التاريخ القديم والحديث لنوبة الجبال: (قبائل نوبة جبال النوبة بولاية جنوب كردفان) الجزء الأول – التا

التاريخ القديم والحديث لنوبة الجبال: (قبائل نوبة جبال النوبة بولاية جنوب كردفان) الجزء الأول – التا


03-08-2018, 02:58 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1520517486&rn=0


Post: #1
Title: التاريخ القديم والحديث لنوبة الجبال: (قبائل نوبة جبال النوبة بولاية جنوب كردفان) الجزء الأول – التا
Author: غانم سليمان غانم
Date: 03-08-2018, 02:58 PM

01:58 PM March, 08 2018

سودانيز اون لاين
غانم سليمان غانم-السعودية
مكتبتى
رابط مختصر

التاريخ القديم والحديث لنوبة الجبال: (قبائل نوبة جبال النوبة بولاية جنوب كردفان)
الجزء الأول – التاريخ القديم
بقلم: ناني أوبت انده*
ترجمة: غانم سليمان غانم**
مقدمة:
النوبة هم مجموعة من القبائل تتشارك السكن في منطقة جغرافية محددة في ولاية جنوب كردفان والمعروفة باسم: "جبال النوبة". إن أصول معظم قبائل النوبة مجهوله ولكن ليس من شك أنهم أفارقة. وقد وصلوا لجبال النوبة من مناطق مختلفة خلال آلاف السنين. يوجد حالياُ أكثر من خمسين قبيلة تنتمي لقومية النوبة. ويبلغ اجمالي تعدادهم حوالي مليونان ونصف (2.5) مليون نسمة.
كانت معظم قبائل النوبة حتى حقبة الاستعمار التركي المصري خلال القرن التاسع عشر تعيش في عزلة نسبية. أهم الأحداث المؤثرة التي شكلت تاريخ قبائل النوبة هي حقبة حكم الإمام المهدي وخليفته القصيرة والتى اتسمت بالعنف وحقبة الاستعمار البريطاني. نال السودان استقلاله في عام 1956م ومنذ الستينيات من القرن الماضي كان النوبة على خلاف مع الحكومات الوطنية المتعاقبة. اعتباراً من عام 1987م وحتى هذا التاريخ تعتبر منطقة جبال النوبة ميدان لإحدي الحروب الأهلية التى استمرت لوقت طويل مستنزفة موارد البلاد.
يعمل النوبة بشكل تقليدي مزارعين في القطاع الزراعي وهم مستخدمون حالياً في العديد من القطاعات الإقتصادية والمرافق الحكومية ومنذ بداية القرن العشرين أسهمت هجرات العمالة في تشكيل مجتمعات نوبة كبيرة في المدن الكبيرة في السودان مثل الأبيض والخرطوم وبورتسودان. في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي التحق مئات الآلاف من النازحين النوبة بسبب عنف الحرب الأهلية بالعمالة المهاجرة السابقة. بتوقف الحرب الأهلية في جبال النوبة رسمياً في يناير 2002م عاد العديد من النازحين إلى جبال النوبة.
تهدف اللمحات التاريخية التالية والمختصرة إلى تقديم منظور شامل لتاريخ النوبة. ولقد استشهدت واقتبست من العديد من المصادر وقمت كذلك باستشارة العديد من العلماء الذين يعتبرون مراجع وخبراء في مجالاتهم المختلفة بالنظر للتاريخ القديم للنوبة. وبالنظر لمعظم أحداث التاريخ الحديث فقد اعتمدت بشكل كبير على المقابلات مع رجالات النوبة الذين كانوا منخرطين بشكل لصيق بالتطورات والأحداث التى أدت إلى الحرب في جبال النوبة وبالتالي توقيع اتفاقية السلام الشامل في عام 2004م.
1 – اسم النوبة
لعدة قرون كان يطلق على المنطقة الجغرافية التى تعيش فيها قبائل النوبة بـ "بلاد النوبة". وكانت مملكة تقلي (وهي مملكة نوبة صرفة) تعرف بشكل متميز مثل بقية ممالك النوبة في جبال النوبة ولكن بالنسبة للقبائل العربية التى تعيش حول المنطقة فقد كانت تُطلق على جميع سكان الجبال اسم "النوبة". وقام الأوروبيون، بالاعتماد على المعلومات التى تلقوها من القبائل العربية، باستخدام نفس الاسم.
كانت قبائل النوبة حتى وقت قريب تستخدم اسمها القبلي وكان العديد منهم لا يعتبرون أنفسهم في حقيقة الأمر نوبة. وبكلمات الراحل الأستاذ/يوسف كوة مكي:
"من الأمور العجيبة: عندما تكون في جبال النوبة أنت تعرف قبيلتك فقط. فنحن على سبيل المثال من قبيلة الميري. لذلك عندما نسأل:"من هم النوبة؟" كنا نحاول أن نقول:"القبائل الأخرى - ليس نحن". فقط عندما نخرج من جبال النوبة للشمال أو الجنوب أو الغرب عَرٍفنا بأننا كلنا نوبة" 1.
يرجي الملاحظة أن كلمة "نحاول" هنا: كما لاحظ عالم اللسانيات والأنثروبولوجيا الإجتماعية أيه. سي. استيفنسن (A.C. Stevenson) تعني أن: "بعض المتعلمين من النوبة يخجلون من وسم أنفسهم بهذا الاسم ويحاولون استخدامه لنعت سكان الجبال الريفيين: بالنسبة لهم فهم "نوبة" إشارة للحط من المكانة الاجتماعية" 2.
تفترض إحدى النظريات القديمة بأن هناك علاقة بين "نوبة" والاسم المصري القديم "نوب" (nebu) الذى يعني الذهب. كانت الأرض الواقعة جنوب مصر في الأزمنة القديمة تنتج كميات كبيرة من الذهب ولذلك كان السكان معدنين للذهب، و تزعم بعض الإدعاءات أن "أرض الذهب" كانت تسمي نوبيا (Nubia)، وذلك لم يحدث، وأن سكانها نوبة. باختصار: كل هذه مزاعم سخيفة 3. ومن ثم هناك تفسير آيه. جيه. آركل (A.J. Arkell)، وهو يقول:
"يبدو أن اسم النوبة مشتق، مثل العديد من الأسماء القبلية الأخرى في السودان (البرتي، البرتا، البرقو وغيرهم)، من كلمة من لغتهم الخاصة تعني "العبيد" 4.
بالتأكيد هناك علاقة و إرتباط بين الاسم والمسمى: لقد تم قهر قبائل النوبة بواسطة تجار الرقيق لعدة قرون وبالنسبة للعرب أصبح اسم "النوبة" مرادفاً إلى حد ما لـ"العبيد". ونظراً لأن آركل لم يذكر في أى لغة من لغات قبائل النوبة العديدة ما يبين أن الإسم يعني "عبيد"، فهناك القليل الذي يمكن أن نقوله حول نظريته باستثناء الاستشهاد بعالم الانثربولوجيا الدكتور اس. اف. نادل (S.F. Nadel) الذى يقول:
"لن أحاول متابعة أصل ومصدر هذا الاسم أو التكهن بمعناه الأصلي. يكفي القول بأنه لا يوجد في أى لغة من لغات المجموعات (القبائل) التى قمت بدراستها مصطلح (اسم) نوبة" 5.
2 – الممالك القديمة في ضفاف النيل
1 – النوبة
هناك "النوبة" وهناك "النوبيون"، وهذا يسبب كثيرا من الإلتباس. "النوبة" قبائل تعيش في جبال النوبة بولاية جنوب كردفان. و"النوبيون" يعيشون حالياً على ضفاف النيل في الحدود بين السودان ومصر. وقد تم تهجير العديد منهم عندما قام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ببناء السد العالي. يعتبر "النوبيون" من أحفاد سكان الممالك النوبية العظيمة: كوش، مروي، نبتة، المقرة (دنقلا) وعلوة.
في هذا المقال سأقوم أولاً باستعراض تاريخ النوبيين ومن ثم سأتناول أي مرئيات سائدة حالياً فيما يتعلق بالعلاقة بين نوبة جبال كردفان والممالك النوبية القديمة.
يستخدم اسم "بلاد النوبببن" لوصف الأرض الممتدة على ضفاف النيل والكائنة جنوب مصر والمقسمة إلى "بلاد النوبيين السفلى"، الواقعة في المنطقة بين الشلالين الأول والثاني، و"بلاد النوبيين العليا" وصفا للمنطقة الواقعة جنوب الشلال الثاني. على أية حال، ومن منظور تأريخي لم توجد أبدا مملكة أو قبيلة أو حضارة باسم النوبيين. إن استخدام اسم بلاد "النوبيين" للدلالة على المنطقة يبدو أنه نشأ عند قيام رسامي الأطالس الأوروبيون في بواكير عصر النهضة الذين قاموا برسم الخرائط على أساس أعمال عالم الفلك والجغرافي كلاديوس بطليموس (Claudius Ptolemaeus) - 90 – 168 قبل الميلاد 6.
الملوك المصريين القدماء (قبل الأسر الفرعونية ومن الأسرة الفرعونية الأولى) كانوا يطلقون على سكان المناطق التى تقع جنوب ممالكهم بـ "تا ستي" أو رماة الحدق لمهارتهم في رمي السهام. كان "التا ستي" منظمين بشكل جيد ولم تكن حضارتهم مختلفة عن المصريين الأوائل. على أية حال فهم قد اندثروا.
بقيام الأسرة الفرعونية السادسة (حوالي 2323 – 2150 قبل الميلاد) كان المصريون يطلقون اسم واوات (Wawat) وارتجيت (Irtjet) وستجيو (Setju) للدلالة على الممالك الصغيرة المتعددة في بلاد النوبيين السفلى. كما كانوا يطلقون اسم يام (Yam) على مملكة تقع في بلاد النوبيين العليا. وكانت هناك علاقات تجارية بين مملكة يام ومصر حينئذ.
عندما حلت المملكة الوسطى مكان المملكة القديمة في مصر (حوالي 2134 – 2040 قبل الميلاد) حدثت كذلك تغيرات سياسية في بلاد النوبيين العليا. واختفت "مملكة يام" من نصوص التاريخ المصري وظهرت مملكة كوش التى كان المصريون يصفونها بـ "الحقيرة" أو" الوضيعة". أصبحت مملكة كوش قوة رئيسية في الجنوب واستولت على بلاد النوبيين السفلى حوالي 1700 قبل الميلاد.
تغيرت الفرص مرة أخرى وقام مصريو المملكة الجديدة (حوالي 1532 – 1070 قبل الميلاد) بهزيمة مملكة كوش هزيمة ساحقة وقاموا بتدمير عاصمتها كرمة. بحلول نهاية حكم الملك تحتمس الأول في عام 1520 قبل الميلاد تم إلحاق جميع بلاد النوبيين بمصر وقام المصريون بتأسيس إدارة جديدة ومراكز دينية في نبته، وتبنت صفوة النوبيين عبادة الآلهة المصرية ونظام الكتابة الهيروغلوفية. وبهذه الطريقة تمت المحافظة على العديد من آثار الثقافة المصرية القديمة لعدة قرون بينما تراجعت قوة مصر تدريجياً.
بحلول عام 800 قبل الميلاد تقسمت مصر إلى دويلات متحاربة وفي عام 747 قبل الميلاد قام الملك الكوشي بعانخي (بيا) بالزحف نحو الشمال من عاصمة مملكته في نبته وقام بتوحيد مصر. قام الحكام الكوشيين بحكم كل من بلاد النوبيين ومصر حتي غزو الجيش الآشوري في عام 667 قبل الميلاد وهرب الملك النوبي إلى نبتة وتمت هزيمته تماماً في عام 664 قبل الميلاد.
في عام 656 قبل الميلاد، قام بسماتيك الأول، مؤسس الأسرة السادسة والعشرين (أسرة سايات) (Saite) بتوحيد مصر. وفي عام 591 قبل الميلاد قام خلفه بسماتيك الثاني بغزو مملكة كوش وتدمير وحرق نبته. قام ملوك كوش بنقل عاصمتهم إلى مروي (Meroë) حيث استمروا في بناء المعابد للآلهة النوبية والمصرية. كان هؤلاء الملوك يدفنون في أضرحة داخل الإهرامات. قام ملوك مروي بتطوير خط جديد وبدأوا في كتابة اللغة المروية التى لم تكتشف أسرارها حتى الآن.
احتل الأسكندر الأكبر مصر في عام 332 قبل الميلاد وكانت فترة حكمه قصيرة وأصبحت مصر مملكة مرة أخرى تحت حكم البطالمة (306 – 30 قبل الميلاد). كان البطالمة متحدرين من أصول إغريقية وكان يشار إلي سكان جنوب مصر في السجلات الرسمية بـ" الأثيوبيين" (Aethiopian)، وهي تعني باللغة الأغريقية "ذوي الوجوه المحروقة". هذا الاسم الذى نعتهم به أول أعظم المؤرخين "هيرودوتس" (Herodotus) استمر طوال فترة حكم الرومان الذين سيطروا على مصر في عام 30 قبل الميلاد.
ازدهرت مروي خلال فترة حكم البطالمة. لم تكن العلاقات الأولية مع الرومان جيدة وطبقا لما أورده الرحالة استرابو (Strabo) - 63 قبل الميلاد 24م:
"قام الأثيوبيون في عام 24 قبل الميلاد بالهجوم على طيبة وقلعة الكتائب الثلاثة في أسوان وبهجوم مباغت استولوا على أسوان والفانتين وفيلة وأسروا السكان وأسقطوا تمثال قيصر" 7.
في عام 23م قام الحاكم الروماني في مصر بترونيوس (Petronius):
"باجبارهم أولاً للهروب إلى بلشيس (Pselchis) وهي مدينة أثيوبية وأرسل سفراءه للمطالبة بارجاع ما أخذه الأثيوبيون وابداء أسباب مبادرتهم بالحرب؟".
لم يستجب الأثيوبيون له. ولذلك قام بترونيوس في عام 22م بمهاجمتهم في بلشيس. وبهزيمة الأثيوبيين هناك تقدم الحاكم الروماني باتجاه بريمنيس (Premnis) وقام بالسيطرة على المدينة وتقدم باتجاه عاصمة الأثيوبيين نبته التى قام بتدميرها. بعد العديد من الأعمال العدوانية توصل الأثيوبيون والرومان إلى اتفاق سلام وازدهرت التجارة بينهم لعدة قرون.
قبل الرجوع مرة أخرى للنوبة أود أن أركز مرة أخرى إلى أنه اينما ذكرت بلاد النوبيين يجب أن نتذكر بأنه لا توجد هناك مصادر تاريخية منذ القدم كانت تستخدم هذا الإسم. وبالنسبة للنوبة فالأمر قصة مختلفة.
2 – النوبة يدخلون التاريخ
كان ايراستوثينز (Erastothenes) - 276 الى 194 قبل الميلاد - هو أول مصدر معروف ذكر قبيلة تسمي "النوبة (Nubae). نحن لم نحصل على النص الأصلي لكن استرابو كان يتحدث عن معرفة ايراستوثينز عندما قال:
"
    المناطق الواقعة في الجانب الأيسر من مجري نهر النيل، في "ليبيا"، يسكنها النوبة (Nubae) وهي قبيلة كبيرة يمتد تواجدها ابتداء من مروي إلى منحنى النهر وهي لا تخضع لسلطان الأثيوبيين وهي مقسمة لعدة ممالك مستقلة" 8.
    بمسير ايراستوثينز بموازة مجرى النيل فهو يعني أن النوبة كانوا يعيشون بين مروي ودنقلا ... من المهم التوضيح بأنه كان يميز بشكل جلي بين الأثيوبيين والنوبة.
    لقد ذكرت من قبل كتاب الجغرافيا (Geographica) لكلاديوس بطليموس بأنه قام في حوالي عام 150 قبل الميلاد بتحديد مكان سكنى النوبة في جنوب مصر. وبخلاف ما يفترضه العديد من الناس فقد حدد مكان تواجدهم شرق نهر النيل. ويقول بطليموس أن النوبة يسكنون في أقصى غرب ميناء زيلع (Avalitae)، والفكرة هنا: أن بطليموس في هذه الفقرة يتحدث بشكل عام عن أناس يعيشون شرق النيل، وهو يحدد موقع زيلع في الساحل الأفريقي لخليج عدن. في حقيقة الأمر، ذكر بطليموس عدة قبائل تعيش بين بلاد النوبة (Nubae) ونهر النيل.
    على أية حال، لم يعد ملوك مروي يهتمون كثيراً ببلاد النوبيين السفلي وكذلك لم يهتم الرومان بها: يروي بروكوبيوس (Procopius) المقيم في سيزاريا (Caesarea) (500- 565 م) بأن الإمبراطور دقلديانوس (Diocletian) (245- 312 م) قرر سحب القوات الرومانية من بلاد النوبيين السفلي. قام شعبين من شعوب الجنوب بازعاجه وهم: البلميين (Blemmyae) (البجا) في الجنوب الشرقي والنوباتيين (Nobatae) في الجنوب الغربي في مكان يسمي بريمنيس (Premnis).
    "
      لذلك فقد أقنع بروكوبيوس هؤلاء البرابرة (النوباتيين) للانتقال من موقع سكناهم والاقامة على ضفاف نهر النيل
        وبهذه الطريقة اعتقد بروكوبيوس بأن النوباتيين على الأقل لن يهاجموا البلاد الواقعة حول بلشيس بعد ذلك وبأنهم سيمتلكون الأراضى الممنوحة لهم باعتبارها أراضي خاصة بهم ومن المحتمل ان يهزموا البلميين والقبائل البربرية الأخرى".
        ونظراً لأن هذا التوجيه أسر النوباتيين فقد قاموا بتنفيذ الإنتقال بشكل سريع حسب توجيه دقلديانوس وقاموا بالسيطرة على جميع المدن الرومانية والأراضي على جانبي نهر النيل الواقعة جنوب الفانتين.
        من الواضح أن النوباتيين ليسوا برعايا لمملكة مروي. في ذلك الوقت وفي حوالي عام 300 م تراجعت قوة مملكة مروي تدريجياً وضعفت نتيجة لتقدم بعض الشعوب من الشرق والغرب على حد سواء 9.
        من الشرق أتت اكسوم وهذه مملكة قديمة فيما يعرف بأثيوبيا الحالية (الحبشة) وصلت قمة قوتها خلال حكم ملكها المسيحي عيزانا (Ezana) 330 – 356م. وفي نقش وجد في مروي أعلن عيزانا:
        "أنا انتصرت ميدانياً على النوبة عندما ثار شعب النوبة (Noba) وهاجموا بعنف المانجورتو (Mangurto): الخاسا (Hasa) والباريا (Barya) وعندما قام النوبة السود بشن الحرب على النوبة الحمر. أنا حاربت على نهر تكازي (عطبرة) في مخاضة كيمالكي (Kemalke). فهربوا واتبعت الهاربين الفارين لمدة ثلاثة وعشرين يوماً وقمت بقتل البعض وأسر البعض الآخر وغنمت الغنائم وأحرقت مدنهم واستوليت على قمحهم ونحاسهم وحديدهم ولحمهم المجفف والتصاوير التى كانت في معابدهم وحرقت مخزونهم من القمح والقطن وقفز الأعداء الفارين في نهر سيدا (النيل الأزرق). ووصلت كوش (Kasu) وقمت بقتلهم وأسرت الأسري في ملتقي نهرى النيل الأزرق وعطبرة. وأرسلت قواتي إلى النيل الأزرق لمحاربة مدنهم: علوة (Alwa) ودارو (Daro) وقامت قواتي بقتلهم وأسر الأسرى وألقوهم في الماء ورجعت قواتي سالمة ومنتصرة. كما أرسلت قواتي باتجاه النيل الأزرق لمحاربة أهل المدن المشيدة بالقش والقصب الخاصة بالنوبة (Noba) والنجوس (Negues) ومحاربة أهل المدن المشيدة بالطوب واللبن الخاصة بالكوشيين التى استولى عليها النوبة وهي تابيتو (Tabito) وفيرتوتي (Fertoti) ووصلت قواتي إلى منطقة النوبة الحمر ورجعت سالمة ومنتصرة بعد أن قامت بأسر الأسرى وقتل الأعداء والاستيلاء على الغنائم" 10.
        رغم التقدم الذى حققه علماء الآثار وعلماء اللسانيات في كشف المسألة الغامضة والمعقدة التى اكتنفت انهيار مملكة مروي، ما زال من المستحيل توضيح ما حدث بالفعل. من الظاهر أن النوبة السود هم من ثاروا، وهاجموا الشعوب المجاورة بما في ذلك النوبة الحمر وقاموا بالاستيلاء على بعض مدن مملكة كوش وبنفس القدر تم تدمير مدن مملكة كوش ولم ينج النوبة الحمر كذلك من هجمات جيوش اكسوم.
        في خلال القرون القليلة التالية ظهرت ثلاثة ممالك مسيحية من حطام مملكة كوش. المملكة الأولي هي نبته (Nobatia) في بلاد النوبيين السفلي، وهناك شك بأن نبتة تم تأسيسها بواسطة النوباتيين (Nobatae) الذين أشار اليهم بروكوبيوس. المملكة الثانية وهي المقرة (Makuria) الكائنة بين الشلال الثالث ومنطقة ما تقع بين الشلالين الخامس والسادس والمعروفة كذلك باسم عاصمتها دنقلا التى ربما تطورت من الجزء المتبقي من مملكة كوش الذى استولى عليه النوبة السود. والمملكة الثالثة هي مملكة علوة (Alodia) التى تقع جنوب المقرة وربما كانت تمثل الجزء المتبقي من مملكة كوش. تحول ملوك هذا الممالك إلى النصرانية بواسطة المبشرين من مختلف الطوائف المسيحية.
        تم ضم مملكة نبتة إلى مملكة المقرة في حوالى القرن السابع الميلادي ومن المحتمل قبل فتح المسلمين لمصر الذى بدأ في عام 639م. تقدم المسلمون باتجاه الجنوب وتم ايقافهم بجيش ملك المقرة الذى ابرموا معه الاتفاقية المعروفة باتفاقية البقط التى حافظ عليها الطرفان لفترة طويلة. وقد انهارت مملكة المقرة في القرن الرابع عشر الميلادي ومن ثم اعقبتها مملكة علوة التى استولت عليها قوات سلطنة الفونج الوليدة والقادمة من الجنوب.
        لقد تم تلخيص مسألة أصل النوبة بواسطة العالم دي. أيه. ويلسبى (D. A. Welsby)، واستنتج العالم ويلسبي بعد مراجعة جميع المصادر المتاحة والمراجع الآثارية:
        "في المصادر التاريخية لدينا مجموعة من الأسماء التى قد تشير إلى مجموعة معينة من الناس. من بين هذه الأسماء النوبة والنوباديين والأنوباديين والنوبة الحمر (Nubae, Nobades, Nobates, Annoubades, Noba, Nouba and Red Noba). إن دلالة هذه الأسماء غير واضحة وقد تكون أسماء مختلفة استخدمتها بشكل غير مضبوط مصادرنا: الأغريقية والرومانية والأكسومية والبيزنطية والعرب، لنفس المجموعة من الناس أو للإشارة إلى مجموعات فرعية أو للإشارة لمجموعات مختلفة من الناس. بكل تأكيد فإنه بالنظر للجانب الآثاري من الصعب علينا تمييز المجموعات الحضارية المختلفة لمضاهاة كل اسم، وفي نفس الوقت لا توجد حضارة معينة تغطي كل المنطقة التى سكنها هؤلاء الناس. إنهم أولئك الناس أو الشعوب التى انصهرت في الممالك النوبية الثلاثة التى ظهرت في القرن السادس الميلادي.
        لقد تم الإفتراض بأن النوبيين تسللوا تدريجيا لمملكة كوش بموافقة أو بدون موافقة الحكام الكوشيين وأنه بضعف السلطة المركزية الكوشية تمكنوا من الاستيلاء على مراكز السلطة وإزاحة الطبقة الحاكمة الكوشية ومن المظاهر الأخرى لإنتشار شهرتهم هو الظهور المفاجئ لأعمال الخزف التقليدية (traditional hand-made ceramics) المصنوعة يدوياً بواسطتهم، من جانب، واندثار أعمال الفخار (the finer Ku####e pottery) الكوشية المتميزة وكذلك انهيار الدولة الكوشية وإندثار مؤسساتها الدينية والفنون والمعمار الكوشي والأدب في اللغة المروية من جانب آخر.
        تضمن أحد النقوش الجدارية المكتوب باللغة الأغريقية في أحد جدران معبد ايزيس في فيلة في حوالي عام 537م النص التالي: "أنا، ثيودوسيوس (Theodosios)، النوبي" بما يقدم الدليل بأن الأسم المستخدم بواسطة النوبيين يصف انتماءهم العرقي 11.
        3 – النوبيون على ضفاف النيل والنوبة في جبال النوبة
        طبعاً من المثير أن نرسم خطاً من النيل باتجاه الجنوب الشرقي! ألا يكون من المستغرب نسبة النوبة لأسلاف سبقوا قدوم العرب؟ حسناً. جاء النوبة إلى ممالك النيل بعد زمن الفراعنة، لذلك ينبغي علينا أن ننسي كوش وحكم مصر! لكن هناك ثلاثة ممالك قديمة استمر حكمها تقريباً من عام 4000 الى 1600 قبل الميلاد. هل يكون ذلك سيئاً؟ ربما قد يكون!
        حسناً، دعونا نبدأ: بالنسبة لمعظم قبائل النوبة لا توجد هناك علاقة مع النوبيين في ضفاف النيل. سواء بالمكتشفات الآثارية أو علاقة اللغة واللسانيات. قبائل النوبة الوحيدة التى يمكن ربطها بالنوبيين في ضفاف النيل هم قبائل النوبة الذين يتحدثون بلغات النوبيين. لأجل فهم المزيد من العلاقة بين المجموعتين علينا النظر في تصنيفات اللغات واللسانيات.
        الفكرة الأساسية من وراء تصنيفات اللغات واللسانيات هو أن الناس الذين يتحدثون نفس اللغة يمكن أن يتفرقوا بعيداً وبعد ذلك تتطور اللغة بشكل مختلف في المجموعتين. هذا يؤدي بعد مرور مئات الأعوام إلى خلق لغتين مختلفتين. ينظر علماء اللغات واللسانيات إلى المفردات والقواعد والجوانب البنيوية لمختلف اللغات لأجل تصنيفها حسب إنتسابها وإرتباطها باللغات الأخرى. يستطيع علماء اللغات واللسانيات بمساعدة قوائم مفردات نمطية تحديد مستوى التقارب بين لغتين مرتبطتين أو متحدرتين من أصل واحد.
        أقر الباحثون في القرن التاسع عشر بالفعل بالإرتباط والإنتساب اللغوي بين النوبيين في ضفاف النيل وبعض قبائل النوبة المقيمة في جبال النوبة وبعض المجموعات القبلية في دارفور 12. فهم جميعاً يتحدثون لغات النوبيين المصنفة بالفرع السوداني الشرقي (Eastern Sudanic) لعائلة اللغة النيلية/افريقيا جنوب الصحراء (Nilo-Saharan). لمدة طويلة كان السؤال المحير هو: هل جاء نوبة الجبال من النيل؟ أم هل جاء النوبيين الموجودين على ضفاف النيل من الغرب؟
        بالرغم من فتح العرب لمصر وما استتبع ذلك من أسلمة، فقد احتفظ السكان على ضفاف النيل في بلاد النوبيين السفلي بلغتهم الأصلية المعروفة باللغة النوبية بالنسبة لعلماء اللغات واللسانيات. وبالارتباط الوثيق بلغة النوبيين هناك لغة الدناقلة التى يتحدثها السكان الموجودين على ضفاف النيل حول دنقلا في الوقت الحالي في السودان. من المحتمل أن تكون لغة النوبيين ولغة الدناقلة قد انفصلتا عن بعضهما البعض قبل حوالي 1100 عام – بزيادة أو نقصان قرن. لغة النوبيين ولغة الدناقلة وخاصة لغة النوبيين تعتبر من بقايا لغة النوبيين القدامي التى كان يتحدث بها السكان في الممالك المسيحية: نبته، ودنقلا والمقرة.
        كل من لغة النوبيين ولغة الدناقلة لها ارتباط بلغات بعض قبائل نوبة جبال النوبة وبعض قبائل دارفور. إن القبائل التى تتحدث لغة النوبيين في جبال النوبة تشمل: قبيلة الدلنج والكدرو والغلفان ووالي والكارجو وهبيلا ودبيري وبعض قبائل الجبال الغربية مثل الطباق وأبو جنوك 13. بالنظر للإنتشار والتوزيع الجغرافي لهذه القبائل يمكنك أن تتصور أن بعضاً من هذه القبائل جاء من الشمال الشرقي والبعض الآخر دخل جبال النوبة من ناحية الكدرو وبعضها انتقل ناحية الغرب حول جبال النيمنق.
        هذا ينسجم تماماً مع الأحداث التى جرت في القرن الثالث عشر الميلادي. بعد عدة قرون من الاستقرار تم طرد قبائل البدو العربية من جنوب مصر باتجاه الجنوب بواسطة المماليك 14 وكانت هذه القبائل البدوية العربية قد بدأت غزو مملكة المقرة. وفي الشرق كان البجا يهاجمون مصر وقرر المماليك أنه إذا لم تقم مملكة المقرة بمراقبة تحركات البجا فقد حان الوقت ليأخذوا الأمور بأنفسهم. عم المنطقة عدم الإستقرار ويمكننا أن نتصور أن الناس بدأوا يفرون من مملكة المقرة باتجاه الجنوب حتى وجدوا الملاذ في جبال النوبة. أليس هذا الإفتراض معقولاً؟
        حسنأً – دعونا نزيد القصة الطويلة طولاً: دليل علم اللغات واللسانيات يخالف ذلك. إلى جانب لغة النوبيين ولغة الدناقلة ولغة بعض نوبة الجبال الذين يتحدثون اللغة النوبية هناك مجموعتان أخريتان تتحدثان اللغة النوبية: البرقد والميدوب، الموجودين في أقصي الغرب والمنتشرين في دارفور (تم استئصال الميدوب في الوقت الراهن). بجمع البيانات عن مختلف اللغات النوبية، استنتج العالم جيه. اتش. جرينبيرج (J.H. Greenberg): "بالإفتراض بأنه حدث افتراق بين لغة نوبة الجبال الذين يتحدثون اللغة النوبية ولغة النوبيين على ضفاف النيل قبل ما يزيد عن 2,500 عام من الآن - قد يكون افتراضاً غير صحيح" 15.
        بالطبع لا يمكننا تجاهل رابطة إنتساب جميلة مثل هذه الرابطة بكل سهولة. لقد لاحظ العالم سي. هيرتزوج (C. Herzog) أن بعض قبال نوبة الجبال التي تتحدث اللغة النوبية لها مفرادت مسيحية لأيام الأسبوع والبعض الآخر استعار كلمات كذلك: على كل، فإن النوبة في كردفان جاءوا من النيل" 16. لكن العالم آر. ثلوال (R. Thelwall) لم ينبهر بهذا الإفتراض.
        "نحن على ثقة تامة بأن النوبيين (ولاحقاً الدناقلة) جاءوا إلى النيل من مركز انتشار في كردفان- دارفور كانوا قد أقاموا فيه وسيطروا عليه لما يقارب 4,000 عام. ونحن نعلم أنه كان يوجد هناك من يتحدث اللغة النوبية على ضفاف النيل على الأقل قبل خمسة قرون أو أكثر من ذلك. وحقيقة أن لغة بعض قبائل نوبة الجبال تتضمن مفرادات لأيام الأسبوع ترجع لعصرالممالك النوبية المسيحية يشير إلى أن هذه اللغات كانت على اتصال على الأقل خلال حقبة الممالك النوبية المسيحية والتى من المحتمل أنها تغطي الفترة من عام 500م وحتى عام 1400م. لا يعني هذا بالضرورة أن قبائل نوبة الجبال التى تتحدث اللغة النوبية لم تقم بأكثر من الإنتقال من منطقة كردفان الوسطي إلى جبال النوبة خلال حقبة الهيمنة السياسية النوبية من أسوان وحتي كوستي (على الأقل). لكن بالنظر إلى موقع قبائل جبال النوبة التى تتحدث اللغة النوبية (جبل الدائر، والدلنج وكارجو وغيرها) على طول الجانب الشمالي الشرقي للجبال يبدو أنهم كانوا "وافدين" أقاموا وسط قبائل النوبة التى كانت متواجدة فعلاً: مجموعات النيما والتميان التي كانت متواجدة في الجبال قبلهم 17.
        قد يبدو الأمر استنتاج صادم لبعض نوبة الجبال ولكن لا يوجد الآن عالم يجادل بأن النوبة في الجبال متحدرين من الممالك النوبية القديمة. دعونا الآن من مناقشة مسألة النوبيين فهناك المزيد الذى سنكتشفه.
        ج – أصول نوبة الجبال
        1 – " لقد عشنا دوماً هنا"
        إذن إذا لم يأتي نوبة الجبال من ضفاف النيل فمن أين جاءوا؟ هل أقول فقط أنه ليس لدى فكرة من أين جاء النوبة؟ لن يكون ذلك بعيداً من الحقيقة عندما صاغها العالم الدكتور اس. اف. نادل بهذا الشكل:
        "نحن نعلم القليل عن التاريخ القديم لقبائل جبال النوبة
          يبدو دائماً كما لو أن أحداث التاريخ قد انقطعت تماماً بتجربة الدولة المهدية المتسلطة (1881-1898م) التى قطعت جميع الروابط مع التاريخ
            الماضي الأكثر قدما. في بعض القبائل فإن أحداث التحركات القديمة أو أماكن الإستيطان القديمة يتم تلخيصها بجملة واحدة: "لقد عشنا دوماً هنا". بعض القبائل الأخرى لديها الكثير من الوقائع التاريخية المحددة والأحداث الأكثر اشراقاً التى يمكن دعمها بالأدلة الموضوعية
              لكنها لا تسلط الضوء على مسألة الموطن الأصلي لقبائل النوبة ولا تقدم أية معلومات فيما يتصل بزمان وكيفية صيرروة جبال النوبة موطناً لمجموعات سكانية كبيرة ومتنوعة 18.
              بكل بساطة لا توجد هناك مصادر مكتوبة أو مكتشفات آثارية يمكن أن تسلط مزيداً من الضوء في كيفية أن التجوال والهجرة والترحال جمع قبائل النوبة المختلفة في موطنها الحالي. في الإستعراض التالي سنرى - بالنظر للمجموعات التى وصلت مؤخراً (خلال الألفية أو الألفيتين الأخيرتين) - أننا لدينا فكرة على الأقل فيما يتعلق من أين هاجروا ولكن لزمن أبعد من ذلك: لا شئ.
              2 – تصنيف لغات نوبة الجبال
              الأبحاث الآثارية المنتظمة ربما تسلط مزيداً من الضوء على أصل قبائل النوبة ولكن يجب علينا في الوقت الراهن التركيز على مكتشفات علم اللغات واللسانيات. إن علم اللغات واللسانيات مجال معقد جداً وللأمانة هو غير جذاب ولكن على كل حال هو كل ما لدينا. لذلك نحن في المقام الأول سنبحث في تصنيف لغات نوبة الجبال المختلفة ومن ثم نتناول مسألة مَن جاء أولاً للجبال ومتي؟
              يمكن تصنيف لغات نوبة الجبال إلى عائلتين أو ربما ثلاثة عائلات لغوية: عائلة اللغات النيلية/أفريقيا جنوب الصحراء (Nilo-Saharan) وعائلة اللغات الكردفانية (Kordofanian).
              أ – عائلة اللغات الكردفانية: تشمل أربعة مجموعات تسكن في المناطق الجنوبية والشرقية من جبال النوبة: هيبان، تلودي، رشاد وكتالا. تعتبر اللغات الكردفانية فرعاً من عائلة لغات النيجر/الكونغو والتى تشمل جميع لغات البانتو وبشكل عام معظم اللغات التى يتحدث بها سكان أفريقيا جنوب الصحراء. الشئ الوحيد هو أن اللغات الكردفانية لا تشبه أي من لغات النيجر/الكونغو، وهي تشمل مجموعة لغات مرتبطة بها فقط ومحصورة جغرافياً ومنعزلة كذلك. بعبارة أخرى، ليس لدينا دليل في كيفية وصول قبائل النوبة التى تتحدث اللغات الكردفانية إلى جبال النوبة.
              ب – عائلة لغات كادوقلي: وهي لغة القبائل التى تسكن جنوب شرق والمنطقة القريبة من مدينة كادقلي. وقد تم تصنيفها سابقاً ضمن عائلة اللغات الكردفانية ولكن في الوقت الحالي تم اعتبارها جزء من عائلة اللغات النيلية/أفريقيا جنوب الصحراء. وهذه عائلة أخرى كبرى: لغة الدينكا ولغة النوير هي من عائلة اللغات النيلية/ أفريقيا جنوب الصحراء وكذلك العديد من لغات قبائل تشاد والكونغو والعديد من اللغات المتحدث بها في نيجيريا.
              ج – لغات بقية قبائل النوبة: تم تصنيفها كجزء من مجموعة رئيسية فرعية لعائلة اللغات النيلية/ أفريقيا جنوب الصحراء والمسماة اللغات السودانية الشرقية. وهذه اللغات تشمل لغة قبائل الداجو والتيمن والنيمنق. تتواجد قبائل النوبة التى تتحدث مجموعة اللغات السودانية الشرقية في المناطق الشمالية الغربية من جبال النوبة.
              3 – إستيطان قبائل النوبة في الجبال بحسب التصنيف اللغوي:
              كما رأينا سابقاً في مسألة المتحدثين باللغة النوبية أن التغيرات والتحولات في اللغات ذات الإرتباط والانتساب يمكن أن توضح لنا شيئاً فيما يتصل بزمان إنفصال وافتراق المتحدثين بتلك اللغات في الزمن القديم لتمضى كل مجموعة في طريقها. للأسف هذا ليس الأمر بالضبط كما أوضح لى العالم روبن ثلوال (Robin Thellwall):
              "إعادة البناء اللغوي تعتمد بحد أدني على البعد الزماني للإنفصال اللغوي ويتم تفسيرها بإطار زمني تخميني وموضوعي (تاريخ اللغات). هذا الإطار الزمني يكون في شكل نموذج (model) مؤقت ونسبي يتم اختباره بمضاهاة الدلائل الأخرى (الدلائل الآثارية والعادات والأعراف والتقاليد والموروثات الشفاهية وفصائل الدم وتاريخ الطقس والمناخ والمصطلحات الزراعية ومصطلحات تربية الحيوان ...الخ). هذا النموذج لم يطبق بالنسبة للغات قبائل النوبة التى تتحدث باللغة النوبية" 19.
              على أية حال، فيما يتصل بـ"إستطيان قبائل النوبة بحسب التصنيف اللغوي" فقد قام العالمان آر. ثلوال (R. Thelwall) وتي. سي. شادبيرج (T. C. Schadeberg) 20 بتحليل جميع المعلومات المتاحة في لغات النوبة وتوصلا للافتراضات التالية بخصوص التاريخ النسبي لاستيطان قبائل النوبة في جبال النوبة حسب التصنيف اللغوي:
              1. القبائل التى تتحدث اللغات الكردفانية جاءوا قبل جميع القبائل الأخرى.
              2. مجموعة النيمق والتيمن والقبائل التى تتحدث لغة كادوقلي جاءوا بعدهم.
              3. القبائل المتحدثة بلغة الداجو في الشات وليقوري جاءوا بعدهم.
              4. قبائل النوبة التى تتحدث اللغة النوبية من المحتمل أنهم جاءوا في الفترة بين القرن الخامس والرابع عشر ميلادي.
              5. القبائل المتحدثة بلغة الداجو والمقيمين حول مدينة لقاوة الذين استوطنوا هناك مؤخراً نسبياً.
              4 – عائلة اللغات الكردفانية:
              هيبان وكاتلا ورشاد وتلودي هي الأسماء الحالية لمختلف مجموعات اللغات الكردفانية التى تغطي النصف الشرقي من جبال النوبة وجزء كبير من وسط الجبال. في نطاق هذه المجموعة اللغوية ازداد الإختلاف بشكل كبير بينها مقارنة مع مجموعات لغات النوبة الأخرى. طبقاً لما أورده روبن ثلوال فإن: "هذه العائلة لديها تاريخ يمتد على الأقل 6,000 عام" 21. هذا يعني أنه ينبغي عليك أن ترجع 6,000 عام في الزمان لتجد قبائل النوبة المتحدثة باللغات الكردفانية الذين كانوا يتحدثون نفس اللغة. تم تصنيف عائلة اللغات الكردفانية مع عائلة لغات النيجر/الكونغو، وإن أقرب مجموعة سكان تتحدث لغات النيجر/الكونغو توجد في الحدود بين السودان وجنوب تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطي وفي جمهورية الكونغو. إن العلاقة بين عائلة اللغات الكردفانية وبقية عائلة لغات النيجر/الكونغو غير واضحة. فيما يلى التقسيمات الفرعية الحالية لعائلة اللغات الكردفانية:
              أ – لغة هيبان ويتم التحدث بها في منطقة كبيرة مركزها الجغرافي مدينة هيبان. ويمكن تقسيمها إلى قسم شرقي يضم قبيلة كاو وقبيلة ورني في الجنوب الشرقي وقسم مركزي يضم قبيلة الكواليب وقبيلة لارو وقبيلة هيبان وقبيلة أتورو وقبيلة الشواي وقبيلة اللوقول وقسم غربي يضم قبيلة المورو وقبيلة التيرا. بالنسبة لهذه القبائل لا تحتفظ الذاكرة الجمعية لها بمعلومات تاريخية كافية حول أصولها. ونحن نعرف أن قبيلة كاو التى اشتهرت من خلال صور المصورة ليني رايفنشتال (Leni Riefenstahl)، كانت تعيش في موقعها الحالي لما يقارب 200 عام على الأقل طبقاً لما أورده العالم جيه. سي. فاريز (J. C. Faris) الذى قال:
              "توثق العادات والأعراف والتقاليد والمورثات الشفهية أنهم جاءوا لهذا المكان قبل هجرات العرب الأولى إلى هذه المنطقة (حوالي 1800، راجع كنيسون (Cunnison) 1966-3)، وتشير المخلفات السطحية للمساكن والأنساب والانفصال اللغوي من عائلة لغة الكواليب/المورو إلى مدة زمنية أكبر" 22.
              ولكن ماذا يعني هذا؟ قد يكون ذلك قبل 500 عام أو 2,000 عام ... نحن لا ندري.
              لدى قبيلة تيرا معرفة بالمكان الذى جاءوا منه وموطنهم الأصلى الذى جاءوا منه يقع في جبال النوبة وأن الإطار الزمني فيما يتعلق بمجيئهم محدود:
              "طبقاً لمورثاتهم: جاءت قبيلة تيرا
                من مكان يسمي ريلة يقال بأنه يقع بين شيبون وكادقلي
                  وتركوه لأسباب مجهولة للاقامة في جبل تومبورو الكائن في سلسلة جبال مورو. هذا الإدعاء تم تأكيده بواسطة قبيلة المورو التى ما تزال تتذكر بأن قبيلة تيرا كانت تقيم في جبل تومبورو
                    عندما استوطن المورو لأول مرة
                      في تلك المنطقة. عندما تم طرد قبيلة تيرا بواسطة العرب من جبل تومبورو، هاجرت مجموعة قليلة من قبيلة تيرا نحو الشرق لتستوطن في منطقة تيرا الليمون وهاجرت بقية قبيلة تيرا لمنطقة تيرا الخدار وهذه الهجرة الأخيرة شملت ثلاث أجيال مضت
                        عندما وصل آباء وأجداد الجيل الحالي في منطقة تيرا وجدوا هناك بالفعل ثلاثة بطون من قبيلة تيرا كانت تعيش وتتحدث بلغة المهاجرين الجدد ويتمتعون بنفس الثقافة" 23.
                        فيما يتعلق بقبيلة تيرا، من المستحسن ذكر القصة التى رواها العالم اس. سي. دون (S. C. Dunn)، الذى كان يقوم بأبحاث متصلة بممارسات غسل الذهب في جبال النوبة والذى كتب بأن الذهب يوجد بشكل أساسي في تيرا مندى مع وجود بعض الرواسب بكميات صغيرة في منطقة دونقور وأتورو. وقد ذهب العالم دون كذلك إلى منطقة شيبون التى كانت تُعتقد بشكل عام بأنها الموقع الذى يستخرج منه الذهب.
                        "[في جبل شاوي] وصف لي الشيخ ناصر وابنه وبعض كبار السن
                          بشكل تقريبي موقع حُفر الذهب في شيبون
                            وتم تزويدى بشيخ من النوبة كان يعرف ويعمل في منطقة شيبون ليكون مرشداً لي ومن ثم غادرت إلى منطقة شيبون. خلال ستة ساعات من التسلق في مجموعة جبال صغيرة
                              تم إرشادى لحفرة صغيرة في جانب الجبل يتم منها استخراج بعض الصلصال الأبيض الناعم وتم إرشادي إلى بركة مياه أمطار قديمة وكذلك تم إرشادي لمواقع قرى قديمة وبعض التلال المكونة من ركام الجبال. ومن ثم قلت: في اعتقادي لم يكن هناك أبداً ذهب أو غسل ذهب في منطقة شيبون، وقال رجل الشرطة الذى كان يرافقني هذا بالضبط ما قاله الشوابنة له سراً أول من أمس. [لم يخبرني أحد بذلك بسبب] أنهم يعتقدون بأنني سوف أزعل" 24.
                              صارت شيبون السوق الرئيسي الذى يتم فيه بيع الذهب المستخرج من تيرا مندى.
                              لقبيلة المورو معرفة محدودة بتاريخهم:
                              كان الموطن القديم لقبيلة المورو هو جبل ليبو في سلسلة الجبال الغربية (لمنطقة المورو). وبازدياد تعدادها انقسمت القبيلة
                                إلى مجموعة ظلت في ليبو ومجموعة أخرى هاجرت إلى الطرف الشمالى من سلسلة الجبال
                                  وهاجرت المجموعة الثالثة إلى أم دورين. في ذلك الوقت كانت المنطقة الشرقية من سلسلة الجبال خالية من السكان. قبل ثلاثة أو أربعة أجيال مضت بدأ المورو في الاستيطان هناك
                                    . هذه الهجرة اقتضاها تزايد عدد افراد القبيلة والبحث عن أرض جديدة محمية بشكل افضل من المهاجمين العرب 25.
                                    لدى الكواليب تقاليد ومورثات تقول بأن:
                                    "كواليب الشمال عاشوا في الأصل في منطقة كرتالة إلى جانب قبيلة تسمي نيمو. أدى ضغط التدفقات العربية إلى هجرة قبيلة نيمو إلى جبل الداير وبعض مجموعات قبيلة الكواليب إلى موطنها الحالي" 26.
                                    كتب سايمون هارجين (Simon Harragin) في كتابه (2003 Land Study) أن:
                                    "هناك دليل تارخي بأن قبيلة الكواليب كانت تقيم في السهول التى في أقصى غرب موطنهم الحالي (Sagar, 1922: 138) 27. بالاشتراك مع النيمنق قام الكواليب باستيطان المنطقة التى حول الدلنج قبل قبيلة الغلفان وشكلت قبيلة الكدرو حاجزاً بينهم
                                      . على أية حال، يستند الدليل التاريخي على رواية شفهية" 28.
                                      ب – لغة كاتلا: وتشمل كل من لغة قبيلة كاتلا وقبيلة تيما ويتم التحدث بها في الجبال التى تقع جنوب غرب الدلنج وأنا لم أجد أية مصادر مرتبطة بتحديد أصلهم.
                                      ج – لغة رشاد: يمكن تقسيمها إلى ثلاثة لغات: لغة تقلي ويتحدث بها في جبال تقلي وجبال رشاد ومدينة رشاد، و لغة تاقوي ويتحدث بها في تاقوي وموريب وتونمالي ولغة تنقال ويتحدث بها كذلك في جبال تقلي.
                                      نوبة مملكة تقلي هم الوحيدون الذين لديهم تاريخ موثق يرجع إلى ما قبل القرن التاسع عشر. وهذا التاريخ لا يقدم أي لمحات أو إشارات فيما يتصل بأصولهم. والروايات التى تحكي عن تأسيس المملكة تتحدث عن وافد حكيم جاء إلى تقلي وبدأ بتكوين سلالة – وهذه رواية شائعة في المورثات السودانية 29. في الفصل الثاني سأرجع مجدداً لمملكة تقلي.
                                      د – لغة تلودي: وهي مجموعة لغات توجد بشكل أساسي في الجزء الجنوبي من الجبال. يمكن تقسمها الى لغة اللافوفا في وسط سلسلة جبال الليري وبعض الجبال المجاورة ولغة منطقة تلودي الكبرى التى يمكن تقسيمها إلى أربعة مجموعات: لغة تلودي ويتم التحدث بها في مدينة تلودي وفي جبل تلودي، ولغة الليري ويتحدث بها في سلسلة جبال الليري الجنوبية، ولغة المساكين مع الدجيك والنجيل كلغتين منفصلتين ويتحدث بها في جبال المساكين وفي بُرام والريكة واللوكة وأخيراً لغة التوشو ويمكن تقسمها إلى لغة الاشيرون و لغة الليمون و لغة التوشو.
                                      أولى قبائل النوبة التى اشتهرت بسبب كتاب فريد قامت بتأليفة السيدة ليني رايفنشتال (Leni Riefenstahl) هي قبيلة المساكين القصار كما أسمتهم. أقامت السيدة رايفنشتال مع قبيلة المساكين في عدة مناسبات ولعدة أسابيع أو عدة شهور ولكن يبدو أنها لم تستفسر عن أصولهم. بالنسبة لها قبيلة المساكين: (Menschen wie von einem anderen Stern) "أناس جاءوا من كوكب آخر". وبالطبع وبشعور حقيقي "نحن لا نعرف من أين جاءت قبيلة المساكين مثلما إننا لانعرف كذلك من أين جاء النوبة من مجموعة تلودي".
                                      5 – لغة النيمنق والتيمن وكادوقلي:
                                      هذه المجموعة المكونة من ثلاثة لغات هي مجموعة فريدة وهي تشبه مجموعة اللغات الكردفانية في حقيقة أنه يتم التحدث بها فقط في جبال النوبة. بالحكم على التنوع اللغوي الداخلي الكبير في نطاق كل مجموعة ربما تواجدت قبيلة النيمنق والتيمن وكادقلي في جبال النوبة لاكثر من 2000 عام 30. ويبدوا أنهم جاءوا إلى جبال النوبة في ظروف صعبة وبتحركات مجموعات كبيرة لا يوجد بينها اتصال. وبحسب كلمات ثلوال (Thellwal) وشادبيرج (Schadeberg):
                                      "هذه المجموعات الثلاثة تتميز بتوزيع كثيف على نطاق جبال النوبة حيث تتواجد مجموعة لغة كادوقلي في الأطراف الجنوبية الغربية للجبال وتتواجد مجموعة لغات التيمن في الغرب بينما تتواجد مجموعة لغات النيمنق في الشمال وهذا يشير إلى موطن خارجي وهجرة من هذه الاتجاهات. وبافتراض أن التنوع الداخلي المتساوي ينسجم مع استيطان في إطار زمني متسق يمكننا أن نقول أن معطيات هذا الإطار الزمني التى كانت سائدة في جبال النوبة أدت إلى تشتت السكان وتقليل التواصل بين المجموعات وحيث أنه من المحتمل أن هذه المعطيات انبثقت من خارج منطقة الاستيطان يمكننا التوقع بأن الهجرة إلى جبال النوبة والتنوع حدثا في زمان قريب 31.
                                      لا يوجد هناك شئ فريد يمكن أن نقوله فيما يتعلق بأصل كل مجموعة ولكن على أية حال دعونا نتناول كل مجموعة على حده:
                                      أ – لغة النيمنق: وتتحدث بها القبائل التى تعيش في جبال النيمنق السبعة: سالارا وتندية وكرمتي ونتل وفاسو وكلارا وكاكارا. كما تتحدث بها كذلك القبائل المتواجدة في جبال المندال وسوبي. وتتحدث بها كذلك قبائل الأفيتي البعيدة نسبيا والتى تسكن في جبل الدائر. يسمي النيمنق أنفسهم "شعب الأما " أو شعب الجبال السبعة (ama mede kolat). ولا يعرف إلا القليل عن أصلهم ولكن أورد العالم أس. أف. نادل بأن القبيلة:
                                      "هاجرت من منطقة (في الغرب) فيما وراء "تيما وأبو جنوك" والتى تسمي كوجايا" (Kugya). وعند العالم آر. سي. استيفنسن كوجا (Kwuja) أو كويجا (Kwija) والتى يمكن أن تكون كوبجا (Kubja) 32. وطبقاً لما أورده استيفنسن أن النيمنق:
                                      "يقولون أنهم استوطنوا أول مرة في الجبال الشرقية من سلسلة جبال النيمنق في منطقة الأضية: منطقة نتيل وكرمتي وفاسو التى وجدوها غير مسكونة ومؤخراً هاجروا بإتجاه الغرب إلى تندية وسالارا. وفي سالارا إدعوا بأنهم وجدوا قبيلة [كونيت] (إحدى قبائل الجبال التى تتحدث اللغة النوبية) وطردوهم باتجاه الشمال بعد صراع عنيف" 33.
                                      الطريقة التى تحيط بها قبائل النوبة التى تتحدث اللغة النوبية بقبيلة النيمينق تجعل هذا السيناريو غير معقول. ويقول العالم استيفنسن أنه من المحتمل أن قبيلة النيمنق استوطنت منطقة كبيرة، تمتد حتى الدلنج إلى حين وصول قبائل النوبة التى تتحدث اللغة النوبية.
                                      ب – لغة التيمن: وتتحدث بها القبائل التى تعيش في جبال التيمن (شمال جلود) وقبيلة كيجا وقبيلة تيسي اللتان تسكنان في كيجا جيرو (غرب دبري) وتيسي أم طنب (شمال شرق كادوقلي) على التوالي. ليس هناك ما يمكن قوله عن قبيلة التيمن سوى أنه:
                                      "يدعى سكان كيجا جيرو أنهم هاجروا من جبال التيمن في "زمن سحيق"، وإن هذه الإدعاء يدعمه موروث قبيلة التيمن الذى يقول أن كل من قبيلة كيجا جيرو وتيسي أم طنب هاجروا في زمن المجاعة" 34.
                                      ج – لغة كادوقلي: كاسم عام هو لا يشمل مجموعة كبيرة من اللغات ذات العلاقة والمصنفة ضمن هذه المجموعة. في العادة تذكر كادوقلي مع كاتشا وميري، لأنها مرتبطة بشكل وثيق حيث يمكن اعتبارها لهجات وليس لغات مستقلة. وهناك العديد من لغات قبائل النوبة تم تصنيفها مع لغة كادوقلي/ميري/كاتشا وهي لغات توليشي وكانجا وكيجا وكورونقو وتومتم. إنها لغات مرتبطة ببعضها البعض بشكل واضح وبلغة كادوقلي/ميري/كاتشا ولم يتم تحديد إنتسابها الفعلي ويصفها آر. سي. استيفنسن بلغة مجموعة كادوقلي/الكونغو:
                                      ["المنطقة التى تغطيها هذه المجموعة كبيرة جداً: وهي تمتد على طول الجنوب الغربي، وحدودها تقع في توليشي في الغرب و كوروندي في الجنوب الشرقي]. وأهم سلاسلها الجبلية هي جبال ميري وجبال كادوقلي وجبال كورونقو وقد تم تسمية المجموعة على اثنين منها 35. في الأبحاث والمطبوعات الحديثة تمت الإشارة لهذه المجموعة بمجموعة لغات كادو، وساستخدم هذا المصطلح لسهولة المرجع. وتشمل اللغات السائدة في المنطقة من الشمال الغربي وحتي الجنوب الشرقي اللغات التالية:
                                      لغة توليشي: ويتحدث بها حول جبل توليشي ولاقاوة وكمادانق ودار الكبيرة.
                                      لغة كيجا: ويتحدث بها في جبل دميك (شمال ميري): امبونق ولوبونق وتومورو.
                                      لغة ميري: ويتحدث بها في ميري بار وميري جوه ولوبا وغيرها، وجميعها تقع غرب كادوقلي.
                                      لغة كادوقلي: ويتحدث بها في مدينة كادوقلي والقرى المحيطة بها.
                                      لغة كاتشا: ويتحدث بها في قرى كاتشا وتونا وكافينا ودبكايا (دونقا) وبلانيا وفاروك. وهي على مسافة قريبة من جنوب كادوقلي وجنوب شرق جبال ميري.
                                      لغة كانجا: ويتحدث بها في أبو سنون و جيرورو/كورسي وكانجا وكوفا ليما وكرونقو عبدالله.
                                      لغة كرونقو: ويتحدث بها في المناطق الجنوبية في تبانيا وتروجي ودار وانقولو وفي داماقوتو وديمادراقو وديمودونقو وفي فاما وتيس وكوا.
                                      لغة تومتم: ويتحدث بها في جبل الليري: في كاروندي وتالاسا وتومتم.
                                      لا يوجد هناك الكثير الذى يمكن قوله عن أصول القبائل التى تتحدث أحدى لغات كادو: لا أحد يعرف من أين جاءوا. الارتباط والانتساب اللغوي والثقافي بين مختلف القبائل واضح بشكل تام. يقول العالم جي. باومان (G. Baumann)، الذى قضى 18 شهراً بين قبيلة ميري وهو يجري أبحاثه:
                                      " تشكل قبيلة ميري وحدة ثقافية ولغوية كبرى مثل مجموعة كادوقلي/كرونجو.
                                        . أكدت لي رحلاتي الخاصة في منطقة كادوقلي/كرونقو انطباع متكرر عن موروث ثقافي عام لايشمل فقط الإرتباط اللغوي بل يشمل المؤسسات والعادات والمفاهيم والأحاسيس المشتركة. صحيح أن أي مجتمع من مجتمعات مجموعة كادوقلي/كرونقو مضى في طريقه بشكل خاص في عمليات تغيير خلال السنوات الأخيرة، لكن التنوع الثقافي الأخير لم يستطع حتى الآن حجب أو إلغاء الموروث الثقافي للمجموعات المتجاورة" 36.
                                        عادة ما يتم الاعتراف بالعلاقات بين القبائل نفسها كما توجد هناك أساطير عن الأصل لكن فيما يتصل فقط بالتحركات على نطاق جبال النوبة. أورد العالم الدكتور اس. أف. نادل على سبيل المثال أن قبيلة الكورنقو:
                                        "تدعي أن لها ارتباط ثقافي ولغوي مع
                                          قبيلة تومتم في جبل تلودي وقبيلة ديري في جبل الليري وثلاثة مجموعات صغيرة في الغرب: تيش وفاما وشات صافية
                                            لقد تأكدتُ من صحة ذلك في تلودي وتيش وفاما. لكن قبيلة الشات، بحسب ما إكتشفت، لديهم لغة مختلفة كما أنهم جميعاً من مجموعة عرقية مختلفة. وتزعم قبيلة الكورنقو أن هذا الإرث الثقافي يرجع للأصل المشترك للمجموعات المشتتة الآن بشكل كبير. وطبقا لموروث قبيلة الكورونقو فإن جبل تابولي وهو سلسلة جبلية تقع شرق كورونقو وغير المسكون حالياً كان الموطن القديم لهذه المجموعات المختلفة 37.
                                            تدعى قبيلة توليشي، باعتقاد راسخ، بأنهم عاشوا على "الدوام" في جبالهم، غير متأثرين بالهجرات
                                              . وإن قبيلة توليشي تدرك تماماً إرتباطها بقبيلة كامدانق وقبيلة تروجي ولكنه ليس لها موروث عن أصلها أو الهجرات السابقة التى قد تفسر العلاقة القبلية. لكنه لديهم موروث فيما يتصل بقبيلة ميري (وكذلك جبل داميك وكيجا) حيث يزعمون بأنه لديهم لغة عامة أو متشابهة بشكل كبير وبطون قبلية مشتركة. [لقد عاشوا معاً جميعاً في وقت من الأوقات ولكنهم افترقوا بعد نزاع]. ويمكن أن نضيف أن قبيلة ميري تقاسم القبيلتين أعراف وموروث يوضح العلاقة القديمة معهما 38.
                                              تم تأكيد ذلك بواسطة العالم جي. باومان الذى أورد:
                                              "بأنه دائماً يتم استدعاء العلاقة الإسطورية مع توليشي
                                                : "سابقاً عاشت قبيلة توليشي هنا على قمة جبل يسمي أقيول. [لقد قاموا بعمل شئ خاطئ]. لذلك فهم هاجروا لموطنهم الحالي" 39.
                                                وهذا كل ما يتصل بلغات النوبة التى يتحدث بها النيمنق والتيمن وكادوقلي.
                                                6 – قبائل نوبة الجبال التى تتحدث اللغة النوبية:
                                                كما تم مناقشة هذا الأمر مطولاً فيما سبق، فإنه من المحتمل أن قبائل نوبة الجبال التى تتحدث اللغة النوبية جاءت إلى جبال النوبة قبل عام 1400م. وتم تصنيف مختلف لغات هذه القبائل على النحو التالي:
                                                لغة الغلفان والكدرو: يتم تصنيف هاتين اللغتين كمجموعة واحدة. ويتم التحدث بلغة الغلفان في منطقة غلفان الكُرجل وغلفان المورونج، ويتم التحدث بلغة الكدرو في مناطق جبال الكدرو والكرورو والكافير وكرتالا والدباتنة وكادقلي.
                                                لغة قبيلة الدلنج: يتحدث بها في مدينة الدلنج والقرى المحيطة بها.
                                                لغة قبيلة جبل الدائر: يتحدث بها في الأجزاء الغربية والجنوبية من جبل الدائر.
                                                لغة قبيلة الكارجو: يتحدث بها في جبل الكارجو ودلمان وكذلك في منطقة أبو جنوك والطباق.
                                                لغة قبيلة والى: يتحدث بها في منطقة جبال والي.
                                                لم يذكر العالمان ثلوال وشادنبيرج الكثير فيما يتعلق بالضبط بكيفية وزمان هجرة قبائل نوبة الجبال التى تتحدث اللغة النوبية إلى الجنوب:
                                                سواء حدثت الهجرة بسبب ضغوط تدفقات القبائل البدوية العربية، كما أورد آركل 40، أو حدث في تاريخ مبكر فالأمر غير واضح. التشابه النسبي للهجات قبائل جبال النوبة التى تتحدث اللغة النوبية لا ينبئ بوجود مجتمعات منعزلة تتحدث اللغة النوبية في هذه الجبال لعدة ألفيات (ألاف السنين) 41.
                                                كما أورد آر. سي. استيفنسن من المحتمل أن الأمر كان تدريجياً:
                                                "جاءت لغة النوبيين إلى شمال جبال النوبة بالتحركات القبلية المتسارعة بتدفقات القبائل العربية خلال القرون القليلة الماضية. في زمان الرحالة والمستكشف الألماني فيلهم روبل (Wilhelm Peter Eduard Simon Rüppell) - عشرينيات القرن الثامن عشر - كان يتم التحدث بهذه اللغة في السهول الواقعة جنوب الأبيض" 42.
                                                أورد العالم الدكتور اس. اف. نادل أكثر الشروحات تفصيلاً لكيفية مجئ لغة النوبيين لجبال النوبة:
                                                "لقد احتفظت قبيلة الوركا أو قبيلة الدلنج بموروث واضح جداً فيما يتصل بأصلهم وماضيهم القديم. هذا الموروث يوضح أن القبيلة كانت تعيش في منطقة عبد الباقي في منطقة الغديات تحت حكم سلاطين تلك المملكة. يقال أن أصل الغديات كان من الفونج وهم من ناحية عرقية لهم علاقة بالوركا. أجبرت هجمات بدو العرب اللاحقة الأخيرين للهجرة. في أول الأمر هاجروا إلى منطقة بوتي (الآن تسمي السنجكاية) ومن ثم إلى شرمة أو جبل التكوما (على بعد عشرة أميال شرق الدلنج). يقال أن الغديات في موطنهم القديم أصبحوا مثل العرب بينما أصبح الوركا "نوبة". على اية حال، ظلت الرابطة القديمة باقية في الجانب السياسي، وما زالت قبيلة الدلنج تابعة لسلاطين منطقة عبد الباقي وما زالت تقر بسيادتهم الرمزية. تورد شجرة نسب زعماء قبيلة الدلنج أن عشرة من زعماءهم أقاموا بالفعل في الدلنج. لم تذكر علاقتهم ولكننا يمكن أن نفترض بأنها استمرت لفترة لا تقل أو من المحتمل أن تزيد عن 100عام.
                                                تعرف قبيلة الدلنج روابطها الثقافية واللغوية مع قبيلة الكدرو وقبيلة الغلفان
                                                  إن العرف والموروث الأكثر قبولاً يقول: أن قبيلة الكدرو كان تعيش مع قبيلة الوركا في منطقة الغديات ولكنهم افترقوا لاحقاً وأن مجموعة قبائل الغلفان تنحدر من الفونج ولكن موطنهم الأصلي غير معروف، وأن مجموعة صغيرة ومنعزلة لها ثقافة ولغة تشبه ثقافة ولغة قبيلة الدلنج تعيش الآن في جبل الطباق في غرب كردفان شاركت قبيلة الوركا في موطنهم القديم بجبل التكونا ولكنهم بعد ذلك هاجروا إلى موطنهم الحالي 43.
                                                  7 – القبائل التى تتحدث لغة الداجو:
                                                  جاءت القبائل التى تتحدث لغة الداجو إلى جبال النوبة من الغرب من مملكة الداجو التى لا نعرف عنها إلا القليل. استقرت مملكة الداجو ربما قبل عام 1200م في جبل مرة وهي سلسلة جبلية ترويها الأمطار في نطاق منطقة جافة. سيطر الداجو على المنطقة التى تقع بين جبل مرة والأطراف الغربية لجبال النوبة. لقد تم اجلاء قبيلة الداجو بواسطة التنجور في نهاية القرن الرابع عشر. تم تشتيت قبيلة الداجو بواسطة قبيلة التنجور ونجدهم الآن في جيوب (مناطق) معزولة على نطاق المنطقة الممتدة من تشاد وحتى السودان في أقاليم كردفان ودارفور ووداى.
                                                  لاتبدو الأمور من الناحية اللغوية معقدة: وباتباع تصنيف العالم آر. سي. استيفنسن 44 نستطيع التمييز بين الداجوالغربيين والداجو الشرقييين.
                                                  تعيش جميع قبائل الداجو التى تتحدث لغة الداجو الشرقيين في جبال النوبة. وهما قبيلة الشات في جبال الشات، التى تقع جنوب غرب كادوقلي (شات دمام وشات صافية وشات تبلدية)، واللقوري والصبوري في الجبال التى تقع شمال شرق مدينة كادوقلي.
                                                  قبائل الداجو التى تتحدث لغة الداجو الغربيين أكثر تشتتاً. ففي تشاد نجد قبيلة المونقو في دار الداجو وقبيلة سيلا في دار سيلا. وفي السودان نجد قبيلة نيالا حول مدينة نيالا في إقليم دارفور وقبيلة بيقو (اندثرت) في جنوب دارفور وقبيلة نيالجولجول في دولة جنوب السودان عند نهر سوبو. ومن ضمن قبائل الداجو التى تنتمي للداجو الغربيين قبائل الداجو التى تعيش قرب لقاوة وهذا يرجعنا لجبال النوبة.
                                                  بالنظر للمعطيات اللغوية فإن العالم روبن ثلوال مقتنع بأن لغات الداجو الشرقيين انفصلت عن اللغات الأخرى من زمن طويل ربما قبل أكثر من 2,000. لقد كانت قبائل الشات والليقوري متواجدة في جبال النوبة قبل فترة زمنية أطول من تواجدهم في لقاوة وبسبب الاختلاف اللغوى الكبير بين الشات والليقوري من المحتمل أن هجرتهم لجبال النوبة سبقت وصول ليس فقط قبائل الداجو التى تعيش في لقاوة بل كذلك وصول قبائل النوبة التى تتحدث اللغة النوبية في هذه المنطقة 45.
                                                  لذلك بالنظر للجانب اللغوي تبدو الأمور واضحة. أما بالنظر للجانب التأريخي فإن الأمور تبدو أكثر ضبابية. لا يوجد شك أنه قبل 250 سنة مضت كان يوجد هناك قبيلتين اثنتين: قبيلة الداجو وقبيلة الشات، تعيشان في منطقة المجلد غرب جبال النوبة. يقول المستر كيه. دي. دي. هندرسون (K. D. D. Henderson)، وهو أحد أوائل مديري المديريات (الولايات) البريطانيين المعينيين لمديرية غرب كردفان: "أن قبيلة الداجو وقبيلة الشات وصلتا هناك قادمتين من دارفور حوالى عام 1710م 46. وطبقاً لما أورده أيان كنسون (Ian Cunnison)، فقد تم إجلاء وطرد القبيلتين بعيدا بواسطة قبيلة المسيرية:
                                                  "عندما وصل (المسيرية الحمر) موطنهم الحالي وجدوا قبيلتين اثنتين وثنيتين: قبيلة الشات وقبيلة الداجو في المجلد (دينقا). ولذلك، قام المسيرية الحمر باجلاء وطرد القبيلتين من المنطقة. هربت قبيلة الشات بعيداً للجنوب حيث التقت بقبيلة دينكا نوك وتم طردهم بعيداً للغرب
                                                    . وهربت قبيلة الداجو (للشرق) واستوطنوا بين قبائل النوبة 47.
                                                    يقول هندرسون إن المسيرية البقارة جاءوا إلى المجلد في غضون العقد الممتد من عام 1765 إلى 1775م 48، لذلك نحن لدينا مؤشر جيد جداً فيما يتصل بمجئ قبيلة الداجو إلى لاقاوة. لكن ماذا عن قبيلة الشات؟ لقد ذهبوا إلى الجنوب حتي التقوا بدينكا نوك وتم طردهم باتجاه الغرب!!!
                                                    رجاء، لا تجعل الاسم يشوش عليك، ليس هؤلاء بقبيلة الشات الموجودة في جبال النوبة. توضح موسوعة "الأنثروبولجيا الثقافية: لغات العالم":
                                                    "تطلق قبيلة الشات على نفسها اسم "كانيق". الشات اسم اطلقته القبائل الناطقة باللغة العربية على سكان الجبال، وهو يعني المشتتين ويطلق على مختلف الجماعات.هناك لهجتين متميزتين من لغة الشات وهى لهجة شات ثوري (Thuri) في مجموعة اللاو (Lwo) ولهجة شات موندو (Mundu) 49. تعيش المجموعتان الأخيرتان في دولة جنوب السودان وهذا يظهر بعض المنطق لكنه لا يفسر ما أورده واتكيس لويد (Watkiss Lloyd) أول مدير لمديرية (ولاية) كردفان:
                                                    "يقول السكان المحليين من قبيلة شات الصافية وشات الدمان بأنهم كانوا في السابق يحتلون جميع دار المسيرية الحمر وقد تم تأكيد ذلك بواسطة عرب المسيرية الحمر الذين يقولون أنه ما زالت هناك مستوطنات صغيرة لنفس القبيلة في مكان يسمي شات وهو على بعد أميال قليلة من حدودنا" 50.
                                                    يجب علينا أن نفترض بأن مدير المديرية تلقى معلوماته من الجهة (السكان المحليين) الخطأ. وماذا نفعل برواية العالم آر. سي. استيفنسن فيما يتصل بلهجة الداجو والشات بحسب ما استقاها من معلومات مدير المديرية كيه. دي. دي. هندرسون؟ ففي روايته أن الداجو والشات هاجروا إلى الشرق معاً ووصلوا إلى المجلد حوالى عام 1710م وتحركوا ببطء وتمهل باتجاه المنطقة التى تقع غرب لقاوة في العقود التالية. من هناك واصل البعض منهم المسير إلى الليقوري والصبوري بينما الآخرون (الشات) استوطنوا جنوب كادوقلي 51. استيفنسن عالم لغويات مرموق ومتميز ولكنه على أية حال لم يدرك أن الاختلاف بين الداجو والشات كبير جداً ليجئوا الى جبال النوبة معاً.
                                                    وهذا يوصلني الآن إلى نهاية البحث عن أصول النوبة. يمكن أن يقال إن النتائج عظيمة، أليس كذلك؟ (لكن الصراع بطولي). في الفصل القادم سأركز على سرد مزيد من الأحداث المهمة التى جرت في الفترة قبل المهدية.

                                                    الحواشي والمراجع
                                                    1. قام المؤلف باجراء المقابلة مع الراحل الأستاذ يوسف كوة في لندن – 12/13 فبراير 2001م
                                                    2. A.C. Stevenson: The Nuba People of Kordofan Province, 1984, pp. 3.

                                                    3. A.H. Keane already dismissed it in 1885: Ethnology of Egyptian Sudan; The Journal of the Anthropological Institute of Great Britain and Ireland, Vol. 14 (1885), pp. 101.

                                                    4. A. J. Arkell: A History of the Sudan to A.D. 1821, 1955.

                                                    5. S.F. Nadel: The Nuba, an anthropological study of the hill tribes in Kordofan, 1947, pp. 2.

                                                    6. Claudius Ptolemy: Geography IV, ch.7. The strangest thing is that he locates the Nubae east of the Nile while the
                                                    7. European maps invariably put Nubia to the west of the river.

                                                    8. Strabo: Geographica, book XVII;54

                                                    9. Strabo: Geographica, book XVII;2

                                                    10. Procopius: History of the Wars, c. 550 CE: Book I;19

                                                    11. Abbreviated text of the Ezana inscription

                                                    12. D. A. Welsby: The Medieval Kingdoms of Nubia, 2002.

                                                    A. H. Keane for example: opus cit.

                                                    13. R. C. Stevenson: The Nuba People of Kordofan Province, 1984

                                                    14. الدولة المملوكية أو السلطنة المملوكية أو دولة المماليك هي إحدى الدول الإسلامية التى قامت في مصر خلال أواخر العصر العباسي الثالث وامتدت حدودها لاحقاً لتشمل الشام والحجاز ودام ملكها منذ سقوط الدولية الأيوبية عام 648 هـ الموافق لعام 1250م إلى حين هزيمة المماليك بواسطة السلطان سليم في معركة الريدانية عام 923 الموافق 1517م.
                                                    15. J. H. Greenberg: The Languages of Africa, 1963; Int. journal of American linguistics, 29, 1, part 2.

                                                    16. R. Herzog: Die Nubier, I957.

                                                    17. R. Thelwall: Nuba Languages and History: Who is related to who in and outside of the Nuba Mountains and did they come from anywhere else؟; Nuba Vision, Volume 1, Issue 3, February 2002.

                                                    18. S.F. Nadel: The Nuba, an anthropological study of the hill tribes in Kordofan, 1947, pp. 4-5.

                                                    19. R. Thelwall, private correspondence.

                                                    20. R. Thelwall and T. C. Schadeberg: The Linguistic Settlement of the Nuba Mountains; Sprache und Geschichte in Afrika 5 (1983) 219-231

                                                    21. R. Thelwall: Nuba Languages and History […]; Nuba Vision, Volume 1, Issue 3, February 2002.

                                                    22. .J. C. Faris: Nuba Personal Art, 1972, pp. 14.

                                                    23. S.F. Nadel: The Nuba, an anthropological study of the hill tribes in Kordofan, 1947, pp. 176-177.

                                                    24. S. C. Dunn: Native Gold Washings in the Nuba Mountains Province; Sudan Notes and Records, VoL IV. No. 3, October 1921, pp. 143-144.

                                                    25. S.F. Nadel: The Nuba, an anthropological study of the hill tribes in Kordofan, 1947, pp. 178

                                                    26. Idem, pp. 358.

                                                    27. J. W. Sagar: Notes on the History, Religion and Customs of the Nuba; Sudan Notes and records 5 (1922), pp. 137 - 156.

                                                    28. S. Harragin: Nuba Mountains Land and Natural Resources Study; Part I – Land Study, 2003.

                                                    29. J. J. Ewald: Experience and Speculation: History and Founding Stories in the Kingdom of Tagali, 1780- 1935; the International Journal of African Historical Studies, Vol 18, No. 2 (1985), pp.265-287.

                                                    30. R. Thelwall: Nuba Languages and History […]; Nuba Vision, Volume 1, Issue 3, February 2002.

                                                    31. R. Thelwall and T. C. Schadeberg: The Linguistic Settlement of the Nuba Mountains; Sprache und Geschichte in Afrika 5 (1983) 219-231

                                                    32. S.F. Nadel: The Nuba, an anthropological study of the hill tribes in Kordofan, 1947, pp. 362.

                                                    33. R. C. Stevenson: The Nuba People of Kordofan Province, 1984, pp. 85.

                                                    34. Idem, pp. 122.

                                                    35. R. C. Stevenson: A Survey of the Phonetics and Grammatical Structure of the Nuba Mountains Languages, with
                                                    36. Particular Reference to Otoro, Katcha and Nyimang; Africa und Übersee 40 (1956), pp. 103.

                                                    37. G. Baumann: National Integration and Local Integrity, the Miri of the Nuba Mountains in the Sudan, 1987, pp. 22-24.

                                                    38. S.F. Nadel: The Nuba, an anthropological study of the hill tribes in Kordofan, 1947, pp. 368.

                                                    39. Idem, pp. 319.

                                                    40. G. Baumann: opus cit., pp. 140

                                                    41. A. J. Arkell: A History of the Sudan from the Earliest Times to 1821, 1955.

                                                    42. R. Thelwall and T. C. Schadeberg: The Linguistic Settlement of the Nuba Mountains; Sprache und Geschichte in Afrika 5 (1983), pp. 219-231

                                                    43. R. C. Stevenson: Linguistic Research in the Nuba Mountains; Sudan Notes and Records 45 (1963), pp. 79-102.

                                                    44. S. F. Nadel: the Nuba, an anthropological study of the Hill Tribes in Kordofan, 1947.

                                                    45. R. C. Stevenson: A survey of the phonetics and grammatical structure of the Nuba Mountains languages, with particular reference to Otoro, Katcha and Nyimang; Afrika und Übersee 40, 1956-7

                                                    46. R. Thelwall: Nuba Languages and History […]; Nuba Vision, Volume 1, Issue 3, February 2002.

                                                    47. K. D. D. Henderson: The Migration of the Messiria into South West Kordofan; Sudan Notes and Records 22/1, 1939

                                                    48. I. Cunnison: The Baggara Arabs: Power and Lineage in the Sudanese Nomadic Tribe, 1966
                                                    Idem, pp. 54

                                                    49. Gordon, Raymond G., Jr. (ed.), 2005. Ethnologue: Languages of the World, Fifteenth edition. Dallas, Tex.: SIL International. Online version: http://www.ethnologue.com/http://www.ethnologue.com/.

                                                    50. Watkiss Lloyd: Notes on Kordofan Province; The Geographical Journal, Vol. 35, No. 3 (Mar. 1910) pp. 249 - 267

                                                    51. R. C. Stevenson: The Nuba People of Kordofan Province, 1984, pp. 35-37

                                                    التاريخ القديم والحديث لنوبة الجبال: (قبائل نوبة جبال النوبة بولاية جنوب كردفان)
                                                    الجزء الثالث – التاريخ الحديث
                                                    7. الاستقلال: 1956م
                                                    8. نظام جعفر نميري المايوي
                                                    9. الحرب في جبال النوبة (1969م – 2002م)
                                                    10. وقف اطلاق النار واتفاقية السلام الشامل (2002م – 2011م)
                                                    11. العودة للحرب (2011م – الحرب المستمرة الآن)

                                                    7. الاستقلال: 1956م
                                                    أدت التنمية غير المتوازنة والفوارق الإقتصادية بين الجنوب والشمال إلى تعويق العمل القومي لنيل الإستقلال. وقد هيمنت الأحزاب الشمالية على العمل السياسي وبذلك نالت نصيب الأسد في المناصب الحكومية بعد الاستقلال. تم تقديم الوعود للجنوبيين للمشاركة في الحكم ولكن تم الإخلال بهذه الوعود. في أغسطس 1955م حدث تمرد في مدينة توريت بواسطة الفرقة الإستوائية (وهي وحدة عسكرية مكونة من الجنوبيين) وأدى التمرد إلى مقتل 261 شمالي و75 جنوبي.

                                                    فشل النظام الديمقراطي الأول
                                                    تم اعلان الاستقلال في 1 يناير 1956م وتم تجاهل مطالب الجنوبيين بالدولة الفيدرالية. سعت أول حكومة وطنية لتوحيد البلاد من خلال النظام التعليمي. وقامت الحكومة بمصادرة المدارس التابعة للمنظمات التبشيرية العاملة في الجنوب وجبال النوبة وقامت ببناء مدارس جديدة. أثبت النظام الديمقراطي الأول فشله عندما تورطت الأحزاب السياسية الشمالية في المناورات السياسية وصراعات السلطة بشكل كبير لأجل حل مشاكل البلاد. كانت الأحزاب الجنوبية ضعيفة جداً. في عام 1958م استولي الجيش على السلطة: وصار الفريق ابراهيم عبود رئيساً للبلاد (1958م – 1964م). تمثلت سياسة الفريق ابراهيم عبود لتوحيد البلاد في فرض الثقافة العربية في البلاد وقهر المعارضة السياسية. وعندما عارضت المنظمات التبشيرية الحكومة في عام 1962م تم طردها من الجنوب ومن جبال النوبة. تحول النزاع بين الحكومة والمعارضة الجنوبية إلى الحرب الأهلية الأولى1.


                                                    الأنيانيا
                                                    هاجر معظم السياسيين الجنوبيين إلى المنافي ودول الجوار وقاموا بتشكيل منظمة الإتحاد الوطني الأفريقي السوداني (سانو) برئاسة جوزيف ادوهو. قام بقايا جنود الفرقة الإستوائية وبعض الجنود ورجال الشرطة السابقين في جنوب السودان بالإنضمام إلى حركة التمرد العنيفة (الأنيانيا) – سم الأفعى، التى كافحت لأجل الإنفصال من الشمال. قام الفريق ابراهيم عبود بارسال معظم قوات الجيش السوداني تقريباً للجنوب ولكنها فشلت في اخماد التمرد. في 21 أكتوبر 1964م قامت ثورة عامة في الشمال ضد نظام الفريق ابراهيم عبود أدت إلى تنحيته من السلطة2 .

                                                    التطورات اللاحقة في جبال النوبة
                                                    كان للحرب الأهلية في جنوب السودان تأثير قليل على الحياة في جبال النوبة باستثناء أبناء النوبة الذين التحقوا بالقوات المسلحة لمحاربة الأنيانيا وعدد قليل من أبناء النوبة الذين انضموا للأنيانيا3 . كان التأثير الأكثر أهمية هو عملية التعريب المستمرة. شجعت الحكومة الأهالي لتبني الأسماء العربية واستخدام اللغة العربية. تبني الكثيرون من أبناء النوبة التقاليد والعادات العربية بسبب أنهم تصوروا أن عاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم متخلفة. في نفس الوقت استمر النشاط التبشيري المسيحي بواسطة رجال الدين من أبناء النوبة. قام الأب بطرس تية شوكاى، على سبيل المثال، بالتبشير في مناطق الكواليب وهيبان والمورو 4. تم اعلان الاستقلال في 1 يناير 1956م وتم تجاهل مطالب الجنوبيين بالدولة الفيدرالية. كما ظلت الهوية القبلية لدى كل من المسلمين والمسيحيين من أبناء النوبة قوية.

                                                    ذكر المؤلف أيه. سي. استفنسن في كتابه "شعب النوبة في ولاية" أنه باقتراب نهايات نظام الفريق عبود: "فإنه بالإضافة للتنوع الموجود في منطقة جبال النوبة ظهرت اختلافات جديدة في النظام التعليمي وبين الأديان. لقد تم استقطاب بعض أبناء النوبة للدين الإسلامي والبعض منهم للدين المسيحي بينما ظل الآخرين مقتنعين في ذلك الحين بممارسة كريم العادات والتقاليد. في ذلك الوقت صار أبناء النوبة أكثر إدراكاً لهويتهم، أي أكثر إدراكاً لإنتماءهم الجهوي وكانوا حريصين لأخذ نصيبهم في التعليم والتوظيف والتنمية الإقتصادية وصاروا أكثر وعياً بحاجتهم للحصول على صوت يعبر عنهم في الشئون القومية من خلال انتخاب أعضاء في البرلمان القومي ليضمنوا بأن مصالح أبناء النوبة مسموعة في المركز" 5.

                                                    الإتحاد العام لأبناء جبال النوبة
                                                    في أكتوبر عام 1964م أندلعت ثورة أكتوبر الشعبية وتم استعادة النظام الديمقراطي للبلاد. في نفس العام قام العديد من مثقفي النوبة بتنظيم أنفسهم وتكوين الإتحاد العام لأبناء جبال النوبة. شارك الإتحاد العام لأبناء جبال النوبة في الإنتخابات البرلمانية التى جرت في عام 1965م، وكان أحد أعضاء الإتحاد الأستاذ الراحل يوسف كوة الذى شارك في الانتخابات في حملة السيد عطرون عطية الذى كان أحد كبار السياسيين النوبة في تلك الأيام 6. برئاسة الأب فيليب عباس غبوش دخل الإتحاد العام لأبناء جبال النوبة البرلمان وفاز بثمانية دوائر في جنوب كردفان. كانت الآمال والتوقعات كبيرة ولكن الحكومة الجديدة لم تلبي إلا قليل من التطلعات والتوقعات القومية. لم يتم حل المشاكل في الجنوب وظلت المناطق المهمشة في الشمال: في جبال النوبة والإنقسنا ودارفور والشرق كما هي بدون تنمية اقتصادية. قام الزعماء والقادة المحبطين في هذه المناطق بالعمل المشترك في مختلف المبادرات السياسية، كما بدأوا التفكير في انقلاب عسكري.

                                                    8. النوبة خلال فترة نظام جعفر النميري المايوي (1969م – 1985م)
                                                    في عام 1969م قام الجيش مجدداً بالاستيلاء على السلطة وأصبح اللواء جعفر محمد النميري رئيساً للبلاد. بعد مساعي أولية لحل مشاكل الجنوب بالقوة لجأ النميري للمفاوضات. في عام 1972م تم توقيع اتفاق اديس أبابا الذى حافظ على وحدة البلاد وتم منح الأقليم الجنوبي الحكم الذاتي باستثناء الشئون القومية مثل الدفاع والسياسة الخارجية والسياسات النقدية والمالية. ونظراً لأن قبائل النوبة تعيش في الشمال فهي لم تحقق مكتسبات من هذا الإتفاق.

                                                    الضغط على الثقافات التقليدية

                                                    في الأساس لم يكن الرئيس جعفر النميري مهتماً جداً بتغيير الثقافات السائدة في جبال النوبة وبصفته رجل اشتراكي لم يكن مهتماً بخلق دولة دينية وقد سمح للأطفال من العائلات المسيحية بدراسة التعاليم المسيحية في المدارس. كانت أولويات النميري تتمثل في التنمية والتطوير وفي ضوء ذلك ينبغي ملاحظة ضغط الحكومة على قبائل النوبة لترك أسلوب حياتها التقليدي. في أول الأمر وعلى سبيل المثال تم منع التجار من بيع أي شئ لأي شخص عريان. على أية حال، وفي مرحلة لاحقة من حكم النميري أصبح التوجه الإسلامي بمثابة الحل لمشاكل التنوع الثقافي في البلاد. تم منح بعض طلاب النوبة إعانات لدراسة العلوم الإسلامية والعودة لمجتمعاتهم للدعوة للإسلام. وبالرغم من ذلك لم يتغلغل الدين الإسلامي في معظم مجتمعات النوبة. وظلت المعتقدات المرتبطة بالسحر والملكية والطقوس والشعائر الدينية سائدة 7.

                                                    هجرة العمالة

                                                    في سبعينيات القرن العشرين أحدثت التنمية الإقتصادية في المنطقة تغيرات كبيرة في مجتمعات النوبة. على سبيل المثال، كانت هناك العديد من الأسباب التى جعلت النوبة يسعون وراء المال والتبادل النقدي: الزواج وتكوين الأسرة وحيازة وامتلاك سلع الرفاهية والملابس العصرية. كانت هناك العديد من فرص العمل: في الجيش والشرطة والمحلات التجارية والمستشفيات والمدارس أو في المشاريع الزراعية الكبيرة التى تم إنشاؤها وقتذاك. هاجر الكثير من أبناء النوبة الأميين إلى مدن الشمال. وقد واجهوا تمييزا وتفرقة ولكن الأشخاص الذين قمت بمقابلتهم متفقون على أن الحال أيام حكم الرئيس النميري لم يكن سيئاً. على أية حال، كان رجل النوبة الأمي في العادة يجد وظيفة في أدني سلم الوظائف أو الوظائف الهامشية.

                                                    كان لهجرة العمالة تأثير كبير في الحياة الاقتصادية والإجتماعية في جبال النوبة. صارت النساء تعمل في المزارع البعيدة لوحدهن. ولم تعد قطعان الماشية الكبيرة العدد منظراً مألوفاً في القرى حيث لم يعد هناك شباب ليقوموا برعى الماشية. كما أن العديد من الطقوس والشعائر التقليدية لم تعد تقام في الزمان والمكان المحددين. وأصبحت الحياة في القرية أقل جاذبية للفتيات 8 اللائي بدأن الحلم بالهروب مع رجل كون ثروة في المدينة 9.

                                                    الأرض

                                                    تقليدياً تعتبر كل قبيلة في جبال النوبة الأرض التى تقيم فيها أو الأرض التي حولها ملك مشاع للقبيلة، وأي شخص يقوم بفلاحة أي قطعة أرض تصبح قطعة الأرض من أملاكه. أحدث هذا الوضع الكثير من المشاكل في عام 1968م عندما بدأت الحكومة في تشجيع الزراعة الآلية. وبموجب قانون هيئة الزراعة الآلية تم تخصيص 60% من المشاريع الزراعية للأهالي ويجب أن لا يمتلك أي شخص أكثر من مشروع زراعي. في واقع الأمر تم تجاهل هذا القانون. بالنسبة للنوبة فإن تمويل وتأجير مشروع زراعي واحد كان أمراً صعباً مقارنة بإمكانيات الجلابة وقد تملك بعض الجلابة أكثر من عشرين مشروعاً زراعياً. لم تكن لبعض الجلابة خبرات بالزراعة وأدى تراجع خصوبة التربة إلى تراجع العائدات من المشاريع الزراعية وسريعاً ما تم اغتصاب وزراعة الأراضى الزراعية خارج نطاق المشاريع الزراعية المعتمدة.

                                                    تدهورت الأمور بالنسبة للنوبة في عام 1970م وبموجب قانون الأراضى غير المسجلة فإن جميع الأراضى التى لم يتم تسجيلها قبل عام 1970م آلت ملكيتها للدولة. قامت الحكومة بسن قوانين عديدة لاجل إخلاء الأراضى الزراعية بغرض تحويلها لمشاريع زراعية. لم يكن هناك اعتراف بحقوق النوبة الذين رغم عدم تملكهم لصكوك ملكية قانونية كانوا يزرعون الأرض لعدة أجيال. كانت الأنظمة والقوانين معقدة وليست في صالح النوبة 10.

                                                    جذبت المشاريع الزراعية العديد من عرب السودان: جلابة وبقارة اللذين بدأوا في الاستيطان قرب الجبال. بحلول عام 1974م لاحظت ليني رايفنشتال أن تعرض النوبة للثقافة العربية والإقتصاد النقدي أدى الى تغيير أصحابها "النوبة" (قبيلة المساكين القصار) بشكل كبير. كانت ليني رايفنشتال تركز بشكل كبير على السلوك المتغير تجاه التعري نظراً لأن الإسلام والمسيحية لم يتغلغلا في ذلك الوقت بشكل كبير في معظم مجتمعات النوبة 11. ظلت الأعراف والتقاليد مستمرة وتشكل جزءاً كبيراً من حياة مجتمعات النوبة وحتي في مجتمعات النوبة التى تأثرت بشكل كبير بالثقافة العربية، مثل قبيلة الميري، فإنهم استمروا محافظين على هويتهم القبلية واستمروا في ممارسة العديد من تقاليدهم وأعرافهم 12.

                                                    الساسة النوبة

                                                    بينما سادت روح التفاؤل معظم أنحاء السودان بعد توقيع اتفاق أدس أبابا في عام 1972م فإن الجهات التى من المفترض أن تقوم بحماية مصالح النوبة فشلت في تحقيق القليل لهم بالنظر لرفع مستوى المعيشة في جنوب كردفان. بعد وقت وجيز عقب انتخابات عام 1965م انقسم اتحاد عام جبال النوبة إلى جناحين. وتم قيادة أحد الجناحين بواسطة الأب فيليب عباس غبوش الذى كان يدعو إلى التمسك بهوية النوبة والتعاون مع العناصر الأفريقية الأخرى وترأس الجناح الآخر محمود حسيب الذى كان يرغب في التعاون مع البقارة والجلابة الموجودين في جنوب كردفان 13. في عام 1969م تم إجبار الأب فيليب عباس غبوش لمغادرة البلاد. لقد تم الحكم عليه بالإعدام حتي الموت بإدعاء تورطه في محاولة انقلاب تم التخطيط لها بأن تتم قبل أيام من قيام النميري بالاستيلاء على السلطة 14. تحالف الجناح الذى كان يقوده محمود حسيب مع نظام الرئيس النميري. في عام 1977م طالب محمود حسيب بصفته حاكم كردفان جهرة بمزيد من صلاحيات الحكم الذاتي الإقليمي وتم اسكاته بواسطة الرئيس النميري. في ذلك الوقت، فقد العديد من أبناء النوبة الثقة بقادتهم وزعماءهم السياسيين 15. في نفس العام شارك الأب فيليب عباس غبوش في محاولة انقلابية أخرى وهذه المرة من جوبا بالتعاون مع آخرين من بينهم السيد محمد هارون كافي والسيد يونس دومي كالو 16.

                                                    تنظيم كومولو

                                                    في عام 1972م، قام الطلاب من أبناء النوبة في مدرسة تلو بمدينة كادوقلي بتكوين رابطة أبناء جبال النوبة، وهي تنظيم سياسي سري كرد فعل لمحاولة الإتجاه الإسلامي المرتبط بالراحل الدكتور حسن الترابي للهيمنة على الكيانات الطلابية في مدرسة تلو. كان أول رئيس للرابطة كامل كوة مكي الأخ الأصغر للراحل يوسف كوة. شملت عضوية الرابطة عبد العزيز الحلو ودانيال كودي. في عام 1976م، تم قبول العديد من أعضاء رابطة أبناء جبال النوبة في جامعة الخرطوم حيث التقوا بالعديد من الطلاب من أبناء النوبة الناشطين سياسياً وقاموا بتكوين حركة شباب كومولو في عام 1977م وأصبح الراحل يوسف كوة زعيم هذا التنظيم السري الذى ركز على هوية النوبة 17.

                                                    بالعمل السري أصبح لتنظيم كومولو تأثير قوي على مستقبل النوبة. وكان من أشهر أعضاء تنظيم كومولو عبد العزيز الحلو ودانيال كودي واسماعيل خميس جلاب ونيرون فيليب. في عام 1980م تحصل الراحل يوسف كوة على وظيفة في مدرسة تلو الثانوية العليا وبدأ في استقطاب الطلاب والمدرسين من أبناء النوبة. في عام 1981 شكل تنظيم كومولو الأساس للحملة الإنتخابية الناجحة للراحل يوسف كوة في انتخابات المجلس الإقليمي في كردفان وأصبح يوسف كوة نائباً لرئيس المجلس. لم يعالج المجلس المكون من أغلبية النوب العرب أي من القضايا والمسائل المهمة للنوبة مثل التعليم والتنمية الإقتصادية في جبال النوبة 18. في نفس العام تم انتخاب السيد دانيال كودي في مجلس الشعب القومي. كان الإتحاد الأشتراكي الذى يترأسه الرئيس نميري هو الحزب المهيمن على المجلس وكانت الديمقراطية في الإتحاد الإشتراكي مسرحية مبتذلة 19.

                                                    الأنيانيا – 2

                                                    في نهايات السبعينيات من القرن العشرين أسس الأب فيليب عباس غبوش حزب جديد للنوبة: "الحزب القومي السوداني". شارك الحزب القومي السودني في تحالفات عديدة مع الأحزاب الجنوبية والأحزاب التى تمثل المهمشين في الشمال مثل الفور والبجا. خلف الكواليس كان الأب فيليب عباس عبوش يتصل بحركة التمرد الجديدة في جنوب السودان المعروفة بشكل عام باسم الأنيانيا – 2. قام الأب فيليب باستقطاب أبناء النوبة للكفاح المسلح وأرسلهم إلى أثيوبيا حيث تلقى المتمردين تدريباً عسكرياً من الحكومة الأثيوبية 20. (كانت الحكومة الأثيوبية تدعم الجنوبيين المتمردين ضد الحكومة السودانية لأن الحكومة السودانية كانت تدعم الأريتيريين). ساعد دانيال كودي أعضاء تنظيم كومولو للسفر لمعسكرات المتمردين في أثيوبيا. في عام 1982م قام أبناء النوبة المستقطبين بواسطة الأنيانيا – 2 بنقل مسرح عمليات الأنيانيا – 2 إلى جبال النوبة حيث تم تدريب المزيد من أبناء النوبة وكانت العمليات في عام 1983م مقتصرة على مهاجمة مراكز الشرطة 21.

                                                    البقارة

                                                    خلال العقود الأولي بعد الإستقلال تحسنت العلاقات بين النوبة والبقارة بشكل كبير في معظم مناطق جبال النوبة. كان البقارة يأخذون ويتولون رعي ماشية النوبة في رحلتهم للشمال وعندما يعودون لجنوب كردفان كان صبيان النوبة يتولون حراسة ماشية البقارة. استوطن عدد كبير من البقارة بشكل دائم في جنوب كردفان لممارسة الزراعة. سياسياً يرتبط البقارة بشكل كبير بحزب الأمة الذى يتولي قيادته أحفاد الإمام المهدي. تعاون بعض البقارة مع الإتحاد العام لجبال النوبة في انتخابات 1965م لكن أبناء النوبة قاموا بالتركيز كثيراً على هويتهم الأفريقية أكثر من هويتهم الإقليمية.

                                                    استحداث الزراعة الآلية في عام 1968م أثر على حياة البقارة الذين كانوا يقومون برعي قطعان ماشيتهم في جبال النوبة. لقد وجد البقارة أنفسهم محصورين ومقيدين من الوصول للمراعي والآبار. وأخيراً حدث الأمر الذى لا مفر منه حيث بدأ البقارة برعي قطعان ماشيتهم في أراضى النوبة مما أدى إلى تدمير المحاصيل والمزروعات والإعتداء على الآبار. خلال السبعينيات من القرن الماضي حدث جفاف شديد في شمال كردفان مما أجبر البقارة للتوجه جنوباً والبقاء طويلاً. وهذا زاد التوترات بين النوبة والبقارة فيما يتصل باستخدامات الأرض والآبار 22. عقب عام 1975م بدأ الاقتصاد السودني في الإنهيار وإزداد التضخم ولجأت الحكومة إلى تقنين توزيع الوقود والسلع الإستهلاكية. كان توزيع السلع يتم بناء على نظام المناطق الجغرافية الذى يعتمد بشكل كبير على الحدود العرقية (القبلية). ونتيجة لذلك زاد التنافس على الموارد وزادت التوترات بين النوبة والبقارة 23.

                                                    الجيش الشعبي لتحرير السودان

                                                    بحلول عام 1983م تدهورت حالة الإقتصاد السوداني، وخرج المواطنون على نطاق البلاد في مظاهرات محتجين على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية السيئة. وفي نفس الوقت دخل للسودان مئات الآلاف من اللاجئين من أثيوبيا وأريتيريا للسودان. واجهت خطط النميري لإعادة التقسيم الإداري للإقليم الجنوبي ثورة مسلحة في الجنوب. تم إشعال تمرد كتائب الجيش السوداني الثلاثة في بور وأيود بواسطة الضباط الجنوبيين في الجيش القومي الذين كانوا يخططون للتمرد منذ عدة سنوات. كان العقيد جون قرنق دي مابيور جزءاً من هذه المخطط. قام جون قرنق بالإنضمام للكتائب المتمردة وتوجه بهم إلى أثيوبيا حيث انضموا إلى قوات الأنيانيا -2 24.

                                                    بدعم من الرئيس الأثيوبي مانجستو هايلا مريام قام العقيد جون قرنق بتوحيد الكتائب المتمردة مع بعض قوات الأنيانيا -2 فيما يعرف بالجيش الشعبي لتحرير السودان وأصبح قرنق القائد العام للقوات المشتركة. في يونيو من نفس العام تم تكوين الجناح السياسي للجيش الشعبي لتحرير السودان: "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، وتم اصدار البيان التأسيسي (المانيفستو) الذى دعا إلى تأسيس دولة علمانية وسودان موحد حيث يعامل جميع المواطنيين على قدم المساواة. في سبتمبر 1983م، وفي محاولة يائسة للبقاء في السلطة قام النميري بفرض قوانين الشريعة الإسلامية، ونتيجة لذلك قام كثير من الجنوبيين بالإنضمام للحركة الشعبية لتحرير السودان.

                                                    النوبة والجيش الشعبي لتحرير السودان

                                                    وصلنا الآن للحظة حاسمة في تاريخ النوبة عندما قامت مجموعة من قادة وزعماء النوبة المحبطين من عدم التطور السياسي بالإنضمام للجيش الشعبي لتحرير السودان في كفاح مسلح ضد حكومة السودان. لم يتم نشر جميع تفاصيل هذا الأمر للجماهير والرأى العام ولكن بعض الأشخاص المرتبطين به قدموا إفاداتهم مما سهل رسم بعض الخطوط العريضة. من المحتمل أن الأب فيليب عباس غبوش كان أول حلقة اتصال بين النوبة والجنوبيين. لقد ظل الأب فيليب عباس غبوش على اتصال وثيق مع تمرد الجنوبيين منذ ظهور الأنيانيا. قام الأب فيليب عباس غبوش من وراء الكواليس باستقطاب أبناء النوبة وقام بإرسالهم لمعسكرات الأنيانيا -2 في أثيوبيا 25.

                                                    كان السيد دانيال كودي حلقة اتصال أخرى مع الجنوبيين وبصفته نائب في مجلس الشعب القومي بعد انتخابات 1981م قام السيد دانيال كودي بإجراء اتصالات مع الحركات الجنوبية. وبالرغم من أن السيد دانيال كودي كان عضواً في تنظيم كومولو فإنه لم يتصرف بصفته ممثلاً للتنظيم عند قيامه بهذه الإتصالات. بنفس طريقة الأب فيليب عباس غبوش بدأ السيد دانيال كودي بارسال أبناء النوبة إلى معسكرات الأنيانيا – 2. كما قام باجراء اتصالات مع الحركة التى أصبحت في المستقبل الجيش الشعبي لتحرير السودان. عندما حدث التمرد في بور كان السيد دانيال كودي بالفعل يعلم بالمخطط من خلال الدكتور لام أكول وإدوارد لينو. كان الدكتور لام أكول محاضراً في كلية الهندسة بجامعة الخرطوم قبل أن ينخرط رسمياً في السياسة. في نفس الوقت كان الدكتور لام أكول منذ البداية حلقة اتصال مع الحركة الشعبية لتحرير السودان – حتي قبل تأسيس الحركة. كان السيد إدوارد لينو عضواً في نفس خلية الخرطوم السرية ويقوم باستقطاب المثقفين للإنضمام للحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان. بالاشتراك مع السيد بيتر نيوت. أصبحت هذه الخلية المكتب المركزي للحركة الشعبية بعد مغادرة العقيد جون قرنق إلى أثيوبيا. في عام 1981م كان كامل كوة يعمل في ليبيا حيث قام بالإنضمام لمجموعة صغيرة من الجنوبيين. قامت هذه المجموعة بتأسيس مكتب في طرابلس وأصبحت فعالة في إستقطاب الدعم العسكري من العقيد معمر القذافي للجيش الشعبي لتحرير السودان.

                                                    قام العقيد جون قرنق في عام 1983م بارسال مانيفستو (البيان التأسيسي) الحركة الشعبية لتحرير السودان للسيد دانيال كودي الذى يظهر أنه بدأ المناقشات فيما يتعلق بكيفية انضمام أعضاء تنظيم كومولو للحركة الشعبية لتحرير السودان: هل سيكون الإنضمام بشكل جماعي أم على مستوى الأفراد؟ سافر إدوراد ليينو لمدينة كادوقلي لمقابلة يوسف كوة ورجعا للخرطوم سويا. في منزل الأب فيليب عباس غبوش إلتقى الراحل يوسف كوة بالدكتور لام أكول والسيد دانيال كودي والسيد عبد العزيز آدم الحلو وقاموا بمناقشة البيان التاسيسي للحركة الشعبية والآثار المترتبة على الإنضمام للكفاح المسلح. قرر المجتمعون إن الإنضمام للحركة الشعبية لتحرير السودان قد يعزز موقف النوبة في صراعهم مع حكومة السودان والأكثر اهمية من ذلك فإن أعضاء تنظيم الكومولو لم يكونوا مقتنعين بأن التمرد المنعزل في جبال النوبة يمكن أن يدوم طويلاً. لقد كانوا يعتبرون أن الحركة الشعبية وسيلة فعالة لجذب الرأي العام العالمي لقضيتهم وفي نفس الوقت كانت رؤية السودان الجديد، التى طرحها الدكتور جون قرنق والمتمثلة في دولة موحدة بمساواة الجميع، جاذبة لهم. في نهاية الأمر قرر هؤلاء القادة بأن يقوم الراحل يوسف كوة بالسفر إلى اثيوبيا لمناقشة المسألة بشكل تفصيلي مع الدكتور جون قرنق. قام الدكتور لام أكول بمرافقة الراحل يوسف كوة في سيارته حتى المطار 26.

                                                    قابل الراحل يوسف كوة العقيد جون قرنق وإنضم للحركة الشعبية في عام 1984م وأعلن قراره بالإنضمام للحركة من إذاعة الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان التى كان يتم بثها من اثيوبيا حيث قام بمناشدة جميع أبناء النوبة للإنضمام للكفاح المسلح من أجل الحرية. بعد فترة وجيزة تبع يوسف كوة بالسفر إلى أثيوبيا كل من تلفون كوكو ويونس أبو صدر ويوسف كرا وعوض الكريم. لم يكن جميع أبناء النوبة سعيدين بتصرف الراحل يوسف كوة. شعر بعض أعضاء تنظيم كومولو بأن يوسف كوة تصرف بعكس اتفاقهم معه حيث طلبوا منه الرجوع إليهم ليقرروا في المسألة. ويبدو أنهم صدموا كذلك بالأمر الواقع: حيث أن اعلان يوسف كوة جعل كل ابناء النوبة في دائرة الإتهام بالإنضمام للتمرد. كان أول تكليف للراحل يوسف كوة هو أن يقوم برئاسة مكتب الجيش الشعبي لتحرير السودان في اليمن. كانت مهمة المكتب شبيهة بمهمة مكتب الحركة في طرابلس – ليبيا. نظراً لأن النوبة يعيشون في شمال السودان فقد قام العقيد جون قرنق بوضع يوسف كوة في الصفوف الأولى للحركة كدليل على أن الحركة الشعبية لتحرير السودان ليست مجرد حركة لأبناء الدينكا أو الجنوبيين. وبدأ قرنق يخاطب الجنوبيين لأجل اقناعهم بأن الجيش الشعبي لتحرير السودان يحارب من أجل تحرير كل السودانيين وتجاوب معه البعض. وأصبح الأستاذ السابق (يوسف كوة) عضواً مناوباً في القيادة العليا للجيش الشعبي لتحرير السودان 27.

                                                    محاولات انقلابية

                                                    شارك أعضاء تنظيم كومولو في العديد من المحاولات الإنقلابية. في عام 1983م كانت هناك محاولة انقلابية اشترك فيها اسماعيل خميس جلاب ومدير كابيتولك ويونس أبو صدر. وفي عام 1984م كانت هناك محاولة انقلابية أخرى شارك فيها الأب فيليب عباس غبوش والسيد دانيال كودي. في كلتا المحاولتين الانقلابيتين تم اكتشاف مخطط الإنقلاب وتم اعتقال المشاركين فيها لفترات قصيرة. سافر دانيال كودى، بعد اطلاق سراحه، إلى أثيوبيا وتم تعيينه في مكتب الحركة الشعبية لتحرير السودان في أديس أبابا 28.

                                                    9. الحرب في جبال النوبة (1985م – 2002م)
                                                    في عام 1985م تمت الإطاحة بالرئيس جعفر نميري بانتفاضة شعبية ترأس مجلسها العسكري الفريق سوار الدهب وتم الإعلان عن عودة النظام الديمقراطي بعد فترة انتقالية مدتها عام. عقب الانتخابات البرلمانية في عام 1986م قام السيد الصادق المهدي بتشكيل العديد من الحكومات الإئتلافية التى لم تستطيع حل مشاكل البلاد.

                                                    في الخرطوم

                                                    خلال الفترة الإنتقالية قام الأب فيليب عباش غبوس بمحاولة انقلابية أخرى بالاشتراك مع اسماعيل خميس جلاب ومدير كابيتولك ويونس أبو صدر وفشلت المحاولة الإنقلابية. بعد فترة اعتقال قصيرة غادر اسماعيل خميس جلاب ومدير كابيتولك ويوسف أبو صدر السودان للإنضمام للجيش الشعبي لتحرير السودان. شارك الأب فيليب عباس غبوش والحزب القومي السوداني في الانتخابات البرلمانية وفاز بثمانية دوائر برلمانية بما في ذلك دائرة الحاج يوسف في الخرطوم بحري 29. تعاون الحزب القومي السوداني مع المعارضة الجنوبية في اتحاد الأحزاب الأفريقية. لم يتفق الساسة النوبة المنضوين لمختلف الأحزاب السياسية السودانية على سياسة موحدة تقرر مصير النوبة. ويتذكر البروفيسور هنود أبيا كدوف قائلاً: "إن كل منهم كانت له أهدافه السياسية السرية. أنا أعرف سلفاً أن جميع هذه الأحزاب مخترقة من أعضاء تنظيمات نوبة سرية مثل "كومولو" و "نحن كادوقلي" وبعض من شباب النوبة كان من الغرابة بمكان بانتمائه للأحزاب العربية الاشتراكية. وثبت لاحقاً أن بعضا من هؤلاء المثقفين من شباب النوبة كانت تقوده عقائده السياسية الذاتية أكثر من مصالح النوبة السياسية العامة" 30.

                                                    قوات المراحيل

                                                    كان عرب المسيرية البقارة في كردفان يشترون السلاح منذ عام 1983م وكانوا يهاجمون مجتمعات الدينكا في كردفان وأبيي بحصانة تامة، ولكن بحلول عام 1985م كانت قوات المهام الخاصة بالجيش الشعبي لتحرير السودان ناشطة في بحر الغزال. قامت إحدى هذه القوات بمطاردة مجموعة من مهاجمي المسيرية حتي القردود التى تقع في الأطراف الجنوبية لجبال النوبة وقتلت 60 فرداً من البقارة. في ذلك الوقت بدأ وزير الدفاع اللواء فضل الله برمة ناصر وهو من قبيلة المسيرية الزرق بتسليح البقارة وحولهم إلى مليشيات عرفت بـ "قوات المراحيل". قامت قوات المراحيل باستخدام أسلحتها لارهاب النوبة. أصبحت السرقة والهجمات العنيفة ممارسة شائعة في الجبال الغربية. لذلك عندما دخلت مجموعة صغيرة من القوات الخاصة التابعة للجيش الشعبي لتحرير السودان الجبال في عام 1986م لتجنيد الشباب كان العديد من أبناء النوبة متحمسين للإنضمام للجيش الشعبي 31.

                                                    كتيبة البركان

                                                    بدلاً من السعي لإنهاء العنف في جنوب كردفان قامت حكومة السيد الصادق المهدي بتسليح وتنظيم الحوازمة كذلك. وبدأ الجيش يشارك في القتال. ببداية شهر يناير 1986م بدأ الجيش يهاجم المواطنين والقرى المشتبه في تعاطفها مع الجيش الشعبي لتحرير السودان. تمت أول اشتباكات مباشرة مع الجيش الشعبي لتحرير السودان في يونيو 1987م عندما قامت كتيبة البركان التى كان يقودها الراحل يوسف كوة بدخول جبال النوبة. أدى هذا الهجوم إلى مزيد من العنف من قوات المراحيل والجيش الحكومي.

                                                    كتيبة كوش الجديدة

                                                    قام كل من اللواء عبد العزيز الحلو والراحل يوسف كوة بتجنيد مجموعات كبيرة من أبناء النوبة وقاما بإرسالهم إلى معسكرات تدريب الجيش الشعبي لتحرير السودان في أثيوبيا. سارت المجموعات الأولي بالأقدام لمدة ثلاثة شهور للوصول إلى هناك. خلال عام 1988م استهدف الجيش الحكومي القرى التى عرفت بارسالها مجندين للجيش الشعبي لتحرير السودان. رجع المجندون في عام 1989م ضمن كتيبة كوش الجديدة. دخل الجيش الشعبي لتحرير السودان من ناحية الجنوب ومن ثم قام بالإتجاه ناحية مدينة كادوقلي وهي أكبر مدينة رئيسية في جنوب كردفان. تموضع الجيش الشعبي في جزء كبير من جبال النوبة واستقر فيها. قامت الحكومة بشن العديد من الحملات ضد القرى التى احتضنت الجيش الشعبي لتحرير السودان.

                                                    لم يكن جنود كتيبة كوش الجديدة ملائكة حيث قام البعض منهم بالاعتداء على المواطنين النوبة وكان يتم محاكمة المخالفين لقوانين الجيش الشعبي وتنفيذ الإعدام عليهم وفي الغالب يتم إعدام جنود الجيش الحكومي المأسورين 32. وتم استهداف المدنيين من عرب البقارة. في منطقة المورو قتل الجيش الشعبي لتحرير السودان العديد من الجلابة وكان البعض منهم متزوجاً من نساء المورو. قام الجيش الشعبي لتحرير السودان كذلك بمهاجمة المشاريع الزراعية وقام بمهاجمة وقتل الجلابة. كما قام الجيش الشعبي لتحرير السودان بمهاجمة قرى الحوازمة وأجبر المواطنيين المدنيين على النزوح للمدن سعياً للسلامة 33.



                                                    العنف والعزلة والمجاعة

                                                    في 30 يونيو 1989م استولى العقيد عمر حسن البشير على السلطة في الخرطوم ووافق على وقف اطلاق نار مع الجنوبيين وسمح للأمم المتحدة بايصال الإغاثة للمواطنين المقيمين في المناطق التى يسيطر عليها الجيش الشعبي لتحرير السودان (عملية شريان الحياة – السودان).على أية حال، تم استبعاد جبال النوبة من هذه الترتيبات 34. قام الرئيس البشير بتقنين قوات المراحيل وجعلها تحت سلطة الحكومة بصفتها قوات الدفاع الشعبي. تصاعد القتال طوال فترة الحرب واستمر الجيش الحكومي وقوات الدفاع الشعبي في حرق القرى وتدمير المحاصيل وقتل المواطنين، كما استهدفا بشكل خاص المتعلمين من أبناء النوبة وتم إعدام بعض أعضاء تنظيم كومولو واختفي اقارب القادة المعروفين بانتماءهم للجيش الشعبي لتحرير السودان 35.

                                                    تم اغلاق المدارس ولم تعد الرعاية الصحية متوفرة وتم هجر المزارع. تسبب الجفاف والعنف في احداث مجاعة أليمة في الفترة من 1990م وحتي 1993م ومات مئات الآلاف من الموطنيين بسبب المجاعة. صار النوبة في المناطق التى يسيطر عليها الجيش الشعبي لتحرير السودان منعزلين بشكل كبير من العالم الخارجي 36. ومع ذلك وجد بعض الأفراد الفرصة للسفر للخرطوم 37. وتوقفت التجارة ونتيجة لذلك تفاقمت المجاعة بشكل كبير.

                                                    تم ترحيل المواطنين من قراهم إلى ما يعرف بمعسكرات السلام حيث تم الإحتفاظ بالعديد منهم ضد رغباتهم وذهب آخرون طوعياً وباختيارهم لمعسكرات السلام بأمل الحصول على بعض الأغذية والملابس والعلاج أو التعليم لأبناءهم. كان المواطنين الذين يعودون من المناطق التى تسيطر عليها الحكومة يعاملون بشك وريبة من قبل الجيش الشعبي لتحرير السودان.

                                                    المناطق تحت سيطرة الحكومة

                                                    عانى كذلك المواطنين المدنيين الذين كانوا في المناطق التى كانت تحت سيطرة الحكومة، و نزح الكثير من المواطنين إلى المدن الكبيرة في جنوب كردفان مثل كادوقلي والدلنح أو إلى الأبيض أو أم د رمان أو الخرطوم. كان انتاج الذرة متدنياً وأثر الجفاف في بدايات تسعينيات القرن الماضي على كل المواطنين. على وجه العموم، كان النوبة الذين كانوا في المناطق التى تحت سيطرة الحكومة أحسن حالاً من أولئك النوبة الذين كانوا في المناطق التى تحت سيطرة الجيش الشعبي لتحرير السودان 38. كانت خدمات الرعاية الصحية وخدمات التعليم رغم أنها متدنية المستوى إلا إنها كانت متوفرة. كانت المدن التي تحتضن حاميات الجيش الحكومي ومعسكرات السلام تتلقى الإغاثة من الأمم المتحدة التى لم يسمح بإيصالها إلى المناطق التى تحت سيطرة الجيش الشعبي لتحرير السودان. كان المواطنون يحصلون على بعض السلع الأساسية. كان مستوى عدم الأمان متدنياً نوعاُ ما في المناطق التى تحت سيطرة الحكومة مقارنة بالمناطق التى كانت تحت سيطرة الجيش الشعبي لتحرير السودان. كان جنود الجيش الشعبي لتحرير السودن يشنون في بعض الأحيان حملات لمصادرة الماشية من قرى الأعداء القريبة. ولكن بعد عام 1983م ونظراً لعدم وجود التموينات قام الجيش الشعبي لتحرير السودان بشن حملة كبيرة المستوى في عام 1998م 39. بالمقابل كان الجيش الحكومي يقوم بشن حملات كبيرة ضد الجيش الشعبي في مواسم الصيف.

                                                    البقارة بين عدوين

                                                    منذ بداية الحرب في جبال النوبة كان تجار البقارة يهربون الناس والسلع من المناطق التى تحت سيطرة الحكومة إلى المناطق التى تحت سيطرة الجيش الشعبي لتحرير السودان وكانوا يقومون برشوة ضباط الجيش الحكومي 40. بالرغم من أن البقارة كانوا متخوفين من قيام الجيش الشعبي لتحرير السودان بطردهم من جنوب كردفان إلا انهم كانوا مسرورين بقتال الجيش الشعبي إلى جانب قوات الدفاع الشعبي ولكنهم بعد فترة وجيزة وجدوا أن هذا الوضع لن يحسن موقفهم بشكل كبير. في عام 1993م أدرك المسيرية بأنهم كانوا ضحية للحرب مثل النوبة وقاموا بابرام "اتفاق برام" مع النوبة. في مقابل الذرة والماشية كان تجار البقارة يهربون الملح والملابس والأدوية. استمر هذا الحال حتي نهاية عام 1993م عندما حررت القوات الحكومية مدينة برام. في عام 1995م تم توقيع "اتفاق رجيفي" بعد فترة وجيزة من الإتفاق السابق. في عام 1996م قام النوبة بابرام "اتفاق كيان" مع قبيلة الرواوقة الذين كانوا يهربون كذلك التموينات للجيش الشعبي لتحرير السودان 41.

                                                    النوبة ضد النوبة

                                                    الإحساس المتنامي بهوية نوباوية مشتركة لم يكن يعني تلقائياً الهدف المشترك. لدى شعب النوبة تجارب مختلفة اكتسبها بمرور الزمن: مستويات مختلفة من التعليم ومستويات مختلفة من التنمية الإقتصادية ومستويات مختلفة من أثر التعريب ..الخ الأمر الذى أعطاهم رؤي ومفاهيم مختلفة للحياة. هذا الأمر ظهر في وضع جبال النوبة خلال الحرب. تتكون القوات المسلحة في السودان من أعداد كبيرة من الجنود من أبناء النوبة. هل هم أناس فقراء مغسولى الأدمغة يبحثون عن الثروة كما كان يدعي ضباط الجيش الشعبي لتحرير السودان؟ أو كما يدعي الساسة والقادة والمسئولين من أبناء النوبة الذين يعملون مع أو لصالح حزب المؤتمر الوطني خلال فترة الحرب. يمكن الزعم بأن هؤلاء القادة من أبناء النوبة فاسدون وانتهازيون يحطون من قدر ومصداقية أبناء النوبة الذين ماتوا وأخرست أصواتهم وتم مطاردتهم بسبب دفاعهم عن قضيتهم 42. ربما يكون للبعض أفكاراً مختلفة بخصوص وضعهم ومكانتهم في السودان بخلاف النوبة الذين انضموا للجيش الشعبي لتحرير السودان! ليس بالضرورة أن يخضع الصراع للانتماء القبلي. يمكن أن يكون نفس أفراد الأسرة الواحدة مختلفين في الرأي بحيث يحارب الأخ أخاه ويحارب الأب إبنه.

                                                    يوسف كوة

                                                    بعد فترة وجيزة من احتلال بل قل تحرير مناطق كبيرة من جبال النوبة بدأ الراحل يوسف كوة بتأسيس إدارة مدنية من مستوى القرية فصاعداً لكامل الإقليم تحت إشرافه و قيادته. على أية حال، في عام 1991م قام عضوان من أعضاء القيادة العليا للجيش الشعبي لتحرير السودان وهما الدكتور ريك مشار تيني درغون والدكتور لام أكول أجوين بمحاولة للإطاحة بالدكتور جون قرنق من قيادة الجيش الشعبي. وفشلت المحاولة الإنقلابية وأنفصل كل من الدكتور ريك مشار والدكتور لام أكول من الجيش الشعبي وقاما بتكوين فصيل (جناح) الناصر. فجأة صارت قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان الموجودة في جبال النوبة معزولة من الجنوب. لم تعد التموينات تصل بعد ذلك لجبال النوبة وواجه يوسف كوة تمرداً بين ضباطه 43.

                                                    بالأخذ في الإعتبار الوضع الميئوس منه قرر يوسف كوة استشارة النوبة. في عام 1992م دعا يوسف كوة ممثلين لجميع شرائح أبناء النوبة وسألهم عما إذا كانوا يريدون الإستسلام أو الإستمرار في الحرب. صوت المجلس الإستشاري لصالح الحرب. صار المجلس الإستشاري كيان دائم يناقش العديد من القضايا الإجتماعية والتطورات السياسية ويقدم توصياته للمجلس التشريعي الذي يقوم بتحويلها لموجهات للإدارة المدنية 44.

                                                    سيطر الجيش الشعبي لتحرير السودان على أجزاء كبيرة من جبال النوبة. ورغم ذلك لم يتوقف العنف وكانت الأطراف (الجيش الحكومي والجيش الشعبي) تحارب بعضها البعض باستمرار. تغير هذا الوضع بعد عام 1998م عندما أصيب الراحل يوسف كوة بالسرطان. أبعد العلاج يوسف كوة من المنطقة لفترات طويلة وجعله يترك القيادة لنوابه الذين لم يكونوا في مستوي المهام القيادية لتأمين المنطقة. لم يتمتع نواب يوسف كوة بالمهارات السياسية والقدرات والجاذبية الشخصية للراحل يوسف كوة. في نفس الوقت انقطع الدعم والإمدادات من قيادة الجيش الشعبي لتحرير السودان في الجنوب وصار الوضع سيئاً. سيطر الجيش الحكومي على مناطق كبيرة في جبال النوبة وزاد عدد النازحين محلياً بشكل كبير 45.

                                                    الإغاثة والضغط الدولي

                                                    كان الراحل يوسف كوة والعديد من قادة وزعماء النوبة المشهورين يقومون باستمرار بالسفر للخارج لزيادة الوعي لدى الرأي العام العالمي فيما يتصل بالحرب في جبال النوبة. قام هؤلاء القادة والزعماء بمقابلة نواب برلمانيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان ومنظمات إغاثة وصحفيين وغيرهم. قام الدكتور سليمان موسى رحال، المؤسس المشارك لمنظمة "تضامن جبال النوبة في الخارج"، بجهود حثيثة لمناشدة الحكومات الغربية للعمل ضد حملات استئصال النوبة 46. واستطاع السيد نيرون فيليب، رئيس منظمة "إغاثة وإعادة إعمار وتطوير النوبة"، إقناع العديد من المنظمات الخيرية غير الحكومية بأن الوضع الإنساني في جبال النوبة خطير جداً ويقتضى تجاهل الحظر الجوي ومساعدة وإغاثة المواطنين في المناطق التى تحت سيطرة الجيش الشعبي لتحرير السودان في جبال النوبة 47.

                                                    في عام 1999م، قام فريق تقييم تابع للأمم المتحدة بالتحري عن احتياجات المواطنين من أبناء النوبة في كل من المناطق التى تحت سيطرة الحكومة والتي تحت سيطرة الجيش الشعبي لتحرير السودان 48. بالرغم من الضط المتزايد على حكومة السودان لم يتم السماح بايصال الإغاثة بالجو حتى نوفمبر 2001م 49. في أوائل ذلك العام التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بمواصلة جهودها المتوقع أن تكون نهائية لاستعادة وتحقيق السلام في السودان. اعتبر السيد جون دانفورت، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي، أن وقف اطلاق النار في جبال النوبة أمر مهم لخطته في بناء الثقة بين الحكومة والجيش الشعبي لتحرير السودان. لم يعش الراحل يوسف كوة ليرى هذه التطورات: لقد مات في 31 مارس 2001م.

                                                    10. وقف اطلاق النار واتفاقية السلام الشامل (2002م – 2011م)
                                                    1 – اتفاق وقف اطلاق النار في جبال النوبة

                                                    في يناير 2002م وافقت الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان/جبال النوبة على وقف اطلاق نار تحت مراقبة دولية وأصبح وقف طلاق النار سارياً من 21 يناير 2002م 50. كان يمثل الجيش الشعبي لتحرير السودان في اتفاق وقف اطلاق النار كل من عبد العزيز الحلو ودانيال كودي ونيرون فيليب واثنين من الجنوبيين بينما كان يمثل الحكومة كل من مطرف صديق وعلى النميري اللذان ترأسا وفد الحكومة. تم وقف وتجميد الأعمال العدائية: وتم رفع الحظر عن رحلات الإغاثة الجوية، وتم السماح للمواطنين في المناطق تحت سيطرة الطرفين التنقل بحرية على نطاق كافة أرجاء جبال النوبة. بدأت المنظمات غير الحكومية في إزالة الألغام وحفر الآبار وتقديم المساعدات والخدمات الطبية وغيرها. تم مباشرة العديد من المشاريع الزراعية ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأجل تغطية الأضرار الكبيرة التى تكبدها المواطنون أثناء فترة الحرب. لم يكن التطور سريعاً كما توقع المواطنون ولكن بالمقارنة بفترة الحرب تحسنت الأوضاع الحياتية في جبال النوبة بشكل كبير.

                                                    النازحين محلياً

                                                    بلغ عدد النازحين النوبة المتواجدين خارج كردفان حوالى واحد مليون نسمة تقريباً بحلول نهاية عام 2001م. عاد حوالى 300,000 نازح محلي إلى جنوب كردفان في الفترة من 2002م وحتى 2004م 51. على أية حال، ظل العديد من الناس حذرين وفضلوا الترقب والإنتظار حتى يروا كيف ستتطور الأوضاع في جنوب كردفان. عاد آخرون للخرطوم عندما فشلوا في الحصول على خدمات أساسية في جبال النوبة مثل المياه النظيفة والتعليم وخدمات الرعاية الصحية. في عام 2008م صار النازحين محلياً مسألة مهمة بالنسبة للحركة الشعبية لتحرير السودان خلال فترة الإحصاء والتعداد السكاني العام. دعا نائب الوالي السيد دانيال كودي لمقاطعة الاحصاء والتعداد السكاني العام بحجة أنه غير شامل نظراً لأن عدداً كبيراً من النازحين محلياً لم يعودوا لجنوب كردفان 52. أصبح جلياً إنه بدون عودة النازحين محلياً فإن تعداد النوبة في جنوب كردفان سيكون قليلاً بعد دمج وضم ولاية غرب كردفان التي يهمن عليها المسيرية إلى ولاية جنوب كردفان بموجب اتفاقية السلام الشامل.

                                                    2 - إتفاقية السلام الشامل

                                                    تم تجديد وقف إطلاق النار في جبال النوبة عدة مرات بينما كان يتم الضغط بشدة على الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان من دول ومنظمات الوساطة للوصول إلى إتفاق. في النهاية تم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل في 9 يناير 2005م. تضمنت الإتفاقية بروتكولات لإقتسام السلطة والثروة وجدول زمني لانتخابات عامة ورئاسية ونصت الإتفاقية على استفتاء لتقرير مصير جنوب السودان. تعهد الطرفان بالعمل سوياً لجعل الوحدة جاذبة 53.

                                                    كان مستقبل جبال النوبة أحد آخر المسائل المتوجب حلها. لم يحقق بروتوكول حل النزاع في جنوب كردفان/ولايات جبال النوبة والنيل الأزرق بحسب نصوصه نصف التوقعات التى كان يأمل فيها النوبة (أو المواطنين في النيل الأزرق). وبالرغم من أنه أعطي النوبة حصة معينة في الثروة القومية والتمثيل البرلماني القومي لكنه لم يتضمن استفتاءاً بخصوص أين سيتوجه النوبة في حالة انفصال الجنوب (هل للشمال أم للجنوب أو يصبح للنوبة دولة مستقلة). تم ترك حل المسائل المهمة مثل ملكية الأرض ومستوى الحكم الذاتي و حرية الأديان لإجراءات وترتيبات لاحقة 54.

                                                    ليس هناك من حق لتقرير المصير

                                                    المطالبة بحق تقرير المصير نادي بها جميع النوبة المعارضين للحكومة كيفما كانت الإختلافات السياسية أو الشخصية بينهم وسواء كانوا داخل أو خارج الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان: جميعاً كانوا يرغبون في الحصول على فرصة لإبناء النوبة لتقرير مستقبلهم. في حقيقة الأمر ترك عدم إصرار قيادة الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان - المفوضة للتفاوض نيابة عن النوبة خلال مؤتمر جميع النوبة في كاودا عام 2002م 55- على حق تقرير المصير للنوبة برغم التعهدات السابقة جرحاً عميقاً. شعر الكثيرون بأن الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان قاما ببيع النوبة بثمن بخس. لقد كان الكثيرون متخوفين من أن الجنوبيين لن يسعوا بشكل جاد للمحافظة على وحدة البلاد وإن إنفصال الجنوب سيضع النوبة وسط نار المزيد من الصراعات، حتى أن قادة وزعماء النوبة من أمثال عبد العزيز الحلو أو دانيال كودي اللذين كانا عضوين في فريق التفاوض من طرف الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان المكلف بابرام اتفاقية السلام الشامل لم يخفيا إحباطهما من النتيجة 56.

                                                    في مفاوضات اتفاقية السلام الشامل التى جرت عام 2004م تم تأخير مناقشة قضية النوبة مصحوبة مع قضية النيل الأزرق وقضية أبيي للمرحلة الأخيرة من التفاوض وظلت قضية النوبة إحدى آخر القضايا التى يجب حلها ومعالجتها. تلقائياً تمسكت الحكومة برفضها وتم مقايضة تقرير المصير لأبيي كضمان لعدم انفصال جبال النوبة والنيل الأزرق من السودان. يمكن للمرء أن يتوقع بأن الدكتور جون قرنق أخبر المفاوضين من أبناء النوبة بأن ذلك: "كان أفضل ما استطعنا القيام به" ووعدهم لعمل كل شئ ممكن ضمن صلاحياته - بصفته نائب رئيس السودان والرئيس القادم المحتمل - لتحسين شروط وأحكام الإتفاقية الخاصة بالنوبة والنيل الأزرق من خلال عملية المشورة الشعبية. ومن ثم يحق للنوبة ومواطني النيل الأزرق رفض كامل الإتفاقية أو التوقيع. لقد قاموا بتوقيع الإتفاقية وبعد أشهر قليلة توفي الدكتور جون قرنق في حادث ارتطام طائرة وفي ليلة واحدة تغيرت أولويات الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان لصالح الجنوب أكثر من عموم البلاد 57.



                                                    الإنتخابات والمشورة الشعبية

                                                    حسبما إقتضت اتفاقية السلام الشامل، لن يصبح البروتوكول الخاص بجنوب كردفان سارياً إلا بعد إجازته واعتماده بواسطة أعضاء المجلس التشريعي الولائي المنتخبين. ويتم إجراء "المشورة الشعبية" بعد انتخابات المجلس الولائي والمجلس القومي الاتحادي المجدولة في عام 2009م. بعد إجراء "المشورة الشعبية" يحق لممثلي المجلس الولائي في جنوب كردفان إما إجازة واعتماد الاتفاقية كما صيغت في نيفاشا أو إعادة التفاوض مع الحكومة المركزية المنتخبة 58. هذا الترتيب المعقد جعل لنتيجة الإنتخابات أهمية خاصة بالنسبة للأطراف المتنافسة: ستكون للفائز في انتخابات ولاية جنوب كردفان الفرصة لتعديل البروتوكول شريطة أن تكون الحكومة القومية مستعدة لقبول التعديلات. ونتيجة لذلك، فإن التعداد والإحصاء السكاني له أهمية خاصة في جنوب كردفان بينما السياسات القومية تأخذ في الإعتبار جانب الحملة الانتخابية طويلة الأجل والاثار السلبية بشكل كبير.

                                                    استعداداً للانتخابات تم إجراء التعداد والإحصاء السكاني القومي في أبريل 2008م. أعلن نائب الوالي دانيال كودي بشكل أولي مقاطعة الإحصاء والتعداد السكاني في ولاية جنوب كردفان وقام لاحقاً بالتراجع عن إعلانه فقط ليدعي بعد ذلك فشل الترتيبات للتعداد والإحصاء السكاني. وشملت أسباب مقاطعة التعداد والإحصاء السكاني عدم الأمن في الولاية وعدم وجود جهود كافية لاستيعاب وعودة النازحين المحليين وعدم وجود نماذج (أرانيك) باللغة الانجليزية للاحصاء والتعداد السكاني. كرد فعل لإعتراضات الحركة الشعبية لتحرير السودان تم إجراء إحصاء وتعداد سكاني جديد في ولاية جنوب كردفان في يونيو2010م. كانت نتيجة الإحصاء زيادة كبيرة في تعداد السكان حيث ارتفع من 1,406,404 نسمة إلي 2,508,268 نسمة 59. بناء على ذلك قامت المفوضية القومية للإنتخابات التى مقرها الخرطوم والتى تدير عملية الإنتخابات بإعادة توزيع الدوائر الجغرافية في نوفمبر وديسمبر من عام 2010م، وقامت بنقسيم الولاية إلى 32 دائرة انتخابية محابية لحزب المؤتمر الوطني بشكل كبير والذى يترأسه الرئيس البشير وذلك بإنشاء دوائر انتخابية صغيرة نسبياً ستصوت لحزب المؤتمر الوطني وداوئر انتخابية كبيرة تصوت للحركة الشعبية لتحرير السودان 60.

                                                    التباطؤ في تنفيذ اتفاقية السلام الشامل

                                                    خلال الفترة الإنتقالية تم تكوين المجلس الولائي لجنوب كردفان بنواب معينين: 45% من الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان و55% من حزب المؤتمر الوطني. تنافس الطرفان لصياغة دستور الولاية وإجازة التشريعات المهمة للولاية لضمان إنتظام الإدارة بشكل سليم. تم بشكل مستمر تأجيل ترتيبات تنفيذ اتفاقية السلام الشامل لعدة أسباب مما تسبب في الكثير من التشويش لنواب المجلس والمواطنين. تحقق بعض التطور في عملية تشكيل وحدات مشتركة لقوات الجيش الحكومي و الجيش الشعبي لتحرير السودان. تم تعيين وتدريب أفراد لقوات الشرطة المشتركة الذين سيتم نشرهم على نطاق عموم ولاية جنوب كردفان. لم يتحقق التكامل الإداري على الإطلاق، واستمرت سياسة الأمر الواقع بالنسبة لدوائر النفوذ المستقلة لكل من الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان بما في ذلك نقاط التفتيش في المعابر والطرق بين المناطق التى تحت سيطرة الحكومة والمناطق التى تحت سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان 61. بدأ الأفراد يتنقلون بحرية نوعاً ما وإزداد النشاط الإقتصادي وعاد الكثير من المواطنيين الى مواطنهم.

                                                    على أية حال، توقفت التنمية في الإقليم المنكوب بالحرب بسبب الخصومات السياسية. بموجب اتفاقية السلام الشامل يجب ان يكون منصب الوالي مشغولاً بالتناوب بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني. تولي السيد اسماعيل خميس جلاب المنصب في أول دورة ممثلاً الحركة الشعبية لتحرير السودان. فشل السيد جلاب في الحصول على المخصصات المالية من الخرطوم والمطلوبة لإعادة إعمار المنطقة أو تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. في نهاية فترة ولاية السيد جلاب تم استبداله بالسيد دانيال كودي 62. آل منصب الوالي لحزب المؤتمر الوطني وأصبح السيد دانيال كودي نائباً للوالي. لم يكن أداء السيد كودي جيداً مما اضطر المجلس الأمني التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان في جنوب كردفان باتهامه بإساءة استخدام منصبه. تم استبدال السيد كودي بالسيد عبدالعزيز آدم الحلو. كرد فعل لذلك، قام حزب المؤتمر الوطني بتعيين أحمد محمد هارون، المتهم من قبل محكمة الجنايات الدولية بإرتكابه جرائم ضد الإنسانية في دارفور، في منصب والى جنوب كردفان 63. تلقائياً تم الإفراج عن جميع المخصصات المالية المخصصة لاعادة الإعمار: وتم تشييد الطرق والمستشفيات وتم تسيير رحلات الخطوط الجوية 64.

                                                    بعد فترة انتظار طويلة تم إجراء الإستفتاء المرتبط بالوحدة أو استقلال جنوب السودان في يناير 2011م وصوتت أغلبية الجنوبيين (99%) لصالح الإنفصال. لم تسبب نتيجة الإستفتاء دهشة لأي مواطن وكانت ردود الفعل بالنسبة لأبناء النوبة المنضوين تحت لواء الحركة الشعبية لتحرير السودان واضحة: عليهم من الآن فصاعدا تدبير أمورهم. يمكن أن يعتمد الجيش الشعبي لتحرير السودان/شمال على بعض الدعم والإمدادات السرية من رفاق السلاح السابقين ولكنهم سياسياً أصبحوا معزولين.


                                                    3 – العملية الإنتخابية

                                                    تسجيل الناخبين

                                                    في جو مشحون بعدم الثقة المتبادل تم تسجيل الناخبين في جنوب كردفان في الفترة من 20 يناير وحتي 12 فبراير 2011م، لاحظ مركز كارتر، بصفته جهة مراقبة للعملية الإنتخابية: "العديد من أوجه القصور التى أثرت على شمولية ونزاهة تسجيل الناخبين وأدت إلى تدني مستوى التسجيل. شمل ذلك فشل المفوضية القومية للإنتخابات في تخصيص عدد كافي من فرق التسجيل لإجراء تسجيل شامل لكل الناخبين وإنشاء سجل انتخابي جديد وغياب التعليم المناسب بالنسبة للناخبين لضمان مشاركة كافة الناخبين المؤهلين.
                                                      طبقاً لتصريحات المفوضية القومية للإنتخابات فقد تم تسجيل 642,555 ناخب بما يقل بمائة ألف (100,000) ناخب مقارنة بعدد المسجلين في انتخابات أبريل 2010م". وطبقا لما أورده مركز كارتر فإن ذلك لا يظهر نزاهة وشفافية كامل العملية الانتخابية 65.

                                                      الإنتخابات ونتائج الإنتخابات

                                                      تم إجراء الإنتخابات في 2 مايو 2011م كان هناك ثلاثة مرشحين لمنصب الوالي: أحمد محمد هارون ونائب الوالي عبد العزيز آدم الحلو وتلفون كوكو أبو جلحة أحد قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان الذى كان معتقلاً في سجون الحركة الشعبية في جوبا. أوردت "المجموعة السودانية للديمقراطية والانتخابات" في بيانها الصادر بتاريخ 12 مايو 2011م والخاص بالانتخابات في ولاية جنوب كردفان قليلاً من المخالفات البسيطة في الانتخابات بولاية جنوب كردفان. عزز ذلك تصريح مركز كارتر الذى أورد بأنه: "رغم حالة عدم الأمن وبعض المخالفات الإجرائية التى أعاقت توفر ضمانة مهمة للعملية الانتخابية، فإن إنتخابات ولاية جنوب كردفان كانت بشكل عام هادئة ويعول عليها. تم إجراء كافة عمليات التصويت والفرز والنتائج بطريقة تتسم بالنزاهة وعدم الحزبية وبانسجام كبير من الأحزاب السياسية الرئيسية" 66.

                                                      أوضحت النتيجة النهائية للانتخابات تقدم طفيف للسيد أحمد هارون بفارق 6,000 صوت من منافسه عبدالعزيز الحلو. بالرغم من أن تصويت الجماهير كان لصالح الحركة الشعبية لتحرير السودان إلا أن الحركة فازت فقط بعشرة (10) دوائر من مجموع اثنين وثلاثين (32) دائرة. أدعت الحركة الشعبية لتحرير السودان بأن هناك تزوير في اجراءات الفرز واعلان القوائم ولكن طبقاً لما أورده مركز كارتر فإن: "فإن معظم هذه الإدعاءات لا يمكن إثباتها ومن المستحيل برهانها وبذلك تم تجاهلها من قبل المفوضية العليا للانتخابات القومية". على أية حال، رفضت الحركة الشعبية لتحرير السودان قبول نتائج الانتخابات ورفضت دعوة الوالى احمد هارون للتفاوض حول اتفاق لإقتسام السلطة 67.

                                                      طرح تقرير منظمة الوادي المتصدع (Rift Valley)، الصادر في أغسطس 2011م بعد شهرين من إندلاع الحرب في جنوب كردفان، أسئلة عن نزاهة وشفافية العملية الإنتخابية. لم يورد التقرير دليلاً بأن نتائج الإنتخابات تم بالفعل تزويرها ولكن التقرير أظهر بأنه ربما تم تزويرها 68.

                                                      9 - العودة للحرب (2011م – الحرب المستمرة الآن)

                                                      1 - النزاع المسلح

                                                      الإستعدادات للحرب

                                                      بدون أى احتمال لحل سلمي استعدت كل من حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان لأي مواجهة محتملة. في 23 مايو 2011م أرسلت حكومة السودان إنذار نهائي للحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان في جوبا يطلب انسحاب جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان قبل 1 يونيو 2011م إلى جنوب حدود شمال وجنوب السودان بترسيم 1956م. أوضح الجيش الشعبي لتحرير السودان بأنه نظراً لان الجنود من أبناء النوبة ليسوا بسودانيين جنوبيين فهي تري أنه لا مبرر هناك لاستدعاءهم: إنهم ينتمون لشمال السودان. بدأت القوات المسلحة السودانية حشد القوات في جنوب كردفان بينما تموضع المقاتلين من أبناء النوبة المنضوين للجيش الشعبي لتحرير السودان في مناطقهم بالقرب من حدود جنوب السودان 69.

                                                      الجدير بالذكر أنه خلال الفترة الإنتقالية استمر المقاتلون من أبناء النوبة في الجيش الشعبي لتحرير السودان في انتماءهم للجيش الشعبي لتحرير السودان: كانت رواتبهم ومعداتهم تأتي من جوبا. سمح ذلك ولعدة سنوات بالتعزيزات العسكرية فيما يتصل بالمعدات والتدريب بأن يقلل من تأثير ميزة القوة العسكرية النسبية للقوات المسلحة السودانية في استخدام الإسناد الجوي.

                                                      إندلاع العنف

                                                      في 5 يونيو 2011م، اندلع القتال في كادوقلي عاصمة جنوب كردفان. وطبقاً لما أورده الجيش الشعبي لتحرير السودان سعت القوات الحكومية لنزع سلاح جنود الجيش الشعبي في الوحدة العسكرية المشتركة التى أبدت المقاومة مما أدى إلى اندلاع النزاع. وطبقاً لما أوردته الحكومة فإن النزاع بدأ عندما قام جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان بمهاجمة مركز شرطة. في الساعات والأيام التالية اندلع القتال في العديد من المناطق في جنوب كردفان. وكانت أسوأ الضربات في كادوقلي حيث قامت القوات المسلحة وقوات الأمن بتمشيط المدينة من بيت لبيت بحثاً عن المتعاطفين المعروفين مع الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان. أوردت التقارير حدوث إعدامات فورية وهجمات استهدفت قادة وزعماء المجتمع 70.

                                                      كان من الواضح أن الجيش الشعبي لتحريرالسودان (لاحقا عرف بـ "الجيش الشعبي لتحرير السودان- شمال") كان مستعداً: حيث قام بالسيطرة على أجزاء كبيرة من المناطق الريفية وقام بمناوشة القوات المسلحة في كادوقلي . على أية حال، قامت الحكومة بارسال مزيد من التعزيزات واستطاعت السيطرة على المدن الكبرى والطرق المؤدية للأبيض والدلنج وكادوقلي. نشب قتال عنيف للسيطرة على المدن الإستراتيجية مثل برام وتلودي لكن الحكومة استمرت في السيطرة على هذه المدن 71. حتي فبراير 2018م لم يحقق أي من الطرفين تفوقاُ حاسماً بينما ظل التوازن العسكري متساوياً بالنظر للمواد والإمدادات مقارنة بفترات الحرب السابقة في جبال النوبة 72.

                                                      استقلال جنوب السودان

                                                      في أقل من شهر بعد اندلاع القتال في جنوب كردفان أصبج جنوب السودان دولة مستقلة. حضر الرئيس السوداني عمر حسن البشير الإحتفالات الرسمية بالاستقلال في جوبا في 9 يوليو 2011م 73. تم التصريح بكلمات طيبة ولكن لم يصدق أحد بأن دولتي السودان ستكونان جارتين صديقتين في المدى القريب. لم يتم حل العديد من المسائل العالقة بما في ذلك ترسيم الحدود وقضية أبيي ورسوم عبور البترول وبالطبع وضع الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان في جنوب كردفان والنيل الأزرق 74. قامت جوبا رسمياً بقطع جميع علاقاتها مع حلفاءها العسكريين والسياسيين السابقين واستمرت الخرطوم في الإصرار بأن الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال ما زالت تتلقى الدعم والمساندة من جنوب السودان.على أية حال، استمرت دولة السودان ودولة جنوب السودان في صراعمها عبر الوكالة حيث قامت دولة السودان بدعم المعارضة المسلحة الجنوبية التى يقودها ريك مشار ضد حكومة جوبا وقامت دولة جنوب السودان بدعم الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال ضد حكومة السودان 75.

                                                      في 1 سبتمبر 2011م صارت ولاية النيل الأزرق كذلك مسرحاً للحرب. بالرغم من أن الإنتخابات في هذه الولاية كانت لصالح الحركة الشعبية لتحرير السودان ومرشحها مالك عقار الذى صار والياً لها إلا أن التوترات تصاعدت بسبب أن مالك عقار كان يترأس حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال المتورط بالفعل في نزاع في جنوب كردفان. دخلت القوات المسلحة والجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال في قتال عنيف للسيطرة على الدمازين في 2 سبتمبر 2011م ، وتم إعفاء مالك عقار من منصبه بصفته والياً لولاية النيل الأزرق 76.

                                                      الجبهة الثورية السودانية

                                                      في نوفمبر 2011م قامت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وحركة العدل والمساواة (حركة من دارفور كانت تحارب الحكومة السودانية لعدة سنوات وشنت هجوم جرئ على الخرطوم في 2008م) 77 بتوقيع اتفاق رسمي يدمج قواتهما معاً تحت قيادة عبد العزيز آدم الحلو. قامت حركة العدل والمساواة والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بشن العديد من العمليات الناجحة المشتركة أو المنسقة في جنوب كردفان 78 وأعلنتا عن تأسيس الجبهة الثورية التى تحارب من أجل أهداف قومية للتغير بهدف الإطاحة بنظام البشير. كانت القوات المشتركة للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وحركة العدل والمساواة تقوم بهجمات مباغتة والسيطرة على بعض المدن وإحتلال مدن أخرى وكانت دائماً تفاجئ القوات المسلحة السودانية. الإحتلال قصير الأجل لمدينة أب كرشولا في مايو 2013م دفع الحكومة السودانية للقيام بحملة قومية واسعة لإستقطاب المتطوعين للجيش وقوات الدفاع الشعبي 79.

                                                      الإختلافات العسكرية والأيديولوجية التى استمرت لسنوات بين مختلف أطراف الجبهة الثورية السودانية والتى ظهرت منذ تكوينها أعاقت فعالية الجبهة. الهيمنة الأولية للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال ورئاسة مالك عقار وعبد العزيز الحلو بصفته القائد العام تنافس عليها قادة الحركات الدارفورية في عام 2015م عندما قاموا بانتخاب الدكتور جبريل ابراهيم خلفاً لمالك عقار. لم تقبل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال انتقال القيادة للحركات الدارفورية مما أدى إلى إنقسام غير رسمي 80. جرت محاولات لتسوية الخلافات بين مختلف مكونات الجبهة في عام 2016م 81 لكن تم إجهاضها بصراع داخلي في الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال سيتم مناقشته فيما يلي.

                                                      2 – تأثير تجدد الحرب على المواطنين

                                                      المواطنين النازحين

                                                      قام مئات الآلاف من سكان جنوب كردفان العائدين مؤخرا لمناطقهم بترك مناطق الحرب ونزحوا لمدن الشمال مثل الأبيض والخرطوم ونزح البعض منهم إلى دولة جنوب السودان حيث أصبح معسكر يدا للاجئين مزدحماً بشكل كبير82. في عام 2018م نزح حوالي 110,000 لاجئي من جنوب كردفان للعيش في معسكر يدا ومعسكرات أجونق ثوك وبامير التى تم تأسيسها مؤخراً 83.

                                                      في السنوات الأولى من الحرب الثانية أدى القصف العشوائي بالقنابل لأهداف مدنية بواسطة القوات الجوية السودانية إلى قيام السكان المتواجدين في المناطق التى تحت سيطرة الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال بترك قراهم والاحتماء بالكهوف في الجبال التى قد توفر بعض الملاذات الآمنة. كان النشاط الزراعي محدوداً مما أدى الى عدم كفاية المحاصيل ومجاعة واسعة الإنتشار. تأثرت خدمات الرعاية الصحية والتعليم بشكل كبير 84. منذ قيام الحكومة بإعلان وقف نار من جانب واحد في يونيو 2016م، وتبعها الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال، قام الطرفان بالتوقف عن الأعمال العدائية. على أية حال، لم تتحسن الأوضاع بالنسبة للسكان المتواجدين في المناطق التى تحت سيطرة الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال وتسببت الأمطار القليلة في فشل موسم الحصاد في عام 2017م بشكل عام مما أجبر مئات الآلاف من السكان للبحث عن الإغاثة والمساعدات الإنسانية في المناطق التى تحت سيطرة الحكومة 85.

                                                      عدم إيصال الإغاثة والمساعدات الإنسانية

                                                      كما كان الحال في الحرب السابقة لم تسمح الحكومة السودانية لمنظمات الإغاثة بالعمل في المناطق التى تحت سيطرة الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال لرفع معاناة المجتمعات المتأثرة بالمجاعة. جميع المفاوضات المتصلة بإيصال الإغاثة كانت مرتبطة بالأجندات السياسية والإستراتيجية لكل من الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال. تصر الحكومة السودانية على أن الإغاثة والمساعدات الإنسانية للمناطق التى تحت سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال يجب أن تمر عبر مراقبة المسئولين الحكوميين حتى لا يستفيد منها جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال بينما تطلب الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بإيصال ما لايقل عن 20% من الإغاثة والمساعدات الإنسانية من مناطق لا تخضع لسيطرة الحكومة - بما يعني من خارج البلاد 86. إن المقترح الذى قدمته الولايات المتحدة في عام 2016م للسماح لمنظمة الإغاثة الأمريكية (USAID) بإيصال مساعدات طبية للمدنيين في المناطق التى تحت سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بعد تفتيشها بواسطة المسئولين الحكوميين تم رفضه من قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال مما تسبب في إحباط المجتمع الدولي وخلق شكوكاً في التزام الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال برعاية مصالح المواطنين التى تدعي بأنها تمثلهم 87. تمت جولة جديدة من المفاوضات حول إيصال الإغاثة والمساعدات الإنسانية في فبراير 2018م ولكن تم إجهاضها بعد ثلاثة أيام بدون أن تحقق أى نتيجة 88.

                                                      3 - المأزق السياسي

                                                      الإنقسام الداخلي في الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال

                                                      في مارس 2017م قدم عبد العزيز الحلو استقالته من منصب نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال بسبب عدم موافقته على السياسة التى يتبعها رئيس الحركة مالك عقار وأمينها العام ياسر عرمان اللذين اتهمهما بالتلاعب بمطالبة الحركة الشعبية بحق تقرير المصير. عندما وقف السيد جقود مكوار رئيس أركان الجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال ونائبه عزت كوكو إلى جانب عبدالعزيز الحلو انقسمت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال إلى جناحين. أدت المناورات السياسية اللاحقة الى مساندة موقف مالك عقار وياسر عرمان بشكل فعال لكنها أضعفت كذلك موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال بشكل كبير 89. بانفصاله من رفقاء السلاح في النيل الأزرق فقد اتخذت الحركة الشعبية لتحرير السودان - جناح عبد العزيز الحلو صبغة أكثر جهوية. أصبحت المطالبة بحق تقرير المصير أقل إقناعاً منذ أن أدى استقلال جنوب السودان إلى خلق الدولة الأكثر "هشاشة" على مستوى العالم 90. في نوفمبر 2017م اندمجت الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال – جناح مالك عقار مع "الحركة الشعبية لتحرير السودان – الأغلبية الصامتة" 91 التى يقودها والى جنوب كردفان السابق اسماعيل خميس جلاب الذى تم ابعاده من الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال في عام 2014م بسبب تعاونه مع الحكومة 92. يعتبر اسماعيل خميس جلاب أول قيادى رفيع المستوى في الحركة الشعبية لتحرير السودان يسقط من قيادة الحركة ولا يمتلك قوات محاربة. على أية حال، إن انعدام الوحدة بين أبناء وفصائل وتنظيمات النوبة تزيد من تعقيد قضية النوبة.

                                                      توقف المفاوضات

                                                      بالرغم من أن الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وحكومة السودان قاما في عام 2016م بتوقيع اتفاق خارطة الطريق الذى طرحته اللجنة التنفيذية رفيعة المستوى بالإتحاد الأفريقي 93 إلا إنه لم يحدث تقدم في المفاوضات منذ ذلك الحين. ظلت الشروط المرتبطة بإيصال الإغاثة والمساعدات الإنسانية حجر عثرة في طريق المفاوضات وباستمرارية عدم إتفاق لخلق أرضية مشتركة للإصلاح السياسي تزداد الأمور تعقيداً. وتحت ركام هذه المسائل هناك عدم ثقة واختلافات لا يمكن تسويتها. لا تعتقد الحركة الشعبية لتحرير السوان - جناح عبد العزيز الحلو بأن حزب المؤتمر الوطني الحاكم سيتنازل عن السلطة طوعياً أو يوافق على دستور علماني للسودان أو تقرير المصير لجنوب كردفان/ جبال النوبة. قد تكون الحركة محقة في ذلك.

                                                      الحواشي والمراجع


                                                      1. Beshir, M.O.: The Southern Sudan, Background to Conflict. 1968.
                                                      2. Ibid.
                                                      3. Iten, O. :Fungor, Ein Nuba Dorf wird ruiniert, 1983.
                                                      4. Simeon, J.L.: Butrus Tia Shukai, 1931 to 1985, in the Dictionary of African Christian Biography: https://dacb.org/stories/sudan/butrus-tia-shukai/https://dacb.org/stories/sudan/butrus-tia-shukai/ [accessed 12 February, 2018]
                                                      5. Stevenson, A.C.: The Nuba People of Kordofan Province, 1984.
                                                      6. Yousif Kuwa interviewed by Stephen Amin: "Life is a school and with great lessons" Africanews Issue 61, April 2001.
                                                      7. Baumann, G.: National Integration and Local Integrity, the Miri of the Nuba Mountains in the Sudan, 1987.
                                                      8. Mohamed Salih, M.A.: Generation and Migration: Identity Crisis and Political Change among the Moro of the Nuba Mountains; GeoJournal 25.1 51-57, 1991.
                                                      9. Baumann, 1987.
                                                      10. Harragin, S.: Nuba Mountains Land and Natural Resources Study; Part I – Land Study, 2003.
                                                      11. Riefenstahl, L.: Die Nuba von Kau, 1976.
                                                      12. Baumann, 1987.
                                                      13. Saavedra, M.: Ethnicity, resources and the central state: politics in the Nuba Mountains, 1950 to the 1990s; Kordofan Invaded, Peripheral and Social Transformation in Islamic Africa (Stiansen and Kevane ed.), 1998, pp.223-253.
                                                      14. Aguda, O.: Arabism and Pan-Arabism in Sudanese Politics; The Journal of Modern African Studies, Vol. 11, No. 2 (Jun., 1973), pp. 177-200.
                                                      15. Kadouf , H.A.: Marginalization and Resistance: The Plight of the Nuba People; New Political Science, Volume 23, Number 1, 2001.
                                                      16. African Rights: Facing Genocide, the Nuba of Sudan, 1995. Also Marshall, M.G.: Conflict Trends in Africa, 1946-2004: A Macro-Comparative Perspective; CSP Centre for Systemic Peace. And: Gandul, I.G.: Reconciliation and local unity in Southern Kordofan , 5/15/2005: http://sudaneseonline.com/earticle2005/may15-19049.shtml [accessed 9 February, 2018]
                                                      17. As related by Kamil Kuwa Mekki.
                                                      18. Op ’t Ende, N: Proud to be Nuba, 2007, interview with Yousif Kuwa Mekki.
                                                      19. Op ’t Ende, 2007, interview with Daniel Kodi Angelo.
                                                      20. Op ’t Ende, 2007, interview with Philip Abbas Ghaboush.
                                                      21. Op ’t Ende, 2007, interview with Daniel Kodi Angelo.
                                                      22. Harragin, 2003
                                                      23. Saavedra, 1998
                                                      24. Duany, W.: contribution the U.S. Institute of Peace Conference ‘Religion, Nationalism, and Peace in Sudan’ Tuesday, September 16, 1997. Also: Interview with John Garang in Heritage, Khartoum, Nov. 2, 9 and 16, 1987.
                                                      25. Op ’t Ende, 2007, interview with Philip Abbas Ghaboush.
                                                      26. Op ’t Ende, 2007, interview with Daniel Kodi Angelo.
                                                      For the role of Dr. Lam Akol I relied on private correspondence with K. Ajawin, brother to Joanis Ajawin and Lam Akol. Much of the information might be found in ‘Inside an African Revolution’ by L. Akol. Conformation of some of the events and additional information come from an Interview with Commander Edward Lino, Sudan Vision, February 24, 2004
                                                      27. Op ’t Ende, 2007, interview with Yousif Kuwa Mekki.
                                                      28. Op ’t Ende, 2007, interviews with Philip Abbas Ghaboush, Daniel Kodi Angelo and Mudir Batallah Kapitulek
                                                      29. ibid.
                                                      30. Kadouf, H.A.: United We Stand and Divided We Fall; The Nuba Vision, Vol. 1, Issue 1, June 2001
                                                      31. African Rights, 1995, for a detailed report of recruitment and advance of the SPLA in the Nuba Mountains and the consequences. Also Proud to be Nuba, 2007, and Mohamed Salih, M.A.: Generation and Migration: Identity Crisis and Political Change among the Moro of the Nuba Mountains; GeoJournal 25.1 51-57, 1991
                                                      32. African Rights, 1995.
                                                      33. Adam, Biraima M.: contribution to Wikipedia page on the Hawazma: https://en.wikipedia.org/wiki/Hawazma_tribe [accessed 10 February, 2018]. Also: private correspondence with the author, 2007.
                                                      34. OLS Operation Lifeline Sudan. A Review, July 1996.
                                                      35. African Rights, 1995.
                                                      36. African Rights, 1995. Also Mohamed Salih, M.A.: Resistance and Response: Ethnocide and Genocide in the Nuba Mountains, Sudan; Geo–journal 36, no. 15: 71–78, 1995. Also Meyer, Gabriel: War and Faith in Sudan, 2005. And Africa Watch: Sudan. Destroying Ethnic Identity: The Secret War against the Nuba, 1991.
                                                      37. As Timo, my guide in 2000, told me: “Khartoum is in our blood”.
                                                      38. Operation Lifeline Sudan. A Review, 1996.
                                                      39. Next Year in Kadugli; Africa Confidential January 1998, Vol 39 No 1.
                                                      40. Op ’t Ende, 2007, interview with Neroun Philip.
                                                      41. Suliman, M.: The Nuba Mountains of Sudan: Resource access, violent conflict, and identity, 1999 (in: Cultivating Peace: Conflict and Collaboration in Natural Resource Management, edited by Daniel Buckles).
                                                      42. African Rights, 1995.
                                                      43. Op ’t Ende, 2007: interview with Yousif Kuwa.
                                                      44. Flint, J.: Democracy in a War Zone: the Nuba Parliament, in ‘The right to be Nuba, the Story of a Sudanese People’s Struggle for Survival’ published by the International Nuba Coordination Centre, 2001.
                                                      45. NRRDO: Emergency Report on Buram County, January 25, 2001.
                                                      46. Op ’t Ende, 2007: interview with Suleiman Musa Rahhal.
                                                      47. Op ’t Ende, 2007: interview with Neroun Philip.
                                                      48. UNCERO: Report of an Inter-Agency Assessment Mission to the Nuba Mountains of South Kordofan, Sudan, 11 November, 1999.
                                                      49. World Food Program: WFP Emergency Report No. 46 of 2001, 16 November, 2001.
                                                      50. Nuba Mountains Cease-Fire Agreement: https://reliefweb.int/report/sudan/sudan-nuba-mountains-cease-fire-agreement [accessed 7 February, 2018]
                                                      51. International Organization for Migration: IDP Intentions Concerning Return to their Places of Origin. Sample Survey. Khartoum, North, East, Central Sudan and Nuba, Khartoum, June 2005. http://www.iomjapan.org/archives/Volume1_IDP_Survey_Results.pdfhttp://www.iomjapan.org/archives/Volume1_IDP_Survey_Results.pdf [accessed 7 February, 2018] Also: UNHC/NMPACT, Returnee Data Collection in Southern Kordofan at Five Entry Points, 1st May-3rd June, 2005.
                                                      52. Sudan Tribune, 22 April, 2008: http://www.sudantribune.com/spip.php؟article26859 [accessed 7 February, 2018]
                                                      53. The Comprehensive Peace Agreement Between The Government of The Republic of The Sudan and The Sudan People's Liberation Movement / Sudan People's Liberation Army: https://peaceaccords.nd.edu/sites/default/files/accords/SudanCPA.pdf
                                                      [accessed on 7 February, 2018]
                                                      54. Op ’t Ende, 2007, interview with Neroun Philip
                                                      55. Summary Report of the First All Nuba Conference, compiled by the All Nuba Conference Chairing Committee and circulated on 20th December, 2002: http://www.occasionalwitness.com/Articles/20021220.htm [accessed 13 February, 2018]
                                                      56. Op ’t Ende, 2007, interview with Daniel Kodi
                                                      57. See for example the Global Observatory: https://theglobalobservatory.org/2015/05/south-sudan-kiir-machar-igad/https://theglobalobservatory.org/2015/05/south-sudan-kiir-machar-igad/ [accessed 7 February, 2018]
                                                      58. Comprehensive Peace Agreement, Chapter V (The Resolution of the Conflict in Southern Kordofan and Blue Nile States, signed at Naivasha, Kenya on 26th may 2004), Article 3.
                                                      59. Republic of Sudan, Central Bureau of Statistics: http://cbs.gov.sd/en/files.php؟id=7#andpanel1-3 [accessed 7 February, 2018] and UNMIS, South Kordofan Election, FAQ: https://unmis.unmissions.org/sites/default/files/faq-sk-elections_-1_may_2011-formatted.pdfhttps://unmis.unmissions.org/sites/default/files/faq-sk-elections_-1_may_2011-formatted.pdf [accessed 12 February, 2018]
                                                      60. 43. Disputed Votes, Deficient Observation, The 2011 election in South Kordofan, Sudan; Rift Valley Institute, August 2011: http://riftvalley.net/download/file/fid/861%20 [accessed 8 February, 2018]
                                                      61. Stability Threats in South Kordofan, Sara Pantuliano in African Arguments, August 15, 2008: http://africanarguments.org/2008/08/15/stability-threats-in-south-kordofan/http://africanarguments.org/2008/08/15/stability-threats-in-south-kordofan/ [accessed 7 February, 2018]
                                                      62. Sudan Tribune, 21 February 2009: http://www.sudantribune.com/spip.php؟article30246
                                                      [accessed 7 February, 2018]
                                                      63. Reuters, 9 May, 2009: https://www.reuters.com/article/idUSL8968856 [accessed 7 February, 2018]
                                                      64. Archived SUNA articles at the Nuba Mountains Homepage: http://www.occasionalwitness.com/Articles/20100803a.html, http://www.occasionalwitness.com/Articles/20100804b.html and http://www.occasionalwitness.com/Articles/20100808.html [accessed 17 February, 2018]
                                                      65. Carter Center, 28 April, 2011: https://www.cartercenter.org/resources/pdfs/news/pr/sudan-southkordofan-042811.pdf [accessed 8 February, 2018]
                                                      66. Carter Center, 18 May, 2011: https://www.cartercenter.org/resources/pdfs/news/pr/sudan-southkordofan-051811.pdf [accessed 8 February, 2018]
                                                      67. Sudan Tribune, 15 May, 2011: http://www.sudantribune.com/spip.php؟article38920 [accessed 17 February, 2018]
                                                      68. Disputed Votes, Deficient Observation, The 2011 election in South Kordofan, Sudan; Rift Valley Institute, August 2011: http://riftvalley.net/download/file/fid/861%20 [accessed 8 February, 2018]
                                                      69. The New York Times, 29 May, 2018: http://www.nytimes.com/2011/05/30/world/africa/30sudan.html [accessed 8 February, 2018]
                                                      70. Human Rights Watch, 10 June, 2011: https://www.hrw.org/news/2011/06/10/un-au-urge-end-sudanese-abuses-s-kordofanhttps://www.hrw.org/news/2011/06/10/un-au-urge-end-sudanese-abuses-s-kordofan [accessed 8 February, 2018]
                                                      Also: Sudan Reeves, 7 June 2011: http://sudanreeves.org/2011/06/07/violence-in-south-kordofan-what-is-being-reported-june-7-2011-4pm-est/ [accessed 8 February, 2018]
                                                      71. Small Arms Survey, 18 November, 2011: http://www.smallarmssurveysudan.org/fileadmin/docs/archive/other/south-kordofan/HSBA-Conflict-in-South-Kordofan-2011.pdfhttp://www.smallarmssurveysudan.org/fileadmin/docs/archive/other/south-kordofan/HSBA-Conflict-in-South-Kordofan-2011.pdf [accessed 8 February, 2018]
                                                      72.International Crisis Group, Sudan’s Spreading Conflict (I): War in South Kordofan, 14 February, 2013: https://www.crisisgroup.org/file/1262/download؟token=7Q7bLz16 [accessed 8 February, 2018]
                                                      73. The Guardian, 10 July, 2011: https://www.theguardian.com/world/2011/jul/10/south-sudan-celebrates-independence [accessed 8 February, 2018]
                                                      74. The Guardian, 30 June, 2011: https://www.theguardian.com/global-development/2011/jun/30/south-north-sudan-dispute-issues [accessed 8 February, 2018]
                                                      75. Sudan Tribune, 11 May, 2013: http://www.sudantribune.com/spip.php؟article46540 [accessed 8 February, 2018] Also: Sudan Tribune, 25 October, 2016: http://www.sudantribune.com/spip.php؟article60636 [accessed 8 February, 2018] Also: Xinhua, 25 April, 2017: http://www.xinhuanet.com/english/2017-04/25/c_136235569.htmhttp://www.xinhuanet.com/english/2017-04/25/c_136235569.htm [accessed 8 February, 2018]
                                                      76. International Crisis Group, Sudan’s Spreading Conflict (II): War in Blue Nile, 18 June, 2013: https://www.crisisgroup.org/file/1263/download؟token=ffCmXXUP [accessed 8 February, 2018]
                                                      77: Reuters, 10 May, 2008: https://www.reuters.com/article/idUSMCD056199 [accessed 8 February, 2018]
                                                      78: Sudan Tribune, 18 July, 2011: http://www.sudantribune.com/JEM-and-SPLA-attack-Sudan-s-army,39568http://www.sudantribune.com/JEM-and-SPLA-attack-Sudan-s-army,39568 [accessed 8 February, 2018]
                                                      79. The Sudan Revolutionary Front: Its Formation and Development, Small Arms Survey, October 2014: http://www.smallarmssurveysudan.org/fileadmin/docs/working-papers/HSBA-WP33-SRF.pdfhttp://www.smallarmssurveysudan.org/fileadmin/docs/working-papers/HSBA-WP33-SRF.pdf [accessed 8 February, 2018]
                                                      80. The Sudan Revolutionary Front: comrades in squabble, Magdi el Gizouli November 9, 2015: http://africanarguments.org/2015/11/09/the-sudan-revolutionary-front-comrades-in-squabble/http://africanarguments.org/2015/11/09/the-sudan-revolutionary-front-comrades-in-squabble/ [accessed 8 February, 2018]
                                                      81. Sudan Tribune, 20 January, 2016: http://www.sudantribune.com/spip.php؟page=imprimableandid_article=57760 [accessed 8 February, 2018]
                                                      Also: Sudan Voices, 10 February, 2016: http://sudanvoices.com/؟p=22742http://sudanvoices.com/؟p=22742 [accessed 8 February, 2018]
                                                      82. Al Jazeera, 15 July, 2012: https://www.aljazeera.com/indepth/features/2012/07/201271293447392905.html [accessed 8 February, 2018] Also:
                                                      83. UNHCR, 31 January, 2018: file:///C:/Users/Nanne/Downloads/SSD_REF_Statistics_31January2018v2.pdf [accessed 8 February, 2018]
                                                      84. The Sudan Consortium, May 2013: The impact of aerial bombing attacks on civilians in Southern Kordofan, Republic of Sudan; A Briefing to the Summit of the African Union
                                                      http://www.sudanconsortium.org/darfur_consortium_actions/reports/2013/Sudan%20Consortium%20AU%20Summit%20May%202013.pdf [accessed 17 February, 2018] Also: International Refugee Rights Initiative / National Human Rights Monitoring Organisation, April 2015: “We just want a rest from war.” Civilian perspectives on the conflict in Sudan’s Southern Kordofan State https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/TiredofWar.pdfhttps://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/TiredofWar.pdf [accessed 17 February, 2018]
                                                      85. Radio Dabanga, 11 June, 2017: https://www.dabangasudan.org/en/all-news/article/more-nuba-flee-from-splm-n-areas-in-south-kordofan [accessed 17 February, 2018]
                                                      86. Radio Dabanga, 24 January, 207: https://www.dabangasudan.org/en/all-news/article/berlin-talks-between-sudan-govt-splm-n-broken-off [accessed 19 February, 2018]
                                                      87. Reuters, 18 January, 2017: https://www.reuters.com/article/us-usa-sudan-envoy/u-s-envoy-warns-against-being-too-trusting-of-sudans-armed-opposition-idUSKBN15232E and Sudan Tribune, 25 January, 2017: http://sudantribune.com/spip.php؟article61494 [accessed on 19 February, 2018]
                                                      88. Sudan Tribune, 1 February, 2018: http://www.sudantribune.com/spip.php؟article64625 and Sudan Tribune, 4 February, 2018: http://sudantribune.com/spip.php؟article64648 [accessed 19 February, 2018]
                                                      89. Africa is a Country, 27 July, 2017: http://africasacountry.com/2017/07/sudan-the-second-time-as-farce/http://africasacountry.com/2017/07/sudan-the-second-time-as-farce/ and Enough Project, July 2017: ‘A Question of Leadership: Addressing a Dangerous Crisis in Sudan's SPLM-N’ https://enoughproject.org/wp-content/uploads/2017/07/QuestionofLeadership_July2017_Enough_web.pdfhttps://enoughproject.org/wp-content/uploads/2017/07/QuestionofLeadership_July2017_Enough_web.pdf [both accessed 19 February, 2018]
                                                      90. Fund for Peace, 10 May, 2017: Fragile States Index Annual Report 2017
                                                      91. Sudan Tribune, 15 November 2017: https://www.sudantribune.com/spip.php؟article64017 [accessed 19 February, 2018]
                                                      92. Catholic Radio Network, 31 January, 2014: http://catholicradionetwork.org/؟q=node/13199http://catholicradionetwork.org/؟q=node/13199 [accessed 19 February, 2018]
                                                      93. Sudan Tribune, 8 August, 2016: http://sudantribune.com/spip.php؟article59869 [accessed 20 February, 2018]


                                                      * المؤلف: ناني أوبت انده:
                                                      • بعد تخرجه من "أكاديمية هيرتوجنبوش للفنون المرئية" في عام 1995م قام نان اوبت انده (مواليد 1970 م، هولندا) بالعمل في مركز لطالبي اللجوء. شعر أنده بتعاطف مع اللاجئين السودانيين، وقام بتصوير العديد من المناسبات الخاصة بقضايا سودانية: قضايا حقوق الإنسان، الحرب في الجنوب، الحرب في جبال النوبة ولهذا السبب دعاه النوبة في الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان للحضور للسودان لتوثيق الحرب الأهلية.
                                                      • ذهب أنده لجبال النوبة لاول مرة في عام 1977م ومكث هناك لمدة شهرين، وعاد إلى جبال النوبة في عام 1998م وعام 2000م. لقد تم عرض الصور والرسومات التي قام بها في العديد من المؤسسات وتم نشر صوره في العديد من المجلات ومن ثم تبنت بعض المجلات قضية النوبة وأولت محطات التلفزيون المحلية اهتماماً كبيرا بقضية النوبة.
                                                      • لإعاشة أسرته قام انده بالعمل مصوراً فوتغرافياً متفرغاً. قام انده بتصميم موقع جبال النوبة في الإنترنت ولم يتمكن من زيارة جبال النوبة لعدة سنوات حتى أبريل 2006م عندما رجع للسودان لكتابة كتاب عن كفاح النوبة ضد الحكومة. جعلت اتفاقية السلام المبرمة في عام2004م السفر سهلاً للسودان حيث وجد معظم أصدقاءه أحياء وبحالة جيدة. قام انده بإجراء العديد من المقابلات وأخذ المزيد من الصور التى أصبحت لاحقاً الأساس لكتابه:" أنا فخور بكوني نوباوي" الذى تم نشره في يوليو 2007م.
                                                      • كان انده مهتماً بالتوترات التى صاحبت مشكلة أبيي فرجع إلى جبال النوبة في عام 2007م للتقصي عن مؤشرات الإلتزام بتنفيذ اتفاقية السلام الشامل. كان انده يكتب للصحيفة الهولندية اليومية "تراو" وتقارير عن العديد من المنظمات الطوعية العاملة في جبال النوبة. ومنذ ذلك الوقت ظل يتابع التطورات المأسوية في جنوب كردفان من على البعد.
                                                      • يعمل انده حالياً بصفته فنان وكاتب وأمين مكتبة.
                                                      يمكن الوصول إلى المؤلف على حسابه الإلكتروني: info@occasionalwitness,com

                                                      ** المترجم: غانم سليمان غانم
                                                      • عمل مفتش تنمية وتخطيط اقتصادى بوازراة التخطيط القومي السودانية، ومترجم وإداري بمجموعة دله القابضة، واختصاصي استثمار بشركة البركة للاستثمار والتنمية، ومسئول أول صناديق استثمارية بشركة التوفيق للصناديق الاستثمارية المحدودة وشركة إتقان كابيتال السعودية.
                                                      • مترجم وصحفي غير متفرغ.
                                                      • حاصل على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة الجزيرة وبكالوريوس الإقتصاد من جامعة الخرطوم.
                                                      • ترجم العديد من الكتب التي تشمل:

                                                      1. "النوبيون العظماء" ، لدروسيلا دونجي هيوستن.
                                                      2. "العولمة والشراكة المفيدة والحكم الرشيد"، للدكتور مهاتير محمد.
                                                      3. "مهارات الإتصال"، لسام ديب وليلي سوزمان.
                                                      4. "إفساد أمريكا"، لكاثرين يوريكا.

                                                      • بالإضافة إلى ترجمة مئات المستندات والمقالات والموضوعات في مجال الصناعة المالية والاستثمارية الإسلامية، وشئون الاقتصاد والسياسة في السودان، والإسلام والولايات المتحدة الأمريكية والشئون الدولية.
                                                      • ألف كتاب "نماذج تطبيقية فى الترجمة".
                                                      يمكن الوصول إلى المترجم على حسابه الإلكتروني:[email protected].






Post: #2
Title: Re: التاريخ القديم والحديث لنوبة الجبال: (قبا�
Author: الفتاح
Date: 03-09-2018, 08:20 AM
Parent: #1

BS! fabricating and rewriting history to fit
your political ideology
Thank you for your trouble
we will write our own history
your effort is very much appreciated
but that's not who we are

Post: #3
Title: Re: التاريخ القديم والحديث لنوبة الجبال: (قبا�
Author: Abdullah Idrees
Date: 11-28-2018, 03:16 PM
Parent: #2

>>>>

في طريقة البوست ده يستعدل ؟