هل تؤدي الحضارة الى هشاشة الانسان؟ بقلم د.أمل الكردفاني

هل تؤدي الحضارة الى هشاشة الانسان؟ بقلم د.أمل الكردفاني


04-14-2018, 01:29 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1523665768&rn=0


Post: #1
Title: هل تؤدي الحضارة الى هشاشة الانسان؟ بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 04-14-2018, 01:29 AM

01:29 AM April, 13 2018

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر






لماذا يؤدي العدوان الجنسي الى تدمير الضحية نفسيا؟
في بعض القبائل الافريقية البدائية اذا تعرضت المرأة للاغتصاب والحمل فإن المغتصب يخير بين الزواج بالمرأو او الاحتفاظ بالطفل باسم القبيلة ، العلاقات الجنسية في العصور القديمة كانت شائعة ، ولم يكن للجنس خطورته كما هو الحال عليه الآن . ما اتصوره هو ان الممارسة الجنسية حتى ولو كانت بالاكراه في ذلك الزمان لم تكن لتعطي نفس الأثر التدميري النفسي للضحية ، لأن الجنس كالاكل والشرب ، وفكرة المشاع الجنسي وانعدام النظر اليه كخطر لدى المحيط الاجتماعي يؤدي الى عدم تأثيره على من يخضع للاكراه الجنسي ، او ربما لا يكون الخضوع نفسه كاملا ، ان الاثر النفسي نتج عن التحضر البشري ، فالحضارة تؤدي الى نقل ما هو عام الى الخاص والبدائية تفعل العكس اي تنقل ما هو خاص الى العام . التطور البشري ادى الى ازدياد حالة الخجل لدى الانسان ، وصار اكثر ميلا للخصوصية الجنسية على وجه التحديد ، لأن المجتع رسخ تقييم معين للتحلل الجنسي ، وهو تقييم سلبي ، وزاد الشعور العام بالجنس كنوع من الخصوصية ، هذا امر طبيعي جدا فالملكية الخاصة لم تكن معروفة كما هو عليه الآن ، كان كل شيء مملوكا للجميع ، فالحضارة تعني الاتجاه المستمر نحو الخصوصية الشديدة ، الخصوصية التي جعلت الانسان ينتقل من العيش الجماعي الى العيش داخل مساكن بل وداخل المسكن نجد الانسان يزيد من خصوصيته بالعيش داخل غرفة. الناس كانوا يتغوطون في الخلاء أمام بعضهم وقليلا ما كانوا يعرفون ارتداء الملابس ، اليوم لابد ان يغلق الانسان عليه الباب ليمارس الجنس او حتى ليتبول. ونظرا لتطور الخصوصية وازدياد الشعور بالفردية ، والانفلات من نطاق القوالب الجماعية لم يجد الانسان بدا من سن قوانين تحمي هذه الخصوصية ، الخصوصية المالية والخصوصية الجنسية والخصوصبة التواصلية والخصوصية العاطفية والنفسية. هذا شيء مقلق جدا ، فربما لن يمض وقت طويل حتى يتم تجريم من يفتح عليك باب الحمام وانت تتغوط ، وربما يكون هذا الفعل الذي يبدو بسيطا اليوم جريمة لا تغتفر وذنبا اخلاقيا لا يمكن تجاوزه لا من المجتمع ولا من القانون في المستقبل. اتجاهنا الفردي والنزوع الى الخصوصيةالشديد ، ينمط التكوين النفسي للفرد بحيث يجعله اكثر حساسية تجاه انتهاك خصوصيته هذه ، يكون الاعتداء على خصوصيته مؤثرا جدا عليه من الناحية النفسية والعصبية. ولا اعرف ان كان ذلك تقدما حضاريا ام ان الحضارة تزيدنا هشاشة وضعف بدلا عن ان تمنحنا القوة التي نتمناها منها. في رواية آلة الزمن يكتشف البطل الذي ينتقل الى المستقبل ان البشر انقسموا الى قسمين ، قسم يتميز بالنعومة والهشاشة يعيش فوق الارض وقسم متوحش وشديد الغلاظة يعيش فوق الأرض؟ فهل هذا ما سيحدث فعلا او ربما يحدث العكس في المستقبل حينما يتحول الانسان الى كائن ضعيف التحمل والثبات العصبي والنفسي ، والنزوع الى التشديد على الخصوصية ، او كما جاء في احد الافلام فحتى الجنس يتم عبر تكنولوجيا حديثة لا توفر اتصالا جسديا حقيقيا ، وانه كما جاء في رواية الدوس هيكسلي يتم الانجاب داخل ارحام اصطناعية وبناء على تنظيم جيني اقتصادي ومعرفي معين ، بحيث ينتهي اي دور اجتماعي عاطفي وتشاركي ، وينعزل الفرد داخل خصوصيته الكئيبة. لم لا اذا كنا نشاهد اليوم بداية هذه الهشاشة التي ستصيب الانسان وهو يعيش داخل وسائل التواصل الاجتاعي ، وفي عمق التكنولوجيا. هناك الآن ملايين من الشبان حول العالم يسجنون انفسهم في غرفهم وحولهم الحواسيب الآلية بمختلف اشكالها والبرامج المختلفة وهم يمارسون هواية التجسس والسرقة الالكترونية او حتى اللعب والدردشة الالكترونية ، هناك الآن مئات الآلاف من الشباب يعملون من غرفهم عبر الانترنت لا يخرجون منها الا الى الحمام او المطبخ ، نقود الكترونية ، تجارة الكترونية ، بورصة الكترونية ، اغاني الكترونية ، ...الخ . ولذلك لم يجد المشرعون بدا من سن قانون يحمي الخصوصية الالكترونية ، ليعمق هشاشة الفرد وعزلته وتضييق نطاق التفاعل الاجتماعي الحقيقي وتوسعة شعوره بالخطر على خصوصيته. لن تكون جرائم الاغتصاب وحدها ذات التأثير النفسي المدمر ، فربما يكون مجرد اللمس اكثر تدميرا ، او حتى ارسال رسائل عبر الوسائل التكنولوجية ، وربما يتم التعامل مع هذه الصور وغيرها كما يتم التعامل مع الاغتصاب المباشر والجسدي اجتماعيا وقانونيا. ان مسيرة الانسان الحضارية تعني مزيدا من الهشاشة والفردية والخصوصية والتقوقع وبالتالي مزيدا من الخوف..