الماركسية والموقف من البرلمانية: الذنب ليس ذنب لينين!! بقلم محمود محمد ياسين

الماركسية والموقف من البرلمانية: الذنب ليس ذنب لينين!! بقلم محمود محمد ياسين


11-08-2018, 05:46 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1541652371&rn=0


Post: #1
Title: الماركسية والموقف من البرلمانية: الذنب ليس ذنب لينين!! بقلم محمود محمد ياسين
Author: محمود محمد ياسين
Date: 11-08-2018, 05:46 AM

04:46 AM November, 07 2018

سودانيز اون لاين
محمود محمد ياسين-
مكتبتى
رابط مختصر




ما فتئ النقاش يتواتر كلما اقتربت المواعيد لإجراء انتخابات برلمانية على مختلف المستويات (رئاسية، السلطات المحلية الخ،) في مختلف بلدان منطقتنا، ودافعنا لوضع هذا المقال النقاش الدائر في السودان حول الاشتراك أو مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقدر لها أن تجرى في وقت قريب. ومن وجهة نظر التحليل المادى الجدلى نلقى نظرة على الموقف من البرلمانية في المقال.

تكثر الإحالة لما كتبه لينين من قبل الماركسيين عند تناول المسائل المتعلقة بالبرلمانية، ولكن بعضهم ينطبق عليهم ما قاله لينين حول موقف بعض الماركسيين الأوربيين الذين ظلوا يشيدون بأفكاره حول البرلمانية وعندما اتضح أن فهمهم لسياساته كان غير ما عنى، كان تعليقه:” إن المرء يشعر احياناً ان يطلب من هؤلاء أن يقللوا من تقريظنا وأن يحاولوا فهم تكتيكات البلاشفة أكثر. “

وجدير بالذكر أن كثير من الذين يستشهدون بأفكار لينين حول البرلمانية بنقلها في مقتطفات مأخوذة من مؤلفه " مرض(اليسارية) الطفولي في الشيوعية"، يوقفون استشهادهم عند المقتطف الذى يتحدث عن ضرورة الاشتراك في أشد البرلمانات رجعية. والصورة التي يتم بها نقل هذا المقتطف هي اجتزاءه وقطعه من السياق العام الذى ورد فيه وإعتبار المُجتزأ هو الرأي الأوحد للينين. إن هذا السلوك لا تقف وراءه عقلية سطحية عديمة المسئولية العلمية فحسب بل يفتقد المنهج العلمى الصحيح في التعامل مع الحقيقة في كليتها، ويعطون الإحساس بأنهم لم يطلعوا أصلاً على الكتاب المذكور واكتفوا بنقل مقاطع (أو نتف إن شئت) منه من مصادر أخرى دون الرجوع إلى مظانه.

وعرضاً، نذكر أن كتاب “ مرض(اليسارية) الطفولي في الشيوعية" هو من أهم ما كتبه لينين واكثر مؤلفاته التي تعرضت لتمييع معانيه إما لعدم فهمها أو تحريفها قصدياً؛ فالكتاب وقفه قصيرة من قبل المؤلف لنقد النزعة "اليسارية" في مجرى نقده المتواصل للنزعة "اليمينية" التى اعتبرها الأخطر لميلها لمجاراة أفكار الاتجاه السائد (mainstream) الأمر الذى يجعلها تنادى بالتغيير في ظل الوضع السائد ويسلبها المقدرة على الدعوة الفكرية والسياسية بأن التغيير لا يتم الا بالقطع مع النظام القائم وينتهى بها عاجزة عن رسم التكتيكات المناسبة التي تخدم هذه الدعوة الإستراتيجية. لهذا تجد أصحاب النزعة اليمينية يسعون لاستدرار عطف الجماهير بترديد الشعارات الطوباوية المجردة حول المساوة والعدالة والكرامة بديلا عن توعيتها من خلال توعيتها لكى تدرك من خلال تجربتها حدود الأنظمة التي تضطهدها وتستغلها. دغدغة مشاعر الناس بالشعارات الفارغة المنسوبة للماركسية هي ما يجعل اليمينية تبقى، دائرة حول نفسها، لفترة قد تطول. في المقابل تجد أن معظم اليساريين لا يحملون افكاراً خاطئة بل خطأهم أنهم رغم معطيات الواقع يريدون أن يتم التغيير الآن ولا شيء غير الآن؛ فخطأهم ليس فى طبيعة التكتيكات التي يؤمنون فيها (عمل سرى أو علنى؛ سلمى أو مسلح، الخ،) بل في إقحام التكتيكات على الواقع. وهذا خطأ لأن التكتيك (كفكرة أو نص) لا يطبق بصورة مسبقة على الواقع الذى تحدد معطيات تطوره فعالية التكتيك وبالتالي تأذن بتطبيقه. لهذا فإن الاتجاهات اليسارية تتحطم بعد أول اصطدام بصخرة الواقع. وبالمناسبة أرجو ان لا يفهمني القارئ خطاً حول ما أوردته هنا عن "اليسارية"، فهناك فرق بين رسم التكتيكات الصحيحة، وهو أمر مطلوب، وبين الإصرار على تطبيقها غص النظر عن حالة الواقع؛ أقول هذا لكى ينتبه القراء لما يكتبه أحد قادة المجموعة التي تقود الحزب الشيوعى السودانى، ( الذى رغم الإكثار في الكتابة فإن ما يكتبه عن التاريخ بشكل عام وتاريخ الصراع في الحزب هراء وترديد لمحفوظات سخيفة). ينسب هذا الدعى أن الحزب الشيوعى السودانى - القيادة الثورية- هي مجموعة يسارية لرفعها لشعار النضال المسلح، ولكنه كشخص كاذب لا يريد ان يفهم أن اعتقاد القيادة الثورية في العمل المسلح يتعلق بأسلوب إنتصار الثورة الوطنية الديمقراطية (التي هجرها "حزبه" منذ ماضي بعيد)؛ فمن الناحية الإستراتيجية لا يمكن لأي حزب ماركسى جاد أن يشطب جميع أساليب العمل (السرى أو العلنى- السلمى أو غير السلمى) من حساباته. ويجدر بالذكر بشكل خاص وواضح أنه عندما نتحدث عن العمل المسلح، فإننا لا نتحدث عن " إنقلاب عسكرى" تغامر قيادة الحزب "منفرده" بتدبيره لا تكون نتيجته إلا التضحية بأعضائه "المغيبين"!! (هؤلاء، الشخص المذكور وجماعته، يدعون معارضة "اليمينية" و"اليسارية"، لكن المفارقة الكوميدية، متمثلة في التعامل المقلوب مع المصطلحات والمواقف، هي انهم يمارسون أحط اشكال اليمينية، وهذا ما يتم إثباته في كتبات عندما يحين الوقت لإصدارها.)

وبالعودة لموضوعنا، فإن حديث لينين (بعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية) عن الاشتراك في الدوما (مجلس النواب الروسى، الغرفة الأدنى فى البرلمان الذى يمثل غرفته العليا مجلس الإمبراطورية الروسية) جاء في إطار محدد يتعلق بالتكتيكات المتعلقة بتطور الثورة الروسية، أي بظروف تاريخية معينة وبالتالي لم يكن ذلك موقفا صالحاً ومناسباً لكل زمان ومكان. لم يكن موقف لينين وحزبه اشتراكا في الدوما أو مقاطعة بشكل مطلق بل كان تقلبا "مبدئيا" بين هذين الخطين، على حسب مقتضيات الواقع السياسى، افضى إليه المنهج المادى الديالكتيكى. يقول لينين” إن مقاطعة البلاشفة للبرلمان في 1905 زودت البروليتاريا الثورية بخبرة سياسية عظيمة القيمة وبينت انه عند جمع أشكال النضال البرلمانية القانونية وغير القانونية يكون أحياناً من المفيد وحتى ضروريا رفض الأشكال البرلمانية. بيد أنه يكون من أفحش الأخطاء تطبيق هذه الخبرة، بشكل أعمى وعن تقليد وبصورة لا نقدية، في ظروف ومواقف أخرى. “- " مرض(اليسارية) الطفولي في الشيوعية".

يقول لينين” إن التجربة الروسية أعطتنا مثالاً موفقا وصحيحاً لمقاطعة البرلمان في 1905 ....(إننا) نرى أنه قد حالفنا النجاح في منع حكومة رجعية من عقد برلمان رجعى في ظروف كان يجرى فيها نشاط متنام ومتسارع خارج البرلمان(خاصة الإضرابات)، وعندما لم تكن أى فئة من فئات البروليتاريا والفلاحين مستعدة لتأييد السلطة الرجعية بأى صورة، وكانت البروليتاريا الثورية تحرز تأثيرا على الجماهير المتخلفة بفضل النضال الإضرابى والخاص بالحركة الزراعية.“

موقف لينين حيال النشاط البرلماني يتلخص، اختصارا، في أن الاشتراك في البرلمانات الرجعية يصبح ضرورياً لتعرية الأنظمة المعادية للشعب عندما تكون حركة الجماهير في تراجع وركود؛ بينما في الحالات التي يكون فيها النشاط السياسى للشعب متعاظما والمطلب الملح هو سقوط النظام الحاكم، تقل بل تنعدم أي جدوى من الإشتراك البرلماني وتصبح الأولوية لتصعيد النضال خارج البرلمان. هذا هو موقف لينين وهو يتعلق بأن التكتيكات متغيرة حتى في الواقع الواحد، تمليها ظروف معينة لخدمة أهداف إستراتيجية.

يتعرض موقف لينين من النشاط البرلمانى لتحريف مبالغ فيه لخدمة مواقف سياسية ذاتية لا تتحرى الموضوعية الغالية الثمن الذى يدفعه من يتحرونها في خضم الصراع السياسى الحاد الذى تحركه مصالح الطبقات. والشيء المحير هو حتى إذا تغاضينا عن تحوير أفكار لينين يثور السؤال عن كيف تكون التكتيكات، حيال الموضوع تحت النظر او غيره، التي اتبعها لينين في مجرى الثورة الروسية ذات جدوى (او حتى قيمة) إذا تم نقلها بالمسطرة لمعالجة قضايا في واقع مختلف زماناً ومكاناً!! بالطبع هذه ليست توصية للكف عن الإطلاع على تلك التكتيكات بل بالعكس؛ فإن التكتيكات السياسية لفلاديمير لينين عبقرية ودراستها بدقة تساعد على الإلمام الجيد بكيفية تطبيق المنهج المادى الجدلى على المسائل المتصلة بصراع الطبقات وعلى الظاهرات الاجتماعية بشكل عام.

إن الذين أوقفوا النظر على الجانب التكتيكى في سياسات لينين حول النشاط البرلماني لم يفهموا المغزى منها وهو أنها لم تكن نشاطاً دائرياً بلا هدف او لم تتم في إطار إستراتيجية كبرى؛ وأن نضال لينين داخل البرلمان أو خارجه كان في التحليل النهائي سياسيا يتمثل في الدعوة (الإستراتيجية) التى ناضل من أجلها، وهى : ” علو مجالس العمال والفلاحين والجنود،( السوفيتات -soviets) على البرلمان البرجوازى الديمقراطى“، أي تَفَوُّق الاشتراكية وأجهزتها التمثيلية العمالية والفئات المستغلة الأخرى على الديمقراطية الليبرالية.

من السابق يتضح أن مشاركة (الحزب الشيوعى السودانى) في المجلس المركزى- البرلمان المزور الذى اسسه الحكم العسكرى للفريق إبراهيم عبود والمنتخب في مايو، 1963 - يرفض فكرتها أقل إلمام بألف باء الماركسية؛ وربما مجرد البداهة (common sense)؛ تلك البداهة التي أقنعت جميع قيادات الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية إلى أن المشاركة في المجلس لا طائل من ورائها، فالمجلس جاء في الوقت الذى كان فيه الحكم ضعيفاً ومعزولا تماما وفاقداً لاى مقومات تسمح ببقائه، وكانت جميع فئات الشعب على أتم استعداد للتحرك والانقضاض عليه وهو ما حدث بعد سبعة عشر اشهر من قيامه حيث أطاح به الشعب في أكتوبر 1964. وهكذا كان من شأن معارضته ان تساهم في إضعاف وخلخلة الحكم العسكرى.
 
وفى هذا الخصوص فإنه غريب امر أولئك الأشخاص أصحاب الاستشهاد بالماركسية بالاعتماد على طريقة النقل لمقولاتها عن النقل عن النقل، غريب أمرهم عندما ينزعوا لتبرير خطأ المشاركة في المجلس المركزى للفريق عبود على انها كانت نتيجة اتباع أفكار لينين (هؤلاء يرون أن المشكلة في الماركسية-اللينينية نفسها)؛ لكن لينين لا ذنب له، فالذنب يقع على المشاركين أنفسهم الذين لم يفهموا لينين. فإضافة لما ورد أعلاه فإن لينين ذكر بأنه عند النظر لتكتيكات حزبه الخاصة بالانتخابات، يتوجب” مراعاة التجربة الروسية بالارتباط ببعض المسائل الملحة للتكتيك الشيوعي “؛ فسداد تكتيكات محدده بواقع معين لا تكون لها جدوى إذا نقلت لواقع آخر مختلف. وهكذا، فإن ذنب المشاركة في المجلس المركزى لم يكن ذنب لينين، بل ذنب العجز الذى وقف حائلا أمام إدراك الصفة "المحلية" لتكتيكاته.

وعلى أي حال فإن الاتجاه لو كان مقاطعة أو مشاركة في الانتخابات، فالأهم هو الهدف النهائي الذى يتمثل في ابعد من مجرد تعرية طبيعة الأنظمة الرجعية، التي قد تلجأ لنظام الديمقراطية الليبرالية وتستخدمه لتثبيت أركان أنظمتها المستبدة؛ فمقاطعة المجلس المركزى والمشاركة فيه لم تتم لخدمة إستراتيجية واعية تساعد على توجيه انتفاضة الشعب العفوية في أكتوبر 1964 لخلق سلطة تُؤِّمن تحقيق كامل المطالب السياسية، التي ثار من اجلها، في إطار إدراك ووعى ان فقدان النظام العسكرى الحاكم المقدرة على الإستمرار في الحكم لم يكن يعنى أن ينسحب هذا على الطبقة السائدة التي عادت بأذرعها الأخرى (الأحزاب اليمينية) وقضت على انتفاضة الشعب آنذاك بشكل مأسوي.

والآن، فانتخابات السودان المزمع عقدها تتم في أوضاع يسودها إجماع شعبى واسع على ضرورة رحيل حكم الإنقاذ الحالي لفشل سياساته على الصعيد الاقتصادي وكبت الحريات السياسية وتطبيق القوانين التي تذل وتقهر المواطنين وتكتم حرياتهم الشخصية الأمر الذى يجعل مقاطعة البرلمان في السودان في الانتخابات القادمة هو الموقف السياسى الصحيح. فمثالب النظام الحاكم صارت واضحة لكل فئات الشعب، قاصيها ودانيها، والمشاركة البرلمانية لكشفها تصبح تحصيل حاصل؛ فالمقاطعة مسمار يُدق في نعش الحكم الفاسد. لكن لإعطاء معنى لمقاطعة الانتخابات في هذه الحالة فلا مفر من ربطها بمطالب سياسية وإقتصادية تتعلق بما يمكن إنجازه فى حدود واقع اليوم كخطوات أولى على طريق خلق نظام وطنى ديمقراطى كامل الأوصاف عصب جوهره تحرير القرار السيادى من الخضوع للشروط التي تفرضها الدول الكبرى ومؤسسات التمويل العالمية؛ فالوصول إلي هذا النظام يمر عبر معارك طويلة؛ بينما تتركز حاجات الساعة في مجال الحريات السياسية واهم المطالب في هذا المضمار هي فصل الدين عن الدولة والتاكيد على ضرورة استقلالية الحركة النقابية وضمان المشاركة الفعالة للأغلبية من أبناء الشعب من العمال والريفيين في العملية السياسية؛ فاستقلالية النشاط النقابى والمشاركة الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة التي تمكن العمال والمزارعين إطلاق حركة مطلبية تمكنهم من التغلب على المصاعب التي تعيق تحسين ظروفهم المعيشية والإجتماعية.