الغائب..!! بقلم عبدالباقي الظافر

الغائب..!! بقلم عبدالباقي الظافر


05-19-2018, 03:37 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1526740658&rn=0


Post: #1
Title: الغائب..!! بقلم عبدالباقي الظافر
Author: عبدالباقي الظافر
Date: 05-19-2018, 03:37 PM

03:37 PM May, 19 2018

سودانيز اون لاين
عبدالباقي الظافر-الخرطوم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر


فوجئت الأسرة بنادية تفتح باب غرفتها بعنف..بدأت كأنها تحاول الهروب من كابوس..حاولت حاجة سكينة ان تتلقف ابنتها وترمي بها بين أحضانها..تلك الطريقة العاطفية تفلح كثيرًا في السيطرة على ثورات نادية المفاجئة.. هرع خالد لغرفة نوم نادية باحثًا عن السر الذي أخرج شقيقته من صمتها الطويلة وعزلتها الاختيارية..كل شيء مرتب بعناية شخص ينتظر ضيفًا..الكمبيوتر العتيق على طاولته.الملايات مشدودة بعناية.الستائر تحجب ضوء الشمس ..فتح دولاب الملابس مستطلعًا.. البزة العسكرية للشهيد عادل في مكانها مغلفة ببلاستيك الغسيل الجاف..وجود البزة العسكرية لم يكن شيئًا غريبًا..نادية في حالة انكار منذ أن سمعت النبأ..تؤكد دائما أن زوجها الضابط الطيار سيعود.

قبل خمسة عشر عامًا التقت نادية بفتاها في مدرجات كلية الهندسة بجامعة الخرطوم..كان عادل يتقدمها بدفعتين..بدا شابًا وسيمًا تميزه لحية دائرية يهتم بها كثيرًا وسمرة تأخذ شكلها حين يبتسم كاشفًا عن اسنان ناصعة البياض..كان مشهورًا بين الطلاب بعادل طيارة..في سمته العام يبدو مشغولًا بشيء ما.

اقتربت نادية من عادل طيارة في رحلة طلابية نظمتها رابطة طلاب الهندسة..في منطقة السبلوقة قص عادل حكايته لنادية..لقب عادل طيارة لحق به منذ الطفولة الباكرة..سكن أسرته في بري جعله في ألفة مع الطائرات التي تقصد مطار الخرطوم في غدوها ورواحها..حينما كان يلهو الطلاب بسيارات من الصفيح كان عادل يصنع طائرة من الورق مزودة بشراع من أكياس البلاستيك..تظل طائرة عادل رابضة في البيت حتى يحين موسم الرياح فيبهر أقرانه بمنتجه الذي يعانق السماء.

بدأت نادية تشارك زميلها في حلمه الطائر..كلاهما ينقب في المكتبة عن علم الطيران..في وقت فراغهما يبحثان في الحاسوب عن الجديد في صناعة الطيران..بعض أصدقاء عادل كانوا يتندرون على اهتماماته المعلقة بين الأرض والسماء..ما إن تخرج عادل من قسم الهندسة الميكانيكية حتى هرع للالتحاق بالجيش عساه يحقق حلمه في الطيران..كاد عادل أن يطير من الفرحة حينما بعثه الجيش في دورة لباكستان للتدرب على هندسة الطيران..استشعر أنه بات قريبًا من حلم قيادة طائرة.

قبل أن يسافر إلى الدورة التدريبية أصر أن يكمل مراسم زواجه من نادية..كان الأمر يبدو غير منطقي لضابط يحمل على كتفه نجمتين وفتاة تخرجت للتو من الجامعة..عادل ونادية كانا متعجلين لتحقيق حلمهما..كانت نادية تنتظر بفارغ الصبر لحظة أن يقلع حبيبها بطائرة..أخبرها أن مهندس الطيران من المفترض أن يقبع في الأرض منتظرًا إصلاح الأعطاب..لكنه لن يفعل ذلك..لن ينتظر سيمارس مهنته في الجو.

حينما عاد عادل طيارة الى السودان بدأ مزهوًا ببزته العسكرية الزرقاء..سكن مع أصهاره في حي القوز بالخرطوم..بدأت غرفة نوم الزوجين أشبه بمطار صغير..مجسمات لطائرات ومجلدات تبحث في أصول المهنة وحاسوب خلفيته طائرة..السعادة كانت تظلل الغرفة الصغيرة لأن الزوجين جمع بينهما حلم التحليق في السماء.

خرج الملازم عادل في ذاك الصباح الى عمله..رئيسه المباشر أخبره أن عليه التوجه إلى جوبا لإصلاح عطب أصاب طائرة نقل..حينما اقترب من الطائرة تردد..كانت تلك المرة الأولى التي يخشى فيها الطيران..حاول أن يتراجع..اتصل على زوجته هامسًا بهواجسه..اضطرت أن ترفع صوتها في سماعة الهاتف..طلبت منه ألا يتردد ويتوكل على الله.

حاولت نادية أن تتابع الرحلة عبر الهاتف..ذات النبرة الرتيبة تقول لها هذا المشترك لايمكن الوصول إليه حاليًا..عند الظهيرة اتصل صديقه عبدالكريم الحسن على هاتفها..خشيت من المكالمة وطلبت من شقيقها أن يرد..من تلك اللحظة تصر نادية أن زوجها سيعود من رحلته وإن طال الزمن.



assayha