إدارة الدولة السودانية: ماذا حدث و ما يجب أن يحدث؟ بقلم سعيد أبوكمبال

إدارة الدولة السودانية: ماذا حدث و ما يجب أن يحدث؟ بقلم سعيد أبوكمبال


07-30-2018, 03:32 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1532961173&rn=0


Post: #1
Title: إدارة الدولة السودانية: ماذا حدث و ما يجب أن يحدث؟ بقلم سعيد أبوكمبال
Author: سعيد أبو كمبال
Date: 07-30-2018, 03:32 PM

03:32 PM July, 30 2018

سودانيز اون لاين
سعيد أبو كمبال-الخرطوم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر


أرجو أن اوضح إبتداءً للقارئ الكريم إن قصدى من هذا المقال هو محاولة إثارة نقاش حول موضوع أعتقد إنه مهم وهو الفشل فى إدارة الدولة السودانية . و هناك من هو أجدر منى بحكم تخصصه الدراسى ( العلوم السياسية أو الإدارة العامة) للكتابة حول الموضوع بشمول وعمق و آمل أن يساهموا فى توعية و تبصير الناس.
ما المقصود بالدولة؟
يقول المختصون فى العلوم السياسية إن الدولة تتكون من أرض يسكنها شعب وتقوم على كل من الارض والشعب سلطة تدير الشؤون أو المصالح العامة. وفى المجتمعات صغيرة الحجم التى تتواجد فى نطاق جغرافى ضيق يشارك كل الناس أو على الأقل أغلبيتهم فى مناقشة الشؤون العامة و إتخاذ القرارات بشأنها و تحديد الجهة المناط بها تنفيذ القرارات و الإشراف على أدائها و ومتابعته و محاسبتها على القصور و سوء التصرف و الفساد. ولكن مع إتساع المساحة الجغرا فية للدول و كبر حجم السكان طور الناس نظم للمشاركة فى إدارة الدولة تقوم على التمثيلrepresentation بأن يفوضوا أفراد منهم وفيهم ليناقشوا الأمور العامة ويقرروا بشأنها إنابة عن الجميع و يشرفوا على أداء الجهة المناط بها التنفيذ و يحاسبونها. وحق المشاركة فى إدارة الدولة مباشرة أو عن طريق التمثيل حق طبيعى لكل مواطن ولايوجد اى مسوغ أخلاقى أو دينى أو عرفى يعطى شخص أو جماعة من الناس الحق للإنفراد بإتخاذ القرارات و الوصاية والإستبداد على الآخرين. كما أن الله تعالى يقول فى كتابه الكريم إن أمر الناس شورى بينهم ( الشورى 38 ). ويعنى ذلك كما يعرف القارئ الكريم أن يدير الناس شؤونهم العامة بالتفاكر و التشاور و التناصح و التراضى بدون إنفراد بالرأى أو وصاية أو إستبداد من فرد أو جماعة.
مقاصد إدارة الدولة:
و فى عالم اليوم إستقر الرأى فى أغلبية الدول على أن هناك مصالح أو شؤون عامة مركزية فى إدارة كل الدول التى تدار بالناس ولمصلحة الناس. و تلك الشؤون أو المصالح العامة هى:
أولاً حفظ أمن أرواح الناس و أعراضهم و أموالهم وبيئتهم التى يعيشون فيها ؛ و
ثانياً إقامة العدل وإعطاء كل ذى حق حقه وحماية الضعيف من تعدى القوى ( بما فى ذلك الحكومة نفسها) بواسطة القضاء المستقل و العادل و الفاعل و معقول التكاليف؛ و
ثالثاً تسهيل وتنظيم تدبير المعايش لتوفير الحياة الكريمة لكل الناس بواسطة إستقرار أسعار السلع و الخدمات و إتاحة فرص العمل المنتج و التعليم و الرعاية الصحية و رعاية الفئات الضعيفة مثل ذوى الإعاقة و الذين لا راعى لهم من الأيتام و الأرامل و المرضى و كبار السن.
سيادة حكم القانون :
و تقوم السلطة الحاكمة فى الدولة و خاصة الأجهزة التشريعية بمخاطبة المصالح العامة المذكورة أعلاه عن طريق أولاً إصدار القوانين التى تنظم سلوك الناس السياسى و الإقتصادى و الإجتماعى و الثقافى الخ والتى تنطبق على الجميع الغنى و الفقير و الحاكم و المحكوم. و عندما ينشأ نزاع بين الناس يلجأون إلى القضاء المستقل ليقوم بفض النزاعات وفق ما تنص عليه تلك القوانين. وهذا هو جوهر سيادة حكم القانون.
من جيب المواطن:
و ثانياً تقوم السلطة الحاكمة بمخاطبة المصالح العامة المذكورة أعلاه عن طريق أخذ المال من جيوب المواطنين و صرفه على أجهزه حفظ الأمن مثل الجيش والشرطة والإستخبارات و على الأجهزة العدلية وعلى البنيات التحتية الضرورية لإنتاج و تبادل السلع و الخدمات مثل مواعين تخزين المياه و الطرق و الكهرباء الخ وصرف المال على خدمات التعليم و العلاج ورعاية الضعفاء.و فى عالم اليوم و بعد إنهيار المعسكر الإشتراكى تشكلت قناعة شبه عامة إن دور الحكومة يجب أن لا يمتد إلى الصرف على إنتاج و توزيع السلع و الخدمات الخاصة وتعنى السلع و الخدمات التى يسهل حجبها عن من يرفض أن يدفع ثمنها و لذلك يقبل القطاع الخاص على إنتاجها و توزيعها طمعاً فى تحقيق الأرباح لأن الله قد زين للناس حب الشهوات(آل عمران 14) ووصف عباده بحب المال حباً جماً ( الفجر 20 و العاديات 8 ). وخير مثال لذلك فى السودان قطاع الإتصالات الذى شهد طفرة كبيرة عند فتح أبوابه للقطاع الخاص .و لكن لا أتصور أن يقبل القطاع الخاص على الإستثمار فى الطرق البرية فى السودان لصعوبة حجب إستخدامها عن من يرفض دفع رسوم الإستخدام.وقد أثبتت تجربة الحياة فى كل الدنيا إن الذى يحقق وفرة السلع و الخدمات و إنخفاض أسعارها و إرتفاع جودتها و يحقق توافر فرص العمل المنتج هو خلق المناخ المواتى لإنتاج و تبادل السلع و الخدمات و إطلاق طاقات كل الناس ليتنافسوا فى مساواة كاملة بدون محاباة أو مضاداة على أساس الجنس أو اللون أو الإنتماء الحزبى أو القبلى أو الدينى أو الجهوى( بدون تمكين).ومن ضمن المطلوبات الأساسية لإطلاق طاقات الناس الإنتاجية إستقرار السياسات و إستقرار الأسعار الذى يقوم على إجراء رئيس هو التحكم الصارم فى حجم الكتلة النقدية.
لماذا سرنا فى ألإتجاه المعاكس؟
و يبدو لى إن القارئ الكريم يلاحظ إن مقاصد إدارة الدولة واضحة و الطريق إليها واضح فلماذا تجاوزنا من كانوا خلفنا عند إستقلال السودان فى 1956 فى الإقتراب منها و سرنا نحن فى الإتجاه المعاكس؟ و أعتقد إنه يجوز إجمال الأسباب فى خمسة محاور رئيسية هى أولاً الفشل فى إدارة تحديات ما بعد الإستقلال وثانياً حبس طاقات الناس الإنتاجية و ثالثاً قوة نفوذ المواهيم أصحاب الوصفات العقائدية ورابعاً الخوانق المؤسسية institutional gridlocks و خامساً تمكين الحركة الإسلامية.
تحديات ما بعد الإستقلال:
واجه السودان مثل كثير من الدول التى نالت الإستقلال من الإستعمار الأجنبى فى منتصف القرن العشرين تحديات كثيرة و كبيرة أهمها أولاً تحدى التطلعات العالية و المتنوعة للعدالة و النهضة و اللحاق بالأمم المتقدمة وثانياً تحدى التفاوت الجهوى فى مستويات التنمية و التباين الثقافى وقوة الولاءات الإثنية و الجهوية و ضعف الولاء القومى و ثالثاً تحدى التدخلات الأجنبية فى الشأن الداخلى من الأصدقاء و الأعداء القريب منهم و البعيد. و قد قال من كتبوا عن تلك التحديات إن التصدى لها يتطلب وجود قيادات و طنية فكرية و سياسية ذات قدرات عالية ولكن لم يمن الله على شعب السودان بالقيادات ذات القدرات الفكرية و الإدارية العالية و الرغبة الصادقة فى النهوض بالسودان؛.بل العكس إبتلى الله الشعب السودانى بمواهيم يعتقد الواحد منهم إن الله قد خلقه ليكون حاكماً للسودان و نواقص يعتقد الواحد منهم إن الكرسى سوف يعطيه إعتباراً recognitionو إحتراماً فى نظر الناس و جياع يريدون التكسب من جيب المواطن الغلبان. وكانت النتيجة إهدار الوقت و المال فى الصراع على الكراسى و سير السودان فى الإتجاه المعاكس.
حبس طاقات الناس الإنتاجية:
وقد تمثل حبس طاقات الناس( القطاع الخاص) الإنتاجية فى فشل الحكومة فى توفير المناخ المواتى للإستثمار والأنتاج و فى الإجراءات التحكمية الكثيرة مثل شرط الحصول على ترخيص( لاحظ ترخيص) و ليس مجرد التسجيل لتنفيذ أية مشروع صناعى و مطالبة صاحب المشروع بإعداد دراسة جدوى و كأنه يريد من الحكومة أن تمده بتمويل أو ضمانات و تحديد الأ سعار بقررات إدارية تصدرها الحكومة و غيرها الكثير من أشكال التدخل الحكومى التى تسبب الكساح وتفتح أبواب الفساد.
الوصفات العقائدية:
حتى وقت قريب كان أكثر من نصف المتعلمين السودانيين يردد ( الإشتراكية هى الخلاص) أو (الإسلام هو الخلاص)بدون أن يحدد الخلاص من ماذا ؟ و كيف؟ و كنت للأسف الشديد من الذين رددوا تلك الشعارات و زايدوا بها و أسهموا إسهاماً كبيراً فى زيادة إرتباك و ضعف قيادات الدولة فى فترات الحكم الديمقراطى التى كانت تنتمى للاحزاب الطائفية الكبيرة.
الخوانق المؤسسية :institutional gridlocks
كلمة خوانق من عندى وهى جمع لكلمة خانق من خنق التى من معانيها أوقف التقدم او السير أو القدرة على الوصول إلى المقصد( الفاعلية).و تعنى كلمة مؤسسية أن الخوانق تتعلق بالأطر القانونية و الثقافية و الإدارية ذات الصلة بإدارة الدولة.وربما يذكر القراء من جيلى؛ ( أنا من مواليد شهر مارس عام 1946 )؛ أن هناك من رفع فى السودان وفى زمان ما شعار : ( لا قداسة فى السياسة) الذى يعنى عدم الإنفراد بسلطة إتخاذ القرارات وأن يخضع كل من يشتغل بالسياسة للمساءلة و المحاسبة على سوء التصرف و قصور الأداء و الفساد بغض النظر عن عمره أو وضعه الإجتماعى أو الدينى أو الإقتصادى.وأعتقد إن الذين رفعوا ذلك الشعار قد قمعوا بدون رحمة. و سادت و إستمرت ثقافة الإحترام و التبجيل الذى يكاد يصل درجة التقديس للرموز السياسية و خاصة رموز الحزبين الكبيرين الأمة و الإتحادى الديمقراطى حيث تحتكر سلطة إتخاذ القرار و القيادة لأبناء و بنات البيتين الكبيرين بغض النظر عن جدارتهم الفكرية و الإدارية وفى ظل طلقة كاملة. واليوم هناك من يقول إن الرئيس عمر حسن أحمد البشر (خط أحمر). وما لم يتحرر السودانيون من ثقافة تقديس الرموز السياسية لن تتطور الأحزاب السياسية و لن يتطور نظام الحكم ولن ينهض السودان و سوف نواصل السير فى الإتجاه المعاكس.
تمكين الحركة الإسلامية:
أقصد بتمكين الحركة الإسلامية هيمنتها الكاملة على مفاصل الدولة السودانية السياسية و الإقتصادية و الثقافية منذ الثلاثين من يونيو 1989 وحتى اليوم و تمتعها بالطلقة المطلقة وهى عدم خضوع رموزها و محاسيبها و مناسيبها للمساءلة و المحاسبة على سوء التصرف وقصور الأداء و الفساد فى إدارة الدولة.و قد أتت الحركة الإسلامية بثالثة الأثافى و حولت السير فى الإتجاه المعاكس إلى طيران ووصلنا إلى الحالة الحالية( يوليو2018 ) حيث صار السودان موضوع سخرية. ولله فى خلقه شؤون.
ما يجب أن يحدث؟
أعتقد إن أغلبية السودانيين تتطلع لنظام حكم يحترم و يصون حقوقهم ويخاطب مصالحهم العامة مخاطبة جادة وقد أثبت حكم الحركة الإسلامية إنه يصادر حقوق الناس بدل صونها و إنه غير معنى بمخاطبة مصالح الناس العامة. و إلى أن يقوم الشباب السودانى بإنتفاضة إنتخابية فى 2020 تحرر السودان من سطوة الحركة الإسلامية(المؤتمر الوطنى)فإننى أطالب الرئيس عمر حسن أحمد البشير بتجنيب السودان أسوأ الخيارات دون الصفرية الذى تحدثت عنه فى مقالى بعنوان: ( متلازمة الإقتصاد السودانى والخيارات دون الصفرية)و هو إنفجار عفوى و عشوائى يقضى على الأخضر و اليابس. و هو يستطيع إذا ما أراد أن يرسل رسائل قوية تشعر الناس بإنه مشغول بهمومهم و تطلعاتهم ويبعث فيهم الأمل بأن هناك مخارج من الكرب الإقتصادى الحالى أسرعها عائد و أنجعها هو أن ترفع الحكومة يدها كاملاً من السوق بفتح أبواب العمل و الإستثمارو الإنتاج و التصدير و الإستيراد لكل السودانيين فى مساواة كاملة بدون تمكين حزبى أو قبلى أو دينى أو جهوى وأن يحرر سعر صرف الجنيه السودانى تحريراً كاملاً و يلغى قرار البنك المركزى الذى يمنع البنوك من تمويل القطاع العقارى لتحريك السوق و توفير فرص العمل و المسكن ويلغى أو على الأقل يقلص الضرائب غير المباشرة و يوسع مظلة الضريبة على الدخول و يحول كل الأموال التى تهدر فى دعم الإستهلاك إلى الإستثمار فى البنيات التحتية لإزالة إختناقات الإنتاج و التوزيع و فى التدريب .و يستطيع الرئيس عمر البشير أن يضع حداً لرمتلة رموز و مناسيب و محاسيب الحركة الإسلامية من جيب المواطن السودانى الغلبان بتقليص هياكل إدارة الدولة المترهلة و إيقاف الصرف على منظمات الشباب و النساء و الطلاب والجمعيات الخيرية وغيرها من مؤسسات إهدارالمال العام. وتوجيه كل تلك الأموال إلى الإستثمار و خدمات التعليم و العلاج التى تشهد إنهياراً شبه كامل.و يستطيع عمر البشير أن يحقق إستقرار الأسعار و إستقرار سعر صرف الجنيه السودانى بالتوقف الكامل عن طباعة العملة السودانية لتمويل صرف الحكومة وشراء الذهب الذى يجب أن يترك تصديره للقطاع الخاص.ولكن ؛و لعن الله لكن؛ يحتاج الرئيس عمر البشير لتحرير نفسه من قبضة أصحاب المصالح الخاصة الذين حوله لكى يتخذ الإجراءات المذكورة أعلاه.