محاورة افكار محمود محمد طه بقلم نوري حمدون

02:31 PM June, 27 2018

سودانيز اون لاين
نوري حمدون-الابيض-السودان
مكتبتى
رابط مختصر

1= نعترف بأن الاستاذ / محمود محمد طه من المفكرين الكبار الذين انجبهم السودان . و نعترف بأنه شهيد الكلمة الأشهر على نطاق العالمين العربي و الاسلامي . و نعترف بأن محاورته يجب ان تتم بحذر شديد و دقة متناهية لأن الاستاذ من المفكرين القلائل الذين شيدوا نظاما فكريا شديد التماسك . و أرجو فيما يلي ان أحاور بعضا من افكاره التي أجدها عصية على الهضم و القبول .
2=الواقع أن الاستاذ محمود محمد طه ليس مفكرا مثل المفكرين العاديين .. فهو أيضا لدني . فما جاء به من افكار لم يكن نتاج الضوابط العلمية المعروفة للتفكير . افكاره عبارة عن معطيات تنزلت اليه من عالمه اللدني و ليست خلاصات عقلانية للتفكر في المادة المعرفية حول الموضوع . الموضوع الرئيسي للفكرة الجمهورية هو الدين الاسلامي . و المادة المعرفية للدين الاسلامي تشمل اشياء مثل (القرآن) و (الحديث النبوي) و (السيرة النبوية) و (التاريخ الاسلامي) و (تفاسير القرآن) و (فقه الفقهاء) . في (القرآن) يقدم الاستاذ تفاسيره الخاصة لبعض الايات بدون شرح او تعليل . في (الحديث النبوي) ينتقي ما يعتقد انه الصحيح و لا يعتد بما عداه (مرة اخرى) من غير شرح او تعليل . لا تعرف للاستاذ استفادة من (السيرة النبوية) على ما فيها من احداث مفصلية . و لم يتعرض ايضا (للتاريخ الاسلامي) و (التفاسير) و لا يعتد ب (فقه الفقهاء) . ما لا يتعرض له الاستاذ فهو عنده غير معترف به . و يبدو ان الاستاذ كان مشغولا بعرض خلاصات تأمله غير عابئ بغياب التاصيل الفكرى و العلمي في عرضه .

3= من اغرب افكار الاستاذ ما يتعلق بالرق الذي مارسته النبوة و الخلافة بعد ذلك . فهو يعتبر الرق جزاء و عقابا مناسبا للذي عرض عليه الاسلام فأبى . يقول الاستاذ ((والحكمة في الاسترقاق تقوم على قانون المعاوضة . فكأن الانسان عندما دعي ليكون عبداً لله فأعرض ، دل إعراضه هذا على جهل يحتاج إلى فترة مرانة ، يستعد أثناءها للدخول ، عن طواعية ، في العبودية لله ، فجعل في هذه الفترة عبدا للمخلوق ليتمرس على الطاعة التي هي واجب العبد . والمعاوضة هنا هي أنه حين رفض أن يكون عبداً للرب ، وهو طليق ، وأمكنت الهزيمة منه ، جعل عبدا للعبد ، جزاء وفاقا . (( ومن يعمل ، مثقال ذرة ، شرا ، يره )) فالاستاذ يعتقد ان الاسلام يطلب من المهزومين الكافرين الدخول في الاسلام .. و اذا رفضوا يكون الاسترقاق جزاؤهم . و في هذه الحالة يكون استرقاقهم جزاء وفاقا . و لا أدري ماذا اقول عن مفكر يدعي انتماءه للقرن العشرين و لافكار الحداثة حينما يعتقد ان هناك حكمة من الاسترقاق في أى عصر من العصور .

4= و من أغرب افكاره الاخرى ما تعلق بالسيف .. يقول الاستاذ ((كل ذلك جاء به القرآن في الدين الجديد ، وبلغه النبي وأصحابه ، بالقول ، وبالسيرة ، وفيه لأمر الناس صلاح وفلاح ، فإذا أصر الناس، بعد ذلك ، على عبادة الحجر الذي ينحتون ، وعلى قطع الرحم ، وقتل النفس ، ووأد البنت ، فقد أساءوا التصرف في حريتهم ، وعرضوها للمصادرة ، ولم يكن هناك قانون لمصادرتها ، فلم يبق إلا السيف ، وكذلك صودرت)) يعتقد الاستاذ (بغير دليل) ان برامج الاصلاح الاجتماعي يمكن ان تاتي اكلها في نحو 13 سنة هي عمر الدعوة المحمدية في مكة . كما انه يعتقد ان القائمين على برامج الاصلاح تلك مخولين بمصادرة حريات الناس الرافضين و بقوة السيف . و لست ادري كيف نصب بعض الناس الاستاذ ايقونة للديمقراطية و حقوق الانسان في وقت يعتقد فيه الاستاذ ان جماعة الاصلاح يلزمها ان تفرض برنامجها على الناس عبر حرمانهم من حرية التعبير و الراي كما و يمكنها فوق ذلك ان تقوم باستعباد أولئك الناس وفق مقاييس رق القرن السابع الميلادي و هو الاسوأ في هذا المجال على الاطلاق .
5= و من ناحية أخرى يعرض الاستاذ معلومة غير صحيحة عن تاريخ صدر الاسلام حينما يقول في السياق المنقول اعلاه ان النبي و أصحابه بلغوا الناس بالدين الجديد بطريقة جيدة تجعلنا نستغرب صدود الناس عن ذلك البلاغ . و التاريخ يحدثنا ان الرسول كان يجد صعوبة بالغة في الوصول للناس و في شرح افكاره اليهم في سنينه ال 13 في مكة بدليل ان عدد المؤمنين به عشية الرحيل الى يثرب لم يتجاوز البضعة عشرات و هم المكون الاول للصحابة الذين كان من بينهم من نفد بجلده الى الحبشة غداة تسلله خفية الى يثرب و من بينهم من آثر السلامة و لزم الصمت . فعن أي بلاغ قد اكتمل يتحدث الاستاذ . كيف يتوقع الاستاذ من المكيين و من حولهم ان يتركوا دينهم و تقاليدهم بين ليلة و ضحاها ؟ و هل فعلوا ذلك حتى بعد ان اكمل الرسول (ص) لهم دينهم ؟
6= و هكذا يظهر لنا أن تأثر فكر الاستاذ بالبعد اللدني في شخصيته جعله يفرغ مبدأ حرية التعبير (الذي بسببه صار شهيدا عند الكثيرين) و يوافق على مصادرة حرية الناس بالاسترقاق حينا و بالسيف حينا آخر , على العكس تماما لما تم تقريره في القرآن الكريم ذاته حينما قال جل جلاله للرسول (ص) (( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)) .
افكار محمود محمد طه (3) :
بقلم / نوري حمدون