المشَّاطة المهنة التراثية الضائعة بقلم صلاح العاقب

المشَّاطة المهنة التراثية الضائعة بقلم صلاح العاقب


06-14-2018, 11:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1529013834&rn=1


Post: #1
Title: المشَّاطة المهنة التراثية الضائعة بقلم صلاح العاقب
Author: صلاح العاقب
Date: 06-14-2018, 11:03 PM
Parent: #0

11:03 PM June, 14 2018

سودانيز اون لاين
صلاح العاقب-Sudan
مكتبتى
رابط مختصر



[email protected]
المشَّاطة المهنة التراثية الضائعة بقلم صلاح العاقب

زمان ليس بالبعيد نذكره، إمتهنت كثير من النساء في السودان مهنة "المُشاط" ،والمشاط هو نشاط ومهنة اجتماعية نهلت من التراث السوداني ، ومن الانطولوجياالثقافية المجتمعية في الحضارة الكوشية القديمة ، وتُظهر الكثير من المنحوتاتوالجداريات المنقوشة في الحوائط القديمة هذه المهنة النسائية.

"المشاطة" (وهو إسم لمهنة المرأة التي كانت تعمل في صناعة كوافير الشعر وعملالضفائر والجدائل الأفريقية المعروفة) ، المشَّاطة دائماً ما تشتهر بكونها إمرأة ذاتمهنية عالية، ودقة وسرعة في فرد وتسريح وحبك لفائف الشعر وإخراجها في ثوبجميل وراقي ، كانت تُفاخر به أمهاتنا وحبوباتنا ، ويتباهين بحلاته وأناقته فيالمناسبات والأفراح التي تجمعهن مع بعض النسوة ، كنوع من القيمة المجتمعيةونوع من الرفاهية الأستقراطية ، التي تعتز بجماله نساء ذلك الزمان ، مثله مثل"الحناء السودانية" السوداء التي تُرسم علي الأيدي والأرجل.

إشتهرت المشَّاطة في المجتمعات السودانية بكونها طويلة اللسان ، ولا تحفظالأسرار ، لذلك يُقال للكلام عديم الفائدة (كلام مشَّاطات) ، فهي تفرض سطوتهاومكانتها داخل الحيِّز المكاني في البيوت والمناسبات بكثرة ال"الثرثرة" ، وذلكبواسطة ما تحمل وتقُص به علي النساء من أخبار حصرية وطازجة من داخل البيوتالتي كانت تعمل فيها ، وبالتالي كان يُسمح لها بحرية الكلام وأن تتحدث كما تشاء ،وعن أي موضوع دون وجل أو خشية ، فهي الشخص الوحيد المسموح له بالحديثدونما حواجز ، تتحدث كما يحلو لها ، ويروق للأخريات من النساء سماعها ، وسماعرواياتها وقصصها ، ولكن دائماً ما تخاف ربات البيوت من تناول أسرار المنزل أمامها ،حتي لا تنقل اخبارهم هم أيضاً الي البيوت الأخري ، وثق لتلك الحالة "المُشاطية" مننقل الخبريات والأخبار المثل الشعبي السوداني المتداول بين الناس في وصفالشخص الفصيح وكثير الكلام و(شيَّال الحال) أي الذي لا يحفظ الأسرار ، عبارة (فلاندا التقول عليه مْشَّاطة).

أشهر المشاطات عبر التاريخ هي ماشطة بنت فرعون التي اسلمت مع موسي عليهالسلام، ويذكر الحديث :
أنه خلال المعراج بالنبي صلى الله عليه وسلم وجد رائحة طيبة كرائحة المسكوعندما سأل عليه الصلاة والسلام عن ذلك ، أجابه جبرائيل عليه السلام أنه رائحةالوصيفة التي كانت تعمل في بيت فرعون ( زمن موسى عليه السلام ) . وهي امرأةكانت قد تركت دينها سراً لكن افتضح أمرها عندما سقط المشط من يدها وقالت " بسم الله " . وعندما سمع فرعون بذلك أحرقها هي وأبناءها . وقد قيل إن رضيعهاكلمها في تلك اللحظة وطلب منها أن تحتفظ بهدوئها والتمسك بإيمانها . وبسببإيمانها العظيم، وقام فرعون بتعذيبها وحرقها في الفرن حتي تكون عبرة للآخرينولكن الله اعلي ذكرها وتناقلت قصة ايمانها الأجيال .

صالت وجالت "المشَّاطة" في المجتمع السوداني، وكانت ذات حضور مرموق ،ونالت سطوة على المشهد "الكوافيري" التجميلي المرتبط بزينة النساء ، قبل حلولعصر الصالونات ، والزينة والتسريحات والتقليعات الحديثة ، فقد كانت شخصيةمحورية وذات قيمة مجتمعية مرتبطة بالجمال الأنثوي الواجب ، تُرصد لهاالميزانيات في البيوت ويعمل لرضائها وكسب وُدّها ألف حساب ، فهي تتمتع بعمل هومن الضرورة الحياتيه ، ومطلب أساسي لزينة وكمال المرأة ، حتى أن مُشاط "العروس" كانت تقوم به المشَّاطة وتضطلع بمهمة بتجهيزها بالكامل ، وتضرب في ذَلِكالحجوزات منذ وقت مبكر ، كما كانت تقوم بتمشيط سيدات المجتمع ، و وجيهاتالمدينة في ذلك الزمان.

تعتبر مهنة المشَّاطة مهنة مزاج ، لها طقوس محددة لابد من تحضيرها ، وفِي حالةعدم اكتمال الطقوس المُشاطية، فإنها الجلسة لا تُعقد ...، حيث تكتمل جلسةالمُشاط بالقهوة السودانية ، ويُصب لها منها البكر والتني والتلت،... وحتي تكتفي. (وهي طرقة عمل القهوة في السودان) ، وأحيانا الشاي إن طلبته ، تلك القعدةالمُشاطية كانت منتدى حافلاً ومحضوراً ، به كل الجديد من الأخبار ، وشمارات الرجالالنساء وكل الحاصل في بيوت ذلك الحي ، والأحياء المجاورة.

المشاطة لديها أدواتها البلدية الخاصة التي تستعملها وهي "اللشفة والمسلة أوشوكة التمر الكبيرة"، وتضع جميع هذه الأدوات في إناء خاص مع "الدلكة المذابة" (رائحة بلدية وعطور نسائي) التي تساعدها في عملها في تمشيط الشعر و"زيتالكركار" الذي يستخدم لتنعيمه.

مشاطة أم المك وسر التسمية

القصة تقول: إن أم أحد المكوك السودانيين القدماء كانت تُعيَّر عند النساء بقصرشعرها ، وكانت كلما تستدعي مشاطة لتسريح شعرها ، فتكمل مشاط شعرها في يومواحد فقط، مما يسبب لها الحرج والقيل والقال، بكون وصمها بقصر شعرها عند اهلالمدينة ، فيقوم المك بقطع رقبتها حتى لا يقال أم المك ما عندها شعر ، وذات مرةجيئ لها بمشاطة كانت ذكية جداً، فأخذت تمشط خصلتين فقط في اليوم، وتكمل باقياليوم في الونسة، إلى أن أكملت تمشيطها في مدة طويلة ، وأصبحت بذلك مضربمثل لكل من ينفق وقتاً طويلاً في أداء عمل ما، لا يستحق كل هذا الوقت، فيقال كـ(مشاطة أم المك).

ختاماً وفِي طيات ما ذكر اتمني من المسؤليين عن الثقافة والسياحة في بلادنا اعادةتطوير هذه المهنة ، ومحاولة خلق منها سبيلا للسعادة ولو بمحاولة احياء تراثها فيمهرجانات ومشاريع لتعليم مهنة مشاط السعر التي كانت تمتاز به الممالك الكوشيةالقديمة لربط إنسان السودان بماضيه الكوشي وممتلكة القديمة في وادي النيل.