إعادة على دينار بقلم عبد الحفيظ مريود

إعادة على دينار بقلم عبد الحفيظ مريود


04-24-2018, 06:31 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1524591073&rn=0


Post: #1
Title: إعادة على دينار بقلم عبد الحفيظ مريود
Author: عبد الحفيظ مريود
Date: 04-24-2018, 06:31 PM

06:31 PM April, 24 2018

سودانيز اون لاين
عبد الحفيظ مريود-السعودية
مكتبتى
رابط مختصر

رؤيا


الصّورة النمطيّة لعلي دينار، لم يتمّ فحصُها كما يجب. حتّى بعد الجهد المقدّر الذي بذله الدكتور سيد أحمد العقيد، أستاذ التأريخ المعروف. ذلك أنّ السودانيين ميّالون للتعامل بشكل شديد مع المرويّات. يعاقرون السّماع ويألفونه، ويزيدون ما شاء لهم خيالُهم في الحكايات ويصدّقونها. والتحرّي مكلّف جدّاً. حتّى ليكاد كلّ سودانيّ يروي حكايات السلطان عليّ دينار عن ظهر قلب، فهو السّلطان الباطش الشديد البأس والمتسلّط. مثلما لا يكادون يغيّرون الصّورة النمطيّة للخليفة عبد الله أو الزّبير باشا. فقد تمّ رسم الصّورة والعمل على تمليكها وتغذيتها باستمرار، فرسخت. بذل عصمت حسن زلفو - مثلاً - في كتابه "كرري" جهداً جبّاراً لإعادة تقديم الخليفة عبد الله استناداً إلى الحقائق والوثائق. لكنّ جهده يذهب أدراج الرّياح، كلّما جاء حديث عن الخليفة. حتّى الباحثين والعارفين لا يكادُ الواحد منهم يجترئ على مخالفة الصورة النمطيّة هذه، خوفاً من بطش العامّة، الذين هم القرّاء الكرام. فقد تحوّل أغلب القرّاء لممارسة دور الرّقيب على البحوث والكتابات الرّصينة، دون امتلاك أدوات نقد المطروح جديداً. مثل ذلك يصادفه المتعرّض لسيرة الزبير ود رحمة. على الرّغم من أنّ الرّجل أملى مذكراته للصحفية البريطانيّة في منفاه بجبل طارق، وقامت بتحريرها ونشرها، وقام السفير الخليفة عبيد بترجمتها، ونشرها حيدر إبراهيم علي ضمن جهوده الخارقة في مركز الدراسات السّودانيّة، إلاّ أنّ كلّ أحدٍ يحدّثك عن الزّبير باشا أو يكتب عنه، لا يكاد يتخطّى عتبة أنّه كان تاجر رقيق بغيض باع السّودانيين عبيداً للأجانب، وأثرى من وراء بيع بنيْ وطنه.
يثابر بدر الدّين الهاشميّ على تقديم وترجمة دراسات وقصص ومقالات عن السّودان في فتراتٍ حرجة، لا تتوفّر للقارئ العاديّ، معتمداً على "السّودان في وثائق ومدوّنات"، بحدس ملهَمٍ ونصاعة لا تحتاج إلى تقريظ. وضمن تنقيباته ترجم وثائق دقيقة عن السّلطان عليّ دينار وعن المساليت، في غاية الأهميّة. تستطيع هذه النتف، أنْ تكون مدخلاً لإعادة قراءة السّلطان عليّ دينار بصورة مختلفة. فالثابت أنّ علي دينار - بعد كرري واستتباب الأمر لكتشنر - أعاد إحياء سلطة آبائه في دارفور وبسط سلطانه عليها كاملةً حتّى عام 1916م، حين قرّر الإنجليز إنهاء سلطانه الذي يشكّل شوكةً لحكمهم.
لكنّ ما أعاد الهاشميّ تقديمه يوضّحُ بصورةٍ جليّة أنّ المساليت ودارهم كانت خارج سلطات السّلطان علي دينار، بل بارزه المساليت وعادوه حرباً وراء حرب وأقلقوا منامه للدّرجة التي بات يجيّشُ الجيوش لمنازلتهم، ويجرّد في الحملاتِ ضدّهم أفضل قوّاده لهزيمتهم. ولكنّ المدهش هو تقرير كتبه - ورّبّما هو خطاب عاديّ - للمفتش الإنجليزي في كردفان يسرد فيه ويشرح المعارك التي خاضها ضدّ تمرّدات المساليت والأسلحة المستخدمة والذخائر وسير المعارك والنّصر والهزيمة وأسر سلطان المساليت والتعامل معه، للدّرجة الباعثة للتساؤل: هل كان كتاب السّلطان علي دينار كتاباً من مرؤوسٍ إلى رئيسه؟ هل كان عليّ دينار يحكم ضمن اتفاقيّة خاصّة، سرّيّةٍ بينه وبين الإنجليز؟ وما الذي يحمله على كتابة تقرير مفصّل للقائم بأمر الإنجليز في كردفان كما لو كان يتبعُ له؟
الشاهد أنّ مثل هذه التنقيبات ستساعدُ في معرفة وضعية على دينار كسلطان منعزلٍ عن الإنجليز، مستقلٍّ، يحكم وفقاً للشريعة الإسلاميّة ويقدّم كسوةً سنويّة ومحملاً للبيت الحرام وسكّان مكّة ومدينة، وأنّه على خلاف استراتيجيّ ورؤيويّ مع الإنجليز باعتبارهم نصارى أنجاس. ذلك أنّ صمت الإنجليز أو غضّ بصرهم عن حكمه طيلة الستة عشر عاماً هي ذاتها محلّ تساؤلٍ كبير: لمَ فعلَ الإنجليز ذلك، في الوقت الذي باتوا فيه ورثةً للدولة المهديّة التي كانت دارفور جزءًا أساسيّاً منها، وهي بتلك الميزات والثروات والإمكانات والأهميّة الاستراتيجيّة، وهي القريبة من نفوذ المنافس على غرب أفريقيا، فرنسا؟
أليس وراء الأكمة ما وراءها؟؟