لا تقرعوا طبولاً ولا توقدوا شموعاً بقلم د.ياسر محجوب الحسين

لا تقرعوا طبولاً ولا توقدوا شموعاً بقلم د.ياسر محجوب الحسين


11-10-2018, 03:32 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1541860347&rn=0


Post: #1
Title: لا تقرعوا طبولاً ولا توقدوا شموعاً بقلم د.ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 11-10-2018, 03:32 PM

02:32 PM November, 10 2018

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر

أمواج ناعمة





قد يوقد المستضعفون في عالم اليوم الشموع ويقرعون الطبول ويصدحون بالمزامير بسبب فوز امرأتين مسلمتين بمقعدين في مجلس النواب الأمريكي. بيد أن واقع الهيمنة المطلق يجعل من هذا الانجاز ذرة في بحر متلاطم، ولن يتعدى تأثيرهما لصالح شعوبهما المظهر الشكلي وربما الدعائي. في الأسبوع الماضي فازت كل من إلهان عمر من أصل صومالي، والفلسطينية رشيدة طليب بمقعد لكل في مجلس النواب.
وقد يكون تأثيرهما صفريا بسبب تنامي سياسة القوة في مقابل أفول عصر الحداثة، فرغم أن كلتيهما تبوأتا مقعديهما بأدوات وآليات عصر الحداثة إلا أننا بالفعل في عصر ما بعد الحداثة. فالواقع الماثل يشير عمليا إلى انهيار الانظمة الفلسفية التي سيطرت على العالم منذ القرن الثامن عشر، متمثلة في الليبرالية، والاشتراكية، والماركسية، وما يعرف بفلسفة التنوير عموما.
وهذه الأنظمة الفلسفية وعدت البشرية بالتحرر من الفقر والجهل والقمع والظلم بيد أنها فشلت فشلا كبيراً في نهاية المطاف، ومن ثمّ انتهت مرحلة الحداثة لكي تبدأ مرحلة جديدة سميت بمرحلة ما بعد الحداثة أو عصر تكريس سياسات القوة.
اليوم أوروبا نفسها تشكو لطوب الأرض عن تنامي عصر ما بعد الحداثة، فهذا يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا الأسبق يقول: "من الواضح أن أوروبا المسالمة في عصر ما بعد الحداثة سوف تجد صعوبة كبيرة في التعامل مع التحديات التي ينطوي عليها إحياء سياسات القوة". فهو يرى أن دول أوروبا بعد تاريخ دموي، اختارت التعاون والتكامل بدلا من المواجهة العسكرية، والتنمية الاقتصادية بدلا من سياسات القوة. ولكن - والحديث لفيشر - "أوروبا الاتحاد الأوروبي" هذه يُرمى بها الآن إلى مسار العودة إلى الماضي، وتواجه مرة أخرى التحدي المتمثل في العودة إلى سياسات القوة على حدودها وفي جوارها المباشر.
إذن فإن فيشر يريد أن يقول إن الحضارة والحداثة الأوروبية والرفاه الاقتصادي مهددة وغير مؤمنة الظهر، وها هي بريطانيا تختار الهروب من أوروبا المسالمة لتصطف في طابور عصابات عصر ما بعد الحداثة عصر.
وفي الوقت الذي تغادر فيه أمريكا ومن لف لفها عصر الحداثة جاءت ثورات الربيع العربي لاهثة للحاق بقطار عصر الحداثة، ولذلك أرادت عصابة عصر ما بعد الحداثة أن تتحول تلك الثورات إلى حالة فوضوية دائمة، لا الثوار يبلغون أهدافهم ولا النظم المتشبثة تنهار وتنزوي وسوريا واليمن ومصر خير مثال لذلك. وتحوّل المنطقة برمتها إلى حالة من الفوضى أمر يسرّ تلك العصابة وتخطط له وذلك سيمكنها من ترتيب أوضاع المنطقة بما يتلاءم مع سياسات القوة.
واشنطن تريد أن تسوس العالم بنظريات ميكافيللي الذي يوصف بأنه عميد المدرسة التي تُعرّف السياسة بأنها: فن الخداع والغش، لقد صمم مصطلح (الفوضى الخلاقة) في معهد (أمريكان انتربرايز) وهو قلعة المحافظين الجدد، يلخص إستراتيجية كاملة أعدت للمنطقة العربية، تهدف إلى إجراء (حملة طويلة من الهندسة الاجتماعية) تفرض بالقوة. مايكل ليدن، العضو البارز في المعهد، قال: "إن الوقت قد حان لكي تصدر الثورة الاجتماعية من أجل إعادة صياغة المنطقة العربية ليس عبر تغيير النظم فقط، بل والجغرافية السياسية كذلك، انطلاقاً من رؤية خاصة تقود إلى "تصميم جديد لبناء مختلف".
ستجد العضوتان الجديدتان في مجلس النواب الأمريكي نفسيهما جزءا من ماكينة ضخمة تدور ليل نهار لتكريس واقع الهيمنة والطغيان ليس على بلادهما الأصلية فحسب وإنما على كل الدول المستضعفة بما في ذلك أوروبا التي ما زالت تعيش أحلام وطموحات عصر الحداثة المنصرف تحت جحافل سياسات القوة.
أخيرا نقول لكل من إلهان عمر ورشيدة طليب أن تأتي متأخرا خيرٌ من ألا تأتي.