من فاشية إلى فاشية أظرط ! هل سيحكمنا الجنجويد؟ بقلم الفاضل عباس محمد علي

من فاشية إلى فاشية أظرط ! هل سيحكمنا الجنجويد؟ بقلم الفاضل عباس محمد علي


10-13-2018, 05:30 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1539448245&rn=0


Post: #1
Title: من فاشية إلى فاشية أظرط ! هل سيحكمنا الجنجويد؟ بقلم الفاضل عباس محمد علي
Author: الفاضل عباس محمد علي
Date: 10-13-2018, 05:30 PM

05:30 PM October, 13 2018

سودانيز اون لاين
الفاضل عباس محمد علي-
مكتبتى
رابط مختصر


بسم الله الرحمن الرحيم


الدول العربية موبوءة بالشقاق والاحتراب الداخلي والحروب القبلية منذ عهد الأوس والخزرج، وحرب البسوس التى استمرت لقرن كامل؛ وعندما يطل عليهم السلام بين الفينة والأخرى ويطمئنون في أحد أمصارهم على شيء من الاستقرار والسعي الحلال في مناكب الأرض ابتغاءً للعيش الكريم والتعايش السلمي live and let live واحترام الآخر، فإنهم سرعان ما يضيقون ذرعاً بأنفسهم ويفعل بهم السأم أفاعيله وينتكسون لطبائع الغاب ويأخذون بتلابيب بعضهم البعض. على سبيل المثال لبنان التى تواثق أطرافها من مسيحيين موارنة ومسلمين سنة وشيعة وشيوعيين ويمينيين ومثقفين وعمال على دستور مثالي عام 1942، واستمر السلام تحت ظلال الديمقراطية التعددية وحرية الرأي وسلاسة النشر....حتى انفجرت الحرب الأهلية مجدداً عام 1974، وما تزال كذلك on and off حتى الآن، فحل بها الصراع الدموي السرمدي وتناثر المهاجرون اللبنانيون في أصقاع الأرض قاطبة، شأنهم شأننا (السودانيين) وشأن اليمنيين والعراقيين والسوريين وكل أصناف العرب العاربة والمستعربة والمتشبهة بالعروبة، بعد أن كان لبنان درة العرب وتاج هامتها الذى قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي:

لبنان ردتني إليك من النوى أقدار سير للحياة دراك
ركز البيان على ذراك لواءه ومشى ملوك الشعر في مغناك
أدباؤك الزهر الشموس ولا أرى أرضاً تمخض بالشموس سواك

وما عادت بلاد الشام كلها (أي لبنان وسوريا) تتمخض عن شيء سوي الركاكة والسماجة والاتجاهات المتطرفة والفاشية والشوفينية والعنصرية والعنجهية الجوفاء والعدوانية والضيق بالآخر والفتك بالخصوم السياسيين.
وكذا الحال بالنسبة للسودان الذى أناخت الديمقراطية بدياره لبضع سنوات - 1964/1969 و1985/1989 - ثم حلت به لوثة الإسلاموية العروبية وأصبح أمره فرطاً وأخذ في التشاكس والإنحسار والتقهقر والتآكل من أطرافه، بدءاً بالجنوب، بحجم الدول الخليجية مجتمعة، ثم دارفور، بحجم فرنسا، وهي تسير في نفس طريق الجنوب، ومعها جنوب كردفان بما في ذلك منطقة أبيي، وجنوب النيل الأزرق. وكما ظلت الفصائل اللبنانية المختلفة تحتفظ بالسلاح للعديد من السنوات مخزوناً في مغاراتها وكهوفها وبطون سهولها وتلافيف جبل الشيخ قبل الإندلاع الفعلي للحرب الأهلية، فإن السودان الآن – حذوك النعل بالنعل – مسلح حتى الأسنان، وكله شونات ومطامير متناثرة من السلاح تمتلكها طوائف وأحزاب ومجموعات إثنية ومناطقية ما انفكت تعد رباط الخيل وفوق ما تستطيع؛ ومن لم تشرع منها في استخدام ذلك السلاح، فهي تنتظر اللحظة المناسبة، لحظة الإنفجار العظيم الوشيك الذي سوف يقضي على آخر أثر من كيان إسمه السودان، بمثلما حدث للممالك المسيحية البائدة – علوة والمقرة - التى يرمز العامة لاختفائهما من الخريطة بالتعبير السائد: (خراب سوبا)....وبمثلما حدث مؤخراً لدولة كان إسمها الصومال.
وهنالك مجموعات عديدة تحمل السلاح وتستخدمه الآن فعلياً بالأطراف، دار فور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان؛ ولكن أخطرها وأكثرها تنظيماً وتناغماً ووحدة هدف، وأكثرها تعبيراً عن إثنية محددة يشد بعضها بعضاً (بنو عمومة)، وتأهيلاً مادياً ولوجستياً (مناجم ذهب جبل عامر ودعم وأبوية النظام الحاكم وعقد مهمات أمنية لصالح الإتحاد الأوروبي)، هي ما تسمي ب"قوات الدعم السريع"؛ وهي في حقيقة أمرها قوة مستخلصة من بدو شمال دارفور الأبَالة، في معية بني عمومتهم من تشاد والنيجر، الذين كانوا قد أشعلوا الحرب في جنوبها عام 2003 عندما غاروا على قراها بتحريض وتخطيط ودعم وتعليمات مباشرة من حكومة الخرطوم الإسلاموية – وكانوا يسمون حينئذ "الجنجويد"، أي جان على ظهر جواد يحمل جي إم ثري – فأعملوا في قبائل "الزرقة"، الزغارة والفور والمساليت والداجو والبرتى والباقرمة...إلخ، تقتيلاً وحرقاً وسبياً للنساء وتشريداً لمئات الآلاف الذين لاذوا بمعسكرات اللاجئين بالدول المجاورة (ولا زالوا بها، باستثناء الذين حملوا السلاح وتحصنوا بسلسلة جبال مرة). وكانت الحصيلة التى اعترف بها رئيس الجمهورية شخصياً بعظمة لسانه هي "عشرة آلاف قتيل" من تلك القبائل الإفريقية المسلمة (غير العربية) المستهدفة بجنوب دار فور، والتى لا زالت ملاحقة كالطرائد بعد مرور خمس عشرة سنة على ذلك العدوان الحكومي الجنجويدي الجاهلي الآثم غير المبرر.
ولقد تم استجلاب قوات الجنجويد للعاصمة القومية، وتمت مكافأتها على ما فعلته بأهل دارفور بالإعتراف بها رسمياً وتسميتها (قوات الدعم السريع)، وتم تحويلها لفصيل نظامي له مكانته ومتمنطق بالزي العسكري، وتم منح قائدها رتبة فريق أول مع بضع نياشين رغم أنه لم يخدم بالقوات المسلحة ولم يتخرج في الكلية الحربية ولا علاقة له البتة بالجيش السوداني. وتستكين هذه القوات متكئة على أرائكها بالعاصمة المثلثة، ولها وجود محسوس بطرقاتها وبكافة ميادينها وأركانها، كرديف للجيش الرسمي، أو بديل تدريجي عنه – الله وحده أعلم. ولا يستطيع كائن من كان أن يتساءل علناً عن السر وراء تواجد هذه القوات بالخرطوم بسلاحها وعتادها وسياراتها ذات الدفع الرباعي المحملة بالمدافع الميدانية والبنادق الأتوماتيكية، وطوافها بالشوارع لسبب أو بلا سبب، على الرغم من وجود قوات مسلحة كاملة الدسم (الجيش) وقوات مسلحة أخري تابعة لجهاز الأمن الوطني، وقوات شرطة بشحمها ولحمها، وقوات الدفاع المدني. ليس هذا فحسب، بل أخذت الدولة نفسها في القيام بتدريب الأفواج حديثة التجنيد بقوات الدعم السريع، ونظمت لها دورات لفترات قصيرة ومتوسطة، وتم تخريجها بمهرجانات مدوية ورازماتاز ملفت للنظر، كأنهم تخرجوا في الكلية الحربية. وعلى كل حال، ما انفك الناس يتساءلون في السر والعلن عن حقيقة هؤلاء الجنجويد، وعما ينطوون عليه من مخطط دفين.....فماذا وراء الأكمة بالتحديد!!؟؟
إن الشواهد التاريخية تشير إلى أن الطغاة المستفردين بالحكم لا يثقون في الجيوش الرسمية النظامية، فيشرعون على الفور في تأسيس مليشيات ذات ولاء إيديولوجي (كأنهم أفراد في منظمة عصابوية)، تكون ترياقاً للجيش وأداة طيعة و"سريعة" في وأد الإنقلابات المحتملة. هكذا فعل أدولف هتلر عندما كون مليشيا الشبيبة النازية SA وأردفها بمليشيا الحرس الثوري SS اللتين أقامتا معه في برلين تسهران على حمايته الشخصية منذ تسنمه السلطة عام 1933 حتى اقتحام القوات الروسية لبرلين وانتحار الفوهرر عام 1945. ولقد استلف البعثيون العراقيون هذه الفكرة، فبعثوا بالجيش ذات اليمين وذات اليسار، نحو إيران ثم الكويت وهكذا، بينما ظلت مليشيا الحرس الوطني المكونة من أبناء عمومته ورهطه التكارتة (أهل تكريت) تقوم بالحراسة اللصيقة بصدام حسين حتى أتته ريح صرصر عاتية من لدن أصدقاء الأمس، الإمبريالية الأمريكية. كما استلف الفكرة أيضاً الإمام الخميني فأنشأ الحرس الثوري من الشباب المؤدلج المضمون، بديلاً عن الجيش الرسمي. وقام القذافي بنفس هذه الخطوة فقضي على الجيش قضاء مبرماً، وترك أمر حمايته بين مليشيات من الصبية والنسوة الكاعبات سرعان ما انهارت صفوفها عندما داهمتها الإنتفاضة، وما زال الفراغ الذي تركه الجيش بعد تغييبه من قبل القذافي هو الذي جعل الاستقرار مستعصياً بتلك الدويلة المنهارة. وعلى هذا النهج سارت حكومة البشير التى أضحت دكتاتورية رجل واحد يتوجس خيفة من القوات النظامية، ويستعيض عنها بمليشيا مضمونة الولاء. بيد أن الناس يتساءلون هل هي فعلاً مضمونة الولاء؟ هل هم من بني جعل أحفاد العباس الذين يدعي الإنتماء لهم؟ أم هم قوم شعث غبر quasi Arabs قادمون من صحارى شمال دارفور، يرفدهم بنو عمومتهم من شمال تشاد والنيجر؟؟
ولقد لفت نظري بالتحديد البوست الذي أطلقه الشاعر محمد المكي إبراهيم قبل يومين بالفيسبوك بعنوان "هل سيحكمنا الجنجويد؟"، فحاولت أن أتجشم إجابة لم أعثر عليها تماماً، فالأمر كله حكم بالسوابق المحلية والعالمية، ويظل الغيب في يد المولى عز وجل، ومهما كانت التوقعات فإن الحياة حبلى بالإحتمالات والمآلات والمفاجآت؛ من كان يتوقع انهيار الإتحاد السوفيتي بالسهولة التى تم بها عام 1991؟ ومن كان يتصور أن الشعب المصري المعروف سوف يثور على حسني مبارك كما فعل في يناير 2011؟؟ ومن كان يتوقع أنهم سوف يتخلصوا من حكم الإخوان المسلمين عام 2013 بعد عام واحد من اعتلائهم للسلطة؟ أليسوا هم نفس الإخوان المسلمين الذين ظلوا جاثمين على صدور أهل السودان لتسع وعشرين سنة، بينما ظل السودانيون يتباهون بثورة أكتوبر 1964 وانتفاضة أبريل 1985 ويحسبون أنهم أشجع شعب في المنطقة ولا يظنون في المصريين خيراً. لذلك فإن التكهن بما ستؤول إليه الأمور بالسودان أمر يستعصي على الفهم ويتحدى المنطق. ولكن، مهما يكن من أمر فإن الوضع الراهن المهترئ من الناحية الإقتصادية لن يستمر طويلاً، وعما قريب سوف يصل سعر الولار لمائة جنيه، وذلك يعني زيادة تكاليف الحياة أضعافاً مضاعفة. ويعتقد الكثيرون أن ثورة الجياع هي أقل ما يمكن أن نتوقعه من الشارع السوداني على مدى العام القادم، تماماً كثورة بؤساء باريس عام 1789م. ومع غياب النقابات "المكربة" والتنظيمات السياسية الضاربة الجذور وسط الجماهير، فإن ثورة من هذا القبيل مرشحة لأن تستحيل إلى فوضى عارمة وحرب أهلية بين حاملي السلاح الذين سيتوافدون على العاصمة القومية من أطرافهم النائية. وهذا السيناريو توقعه صديقي الدكتور محمد يوسف أحمد المصطفي في (ونسة) لي معه بمكتبه بجامعة الخرطوم قبل عامين.
قال ود يوسف، وهو الخبير بحرب العصابات إذ كان منتمياً للحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الدكتور الكولونيل جون قرنق، وأصبح خبيراً بأبعاد وتعرجات مثل تلك الحروب.... قال لي إن أي فوضى من هذا القبيل في شوارع الخرطوم سيكون القدح المعلي فيها لقوات الجنجويد بقيادة حميدتي بحكم الإمكانيات المتاحة لها وبحكم انضباطها تحت إمرته وتواؤمها الإثني homogeneity وخبرتها في قتل المدنيين منذ عام 2003 وكفاءة لوجستياتها (آلاف اللاندكروزات الجديدة والمجهزة)، ثم تمرسها في حرب المدن وتأقلمها بأجواء العاصمة وإلمامها بمنعرجات ومؤامرات القصر منذ مجيئها للخرطوم قبل بضع سنوات، فهم جزء من اللعبة السياسية وليس متفرجاً من خارجها.
والآن، وبعد مضي عامين على حديث ود يوسف، برزت قوات الدعم السريع كقوة لا تضاهيها قوة أخرى بالعاصمة، ولقد عبرت مواقف رئيسها الأخيرة وتصريحاته الصاعقة عن ثقة في النفس لا تخطئها العين. بل استهان هذا الزعيم برمز من رموز النظام، أحمد هارون، وقال إن مكانه الطبيعي هو السجن وليس الولاية. ولعله كان يقصد ليس أحمداً ذاك القابع بالأبيض، بل صحبه الآخرين بالخرطوم، لا سيما رئيس المؤتمر الوطني ورئيس الجمهورية نفسه. هذا ما دار بخلد المراقبين في الأيام القليلة الماضية. فما رأي البشير في ذلك؟ هل هو فعلاً يعول على هؤلاء الجنجويد حتى نهاية الشوط؟ ألا يتوقع منهم ما يتوقعه أي شخص متوسط الذكاء؟ فهؤلاء القوم يشكلون أخطر قوة ضاربة في العاصمة، مسنودة بأطنان من الذهب من جبل عامر، وبالعملة الصعبة الواردة من الإتحاد الأوروبي نظير جهودهم في القبض على الأفارقة المتسللين نحو شواطئ المتوسط عبر الصحراء الكبري، وبالدراهم والريالات القادمة من الخليج كرواتب بالعملة الصعبة للجنود من رهط حميدتي المشاركين في عاصفة الصحراء. وإذا كان الأخ البشير يعلم الخطر الذى يشكله الجنجويد، وإذا كان يتوقع أنهم سوف يرثون الأمر في البلاد عما قريب، فهل يتوقع أنهم سوف يستمرون في ولائهم له بعد ذلك، أم سيسلمونه للمحكمة الجنائية الدولية على الفور؟
ما هو فاعل إذن قبل هذه الطامة؟
والسلام.
الفاضل عباس محمد علي
14 أكتوبر 2018