الحداثة العربية- كوب لا فارغ ولا ممتلئ بقلم د.أمل الكردفاني

الحداثة العربية- كوب لا فارغ ولا ممتلئ بقلم د.أمل الكردفاني


04-19-2018, 06:19 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1524158391&rn=0


Post: #1
Title: الحداثة العربية- كوب لا فارغ ولا ممتلئ بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 04-19-2018, 06:19 PM

06:19 PM April, 19 2018

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر





الكتابات الغربية تحديدا لم تتفق على تاريخ واحد لانبثاق الحداثة لكنها عموما اتفقت على فكرة مركزية الانسان والعقلانية كمحددين لها. يكتب العرب عن هذا الأمر بلسان الغرب لا بواقع الشرق لأن سؤال هل بلغنا الحداثة لم يفصل فيه بعد. البعض ينظر الى الجانب الممتلئ من الكوب والآخر من الجانب الفارغ ، لكن المؤكد ان الكوب لا هو فارغ بالكامل ولا هو ممتلئ بالكامل. فمن ناحية هناك وجود تاريخي قديم للعقلانية كفلسفة في الثقافة العربية وهذا معروف بل وقبل ظهور اوروبا نفسها كحاملة للواء التنوير. هناك اتجاهات تقدمية برزت بعد انتهاء الاستعمار ، وهي تيارات لها تأثير حتمي كاليساريين مثلا والقوميين العرب وخلافه. فكرة مركزية الانسان موجودة على مستوى النخب منذ ان صار للعرب اعتبار تاريخي لهم. لكن القضية هي ان هناك ايضا من يشد الحبل من الطرف الآخر ، ومن خلفه الغالبية من الطبقات الدنيا ، هذه الطبقات التي رفضت حتى من يعتبرون انفسهم ناطقين بلسان حالها كطبقات مسحوقة ، واتخذت قرارها الحاسم بالوقوف وشد الحبل مع الاطروحات اليمينية. لذلك لا نستطيع ان نتحدث عن دخولنا او عدم دخولنا في الحداثة لأن قضيتنا مختلفة تماما ، منظومتنا وتاريخنا جد مختلف. ان الحداثة الغربية - التي لا نعرف ان كانت حقيقية ام زائفة-تم تصدير مظاهرها لنا ، ليس الدول العربية فحسب بل حتى افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، تم تصديرها ليس كنظرية بل كعقيدة ، وليس كثقافة بل كآيدولوجيا ، وليس كطرح بل كأمر ، وبالتالي تحولت الى سلاح لإمبريالية جديدة . لا بأس ان نتناقش حول العقلانية ومركزية الانسان كجدليتين قابلتين للتفاوض التنظيري ، باعتبارهما أس الحداثة وايضا الحرية وان كانت هذه الأخيرة مسألة شديدة التعقيد في نظري ، سواء واقعيا ام نظريا لأن فكرة الحرية لها ارتباطات أخرى أولية شائكة تبدأ من حدود الحرية وتنتهي الى حقيقتها. لا بأس من ان نناقش بهدوء شديد ان كنا نستطيع خلق موازنة بين هذه المفاهيم والمفاهيم الأخرى التي تقف على الشط الآخر منها. وهذا في حد ذاته تأكيد على اننا نفهم الحداثة كقيمة ايجابية ، ولكنها تظل ايجابية متى بقت محتفظة بنسبية حضورها مفسحة مجالا لوجود الاختلاف. قد نتساءل ايضا عن نقد الحداثة الذي مارسه الفكر الغربي وانقسامه بين من يقول بأن الحداثة مشروع لم يكتمل ومن بقول بأن الحداثة سقطت كمشروع غربي ، ومن يقول انها لا زالت مستمرة. هذا في الواقع لا يعنيني كثيرا ، لأن ظروف الحداثة الغربية تختلف عن ظروف ومناخ الشرق بشكل كبير ، كما ان الواقع الدولي الراهن مختلف عما كان عليه قبل ستين عاما فقط ، والواقع الدولي مهم جدا من ناحية كونه يكشف النفوذ الثقافي والسياسي والعسكري الذي تتمتع به بعض الدول ومن ثم تحديد رتبتنا داخل هذه الهيراركية الصلبة. قد يتساءل البعض عن أهمية ذلك؟ ارى ان هذا مهم جدا ، لأن هذا يوضح لنا ميزان القوى العالمي ، وموقعنا منه والاسلحة المسموح لنا استخدامها ، بل وحتى الخطاب الثقافي الذي يجب الا يتجاوز خطوطا حمراء معينة. ويحدد لنا كيف نخاطب الآخر وكيف نرد عليه وكيف نتجاوب معه ومتى نصمت.