التجارة الآيدولوجية بقلم د.أمل الكردفاني

التجارة الآيدولوجية بقلم د.أمل الكردفاني


08-12-2018, 07:39 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1534099192&rn=1


Post: #1
Title: التجارة الآيدولوجية بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 08-12-2018, 07:39 PM
Parent: #0

07:39 PM August, 12 2018

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر





قد يكون مصطلح الاتجار بالدين هو الأكثر شهرة وتداولا عبر العصور منذ الفراعنة حين كان الكهنة يبيعون كتاب العالم الآخر أو كتاب الموتى للأغنياء لكي يدفن معهم فيلقنهم بعد البعث خطوات نجاحهم في عبور الصراط عند الرد على اسئلة الآلهة حول الخير الذي قاموا به والشر الذي تجنبوه.
وربما كان الاتجار بالدين سابق حتى على ذلك منذ كان البعض من دقيقي الملاحظة لنظام الطبيعة والكون يستغل معرفته بفصول السنة وتغيرات المناخ وحركة الأفلاك فيقنع الآخرين بتواصله مع السماء.
لكن الاتجار حقيقة ليس فقط في الدين (كآيدولوجيا غيبية) ، فنحن نمارس تجارة مستمرة شبيهة ، بعضها يتعلق بما نقدمه للآخرين من علمنا مقابل المال كالطبيب والمحامي والمهندس..الخ. بالاضافة الى ذلك فلم تخلو حضارة ذات أثر في التاريخ الا وانبعثت عبر الآيدولوجيا منذ حروب الاسكندر الأكبر مرورا باستيلاء قسطنطين على امبراطورية روما ، فلابد من آيدولوجيا يتم طرحها كحاملة للحقيقة المطلقة تثويرا للجماهير ، ودفعها الى الخضوع بل والدفاع عنها والفناء من أجلها. لقد استطاع هتلر مثلا أن يدفع بمفاهيم مطلقة الى الأمام ، والملايين من الشعب الألماني تحمست للآيدولوجيا النازية ، وقاتلت حتى الانتحار من أجلها بل ودافع عنها بعض الفلاسفة كهايديجر.
فقياد الشعوب لا يتحقق إن لم تقدم لهم شيئا يقاتلون من أجله. عندما انتقل أحد لاعبي كرة القدم من فريق إلى فريق تجمهر عشاقه وكادوا أن يقودوا مظاهرة حاشدة لولا تفريقهم بالقوة ، وعندما منعت الحكومة أحد الفنانين من أداء حفلته خرجت الجموع الساخطة وكادت ان تقلب الحكم.
فالآيدولوجيا ليست بالضرورة أن تكون نظرية ذات عمق فلسفي بل على العكس ، الايدولوجيا كلما كانت بسيطة واقل تعقيدا ونافذة الى العاطفة العمياء كانت اكثر قدرة على السيطرة على عقول العوام.مع احتفاظ القيادة بالحق في تفسير ما يغمض منها للعامة.
الاتجار بالايدولوجيا يجب أن تسبقه بروباغاندا عظيمة وكبيرة ومستمرة ، فالشعوب تتأثر وغالبا ما لا تبحث عن الحقيقة بنفسها بل تترك هذا البحث لمن تثق فيه.
عندما يقول الرئيس انه تيار إسلامي فالغرض من ذلك هو إيجاد عرض يمكن تقديمه للجماهير ، بعد أن نضب معينه من التجريب فينا كشعب . وبعد أن تبين للشعب أن الدولة صارت لا تتحرك الا عبر دفعها كل مترين أو ثلاثة من الخلف. لكن اعتقد أن استخدام رنين اسم الحركة الاسلامية لم يعد كما كان في بداية عهد النظام ، لقد صار الآن رنينا مزعجا جدا ، وصار التبرؤ من الحركة الاسلامية منهجا مستمرا لأعضائها السابقين وهم يحاولون غسل ايديهم من الفساد والجرائم الأخرى التي اقترفوها في حق المواطن والوطن.
لقد ظل الاتجار بالايدولوجيا أيا كان فحواها المزيف هو قضبان سير قطارات الناعقين بها نحو السلطة والثروة ، وكما ان هناك من اتجروا بالدين فهناك من اتجروا بالديموقراطية وبالحرية وبالعنصرية والمساواة والتهميش ....الخ.
إن الأحمق وحده في عالم اليوم هو من يعتقد أن الأشياء تطرح على حقيقتها... فخلف كل شيء هناك اشياء كثيرة تغيب خسوفا وكسوفا خلف ظل أكذوبة. ولكنها تحرك الأحداث كما لو كانت هذه الأخيرة وليدة ذاتها. فلنلاحظ مثلا ما حدث فجأة في دول وسط وشرق افريقيا ،؛فلنلاحظ مثلا كيف كادت اثيوبيا ان تنهار تحت وطأة حرب أهلية طاحنة لا تبقي ولا تذر بعد ثورة الارومو ، ولنلاحظ كيف خبت جذوة النار بسرعة بتعيين آبي أحمد فجأة وتحسين علاقته بارتريا فجأة وزيارة ممثلي الاتحاد الأوروبي فجأة ودعم دول الخليج له فجأة ، ودعم الولايات المتحدة له فجأة ، وظهوره اعلاميا كالبطل المنقذ فجأة ، واجراء اتفاقيات اوروبية ارترية اثيوبية صومالية وسودانية حول مسألة التنمية فجأة ، وعقد اتفاقيات لتوطين المهاجرين المرفوضين من اوروبا في دول أفريقية فجأة ، ومنح السودان مئات الملايين من اليوروهات (اختفت طبعا) فجأة وكذلك تقديم منح اوروبية بشكل منظم للدول محل العناية بالمصالح الاوروبية في هذه المنطقة ووقف الدعم الاوروبي لحاملي السلاح في غرب وجنوب السودان الحالي فجأة. لا شيء يحدث بدون مقابل ، ولا شيء يحدث بدون سبب فلكل شيء سببا. وهكذا فالاحمق من يعتقد بأنه يتبع الحقيقة التي تطرح أمامه على وسائط الاعلام المختلفة. لقد رفع الاسلامويون شعارات اسلامية ، فتبعهم من تبعهم حتى من أبناء الهامش الحاليين ، ومات منهم من صدقها وانفرد الناعقون بها كذبا بكل شيء. وكذلك كانت الايدولوجيا البعثية في العراق تحرك العروبيين من كل فج عميق ، وكذا الحال في سوريا والأمر نفسه في الاتحاد السوفيتي وهو نفسه في المحور الغربي ، لقد كانت لعبة الايدولوجيات تستثمر لصالح قلة ، وكانت الغالبية هي وقود طبيخهم.
لا زال هناك من يعتقدون بالآيدولوجيات سواء كانت ايدولوجيات معقلنة او غيبية ، وسيستمر وجود امثال هؤلاء على مر التاريخ البشري.
فذلك الساحر الذي كان قبل عشرين الف سنة يتمتم بالتعاويذ لاسقاط المطر لا زال حيا حتى اليوم وان كان قد ارتدى بذة العصر الحديث وربطة عنق أنيقة.