العدمية كموقف نفسي بقلم د.أمل الكردفاني

العدمية كموقف نفسي بقلم د.أمل الكردفاني


04-29-2018, 06:08 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1524978509&rn=0


Post: #1
Title: العدمية كموقف نفسي بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 04-29-2018, 06:08 AM

06:08 AM April, 29 2018

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر





▪رغم ان هناك تعريفات متعددو للعدمية سواؤ عند شوبنهاور او نيتشة او هايدجر وغيرهم ... لكنني اعتقد ان العدمية موقف نفسي اكثر منه موقف عقلاني. انما ما يحدث بالفعل هو عقلنة او منطقة الموقف النفسي . لا يمكننا انكار تأثير العدمية على الادب كتأثيرها على أبي العلاء المعري ، بل وتلكثير من الشعراء الذين تتخفى عدميتهم في عملية نقد وهدم لمعنى الوجود والكون والحياة. ربما لا يكون شارعا من لم يتخذ العدمية موقفا له ولكن هذه ايست قاعدة فنيرودا مثلا لم يكن شاعرا عدميا ، وهناك شعراء كتبوا الكثير من قصائدهم بمداد العظمية كعلي محمود طه ، وكأبي القاسم الشابي رغم ان كلا الشاعرين لم يتوقف عن نظم ما يحفز على منح قيمة للوجود. فالى جانب قول الشاعر:
عبثا تقفو خطى الماضي الذي
خلت ان البحر واراه ابتلاعا
فدع الليلة تمضي انها
لم تك اول ما ولى وضاعا
الى
قول درويش
على هذه الأرض ما يستحق الحياة:
تردد إبريل،
رائحة الخبزِ فى الفجر..
آراء امرأة فى الرجال،
كتابات أسخيليوس،
أول الحب،
عشب على حجرٍ،
أمهاتٌ تقفن على خيط ناى،
وخوف الغزاة من الذكرياتْ.

اعود الى ان العدمية موقف نفسي ، وهو موقف شديد التذبذب لا يستقر داخل الأديب ، وربما يتعمق هذا الموقف النفسي حيث يفضي بالفعل الى اتخاذ قرار بمغادرة الحياة. فلنلاحظ مثلا ذلك الشاعر التونسي الذي انتحر ؛ والذي تهافت الناس ليقرأوا شعره في صفحته على الفيس بعد موته. ان كل كلماته تنضح بموقف نفسي وليس عقلاني ، ربما لم يجد نضال -وهذا ما اتذكره من اسمه- من يوجهه الى ان العدمية ليست حقيقة (والحقيقة هنا بمعنى مؤكدة) وانها (حتى لو تمت منطقتها على نحو معجز) ليست من طبيعة الكائنات الحية التي تنزع الى تجاهل ما هو منطقي على نحو مزمن عندما يتعارض مع لذة التوهم. ربما كان قرص فافربن او اليسترال او سبرالكس او غير ذلك قادرا على منح نضال سنوات اخرى من الكتابة الشعرية وتعزيز قدرته والنجاح في ايجاد ارتباط بينه وبين الحياة. ربما لو تم توجيهه الى ذلك لما حدث ما حدث ؛ غير اننا يجب ان نفهم ان اكتشاف تلك النزعة او ذلك الموقف النفسي ليس سهلا ، (قد يقول قائل بأنني اخلط بين العدمية والاكتئاب) حسنا .. انا افعل ذلك بالفعل ، بل ارى ان العدمية مفردة معقلنة للاكتئاب ، مصطلح أدبي يخفي داخله السيكولوجي . ولذلك فليس مسابعدا ان تجد هذا الموقف عند الاذكياء والاغبياء ، المتعلمين والأميين على السواء ، الفقراء والأغنياء ، الملحدين والمؤمنين. اعتقد ان الانتحاري الذي يفجر نفسه كائن عدمي في الواقع لكن عدميته عدمية ضارة.... ، فقيرة جدا وغير منتجة ، في حين قد تكون العدمية رحما لتفريخ الابداع.
اننا -ربما اغلبنا- قد مرت عليه فكرة اننا ملقون هناك في الوجود (الدازاين) بتعبير هايدجر بحسب فهمي المحدود لأسلوبه الكابوسي ، واننا في حالة سقوط ، او أننا بين قوسي العدم ، أو اننا نفتقر للمطلق ، أو اننا اجساد قابلة لأن تنمسخ الى مفهوم حشري كبطل كافاكا في المسخ. المهم ان هناك تصورات لا تنتهي تبعث فينا هذا الموقف النفسي ، ولكن غالبا ما نتاهلها ، او كما قال (آلان وود) نستخدم سياسة الإلهاء المستمرة حتى لا نقع في مستنقعها الآسن. لكن العدمية لم تتوقف ابدا عن الجثوم المؤلم على صدر الانسان منذ فجر البشرية. ولا اكون مبالغا اذا قلت بأن كل انتاج البشرية ناتج عن العدمية كأزمة انطولوجية مزمنة ، فالأديان نفسها ليست سوى نتاج لهذه الأزمة ، وما يترتب على الاديان من فلسفات تنزع الى الفناء في المطلق تزهدا او تصوفا او رهبنة.. لتتخلص من ثقل الوجود وربما عبثيته ومجونه. ربما كانت العدمية هي سر تمسكنا بروابطنا العاطفية ، بل واللهاث بحثا عن خلق تلك الروابط ، والزواج والانجاب والحرب والتملك والبحث عن المجد بل وكتابة بيت شعر وحيد. ليكون هذا الموقف النفسي السلبي هو السبب الحقيقي وراء ما وصلنا اليه من حضارة.