مركز وهامش ,, بقلم اسماعيل عبد الله

مركز وهامش ,, بقلم اسماعيل عبد الله


02-28-2018, 07:23 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1519842231&rn=0


Post: #1
Title: مركز وهامش ,, بقلم اسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 02-28-2018, 07:23 PM

06:23 PM February, 28 2018

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-
مكتبتى
رابط مختصر


تجلت منهاجية حكومة الانقاذ في ممارسة الفرز القبلي و الجهوي بصورة واضحة وصارخة , في اعلانها عن القيادة الجديدة للقوات المسلحة السودانية , التي جاء طاقمها انتقاءً من ولاية نهر النيل , في مشهد فاضح للطريقة التي تدار بها دولة ما بعد الاستعمار , وتبنيها للمنهاجية التي خلقت الجدل الدائر منذ سنين بين قادة الرأي والفكر المركزيين من طرف , وكتاب و مثقفي هوامش الدولة السودانية من الطرف الاخر , فصراع الموارد و الوظائف والنفوذ و الثقافة , ظل حاضراً في هذه الجدلية ولم يبارح مكانه , برغم المجهودات الجبارة التي بذلها رموز مركز البلاد لاخماد و كبت اصوات المتحررين من اصحاب الرأي , القادمين من اطراف البلاد البعيدة , فلولا ثورة المعلوماتية لظل أنين هؤلاء المقهورين حبيس الصدور , كما كان في سابق العهود و الازمان , التي كانت فيها الدولة المركزية مسيطرة على منافذ الاعلام و موجهات الرأي العام , فثورة التواصل الاجتماعي قد كسرت كل الحواجز و التابوهات و الفزاعات , التي كانت تمثل السلاح الاقوى للانظمة المركزية , والتي كانت تستخدمه في اقصاء الآخر و الغاء وجوده , فالتطور البشري في مجال التقنية المعلوماتية صار سلاحاً فتاكاً وخطيراً جداً , ومهدداً كبيراً لمحتكري الرأي و السلطة في بلادنا , ذلك ان التوعية و انتشار الافكار المختلفة والمناوئة لفكر النظام الحاكم , قد اصبحت متاحة وفي متناول فهم واستيعاب الجميع بذات قدم المساواة , بل و مجاناً , فاصبح هذا النظام العنصري و الجهوي في مواجهة خاسرة , مع هذه الثورة المعلوماتية و الثقافية العالمية , التي تجاوزت حدود الاقطار و القارات فوصلت شعوب ما وراء البحار بشعوب الصحارى القاحلة في شمال افريقيا و شبه جزيرة العرب , فالنصر حتماً سيكون لرواد الفيس بوك و التويتر , لانهم الاوفر حظاً في التمتع بحرية التعبير التي اتاحها لهم (مارك) و حلفائه , وليس كما ظل يكتبه نقيب الصحفيين الاستاذ الصادق الرزيقي , من مقالات مستخفة ومستهجة لهذه الصفحات السايبرية التي فعلت الافاعيل بانظمة سياسية جارة.
كيف يعقل لنظام حكم سياسي واجب عليه القيام بتصريف شئون شعب مثل الشعب السوداني , هذا الشعب الذي توزع بين عدة مساحات جغرافية و مناخات بيئية , و له امزجة متباينة و مرجعيات ثقافية متنوعة , كيف يمكن لنظام حكم كهذا ان يستمر في ادارة شعب بهذه الضخامة من المميزات ؟؟ , كيف يتأتى له ذلك حاضراً ومستقبلاً بكابينة قيادة سياسية و عسكرية من رقعة جغرافية واحدة , والمغامرة والاعتماد على مجموعات قبائلية ذات انتماء عرقي وجهوي واحد ؟؟ , دون مراعاة للخارطة الواسعة الشاسعة للقطر الكبير و الجميل بتنوع وتفرد انسانه , ان مسئولية الامن واقعة على عاتق جميع مكونات هذه الشعوب السودانية , اقول شعوب لانها كانت تنتمي الى ممالك و سلطنات لها سبق حضاري قبل ان يكون للدولة السودانية الحديثة وجود , سلطنة دارفور ومملكة المسبعات و السلطنة الزرقاء و الممالك البجاوية و النوبية في شرق وشمال القطر , هذه الثروة من المورد البشري و الاقتصادي و الثقافي لا يجب حصر ابداعها في هذه الرقعة الصغيرة من جغرافيا الوطن , فكما بحثت امريكا عن التنوع المفضي الى انتاج انسان يتمتع بالعبقرية و الابتكار في برنامج القرعة العشوائية , لماذا لا يعتمد حكامنا ومنظرونا وساستنا على اتاحة الفرصة لادروب و كوكو واسحق لكي يسهموا في رفعة وتقدم وتأمين وطنهم ؟؟ , انه لمن غباء العقل البشري ان يحتفظ بامراض الجهوية و القبائلية , في زمان اصبحت فيه الحدود السياسية بين البلدان مجرد خطوط وهمية , لا تقدر على ايقاف المد التوعوي القادم من اقاصي اركان الدنيا , لماذا نضيق واسعاً طالما فرضت علينا العالمية اجندتها المفيدة و النافعة ؟.
ان كل الفشل الذي لازم دويلة ما بعد الاستعمار يكمن في هذا التضييق , و ذلك التكميم الذي تمارسه هذه الدويلة بحق افراد شعوبها , فكل ما اشتكينا اوجاع اخفاقاتنا في الرياضة , علينا بالرجوع الى اعادة النظر في مركزية الثقافة الرياضية التي فرضت علينا منهاج هلال مريخ , الذي حصر الهوى و الانتماء الرياضي في هذين الناديين دون سواهما من الاندية , اليست هذه هي ذات المركزية السياسية و الثقافية التي تعاني منها الشعوب السودانية ؟؟, اليس شيئاً غريباً ان ترى هذه النسخة الاحادية لناديي الهلال و المريخ , في كل قرية في السودان ؟؟ تماماً مثل التمظهرات الاخرى لهذه المركزية الثقافية في جانبها الموسيقي و الغنائي و تقديسها لأغنية الحقيبة , واعتبارها الاصل في الطرب السوداني , تهميشاً للايقاعات القديمة والعريقة في شمال وشرق و غرب البلاد , ويا ويل ذلك المواطن الاقليمي الذي شبّت اذناه وترعرعتا على سماع ايقاعات ((المردوم)) و ((الفرنقبية)) , إذا اراد ان يتقدم لأجازة صوته في اذاعة السودان , ((الاذاعة القومية و الوطنية الشاملة!!)) ؟؟ فعلى ذكر دكتاتورية مركزية الثقافة السودانية هذه , استحضر انني شاهدت حواراً في يوم من ايام ماضينا القريب , للمطرب عمر احساس بالتلفزيون ((القومي)) , فكان متحدثاً عن بداياته الفنية بمدينة نيالا , ادهشني عندما قال ان بداياته كانت بترداد اغاني الحقيبة , أي حقيبة يا عمر ؟ وأي طار؟ وأي مديح؟ , نحن ابناء نيالا نشأنا في بيئة كان يتغنى فيها كل من زكريا الفاشر و يوسف باب الله و ود ابجولا , بايقاعات ((النقارة)) و ((اب قزّة)) و((الجراري )) , لكن لا عليك , انها ادوات الثقافة المركزية القاهرة , التي طحنت وغمرت اجيال غيرك قبل ان تندلع ثورة المعلوماتية , هذه التقنية التي مكّنت كل هاوٍ لكل ضرب من ضروب الفنون , بأن يقوم بايداع ما لديه من انتاج في قناة اليوتيوب , القناة التي هزمت الكثير من التلفزيونات و القنوات الفضائية.
السودان قطر مترامي الاطراف غني بالموردين البشري و الطبيعي , فمن المستحيل ان يدار عن طريق النهج الجهوي و الاقصائي , ولنا عبرة في ذهاب جنوب البلاد ببتروله و بشره بسبب احتكار السلطة و الثروة من قبل نخبة قليلة العدد و ضعيفة الحيلة , فاذا لم يتدارك الوضع الآني في هذا الوطن الحدادي والمدادي , سوف نصبح بعد حين مجموعة دويلات ضعيفة لا تقوى على فعل شيء , فالحل يكمن فينا نحن ابناء السودان في شماله وشرقه وغربه دون فرز ولا اقصاء لاحد , فعلينا ان لا ندع هذه الجماعة الانقاذية لان تحقق مأربها في تقطيع اوصالنا وارحامنا إرباً إرباً , فتضافر الجهود الوطنية الخالصة من قوى البديل المعارض لمنظومة حكم الانقاذ ضروري وملح الحاحاً عاجلاً , وعلى هذا البديل ان يضع منهج التحليل الثقافي و الديمغرافي في اعتباره , عندما يشرع في تشريح المشكل السوداني , و لنا في الأمام المهدي خير دليل نستبين به نور الحق و العدل , فالسودان من منظور الدولة والثورة المهدية تمثله ثلاثة اضلع , وهي :- المهدي – دقنة – تورشين , فعندما وضع المهدي اللبنة الأولى لدولته لم يكن جهوياً ولا عرقياً ولا حزبياً , كان يرى الامور من منظار الحق و العدل , الاساسان اللذان قامت عليهما اول قاعدة لبناء اول دولة وطنية كاملة الدسم للسودان الحبيب , فما يحدث اليوم من قبل جماعة الهوس الديني لا يمثل ما جاء به الاولون من رموز هذا الوطن , فالمهدي لم ينظر الى جغرافيا منطقته حينما دعا الناس الى تعاليم الثورة ضد التركمان , ولم يقل ((انا الدنقلاوي)) , بل كان رمزاً وطنياً قومياً شامخاً قاتل المستعمر الغاصب بكل ضراوة , ووحد الناس تحت راية واحدة لا تعرف القبيلة و لا المنطقة , وعيّن خلفائه الاربعة بكل نزاهة تقتضيها المثل و الاخلاق الكريمة والحميدة الفاضلة , فلم يورث الحكم لأحد كما فعل الكثيرون من امراء الدولة الاسلامية في التاريخ القديم و الحديث , ومثلما فعل الامويون القدامى والجدد , فالدولة السودانية في حاجة ماسّة الى قادة ملهمين من شاكلة قرنق و الامام محمد احمد , فهنالك درس واحد مفيد قدمته الدولة المهدية قبل اكثر من قرن من الزمان , الا وهو مبدأ عدم توريث الحكم , فشتان ما بين حالنا اليوم واحوالنا البارحة.

اسماعيل عبد الله
[email protected]