رمتني بدائها وانسلّتْ بقلم عبد الحفيظ مريود

رمتني بدائها وانسلّتْ بقلم عبد الحفيظ مريود


04-07-2018, 03:19 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1523110778&rn=0


Post: #1
Title: رمتني بدائها وانسلّتْ بقلم عبد الحفيظ مريود
Author: عبد الحفيظ مريود
Date: 04-07-2018, 03:19 PM

03:19 PM April, 07 2018

سودانيز اون لاين
عبد الحفيظ مريود-السعودية
مكتبتى
رابط مختصر

رؤيا


في النذر اليسير من تعقيبات حظيتْ بها كلمة كتبتها بعنوان "ديكتاتوريّة ضروريّة"، من قرّاء سودانيز أونلاين، لم أستبِنْ إلاّ ما حملني على الرأي ذاك، القاضي بأنّ الديمقراطيّة جلباب لا يشبهنا ولا يمثّلنا. ليس لأنّني غير ديمقراطيّ أمجّد الدّيكتاتوريّة – كما ذهب بعضهم – ولكن لأنّ الحزمة كاملة المنتجة في فضائها الثقافي الخاصّ لا يمكن استنباتُها بالبساطة التي يدعو إليها مهدرو الوقت في البحث عن وتكبّد العناء ذاك. فبنية الوعي السّودانيّ بنية أساسها المصادرة والدّيكتاتوريّة. في كلّ مستوياتها، للدّرجة التي يوصَف من ينادي بها وبتطبيقها في أيّ تفصيلة من تفاصيل الحياة بقلّة الشّغلة. ابتداءً من التّربية في البيت، الحيّ، السّوق، القرية أو المدينة، المدرسة أو الخلوة، المؤسسة، الجامعة والأحزاب. لا ينكرُ إلاّ مكابرٌ أنّ نظام الحياة السّودانيّ نظام لا يتيحُ هامش حرّيات من أخمص قدميه حتّى قمّة رأسه، فيما قامت الدّيمقراطيّات في ثقافات ونظم تعليميّة وتربويّة متّسقة تماماً معها، بل متشرّبةً ذاك كلّه منذ نعومة أظافرها.
قدّمتُ نموذج وتجربة الصّين التي لم تحفِلْ كثيراً بهذا الهراء. والنهضة التي أحدثتها انطلاقاً من سياقها وعلاماتها الثقافيّة. لم تنجر وراء ما يحاول الغرب فرضه على أنّه الثقافة العالميّة المفروض الاقتداء بها لتكون مواطناً عالميّاً مستوفياً شروط الحداثة والاندغام في البيئة الإنسانيّة. ذلك أنّ الواقع في الوضع السّودانيّ يجب أنْ يأخذ تجارب نظرتْ بعمق في أصولها الثقافيّة وطوّرت منها نظماً سياسيّة رشيدة، تنفع بها نفسها والعالم الذي تعيش فيه، بدلاً عن الانخراط في أوهام الكائن العالميّ الذي يتقيّد بحزمة القيم والأنظمة التي وضعها آخر، بعيد كلّ البعد عنك، وتهدر أكثر من ستين عاماً من الاستقلال متدافعاً متصادماً متناحراً في سبيل الوصول إلى أشكال الحياة التي وضعها من كان يستعمرك وسوّقها لك على أنّها الأفضل. لقد وضعها ببساطة متطوِّرة عن تجاربه الثقافيّة ومنظوماته الفكريّة، هي في الأصل موضوعة له شخصيّاً.
لم يلحظ أحدُ أساطين دعاة الديمقراطيّة أنّ الإمبراطوريّة البريطانيّة حكمتْ السّودان مستعمرة إيّاه لأكثر من نصف قرن دون أنْ تتكرّم فتحكمه ديمقراطيّاً أو تعلّمه كيف يمارسها، بل كان الهمّ الأكبر الواضح والمعلن هو أنْ تعمل الإدارة البريطانيّة على تطوير النّظم والثقافات المحليّة والإبقاء عليها. وبالنسبة للقوميّات الفارقة عن الهويّة المتجانسة شمالاً – نوعاً ما – فقد ذهبت في إبقائها على ما هي عليه أكثر، بسنِّ وتطبيق قانون المناطق المقفولة. لكنّها تطالبك – عشيّة استقلالك عنها – أنْ تكون ديمقراطيّا ومنسجماً مع نظم العالم التي لم تشارك في صناعتها، ولم تتسق – قط – مع أصولك الثقافيّة.
لم تكن كرمة ومروي والممالك المسيحيّة ديمقراطيّة قط، وكذا لم تكن سلطنات الفور والفونج والمسبّعات وتقلي ولا مشيخة العبدلاب نظماً ديمقراطيّة. ومن ثمّ لم تقُم سجادةً دينيّة واحدة في السّودان على أسس ديمقراطيّة، وليس ثمّة فرصةٌ للإدارات الأهليّة في كلّ القبائل أنْ تكون ديمقراطيّة. لم يترَبَّ فردٌ واحدٌ سودانيّ في بيت ديمقراطيّ وحيّ ديمقراطيّ ومدرسة أو جامعة ديمقراطيّة، ولا يمكن لأيّ أب سودانيّ أنْ يجعل من بيته ساحة للديمقراطيّة من لدن زوجته وأبنائه، فكيف سننتجُ نظاماً ديمقراطيّاً؟
قصار النّظر رأوا في دعوتي هذه، تمجيداً وتهليلاً وتسويقاً لنظام المؤتمر الوطنيّ وللرئيس البشير. وهي ليست كذلك، البتة. فنظام المؤتمر الوطنيّ وحكومة البشير لا ينتظران ولا يتوخّيان نُصرةً من شخص مثليّ. سقومان بما يقومان به دون استشارة أو تنظير من أحد. لا أخدمُ أحداً بكتابتي ولا أتلّقى راتباً أو توجيهاً من أحد. ولئن خدمتْ مصالح وتوجهات أحد، كائناً من كان، فلا مقاصد أو نيّة في ذلك. وإنْ خالفت فلا نيّة في ذلك. "ريحٌ تهبّ لكي تهبّ لذاتها"، كما يقول درويش. وإذا كانت الديمقراطيّة تجبرك على الاستماع للحمقى، فكن ديمقراطيّاً واستمعْ لي، فلستُ إلاّ أحد الحمقى.