العلمانية او إلحاد الدولة بقلم د.أمل الكردفاني

العلمانية او إلحاد الدولة بقلم د.أمل الكردفاني


03-21-2018, 10:12 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1521666724&rn=0


Post: #1
Title: العلمانية او إلحاد الدولة بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 03-21-2018, 10:12 PM

10:12 PM March, 21 2018

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر






قبل قرابة ثمانية عشر عاما كتبت مقالا عن علمانية الاسلام ؛ واشار لي صديق بأنه كتب مقالا بذات المفهوم وان كنت لم اتمكن من الحصول عليه وقراءته ... والحقيقة ان هناك تيارا واسعا من المسلمين المثقفين الذين يميلون الى علمنة الاسلام كمحاولة لتجديد خطابه بما يتواءم مع العصر ، وهناك من قسم العلمانية الى نوعين احدهما العلمانية النسبية والتي تحاول التقارب مع الاستحقاقات الدينية.
اما اليوم وبعد كل هذه السنوات من متابعة هذه الخطابات التجديدية فقد تغيرت وجهة نظري تماما ، فهذه الخطابات فوق انها خطابات ترقيعية تلوي اعناق النصوص والثوابت الدينية فهي ايضا لم تجد اي انصار لها على مستوى القاعدة الجماهيرية الاسلامية، ان من انضموا لداعش والقاعدة اكثر بكثير ممن اقتنعوا بروايات تجديد الخطاب الديني. وهذا يعطنا ميزانا نزن به مدى رسوخ الخطاب الكلاسيكي للاسلام في العقل المسلم.
فالقضية بالنسبة لي ليست قضية صواب او خطأ .. لأن النصوص التأسيسية تتحمل كافة التأويلات بما يجعلها جميعا على مرتبة واحدة من احتمالية الصواب والتطابق مع المقصد الإلهي ، فهذا لا يمكن حسمه الى يوم القيامة. انما ما اعنيه هنا هو تعارض العلمانية كوجه من وجوه الإلحاد (إلحاد الدولة) مع مفاهيم اسلامية راسخة كالحاكمية ولوازمها ومتلازماتها الأخرى . واذا كانت امة الاسلام لا تجتمع على باطل كما جاء في الحديث ، فآننا لا نستطيع ان نتجاهل هذا الكم المهول من اشواق الغالبية العظمى من المسلمين لتطبيق الحاكمية ، ليس بالضرورة ان يكون كل هؤلاء المسلمين يملكون وعيا حقيقيا علميا ومنهجيا بمبدأ الحاكمية ، فغالبية المسلمين لا يعرفون من الاسلام سوى نسبة ضئيلة من مفاهيمه وهي مفاهيم اساسية اغلبها طقوس تم اكتسابها بالتواتر. عندما يحاول الاسلاميون ذوي التوجهات التجديدية طرح الاسلام كعلمانية فهم يستخدمون مصطلحات وجمل ولغة احتيالية جدا ، كالقول بأن العلمانية تحمي الاسلام ، او ان العلمانية هي فصل الدين عن السياسة او عن الدولة ، او ان العلمانية هي وقوف الدولة من جميع الاديان على مسافة واحدة ...الخ ، وليست هذه سوى صيغ احتيالية لإخفاء حقيقة لا يمكن اخفاءها وهي ان العلمانية هي (إلحاد الدولة) في مقابل اسلامية الدولة . وحتى لو استطاعت هذه الخطابات التجديدية ان تقنع المثقفين فإنها لن تتمكن ابدا من اقناع العوام ، لأن للعوام ايضا ثوابت رسخت عبر القرون ، فلا يمكن مثلا ان يقبل العوام حاكما غير مسلم فيكون للكافرين على المؤمنين سبيلا ، وبالتأكيد فإن التيارات السلفية الرافضة لأي خطاب تجديدي تملك اكثر مما تملك الخطابات التجديدية من ادلة وبراهين تستطيع ان تثير بها نزعات الشارع الدينية العاطفية... لا يمكن مثلا ان يقبل الشارع الاسلامي بتغيير قانون الاحوال الشخصية لترث الانثى مثل الذكر ، او ليجيز القانون ميراث غير المسلم من المسلم ، وهذه مجرد قطرة في محيط تشكل ابستمولوجيا عبر تاريخ طويل من التغذية السلفية ، حتى بات عقل المسلم يتقبل التحريم اكثر من التحليل... بل انك لن تندهش ابدا اذا استمعت لاستشارات يقدمها مهندسون واطباء مسلمون يبحثون عن الحكم الشرعي في مسألة ما كزواج شخص من فتاة والدها يتعاطى الصعوط او يدخن السجائر. نعم فحتى المتعلمون بعيدون كل البعد عن فهم التعقيدات الفقهية التي تعج بها كتب السلف ، ويكفي ان تشير الى ابن تيمية او البخاري او غيره في فتواك لتحصل على القبول الجماهيري العام. هذه حقائق على الارض لا يمكن ان نتجاهلها مهما حاول الاسلاميون من ذوي الرغائب التجديدية تغييرها. لن يفلحوا اذن ابدا . هناك مسائل دينية راسخة تصطدم مباشرة بالعلمانية وبغض النظر عن كونها صحيحة ام خاطئة فهي قد اكتسبت صحتها من مرور الزمن والتواتر بين المسلمين . ان مهمة التجديديين ليست سهلة فهم مواجهون بجهل العامة وفوق هذا بحرب من الفكر السلفي ، وفوق كل هذا مصطلحات مثيرة للشك والريبة للعامة كمصطلح العلمانية والليبرالية وخلافه... لا يمكن لهؤلاء التجديديين استخدام المصطلحات على حقيقتها ، فلا يمكن لهم ان يعلنوها صراحة ويقولوا بأن العلمانية هي (الحاد الدولة) رغم ان هذا هو المعنى الحقيقي للعلمانية ، فهي وجه من وجوه الالحاد بدون ادنى شك ...