هل ظلمتك الحياة؟ إذا كنت تعتقد ذلك .. فكر من جديد؟ بقلم د.أمل الكردفاني

هل ظلمتك الحياة؟ إذا كنت تعتقد ذلك .. فكر من جديد؟ بقلم د.أمل الكردفاني


10-31-2018, 00:35 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1540942514&rn=0


Post: #1
Title: هل ظلمتك الحياة؟ إذا كنت تعتقد ذلك .. فكر من جديد؟ بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 10-31-2018, 00:35 AM

00:35 AM October, 30 2018

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر





إن أول خطأ في تلك الجملة الشائعة هو خطأ لغوي يتعلق بالمستهدف من الجملة ، هو لغوى لأنه خاص بالمعنى وانعدام البلاغة ، فالبلاغة مصدرها بلغ أي وصل وهي تعني إيصال فكرة ما بلغة واضحة وسليمة. وحينما يقول امرؤ أن الحياة ظلمته ؛ فإنه أفقد اللغة أهم وظيفة لها وهو الجانب التواصلي الدقيق ؛ فما معنى الحياة؟ إن كلمة حياة هنا لا مناط لها ، وتفتقد الى الانضباط. الحياة .. هل تعني القدر؟ الحياة هل تعني البشر؟ الحياة هل تعني كل ما هو حي وليس جامد؟ ... هل تعني كل شيء وبالتالي فأنت كم لو كان الكون بأسره عدوا له؟ هذا التوهان اللفظي الذي يستخدمه الكثير من البشر ناتج عن عدة أسباب:
- من ضمنها أنه لا أحد يرغب في الاعتراف بعدو محدد.
- أن الانسان على نحو غالب لا يعرف أين يكمن جوهر مشاكله.
- أن فكرة التسيير من كائنات أعلى تسيطر على خياله وتفقده القدرة على فهم الواقع بتجرد وحياد.
- التبلد الذهني أو التشتت الذهني.
- التغذية الاعلامية السياسية والدينية والرأسمالية التي تعمل على غسل مخ الفرد.. ووضعه دائما في حالة فقدان لتحديد استراتيجياته لمواجهة الأزمات. وذلك لتسهل السيطرة عليه.
سنلاحظ مثلا أنه في قضية خاشقجي مثلا: استطاع الضخ الإعلامي من قبل الانظمة السياسية أن يؤثر بشكل واضح على الشعوب. فجأة عرفت هذه الشعوب هذه الشخصية ، فجأة تم خلق رابطة عاطفية بينها وبين هذه الشخصية. وفجأة تحولت الشخصية الى بطل عالمي. نفس ذلك الاعلام الذي وجه هذه الشعوب هو نفسه الاعلام الذي يخفي مجازر الأنظمة التي ينتمي لها أو ترعاه ماليا. وفي الوقت الذي يموت فيه الملايين من الحروب والقصف فإن هذه الشعوب خضعت لتركيز وعيها تجاه قضية شخص واحد. وخضعت فوق هذا لتوجيه عاطفتها لاتخاذ موقف تجاه تلك الشخصية. هذا ليس مقصورا على هذه القضية ، فجوستاف لوبون في كتابه الهام سيكولوجيا الجماهير وما تلاه من تأصيل فرويدي لهذه السيكولوجية يعطينا إشارة نحو حقيقة مخيفة جدا ؛ وهي أن السبع مليارات نسمة الذين يعيشون فوق هذا الكوكب خاضعون تماما لقلة لا تتجاوز بضعة آلاف إن لم يكن أقل. إذن فالوعي البشري بواقعه مشتت جدا ، وفهم البشر غالبا له محدود بحدود ما تقرر تلك الأقلية منحه من معلومات للأغلبية. إن شركة هواتف محمولة تستطيع أن تستقطب مليارات المستهلكين لمنتج هاتف جديد عبر الدعاية المبهرة. قد لا يحمل الهاتف أي مزايا تختلف عن سابقيه أو ربما لا تكون المزايا الجديدة تستحق أن يرمي شخص هاتفه القديم ليشتري هاتفا جديدا. لكن تلك الشركات تعرف كيف توجه السبع مليارات نسمة نحو منتجها لأنها متأكدة من أنهم يعانون من شتات ذهني واسع النطاق.
وحتى لا استفيض في هذه النقطة المعلومة ، أعود لمسألة الوعي البشري بالواقع. ذلك الوعي الذي تم تدجينه على الإيمان بأكاذيب تحولت الى مسلمات ، في عالم لا يمكن أن تظل فيه أي مسلمة ثابتة لا تتأرجح وهي فوق صفائح تكتونية من الحقائق المخفية بذكاء من قبل الأقلية المسيطرة.
لقد قاد فلاسفة كبار منذ سقراط وأفلاطون وارسطو وغيرهم هذه البشرية نحو الظلام وليس نحو النور كما يعتقد البعض. لقد حاول نيتشه وحده الوقوف ضد زحف الظلام لكنه فشل. أقول فشل لأن نيتشه نفسه لم يخاطب هذه البشرية بلغة سهلة يفهمها. لقد كان وعيه أكبر من اللغة وهنا وقع في فخ الفقر اللغوي. الفلسفة المثالية مهدت الطريق للأديان فكانت وسادة تنظيرية لهذه الأخيرة ، وقد قاد كلاهما البشرية إلى السديم الأسود. لقد انطلقت الفلسفة منذ شرارتها الأولى بأكذوبة (الحق ،الخير ، الجمال).. كان هذا الثالوث هو القدم الخبيثة التي امتدت لتعرقل أقدام البشرية وهي تركض في درب سيرها الطويل الواعي. أفلاطون هو من ارتكب تلك الجريمة العالمية ، حين أوهم البشرية بعالم المثل ، وحين أفقد من جاء بعده من الفلاسفة البصيرة المنفتحة لرؤية حقيقتنا الإنسانية بوضوح. لقد كانت تلك الفلسفة هي مصدر الشر الأكبر ، وربما لو لم يكن من أفلاطون لما كان هناك شر بالمطلق. لأن وعينا بالواقع هو السبيل الأول لمنع الشر وليس التعامي عن الحقيقة. وهكذا أنتج الخير المزيف شرا وكان بالامكان أن ينتج الشر الحق خيرا لو طرحه أفلاطون كما هو بغير كل ذلك التشويه والتمويه.
(الحياة ظلمتني) هي إحدى منتجات اندماج الأفلاطونية بالدين. لقد شكل كلاهما شركة متعاضدة ضد الوعي الإنساني ؛ الذي اصيب بارتباك عظيم وأخذ يفكر في قضايا ليست ثانوية فقط بل حتى شديدة الوهمية كالتسيير والتخيير وتبعاتها. وقعت البشرية في فخ تلك الشركة ذات الوظيفة الأخطر وهي توجيه خطى البشرية نحو وادي الظلام.

لم تزل جملة (الحياة ظلمتني) تتردد بكل حمولتها الكئيبة والسوداوية ، وبكل آثارها الجانبية الخطيرة التي تضع العربة أمام الحصان. فالحق والخير والجمال كانت السد المنيع أمام وعي الانسانية بحقيقة واحدة هي التي عاشها أسلافهم منذ ظهور الكائن العاقل في التاريخ السحيق وعاشوها هم في الحاضر الماثل وسيعيشونها مستقبلا سواء شاءوا أم أبوا.
هذه الحقيقة التي تماثل الموت في الموثوقية ، هي حقيقة (الصراع).
(الصراع) .. هذه الكلمة التي لو كان أفلاطون قد نطقها قبل الفين وخمسمائة عام لتغير حال البشرية بأسرها اليوم. لو كان هناك وعي بها لأنتهى الشر إلى الأبد.
الحياة لا تظلم أحدا إنما يظلم الانسان نفسه حينما يتعامى عن رؤية تلك الحقيقة. لقد صرخ نيتشة بكلام كثير ، كان بإمكانه اختصاره كله في كلمة (الصراع). لكن نيتشة هو أيضا ظل يكابد الرد على التراث الأفلاطوني الهائل فكانت سهامه بعيدة عن الهدف... تحاول هدم التراث ، ومن يحاول هدم التراث لبنة لبنة سيحتاج لملايين السنوات من العمر... وحتى لو حصل على تلك الملايين فهذه الأخيرة ستنتج تراثا منبثقا عن التراث الماضي فترسخ له وتكرس حضوره في الوعي الانساني...فيغدو المرء كسيزيف الذي يحمل الصخرة إلى أعلى ثم تسقط منه فيعود لرفعها مرة أخرى إلى أبد الآبدين.
، الصراع هو الحقيقة الكونية وليست البشرية فقط ، الصراع هو من انشأة هذا الكون ، والصراع هو الذي أدى إلى انقراض كائنات حية وبقاء أخرى. الصراع هو من أنتج لنا الحق والقانون وما يطلق عليه توهما العدل... والصراع هو كل ما نقوم به خلال حياتنا ، منذ الميلاد وحتى الموت. إننا نخوض صراعنا من أجل البقاء ، نعمل لنأكل ونشرب ونتزوج ، وعندما نعمل فنحن حتما لابد أن نخوض صراعنا لنعمل ، لابد أن نخوض صراعنا مع أصحاب العمل إن كنا عمالا أو مع العمال إن كنا أصحاب عمل. مع المستهلكين آإن كنا منتجين أو مع المنتجين إن كنا مستهلكين ، وحين نأكل ونشرب ونتزوج سنخوض مزيدا من الصراعات ، ليس الصراع من أجل توفير ما يشبع الحاجات الحدية وحدها بل ما يمكننا من خلق أسلحة جديدة تدفع بنا إلى الأمام في معركتنا البشرية الحتمية ، إننا كما قال جيل دولوز في حالة تجهيز دائم لأسلحتنا لنتمكن من خوض غمار الحياة كما نرغب. وحينما نحلم فنحن نحلم بصراع مستقبلي لم يحدث بعد ، صراع قد ننتصر فيه أو ننهزم عندما يأتي ، فإن انتصرنا استمتعنا بمذاق ثماره وإن انهزمنا لم نحزن لأننا كنا نملك الوعي الكافي بأننا كنا نخوض الصراع...ومن ثم فسوف نحاول العودة الى المعركة من جديد بأسلحة تتناسب مع واقعنا الجديد . الفقر هو نتاج الصراع ، قمع الحريات هو نتاج الصراع ، المرض هو نتاج الصراع ، الموت جوعا هو نتاج الصراع ، التنافس من أجل الحصول على وظيفة هو عينه صراع ، القوة الاقتصادية للدولة أو ضعفها نتاج الصراع ، قانون السوق هو الصراع ، قانون البرلمانات ناتج عن الصراع ، قانون الغاب ليس سوى صراع ، حينما نأكل طعاما جيدا فنحن نستقطعه من آخرين لم يستطيعوا الحصول عليه وهذا صراع نجحنا فيه وفشلوا فيه. حينما نتعلم ونحصل على خبرات ومعرفة فهذا من أجل أن نخوض بها الصراع ، حينما نبني قصورا ونقود سيارات فارهة فهذا ليس لأن السيارة الفارهة حاجة ملحة وإنما لأنها سلاح لخوض الصراع ، حينما يتمكن الغني من توكيل عشرات المحامين والفقير يدافع عن نفسه بالصمت فهذا نتيجة صراع. بل حتى عندما نتفق جميعنا على المساواة واحترام حريات بعضنا البعض فهذا نتيجة الصراع....الخ...
إذن.. فالبشرية التي خدعها أفلاطون بالحق والخير والجمال ؛ كان بإمكانها لو وعت بهذه الحقيقة أن تختصر آلاف السنين وهي تبحث عن المستحيل عبر المثالية الطوباوية. إن الحق والخير والجمال لا يمكن الوصول إليهم عندما نتجاهل أنه لولا الصراع لما بحثنا أساسا عن هذا الثالوث المزيف.
(ظلمتني الحياة)...
هل لا زلت تعتقد ذلك أم ببساطة من ظلمك هو عماؤك عن فهم وجودك كصراع؟
فكر من جديد...