عالم الإذلال بقلم عبد الحفيظ مريود

عالم الإذلال بقلم عبد الحفيظ مريود


03-26-2018, 07:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1522087406&rn=0


Post: #1
Title: عالم الإذلال بقلم عبد الحفيظ مريود
Author: عبد الحفيظ مريود
Date: 03-26-2018, 07:03 PM

07:03 PM March, 26 2018

سودانيز اون لاين
عبد الحفيظ مريود-السعودية
مكتبتى
رابط مختصر




وجدتِ الصّين نفسها أمام وضعٍ لا تُحسَدُ عليه، عشيّة منع إمبراطورها تصديرَ الأفيون، وزراعته. اعتبرتِ الملكة البريطانيّة الأمرَ إهانةً شخصيّة، فتمّ إجبار الصّين على توقيع اتفاقيّات مذلّة بامتياز. وخانعةً، منكسرة سارتْ – فيما بعد – الدولَ العالمثالثيّة فى قطيع المذلولين، الثيمة الأساسيّة للعلاقات الدّوليّة فى عالم اليوم. يشخّصُ البروفسير برتران بديع، الأكايمىّ الفرنسىّ، مرض العلاقات الدوليّة الراهنة، بأنّه "الإذلال المتعمّد الذى لا ينجو منه أحد"، وذلك فى مقارباته لباثالوجيا العلاقات الدّولية. الذى فاقمتِ العولمة من حدّته، بإعتبارها مظلّة لا يمكنها أنْ تعترف بالآخر، المخصوص، الذى لا ينتمى إلينا.
تنتظمُ المعاهدات والاتفاقيات والقوانين الدّولية ثيمة واحدة، هى إذلال الدّول غير الأوربيّة، أو غير الغربيّة بصورة رئيسة. فلقد تمّ تصميمها بحيث تنظر إلى كلّ ما هو غير غربىّ على أنّه شيئٌ لا يمكن التّصالح معه. فهو لا يتّسق مع المعايير الدّوليّة. لكنّ الصين التى خضعت للدّرس ورسّبته فى وعيها اللاواعى، ستبنى إستراتيجيّة جديدة تقوم على ذات المنهج الغربىّ المعتمد على الإذلال. ولن يكون ذلك بيّناً كما جرى تقعيده فى الغرب، وإنّما بصورة ناعمة وأشدّ نعومة من الحرير. فقد مضتِ الصّينُ فى لفَّ أعناق الآخرين – متى وجدتْ ذلك ممكناً – بخيوطٍ ناعمة من الحرير، عبر القروض والمنح وغيرها، مثل أخطبوط بارد الدّم يكتّفُ فريسته فى معانقة ودّية ليقوم بامتصاصها.
بالنسبة للمقاومات التى جرت منذ نهايات القرن الماضى للإذلال الغربىّ الذى يُمَارَسُ علناً على جميع الدّول خارج منظومة القيم والثقافة الغربيّة، فإنّ تأديبها يتمّ بطرقٍ شتّى تتلاءم تماماً مع ظروفها الخاصّة. وعلى سبيل المثال حين جرى التشدّق فى بدايات التسعينات بأنّ السّودان اختار طريقه ومنهجه (اللاشرقى ولا غربىّ) منافحاً عن حقّه فى اختطاط مسيرةٍ خاصّة به، متحدّياً الإمبرياليّة، جرى التعامل معه وفقاً لمبدأ المزيد من الإذلال، فيما هو يفتقر إلى وعىّ متجوهر، يصدُّ به آليات الإذلال ويبتكرُ وسائلَ للمنافحة. وقد جرى صرفه لما يقارب الثلاثين عاماً إلى معارك جانبيّة مميتة، وحارقة بغرض إذلاله جيّداً.
من العبط البيّن لكلّ ذى بصيرةٍ الإدّعاء بأنّ السّودان ظلّ ثلاثين عاماً يقاومُ الهيمنة ومحاولات فرض الإرادة وأنّه خرج منتصراً مرفوع الرأس. فالحسابات الدّقيقة تثبتُ أنّ حسائره أكبر من أنْ تُحصى، فضلاً عن أنّه كان يدور فى حلقة مفرغة، مثل جمل العصّارة، معصوب العينين، مذلولاً بما لا يمكنُ التداوى منه قريباً. أقلّه الخروج لما يقارب الثلاثين عاماً من المنظومة الاقتصاديّة العالميّة، العلميّة، التكنولوجيّة وغيرها، بحيث ينقلب الشّعار من "الطاغية الأمريكان" إلى فرح يجوب الخرطوم برفع الحظر الأمريكىّ، ولهاث لا مثيل له فى سبيل التوصّل إلى تطبيعٍ كامل مع الولايات المتّحدة، وحلفائها، وإسرائيل ليست بعيدة عن ذلك. وذلك غير طلب الحماية من روسيا، التى ستأخذُ هى ذاتها نصيبها من ممارسة الإذلال، لا سيّما وأنها كانت شريكة فى الشّعار التسعينىّ المجيد.
وحين تنظر فى شبكة العلاقات الإقليميّة التى يعدّ السودان جزءًا منها، لا يبدو أنّه يسير بعيداً عن مخطّط الإذلال المرسوم له، ولو عن طريق الوكالة. صحيح يبدو أنّه غير منتظم ضمن محور، ولكنّه يلعب خارج محاور الممانعة والمقاومة كلّها، يدور فى فلك رُعاةِ الإذلال فى المنطقة، وليس فى مصلحتهم أنْ يكون هناك شاذٌّ عن القطيع، يهرب من جرعاته المقرّرة فى الإذلال، ذلك إنْ لم يكن للوكلاء نواياهم الخاصّة وإحنهم الشخصيّة التى ستجعل الإذلال مضاعفاً أو معقّداً نوعاً ما.
من جهة ثانية يعمل السّودان نفسه على ممارسة ما يتلقّاه على القريبين منه، الضعيفين والمهيضى الجناح، فيما كان حريّاً به أنْ يدعم محاولات إنعتاقهم وخوض معارك مشتركة لرفع الأغلال عن الجميع، فى دور ريادىّ مفتقد فى الوقت الرّاهن.
نشر فى صحيفة الاخبار