الموازنة بين العدالة والقانون.. بقلم أمل الكردفاني

الموازنة بين العدالة والقانون.. بقلم أمل الكردفاني


07-28-2018, 01:24 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1532737498&rn=1


Post: #1
Title: الموازنة بين العدالة والقانون.. بقلم أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 07-28-2018, 01:24 AM
Parent: #0

01:24 AM July, 27 2018

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر







مساء الخير..

سأحاول الاجابة بقدر ما اعلم عن السؤال حول الموازنة بين العدالة والقانون... واتمنى ان اوفق في طرح رؤيتي حول هذا الامر.
بالنسبة لجملة الموازنة بين العدالة والقانون فهي تطرح قضايا فلسفية كثيرة .. فما هي العدالة: هذه في حد ذاتها لها مطولات من محاولة الاجابة عليها. وما هو الفرق بين العدالة والعدل وهذه منذ سقراط لم يتم حسمها. وبالنسبة للعدالة (كقيمة أخلاقية) هل يشترط ان يكون القانون أخلاقيا؟ ومن يفرض على القانون ان يكون اخلاقيا أساسا؟ وما هو مصدر القانون الذي يفرض اخلاقيته؟
كل هذه وغيرها اسئلة عميقة جدا يجب الاجابة عليها بشكل موسع جدا ، وهي اسئلة فلسفية ومن ثم فالرأي فيها ليس قاطعا ولا حاسما ويظل مجرد فقه.
وبادئ ذي بدء يعاني مصطلح العدالة من غموض كبير جدا ، فهل العدالة هي اعطاء كل ذي حق حقه؟ هل العدالة هي المساواة بين اصحاب المراكز القانونية المتماثلة؟ ومن يفترض ان العدالة كذلك؟
هناك عنصران يجتمعان ليشكلا معنى القانون في الفقه الحديث خاصة بعد نهاية النازية والحرب العالمية الثانية وهما (عدل + منطق = قانون). ورغم ذلك فهذا ليس شيئا محسوما. فقد يكون هناك قانون غير عادل مثل قوانين الابارتهايد في جنوب افريقيا سابقا والقوانين المميزة بين البيض والسود في امريكا ، ولذلك هناك مدرستان تشكلتا كنقيضين: مدرسة تتجه الى أخلاقية القانون (المدرسة اللا وضعية). والمدرسة الوضعية (اللا اخلاقية) ، وهذه الاخيرة انبثقت عن فكرة ان الملك هو القانون لأنه هو الدولة نفسها (انا الدولة والدولة أنا)... وكان الفيلسوف هوبز أحد مناصري هذه النزعة. وكل قانون يضعه الملك فهو عادل وصائب. ولذلك حتى وقت قريب كانت هناك قوانين لا تكترث بالاخلاق ، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قام القضاء الالماني بالغاء كافة هذه القوانين ، واشترط فوق الشروط الشكلية المتطلبة لسن القانون اشترط ايضا ان تكون القوانين عادلة ، بل اتجه القضاء الالماني فوق هذا الى ان القاضي يجب عليه رفض تطبيق القانون ان لم يكن عادلا .. (انظر: كتاب فلسفة القانون... اليكسي.. طبعة مترجمة).
وما استقر عليه الوضع حاليا هو ما يسمى بمبدا المشروعية والتمييز بينه وبين مبدأ الشرعية؛ فمبدأ المشروعية هو ان يكون حكم القاضي مستندا الى قانون ؛ وأما الشرعية فهي ان يكون هذا القانون أخلاقيا. وهذا التمييز ورد في الفقه الفرنسي (انظر: كتاب القانون الجنائي الدستوري.. أحمد فتحي سرور).
لكن الامر ليس بمثل هذه البساطة ؛ فالقانون هو أحد اسلحة الصراع الانساني ، ولذلك فالمنتصر هو من يضع قانونه ؛ فان انتصر التيار الديني وضع قانونا يمثل رؤيته ولو أدى ذلك الى المصادرة على آراء المخالفين وكذا الحال لو انتصر التيار العلماني او الرأسمالي او الشيوعي ...الخ . ولذلك ففي ظل كل حكومة سنجد ان القانون بدءا من اعلى النصوص اي الدستور سيتغير بحسب طبيعة النظام الحاكم الذي انتصر في صراعه حول السلطة وافضل القوانين واكثر تحقيقا لمصالح الجميع هي القوانين التي تنشأ عن اتفاق بين القوى المتصارعة المتعادلة في مستوى قوتها. ولذلك ففكرة ان القانون يجب ان يكون عادلا هذه فكرة مثالية جدا. مع ذلك وعلى مستوى ادنى من هذه الرؤية الشمولية ، يكون القانون عادلا بل وتسعى الحكومات لكي يكون كذلك ما دام لم يمس سلطتها ؛ وذلك حتى يحقق لها القانون شعور الناس بالعدالة ومن ثم الاستقرار الأمني وتحقيق سلام اجتماعي الى حد ما. ولذلك فيمكن ان لا تكترث الحكومات بقوانين كالقانون المدني او قانون المرور او قانون الجرائم الالكترونية بل وستسعى الى ان تكون هذه القوانين وغيرها متوازنة في تنظيم الحقوق والواجبات المتبادلة ، الا انها لن تستطيع ان تتهاون في قوانين أخرى كالدستور باعتباره القانون الاعلى الذي يحدد سلطات الحكومة ومن ثم يقيد نفوذها ونفوذ اعضائها واتباعها. ولن تتنازل ايضا عن القوانين التي تنظم احتكارها للاكراه كقوانين الجيش والشرطة والامن ، والقوانين التي تحدد تغلغلها في مرافق ومؤسسات الدولة كقوانين الخدمة المدنية...الخ والقوانين التي تحدد نصيب القوى السياسية الاخرى الذي يمكن ان تقبل الحكومة بالتنازل عنه لها كقوانين تنظيم الاحزاب السياسية ، بالاضافة الى قوانين اخرى تتعلق بالسيطرة الامنية على منظمات المجتمع المدني.
وبالتالي فعلى المستوى الادني (وهو الذي يمكننا ان نتحدث فيه عن العلاقة بين العدالة والقانون دون اثارة اي شك لدى اي حكومة مسيطرة) ، فسنجد ان القانون هنا لابد ان يكون عادلا وذلك من خلال عدة وسائل:
اولا: عند سن التشريع: فيجب ان يتم سن القانون باعتباره قواعد عامة مجردة ؛ فلا يجوز ان يصدر قانون لمصلحة فئة محددة وتجاهل من يمتلكون نفس مركز هذه الفئة القانوني. والا كان القانون اعرجا.
ثانيا: عند سن التشريع: يجب ان يتم سن التشريع بحيث يوازن بين اصحاب المصالح المتعارضة ؛ فقانون العمل لا يجب ان يميل الى العمال ولا ان ينحاز الى رب العمل ؛ ومع ذلك سنجد ان قانون العمل يجب ان يتم تمثيل جميع اصحاب المصلحة قبل اجازة القانون وذلك للنقاش بينهم والوصول الى تسوية مرضية للطرفين. في امريكا مثلا كانت العلاقة بين العمال واصحاب العمل محكومة بمبدأ (العقد شريعة المتعاقدين) ، ولذلك كان اصحاب العمل يفرضون شروطا قاسية جدا على العمال فساعات العمل طويلة جدا ومرهقة والاجور ضعيفة ولكن في العقد الثاني من القرن العشرين ونتيجة لبروز التيار اليساري تمكن العمال من فرض رأيهم بعد اعتراضات كثيرة . وهذا يعود بنا الى فكرة ان القانون الامثل هو الذي تتساوى فيه قوة اطراف الصراع او اصحاب المصالح المتعارضة. ايضا القانون الدولي يعتمد ايضا على الطرف الاكثر قوة فاتفاقيات دولية كاتفاقية البحار لسنة 1983 وبعد جولات عديدة ونقاشات شرسة استطاعت القوى الرئيسية وضع اتفاقية دولية تحقق مصالحها ، مع ذلك فقد تضررت دول كثيرة من هذه الاتفاقية لانها دول ضعيفة كالدول الحبيسة كافغانستان واثيوبيا واوغندا...الخ او الدول المتضررة جغرافيا اي ذات السواحل البحرية القصيرة كالسودان.
ثالثا: عدالة القانون عند سنه من النواحي الشكلية: فالقانون يجب ان يضع قواعد اجرائية لاقتضاء الحق لا تميل الى اي طرف. فمثلا يجب ان يكفل القانون لجميع الخصوم امكانية الدفاع عن دعواهم. فلا يجوز مثلا ان يجيز القانون لطرف استئناف حكم ولا يجيز للطرف الاخر نفس هذا الحق ما دام الحكم لم يحقق جميع طلباته. وهذه موازنة بين العدالة والقانون من ناحية اجرائية او شكلية.
رابعا او خامسا: التطبيق العادل للقانون: والتطبيق العادل للقانون ليس من مطلق سلطة القاضي بل يجب ان يمنح القانون للقاضي سلطة تقديرية ؛ فمثلا في القانون المدني وعندما لا يجد القاضي مادة في القانون يمكن ان تفصل في النزاع فإن القانون اعطاه سلطة واسعة عبر (اجازة لجوء القاضي لمبادئ العدالة والانصاف). وهكذا -وبقوة القانون نفسه- تحولت سلطة تطبيق القانون من النص الى ضمير القاضي المستنير. وفي القانون الجنائي اتاح القانون للقاضي حد ادنى من الجرعة العقابية وحد اقصى ، وداخل هذين الحدين مكن القانون للقاضي استخدام سلطة تقديرية واسعة للحكم على متهم بعشر سنوات سجن في حين يحكم على متهم آخر بخمس سنوات وذلك مراعاة للعدالة ، كما لو كان المتهم الثاني ليس لديه سوابق جنائية وان حظه التعيس اوقعه في ارتكاب الجريمة في حين المتهم الاول من عتاة الاجرام وقام باقتراف الجريمة بشكل وحشي وقاسي جدا. وهذين الحدين الادنى والاقصى هما ما خولهما القانون للقاضي لتفريد العقاب وتفريد العقاب يعني ان القاضي يعاقب كل متهم بحسب جسامة الجريمة وما احاط بها من ظروف مخففة ومشددة... الخ. لكن القاضي لا يستطيع بدون هذه الاجازة القانونية الا ان يحكم بما نص عليه القانون.
سادسا: العدالة عند تفسير القانون: يمتلك القاضي دائما سلطة تفسير القانون وقد قال بعض الفقهاء انه لا عمل للقاضي سوى تفسير القانون. ولكن تفسير القانون ليس مطلقا لسلطة القاضي فهناك ضوابط يجب ان يخضع لها عند تفسير القانون.. ومن اهمها عدم التفسير الواسع ضد مصلحة المتهم او بما يخلق جرائم وعقوبات لم تدر بخلد المشرع حين وضع النص. كما ان هناك مبادئ أخرى كتفسير الشك لمصلحة المتهم...الخ.
خارج هذه الأطر لا مكان للحديث عن موازنة بين العدالة والقانون ؛ فالقاضي محكوم هو نفسه بالقانون ، وان كان له سلطة للموازنة فهي سلطة يجب ان يكون القانون نفسه قد خوله اياها والا عد القاضي منتهكا للنص ومجتهدا مع النص ولا اجتهاد مع النص ؛ وهذا نفسه موازنة بين العدالة والقانون لأننا لو اطلقنا سلطة القاضي لأدى ذلك الى تعسف القاضي في استخدام سلطته الواسعة هذه وبدلا عن تحقيق العدالة ادى ذلك الى الظلم.