تأملات في العدالة بقلم د.أمل الكردفاني

تأملات في العدالة بقلم د.أمل الكردفاني


04-10-2018, 00:45 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1523317551&rn=0


Post: #1
Title: تأملات في العدالة بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 04-10-2018, 00:45 AM

00:45 AM April, 09 2018

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر





(1) ليس الهروين والمعتقدات فقط ما يحول دون التجرد عند اعمال العقل... الفضيلة نفسها قد تفضي الى فهم مغلوط للواقع وقد يفضي الفهم المغلوط الى قرارات خاطئة وقد تؤدي القرارات الخاطئة الى كارثة . دعني اناقش اشكالية ضخمة احدثتها فضيلة الفلسفة الافلاطونية ولا زالت آثارها حتى اليوم وهي طرح بعض المفاهيم كمثل (بضم الميم والثاء) ومن ذلك العدالة والخير والشر . اعتقد ان هذه الانطلاقة الافلاطونية الخاطئة هي التي منعت الانسان من اكتشاف الحقيقة ... ، لأن تفكير الانسان المجرد اختفى وراء وهم اسمه الفضيلة . ولذلك دعنا نسترجع تفسيرات كثيرة منذ افلاطون وحتى هيوم لتعريف العدالة ، ستجد انها تنطلق من التسليم بوجود حقيقة اسمها العدالة . نعم يعتبرها البعض أم الفضائل التي يتميز بها الانسان ، لكنه لم يبين لنا ما المقصود بالعدالة ، يقول الفلاسفة السياسيون والفقهاء القانونيون ان العدالة هي اعطاء كل ذي حق حقه. ولكن هل هذا حقا يعد تعريفا للعدالة ، انه يفترض ان اعطاء كل ذي حق حقه (أي المساواة) هو العدالة ، ولكنه لم يبين لنا منذ البداية ، اهم سؤال ، ومن هو الذي اخذ من كل ذي حق حقه اساسا ، ومن هو الذي يملك تلك السلطة لتوزيع الحقوق بالتساوي او بغير التساوي ، لماذا لا نقول ان العدالة (عندما نجردها من فكرة الاخذ والعطاء) هي ترك كل انسان وشأنه ... دون اخذ اي حقوق منه . بدلا عن ان نتحدث عن حقوق مسلوبة يعاد منحها له ، ودون ان نعرف من سلبها وبأي سلطة سلبها وبأي سلطة سيعيدها. الخطأ هنا هو ان تعريف العدالة انبثق عن العاطفة او فكرة الفضيلة ، ولذلك اوقعتنا جميعا في هذه الدائرة المفرغة عند تعريف العدالة . كذلك مفردات اخرى كثيرة منتشرة كالحقيقة والاخلاق الشر والخير ، يتم وضع مفاهيمها ليس على اساس تجريدي وانما على اساس عاطفي ، وهذا ما خلق لدينا حاليا ازمة عميقة ونحن نخوض صراع الثقافات ، حيث تتعتقد كل ثقافة بامتلاكها لناصية الخير والاخلاق والعدالة . لو أن سقراط او افلاطون -وهما اس الفلسفة اليونانية بعد الذريين وغيرهم- كانا قد جردا هذه المفردات من طرحها الاخلاقي والعاطفي لكان بالامكان ان نصل اليوم الى حقائق تحول دون تمدد صراعات البشرية ، فبدلا عن ان تحقق تفسيرات الفلاسفة ذات المنطلق الاخلاقي السلام الانساني ادت الى عكس ذلك ؛ اي الى الصراع الانساني المزمن. ففي بعض الاحيان يكون من الافضل ان يخبرك الطبيب او الجلاد بأنك ستموت حتى تستعد للموت بكل كبرياء.
اننا درسنا مثلا مفاهيم كثيرة تم بناءها على اسس خادعة جدا ، كمفهوم القانون ، الذي يطرح لنا كمسلمة تعبر عن مجموعة القواعد الملزمة والتي تقترن بجزاء تحقيقا للنظام داخل المجتمع. لكن هل هذا صحيح؟ لقد تجاهل الفلاسفة الحقيقة البشرية تماما والمتمثلة في كونه كائنا يشترك مع باقي الكائنات في غريز البقاء ... هذا الغريزة التي انتجت كل تفاعلات الانسان الاجتماعية والدينية والفكرية ، أما القيم التي اعتبرت مثالا خارج المعرفة الانسانية كالخير والجمال ، فهي نتيجة او اثر من اثار هذه التفاعلات . الفضيلة او الاخلاق او العدالة او اي تسميات أخرى ذات طابع مثالي هي نتيجة للصراع الانساني الممثل لغريزة البقاء . لا يعني هذا اننا بذلك نستلب كل طوباوية تخيلها الانسان ككائن حالم ، لكننا نجردها من اطلاقها المزيف ونعيدها الى حظيرتها الاولى وهي حظيرة الذات المنفردة.

(2) لا يوجد شيء اسمه عدالة ... هذا وهم ... فلنفترض ان العدالة هي اعطاءك حقك .. فهل تشكر من يعيد لك حقك وتصفه بالعادل؟؟؟ عادل لماذا؟ اليس هذا حقك واعاده لك؟ هل اذا سرقك اللص ثم اعاد لك حقك تسميه عادل......
بل السؤال هو: ما هي السلطة التي اخذ بها الشخص حقك ... اذا اقترض منك مالا واعاده فهو أمين وليس عادل ، اذا منحته انت سلطة الحكم عليك فهو ملتزم بوظيفته وليس عادل ... لماذا نلجأ للقضاء... ليس لأننا نثق في عدالته وانما لاننا فضلنا اللجوء الى من وظفناه للفصل في قضايانا بدلا عن ان نأخذ حقوقنا بأيدينا بالقوة.... الحاكم الذي يعطك حقك ليس عادل لأن هذا واجبه وليس منحة او صدقة يقدمها لك ... ما المقصود بعادل😨 انه وهم كبير جدا لشكر من لا يستحق الشكر اساسا....
ان فكرة العدالة قامت في حقيقتها على الصراع ، ونحن لأننا جربنا الطرق العنيفة والدموية في استرداد حقوقنا قررنا كبشر ان نخلق ما يسمى بالقانون ووضعنا له آليات للعمل ومن ضمنها القضاء والنيابة والمشرع الذي يجب ان يسن قوانين تعطينا حقوقنا وهذا ليس عدالة لا من القضاء ولا من المشرع ولا من النيابة ... لأن اعطاءنا حقوقنا هو المبرر الذي اعطاهم هذه السلطة فان لم يعطونا حقوقنا فإما ان نعود لمنطق القوة والعنف ، او نرضى بسرقة حقوقنا ونستسلم..
واعود مرة اخرى واقول ما المقصود بالعدالة؟؟؟؟ ان من يمنحني حقي ليس عادلا لأنه ببساطة منحني حقي ... هل هذه لغة هيروغلوفية يا قوم؟؟؟
ان مشكلة الفلاسفة كما قلت في المنشور السابق انهم انطلقوا من منطلقات عاطفية واخلاقية (رغم أن الاخلاق نفسها محل جدل) .... لكنهم لو انطلقوا من مصدر تفاعلاتنا البشرية وهو غريزة البقاء والصراع لكانوا استغنوا عن كلمات كثيرة لا معنى لها كالعدالة والخير والشر والأخلاق .