ذكرى معركة كرري بقلم د . الصادق محمد سلمان

ذكرى معركة كرري بقلم د . الصادق محمد سلمان


09-04-2018, 08:34 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1536089652&rn=0


Post: #1
Title: ذكرى معركة كرري بقلم د . الصادق محمد سلمان
Author: د.الصادق محمد سلمان
Date: 09-04-2018, 08:34 PM

08:34 PM September, 04 2018

سودانيز اون لاين
د.الصادق محمد سلمان-السودان
مكتبتى
رابط مختصر

بسم الله الرحمن الرحيم


قتلناهم ولكن لم نهزمهم
ونستون تشرشل

الثاني من شهر سبتمبر 1898 يوما إحتل مكانا بارزا في سجلات التاريخ ، فلم يكن يوما عاديا مثله مثل بقية الأيام في حياة الشعب السوداني ، كان يوما فاصلا للسودانيين ، كانوا قبله يحكمون بلادهم بنفسهم ومن بعده أصبحوا يُحكمون من قبل دخيل أجبرهم بقوة السلاح ، وسجل التاريخ بأن هذا اليوم يوم الثاني من سبتمبر 1898 هو اليوم الذي شهد نهاية الدولة السودانية المعروفة بالدولة المهدية . كتب المؤرخون والعسكريون ومراسلو الصحف الذين رافقوا الجيش الغازي والشعراء عن مواقف المتحاربين ، غزاة يريدون القضاء على الدولة التي تأسست رغم أنفهم وأصبحت مستقلة ، وأذاقهم محاربوها من قبل الهزائم المريرة ، وقتلوا منهم قادة وجنرلات ، وأقاموا دولة مستقلة في ذلك الزمان ، وكتبواعن محاربين شجعان مسلحين بأسلحة عتيقة وإيمان لا يتزعزع بالنصر أو الموت ، نظم شعراء من بني جلدة الغزاة قصائد عن شجاعة هؤلاء المحاربن وجلدهم ، تحدث جنرلات وقادة الجيش الغازي ومراسلو الصحف والمراقيبن عن إختلال ميزان القوة بين الفريقين ، أسلحة حديثة فتاكة أتى بها الغزاة في مقابل أسلحة عتيقة تخلت عنها الجيوش الحديثة يحارب بها المدافعون . ومثلما كان هناك إختلال في ميزان القوة ، كان هناك إختلال في ميزان الإرادة والروح المعنوية ، مدافعون يمتلكون روح معنوية عالية ، وشجاعة أسطورية تحدثت عنها يوميات معاركهم السابقة ، و مهاجمون هم جنود الجيوش الغازية المرعوبين الذين لم يتغلبوا على خوفهم إلا بمدافع المكسيم الفتاكة ، وكانت الغلبة التي سجلها التاريخ لقوة السلاح .
حلت هذه الذكرى ، ذكرى معركة كرري حيث تجلت الشجاعة والإقدام والبطولات في ذلك اليوم قبل مائة وعشرين عاما حيث إستشهد فيه أكثر من عشرة ألف سوداني في يوم واحد دفاعا عن الحرية والأرض ، واليوم أصبح عصيا علينا تذكر ما قدموا لنا ، فالجميع مشغولون بإزمات حلت بهذا الوطن فلم يلتفت إليها إلا قلة في وسائل التواصل الإجتماعي وأجهزة الإعلام ، رغم أن مثل هذه الذكرى حري بنا أن نجعلها حاضرة في الأذهان لتعرف الأجيال ثمن الحرية وأهمية التضحية ، فهؤلاء الشهداء لم تحصهم حرب أهلية داخلية بين أطراف متنازعة ، بل كانت دفاعا عن أرض الوطن ضد غازي أجنبي ، وهذه مهمة كل الجيوش الوطنية وهي الدفاع عن الوطن وحماية إستقلاله وأراضيه . بحثت في الصحف ولم أجد غير عمود كتبه رئيس تحرير صحيفة الأخبار الأستاذ مصطفى أبو العزائم يذّكر فيه المسئولين والساسة وأصحاب القرار بأن تجاهل هذه الذكرى عيب ومنقصة للدولة .
التاريخ يروى للعظة والإعتبار ، والذكرى يُحتفى بها لتمجيد الأبطال والتذكير بتضحياتهم من أجل غاية سامية هي الدفاع عن حمى الوطن ، وغرس حب الأوطان في الأجيال . الدولة التي سقطت في معركة كرري كانت دولة سودانية ، و تاريخ الوطن هو تاريخ كل من إنتمى لهذا الوطن وإن اختلفت مواقفهم ، ولكن للأسف هناك من لا يحترم تاريخ الدولة السودانية المهدية تحديدا لسبب في نفوسهم ، والأدلة على ذلك كثيرة أحدثها ما أوردته صحيفة الأخبار بتاريخ 2 / سبتمبر 2018 بأن مسجد الخليفة الذي تم تشيده في عهد الخليفة عبد الله القائد الذي خلف الامام المهدي مفجر الثورة ومؤسس الدولة ، والذي قاد معركة كرري مع جيشه ، هذا المسجد الذي يعتبر من المواقع الأثرية التاريخية مواجه بخطر الإزالة لتشييد مشاريع خدمية حسب ما أعلنته ولاية الخرطوم ....من بينها تشيد جسر بين بحري وأم درمان تخيلوا ! ومن قبل تم تغيير سور المبنى الأصلي للمسجد من ثلاث إتجاهات وتم تشيد مآذن لم تكن موجودة في البناء الأصلي ، مما غير من معالم الموقع الأصلية ليتحول في النهاية إلي مبنى عادي مثله مثل أي ميدان ، ولم تحرك هيئة الآثار ساكنا ولديها قانون الآثار الذي يمنع التصرف في آثار الدولة ، والمفترض أن يتم تسجيل المسجد والقبة في قائمة التراث العالمية . هذا يؤكد ما ذهب إليه الأستاذ أبو العزائم في كلمته في ذكرى كرري عندما قال : " ......وربما بعد قرن من الآن لن يتذكر إلا الباحثون وعلماء التاريخ أن هناك معركة كرامة ونبل وشجاعة حملت إسم كرري وقعت في الثاني من سبتمبر 1898 على مشارف أم درمان شهدت هزيمة جيش مقاتل مدافع عن الحق لكنها كانت هزيمة بطعم الإنتصار ..." وناشد أبو العزائم القادة والساسة ومتخذو القرار أن يثبتوا حق شعبنا في الحفاظ على تاريخه من خلال المقررات الدراسية والأعمال الثقافية والدراما والفنون ....وعلى صلة بالموضوع أشار الأستاذ عباس صالح موسى في كتابه ( أم درمان ) أن مراسل جريدة التايمز الذي زار المدينه عام 1901 أخذ على كتشنر تحطيم قبة الإمام المهدي وتحويل المسجد إلي ملعب وإنتقد سياسة ترحيل النشاط إلي الخرطوم وأتهمه بأنه يحاول القضاء على القومية السودانية التي ظهرت في الثورة المهدية . ( أم درمان : النشأة - الحياة الإجتماعية – الإدارة ، ص . 10 )
معركة كرري يجب أن تكون رمزا للتضحية والبطولة والدفاع عن الحرية والكرامة لكن يبدو إننا قوم نستصغر قيمة هذه الأشياء ، وهذا لن يزيدنا إلا تقليلا وإستراخصا لأنفسنا .