن بكل ظاهرة وسلوك عام , وهي الطريقة التي يتناول بها رموز المنظومة الإنقاذية أزمات الوطن و المواطن , إنّهم يتحدثون عن هذه الأزمات و كأنهم لم يكونوا السبب الرئيس من وراء حدوثها , ويطلقون التصريحات الصحفية الإيحائية مبرئين انفسهم , من كونهم يمتلكون نصيب الأسد في حالة الفشل و التدهور المريع الذي وصلت إليه البلاد , وتجدهم يخاطبون الناس ويستجدونهم في أن يمنحونهم المزيد من السوانح و الفرص والوقت , لكي يحسّنوا من الوضع المعيشي و الحال المذري الذي أوصلوا المواطن المنكوب إليه حسب زعمهم , مستخفين و مستهترين بذاكرة هذا المواطن وظانين به ظن السوء , بأن الزهايمر قد تمكن منه و ضعفت ذاكرته , و أصبح لا يدرك أن هنالك ثلاثة عقود من سنين الزمان , قد أضاعها الأنقاذيون من عمره وعمر بلاده في المماحكة و المماطلة , وعليه , واجب على إنسان السودان ان لا يتجاوز هذه الحقيقة و ما ألحقه هؤلاء الإنقاذيون بالوطن من تخريب وتدمير متعمد , وإفساد للمال و الموارد والأنفس وإخلال بالنسق الأخلاقي و السلوكي للمجتمع , فعلى هذا المواطن أن لا يرجو خيراً ممن أهلك حرث البلاد و نسل العباد , فالذي أخفق في إقامة دولة العدل و القانون و الخدمات على مدى ثلاثين عاماً , لن يستطيع فعل ذلك و إن منحته قرن آخر قادم من عمر الإنسان.
لقد تداولت الوسائط خبراً مفاده ان السيد معتز موسى , قام بتقديم استقالته جراء فشله و عدم قدرته على كبح جماح سعر الصرف , و إخفاقه في ايقاف الإنفلات الصاروخي لاسعار السلع الأستهلاكية , واستمرار ظاهرتي ندرة الغاز و شح الخبز , فاذا كانت هذه الخبرية المتعلقة باستقالته صحيحة , فإنّه يكون من الأجدى أن تستقيل المنظومة الحكومية برمتها , لأن الفشل ليس فشلاً لوزير بعينه و إنما هو فشل مؤسسي اجتاح هياكل الدولة من أعلى قمة الهرم حتى قاعدته , فالأكرم والأشرف لهذه المنظومة المخضرمة أن تترجل اليوم قبل الغد.

إسماعيل عبد الله
[email protected]