ألشُرفاء يعافون المناصب ,, بقلم اسماعيل عبد الله

ألشُرفاء يعافون المناصب ,, بقلم اسماعيل عبد الله


09-19-2018, 02:56 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1537365366&rn=0


Post: #1
Title: ألشُرفاء يعافون المناصب ,, بقلم اسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 09-19-2018, 02:56 PM

02:56 PM September, 19 2018

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-
مكتبتى
رابط مختصر


أشعل (حمدوك) منابر الحوار السودانية العديدة و المنتشرة في أصقاع الأرض , باعتذاره عن تقلد منصب وزير المالية و الاقتصاد الوطني , في التشكيل الحكومي الأخير , وعدم قبوله تولي رئاسة إدارة هذه الحقيبة الوزارية المحورية , و المؤثرة تأثير مباشر على حياة المواطن المعيشية , في موقف نبيل لم يكن هو الأول من نوعه كونه قد صدر من أحد ابناء السودان الشرفاء , فقد سبقه آخرون في هذا المضمار الذي أعاد الأمل للأمم و الشعوب السودانية , وأبان لها أن الدنيا ما زالت بخير بعد أن حوّلها الأنقاذيون إلى حياة قاسية وكئيبة كالحة السواد , لما نشروه من ذعر وشر مستطير , و ظلم و فساد منطلق العنان في طول البلاد وعرضها , فهذا الإحتفاء الذي طوقت به جماهير الشعوب السودانية هذا الخبير الأقتصادي العليم , يدل دلالة قاطعة على إندثار النموذج الأصل للإنسان السوداني , الذي عرف منذ قديم الزمان وحديثه بحميد أخلاقه و شهرة أمانته المعهودة في مجتمعه كذا وبين الشعوب الأخرى , فلو يعلم الناس أن هذه البادرة القيمية الفريدة كانت تتجسد في شخص كل سوداني و سودانية على المستوى الشخصي , لما استغربوا و اندهشوا هذه الإندهاشة الكبرى , فربما كان الحظ حليفاً للذين غادروا البلاد باكراً , و عملوا في مؤسسات عالمية ومنظمات دولية تقيم للكفاءة وزنها , ولا تجد المحسوبية و صلات القربى و وشائج صلات الدم والرحم فيها موطأً للقدم , وهكذا الانسان دائماً وأبداً يعتبر الوليد الشرعي للبيئة التي ينشأ و يترعرع فيها , فبالعكس تماماً للحالة (الحمدوكية) هذه , ترى الفاسدين و المرتشين و الخائنين تكتظ بهم ميادين وسوح و مجالس الإنقاذيين , لأن البيئة الإنقاذية الفاسدة بطبيعة حالها قد قامت برعاية وتربية من نشأ وشب عن الطوق في ظلها , فانبتته نباتاً سيئاً و درّبته على هتك عرض القيم النبيلة و إغتصابها وإعدامها , على مرأى و مسمع من جميع رجال ونساء هذا المجتمع المنكوب , لذا جاءت ردة فعل الناس قوية و هستيرية نسبة لدواعي العطش , و الفقر والجوع الوجداني لمثل هذه المعاني السامية , فقد انطلقت ثورة سايبرية عارمة تمجد الرجل الذي عاف الإستوزار في منظومة البشير , وبرعت الأقلام الساخرة و الجادة في تدبيج المقالات المتنوعة عن هذه الصفعة القوية التي وجهها لمنظومة حكومة الإنقاذ , مستنشقين هواءً بارداً علّه يزيح عن جوفهم غبار المآسي و حرارة القهر الذي عايشوه ردحاً من الزمان , فلا يوجد أمر وأقسى على نفس الأمير والسلطان من أن يرفض له طلباً , ولو كان هذا الرجل النبيل متواجداً بأرض الوطن فسوف لن يستطيع أن يقول لا , أو أن يرفض طلباً وأمراً من اوامر وقرارات السلطان , وإن فعل ذلك فإنه سيرى ويشهد من أساليب و طرائق التدجين و تكسير المجاديف التي برعت وأبدعت فيها المنظومة الانقاذية ما سوف يرى.
إنّ المهرولين و الراكضين نحو الإستوزار في منظومة البشير , ومنذ إتفاقيات السلام الهزيلة التي وقعها النظام مع من باعوا شرفهم في أسواق النخاسة , وصولاً إلى مهزلة الحوار الوطني ومخرجاته , فإنّ مثلهم كمثل الطفيليات التي لا تحيا ولا تنمو ولا تعيش إلا على إمتصاص دماء الضحايا , فوجودها و إستمرارها وحياتها مقرونة بالتخريب و التدمير لأسباب الحياة و محاربة القيم الفاضلة , ولا تعير هذه الكائنات الجرثومية بالاً لعمليات النهضة والبناء و التعمير , و إذا رفعت هذه المخلوقات الضارة و الفاسدة راية من رايات الحق , فتأكد تمام التأكيد أن هذه الراية ما هي إلا شعار من الشعارات التي اريد بها فعل الباطل , وأصدق مماثلة ومقاربة لهذه الكائنات الطفيلية تتمحور في شخصيات سياسية إنتهازية و وصولية , ولجت دولاب السلطة من اباب إمتهان النفس والدوس على الكرامة , وهؤلاء القوم هم من شاكلة الدكتور التجاني سيسي و المساعد موسى محمد أحمد , والوزير بحر إدريس أبو قردة , بالإضافة إلى أولئك المنافقين الذين امتطوا صهوة قطار مهزلة ما اسموه الحوار الوطني , من امثال ابراهيم السنوسي وموسى كرامة , الذين قذفت إليهم بقايا عظام يابسة وجافة من فتات مائدة السلطان , فصمتوا عن قول الحق الذي كانوا يتبجحون به , ولم يأتنا خبر عن أحدٍ منهم بأنه قد عاف الوظيفة الدستورية أو ركلها إنطلاقاً من مبدأ يؤمن به , او تعارضاً مع اجندة وطنية لم يوف بها سلطان القصر الغردوني , بل درجت العادة في ظل نظام هذا الحكم البربري على أن الغالبية العظمى من الساسة المعارضين , لا يتورعون ولا يستحون من التحول المفاجيء و القبول الرخيص بالوظيفة الدستورية , مع كامل الإراقة لماء الوجه , و كل مياه الكرامة و العزة و احترام الذات , إن كانت لديهم في الأساس هذه الكرامة المهدرة و المراقة , فما يزال صدى خطبة المناضل (سابقاً) حسن اسماعيل (الوزير الإنقاذي حالياً) تتردد أصداؤها في آذاننا , تلك الخطبة البتراء التي القاها في مجلس عزاء الشهيد الدكتور صلاح مدثر السنهوري , أحد الشباب الذين خضّبت دماؤهم رايات انتفاضة سبتمبر المجيدة , فقد أثلج (حسن طرحة) صدورنا حينها عندما أقسم باسمنا جميعاً , بأن هذه البلاد الطيبة لن تأوينا بينما نحن ماكثون جنباً إلى جنب مع هؤلاء الأوغــاد , وإلا سوف نتوشح (الطرحة النسائية) ونرتديها ونجلس مع النساء في خدورهن , او كما قال , (مع كامل احترامنا لجميع نساء بلادنا اللائي عرفن منذ فجر التاريخ بأنهن يتقدمن الصفوف جنباً إلى جنب مع رصفائهن الرجال في مواجهة حروب و صروف الدهر) , فلم يكن أحد يتصور او يتخيل أن أنموذج المناضل والثائر السوداني , يمكنه ان يصل إلى هذا الحضيض و الدرك السحيق من الإنحطاط الأخلاقي و الهزال القيمي وتبديل المواقف.
لقد أزاح (حمدوك) الستار عن وجود الكثير من (الحماديك) المبعثرين في أنحاء الدنيا , مما زرع الغبطة في نفوس ابناء بلاده مثبتاً لهم أن المستقبل القريب يحمل البشريات الطيبة , بتوفر و جاهزية الكادر الكفؤ و المؤتمن على خدمة وطن ما بعد الإنقاذ , وهو بالضرورة وطن المواطنة الحقة التي لا مكان فيها للتمييز على أساس الدين والجهة و العرق و الطائفة , فمن فرط فساد الإنقاذ وسوء مسلكها أنها هزمت النفوس و أفقدتها ثقتها بنفسها , و صورت لها الحياة من زاوية رؤية واحدة هي زاويتها , فاقنعت الناس بأن تفشي الرشاوى و المحسوبية و المحاصصات القبلية , هو النهج الطبيعي الذي يجب أن يتخذ في تعاملات الدولة و مؤسساتها وبينها وبين أفرادها , و كل من يقف مناهضاً لهذه الظواهر الإدارية السالبة يوصف بالتخلف و الرجعية وعدم المواكبة , حتى دخل سماسرة السوق السوداء جميع مرافق الدولة , فوصولوا إلى قمة هرمها في سابقة هي الأولى من نوعها منذ فجر إستقلال البلاد , فتمت عملية تسويق القميص المزور لأشهر لاعب كرة قدم في العالم , وقدم إلى رأس الدولة في مهزلة مضحكة حد البكاء , شهدتها كل دوائر الإعلام المحلية و العالمية.
إنّها الفوضى الإدارية و الدستورية التي ضربت بجذورها في مفاصل النظام الإنقاذي , الذي سجل بهذه الفوضى رقماً قياسياً لا تحسده عليه الأنظمة السياسية الشريفة , تلك التي تتخذ من منهاجية الحوكمة المؤسسية طريقاً لها , فلا يعقل ان يقوم رأس الدولة بعقد مؤتمر صحفي ليؤكد فيه حضوره فعالية من فعاليات المنظمة الدولية , التي مقرها (نيويورك) بالولايات المتحدة الامريكية , وما تزال أغلال المحكمة الجنائية الدولية مضروبة على يديه وقدميه , وآخر مظهر من مظاهر هذه الفوضوية هو إعلان قرار سيادي بتعيين وزير , ثم يتفاجأ الناس بتقديم ذات الوزير لإعتذاره المنشور على الملأ عن رفضه للموقع الوزاري , زد على ذلك فضيحة (سوتشي) بروسيا أواخر العام المنصرم , عندما طلب رأس النظام من (فلاديمير بوتين) الحماية مما وصفها بالتدخلات الامريكية في شأن بلاده الداخلي وتحرشات هؤلاء الأمريكان به , هذه الفوضى الإدارية و تشويه صورة الدبلوماسية السودانية , لن تستطيع ان تجدها في أبسط نظم الإدارة المتمثلة في إدارة دكان أو بقالة بمدينة (الجنينة) في أقصى غربي البلاد , ناهيك عن أن تصبح سلوكاً اعتيادياً في دهاليز مؤسسات الحكم في دولة مثل السودان , إنّ هذه المنظومة الإنقاذية المهترئة قد أصبحت (شينة) , و كما يقول مثلنا الشعبي (الشينة منكورة) , لذلك أنكرها وعافها الشرفاء من أبناء هذه الأرض الطيبة.

اسماعيل عبد الله
[email protected]